لم أخرج من جِلدي بعد؛ مع أنّ كلّ شيء يكاد يوصل إلى هذا الحال، لا لتتعرّف إليّ، وأنت تعرفني؛ بل لكي أعبر هذه المفازة العصيّة، بما يمكن أن يكون أقلّ الخسائر.
لون العينين تتكفّل به عدسة لاصقة، ليست متوافرة للجميع؛ لن ألجأ إليها؛ ستقارن بين الصورة في الهويّة ووجهي! هل يمكنك أن تحدّق في عينيّ؟! ألهذه الدرجة أنت واثق من نفسك؟! أعرف أنّ لديك الوقت والجرأة والحافز.. وأعرف؛ اللباس والوجهة والملامح واللهجة والواشين… تتكفّل كلّها بالقبض عليّ بالجرم المشهود!!.
غيّرتُ بعضها نزولاً عند رغبة الزملاء؛ لكن هناك أشياء ظاهرة ومخفيّة لا تتغيّر، ولا أرضى أن أساوم عليها حتّى بحياتي!.
كان يمكن ألّا أعرفك في الكثير ممّا انقضى، وقد خرجتَ من جلدك مرّات. يتأكّد ذلك في هذا الوقت، وكانت أيّة علامة، تدلّ عليك الآن، تستطيع أن تصطادك، وأيّة نأمة أو إشارة منّي تسقطك؛ لو كنت أرغب؛ لم يمض زمن طويل على ذلك، لعلّك تذكر! لستُ نادماً على ما فعلتُه من أجلك، ومن أجل سواك، ولا أندم على ما لم أقم به، وكان بإمكاني ذلك، وأنت تعرف؛ لم أكن واثقاً بك أو بأمثالك، ولم أكن خائفاً منك؛ ولست خائفاً، ولست على ثقة من أنّ تعرّفك إليّ في هذه الأوقات، سيكون له عندي وقع مختلف؛ إذا لم يكن أشدّ سلبيّة؛ لا أكاد أعرفك، بالرغم من أنّك تتلثّم، وتتقاوى بالكثرة، والأدوات التي تحملها، والعبارات التي تتلفّظ بها، والمصطلحات التي تتعثّر بين شفتيك.
لا أكاد أتبيّن ملامحك، وما من ظلام، ولا أريد؛ لأنّني لا أرغب بأن تكون آخرَ ما قد أراه!.
لم أخرج من جلدي؛ ليست من عادتي، ولن أتنكّر؛ ليست من عادتي أيضاً، بالرغم من أنّني واثق من عدم ذكائك أو نباهتك، وواثق أيضاً من أشياء أخرى، ليست في صالحك، وكانت أساساً في موقفي منك، وعلاقتي بك؛ لم تكن علاقة، ولن تكون.
لو أنّك تنتظرني شخصيّاً، لو أنّ بيني وبينك ثأراً مباشراً، لاخترتُ مكاناً آخر، أوفّر فيه أرواح الآخرين؛ لأنّني لن أستسلم لك، ولا يهمّك الآخرون؛ لا أنتظر أحداً، كي يخبرني بهذا.
لستَ خصماً شريفاً، يتجنّب الغدر والاستدراج والغفلة والاضطرار. وتتنكّر، وتخرج بزيّ أقرب إليّ منك، وأبعد ما تكون عنه، وتقطع الطريق التي لا تملك، والوقت الذي لا يخصّك، وتتمثّل المهمّة غير المشروعة.
الهويّة التي لا أحمل، ليست الأساس، لو كنتَ تعي، الهويّة لا تبرح صاحبها، ولا تعنيه بطاقاتٌ وصور وأوصاف… وهذه هويّتي، أتقدّم بها في كلّ خطوي، لن أقدّمها إليك، لستَ أهلاً لذلك، ولن أسوّغ، أو أنسى، أو أترجّى، أو أشكو، ولستَ قادراً على حرماني ممّا أملك، حتّى لو استخدمتَ ما ليس لك.
لم أخرج من جلدي، ولن أفعل!!.
< الحافلة تدبّ في طريقها المزروع بالحذر والرّهبة، تكاد ترى الملامح المقطّبة واللحظات المأمولة بالانفراج، بعد كلّ عبور جديد. لم تكن الطريق تضجّ بكلّ هذا القلق والارتباك، هل المسافات التي تكاد تخلو من الحركة، هي التي تسبّب ذلك، أم بروز أيّ شبح آليّ أو بشريّ في أيّ بقعة أو ضفّة؟! السائق والمُرافق والحكايا المكبوتة، والهمسات المَشوكة، الركّاب المسمّرون في أماكنهم بلا تعارف أو أيّة قابليّة للتواصل؛ كأنّ لدى كلّ منهم حرصاً على ألّا يبوح بسرّ، قد يجعل القادم من الأوقات عصيّاً، ويتمنّى ألّا يكون أيّ من رفاق السفر سبباً في تأخّر الرّحلة، أو تعثّرها لدى أيّ حاجز مموّه؛ يكاد التمويه لا يعني الأمان الذي كان مأمولاً، بعد ما صار أسلوباً مفضوحاً للتشبّه بأصحاب الحقّ المشروع في التحقّق من العابرين، وطريقة مكشوفة لالتقاط المطلوبين، لأسباب ليسوا مسؤولين عنها، بصرف النظر عن يقينهم أو قناعتهم أو حقيقة انتمائهم. لا تستطيع الشاشة المواجِهة بما يتحرّك في مساحتها، أن تثير انتباه أحد، حتّى من تعلّقت عيناه بها، شرد تفكيره، وغاب عقله، أو تناوم، كي ينقضي الوقت، وتعبر المسافة بأسرع من اللهفة، وأقرب من توق الانعتاق!.
الذهن مشغول بظلال قاتمة لحكايا عن حوادث مرّت، ووقفات طالت، وغيابات استطالت، بدأ الكثير منها في مواقع متعدّدة عبر هذا الطريق، في البلدات أو بينها، في المفارق والمنعطفات أو ما بعدها.
< هل تلومُ نفسك لأنّك قرّرت السفر؟! أجّلت ذلك مرّات، نصحك زملاؤك بقسوة: إنّ لنفسك عليك حقّاً! ورددتَ بإصرار: وإنّ لأهلك عليك حقّاً. ها قد جاء مولودك الثالث بعد تعب الحمل، تريد أن تراه، وقد تعبت أمّهُ في اكتئاب النفاث. لغيابك دورٌ في ذلك، لا شكّ؛ لعلّ في مرآك بعض راحةٍ لها، أو في مرآهم طاقةً وحافزاً أكبر لك؛ هم ليسوا عاتبين، هذا صحيح، ويرجونك أن تحافظ على نفسك؛ لا شكّ في أنّهم مشتاقون، وقلقون، وفخورون؛ لكنّ الأهم سلامتك؛ لم تخبرهم بمغامرتك، كي لا تقلقهم أكثر، وهم يعرفون جرأتك، أو عنادك، كما يقولون أحياناً، أو تهوّرك واندفاعك… ولن تستسلم، لن ترتهن لمشيئة الأشقياء، لن تحقّق أهدافهم، الحركة تربكهم، والحيويّة تنغّصهم، والمسارات المفتوحة تخنقهم!.
توقّف النبض أم الوقت تجمّد، أو الحافلة تتباطأ؟!.
التفكير معطّل، والتوقّع مُشلّ، المنعكسات والملامح تحاول التدرّب على التعامل مع الآتي الوشيك، بما يناسب التغيّر الذي أُنجز، والحرص على عدم ارتكاب مجرّد خطأ بسيط، يمكن أن يفضح تلك العلامات التي تعذّبك، وتتعذّب من أجلها، ويمكن أن تودي بصاحبها، الذي يمضي إلى مصير مجهول!.
من المجموعة القصصيّة “تعويذة”- تصدر قريباً
غسّان كامل ونّوس
لون العينين تتكفّل به عدسة لاصقة، ليست متوافرة للجميع؛ لن ألجأ إليها؛ ستقارن بين الصورة في الهويّة ووجهي! هل يمكنك أن تحدّق في عينيّ؟! ألهذه الدرجة أنت واثق من نفسك؟! أعرف أنّ لديك الوقت والجرأة والحافز.. وأعرف؛ اللباس والوجهة والملامح واللهجة والواشين… تتكفّل كلّها بالقبض عليّ بالجرم المشهود!!.
غيّرتُ بعضها نزولاً عند رغبة الزملاء؛ لكن هناك أشياء ظاهرة ومخفيّة لا تتغيّر، ولا أرضى أن أساوم عليها حتّى بحياتي!.
كان يمكن ألّا أعرفك في الكثير ممّا انقضى، وقد خرجتَ من جلدك مرّات. يتأكّد ذلك في هذا الوقت، وكانت أيّة علامة، تدلّ عليك الآن، تستطيع أن تصطادك، وأيّة نأمة أو إشارة منّي تسقطك؛ لو كنت أرغب؛ لم يمض زمن طويل على ذلك، لعلّك تذكر! لستُ نادماً على ما فعلتُه من أجلك، ومن أجل سواك، ولا أندم على ما لم أقم به، وكان بإمكاني ذلك، وأنت تعرف؛ لم أكن واثقاً بك أو بأمثالك، ولم أكن خائفاً منك؛ ولست خائفاً، ولست على ثقة من أنّ تعرّفك إليّ في هذه الأوقات، سيكون له عندي وقع مختلف؛ إذا لم يكن أشدّ سلبيّة؛ لا أكاد أعرفك، بالرغم من أنّك تتلثّم، وتتقاوى بالكثرة، والأدوات التي تحملها، والعبارات التي تتلفّظ بها، والمصطلحات التي تتعثّر بين شفتيك.
لا أكاد أتبيّن ملامحك، وما من ظلام، ولا أريد؛ لأنّني لا أرغب بأن تكون آخرَ ما قد أراه!.
لم أخرج من جلدي؛ ليست من عادتي، ولن أتنكّر؛ ليست من عادتي أيضاً، بالرغم من أنّني واثق من عدم ذكائك أو نباهتك، وواثق أيضاً من أشياء أخرى، ليست في صالحك، وكانت أساساً في موقفي منك، وعلاقتي بك؛ لم تكن علاقة، ولن تكون.
لو أنّك تنتظرني شخصيّاً، لو أنّ بيني وبينك ثأراً مباشراً، لاخترتُ مكاناً آخر، أوفّر فيه أرواح الآخرين؛ لأنّني لن أستسلم لك، ولا يهمّك الآخرون؛ لا أنتظر أحداً، كي يخبرني بهذا.
لستَ خصماً شريفاً، يتجنّب الغدر والاستدراج والغفلة والاضطرار. وتتنكّر، وتخرج بزيّ أقرب إليّ منك، وأبعد ما تكون عنه، وتقطع الطريق التي لا تملك، والوقت الذي لا يخصّك، وتتمثّل المهمّة غير المشروعة.
الهويّة التي لا أحمل، ليست الأساس، لو كنتَ تعي، الهويّة لا تبرح صاحبها، ولا تعنيه بطاقاتٌ وصور وأوصاف… وهذه هويّتي، أتقدّم بها في كلّ خطوي، لن أقدّمها إليك، لستَ أهلاً لذلك، ولن أسوّغ، أو أنسى، أو أترجّى، أو أشكو، ولستَ قادراً على حرماني ممّا أملك، حتّى لو استخدمتَ ما ليس لك.
لم أخرج من جلدي، ولن أفعل!!.
< الحافلة تدبّ في طريقها المزروع بالحذر والرّهبة، تكاد ترى الملامح المقطّبة واللحظات المأمولة بالانفراج، بعد كلّ عبور جديد. لم تكن الطريق تضجّ بكلّ هذا القلق والارتباك، هل المسافات التي تكاد تخلو من الحركة، هي التي تسبّب ذلك، أم بروز أيّ شبح آليّ أو بشريّ في أيّ بقعة أو ضفّة؟! السائق والمُرافق والحكايا المكبوتة، والهمسات المَشوكة، الركّاب المسمّرون في أماكنهم بلا تعارف أو أيّة قابليّة للتواصل؛ كأنّ لدى كلّ منهم حرصاً على ألّا يبوح بسرّ، قد يجعل القادم من الأوقات عصيّاً، ويتمنّى ألّا يكون أيّ من رفاق السفر سبباً في تأخّر الرّحلة، أو تعثّرها لدى أيّ حاجز مموّه؛ يكاد التمويه لا يعني الأمان الذي كان مأمولاً، بعد ما صار أسلوباً مفضوحاً للتشبّه بأصحاب الحقّ المشروع في التحقّق من العابرين، وطريقة مكشوفة لالتقاط المطلوبين، لأسباب ليسوا مسؤولين عنها، بصرف النظر عن يقينهم أو قناعتهم أو حقيقة انتمائهم. لا تستطيع الشاشة المواجِهة بما يتحرّك في مساحتها، أن تثير انتباه أحد، حتّى من تعلّقت عيناه بها، شرد تفكيره، وغاب عقله، أو تناوم، كي ينقضي الوقت، وتعبر المسافة بأسرع من اللهفة، وأقرب من توق الانعتاق!.
الذهن مشغول بظلال قاتمة لحكايا عن حوادث مرّت، ووقفات طالت، وغيابات استطالت، بدأ الكثير منها في مواقع متعدّدة عبر هذا الطريق، في البلدات أو بينها، في المفارق والمنعطفات أو ما بعدها.
< هل تلومُ نفسك لأنّك قرّرت السفر؟! أجّلت ذلك مرّات، نصحك زملاؤك بقسوة: إنّ لنفسك عليك حقّاً! ورددتَ بإصرار: وإنّ لأهلك عليك حقّاً. ها قد جاء مولودك الثالث بعد تعب الحمل، تريد أن تراه، وقد تعبت أمّهُ في اكتئاب النفاث. لغيابك دورٌ في ذلك، لا شكّ؛ لعلّ في مرآك بعض راحةٍ لها، أو في مرآهم طاقةً وحافزاً أكبر لك؛ هم ليسوا عاتبين، هذا صحيح، ويرجونك أن تحافظ على نفسك؛ لا شكّ في أنّهم مشتاقون، وقلقون، وفخورون؛ لكنّ الأهم سلامتك؛ لم تخبرهم بمغامرتك، كي لا تقلقهم أكثر، وهم يعرفون جرأتك، أو عنادك، كما يقولون أحياناً، أو تهوّرك واندفاعك… ولن تستسلم، لن ترتهن لمشيئة الأشقياء، لن تحقّق أهدافهم، الحركة تربكهم، والحيويّة تنغّصهم، والمسارات المفتوحة تخنقهم!.
توقّف النبض أم الوقت تجمّد، أو الحافلة تتباطأ؟!.
التفكير معطّل، والتوقّع مُشلّ، المنعكسات والملامح تحاول التدرّب على التعامل مع الآتي الوشيك، بما يناسب التغيّر الذي أُنجز، والحرص على عدم ارتكاب مجرّد خطأ بسيط، يمكن أن يفضح تلك العلامات التي تعذّبك، وتتعذّب من أجلها، ويمكن أن تودي بصاحبها، الذي يمضي إلى مصير مجهول!.
من المجموعة القصصيّة “تعويذة”- تصدر قريباً
غسّان كامل ونّوس