أمل الكردفاني - مجلس الإدارة - قصة قصيرة

images



استعد مراسل القناة الفضائية الشاب ذو السن المكسورة لتقديم تقريره اليومي فعدل من ربطة عنقه ثم أخرج زجاجة عطر صغير بخ منها فوق قميصه عدة مرات ثم حمل المايكرفون وتجمد أمام الكاميرا بملامح صارمة تشعر المشاهد بالذكاء والأهمية:
(لقد اتخذ الوزير المختص قرارا حسم الصراع بين شركتي النفط القومية وشركة الطاقة البديلة وقرر دمجهما سويا وهكذا يكون قد اسدل الستار تماما على مشهد الصراع السياسي والقانوني والمالي الذي استمر زهاء ستة أشهر ماضية ، وفي سبيل إلقاء مزيد ٍمن الضوء على المتغيرات الراهنة إلتقينا بالسيد الهادي أبو راهب عضو مجلس التسيير المؤقت للشركة الجديدة والذي أكد لنا أن الشركة الجديدة قد أصبح اسمها شركة الطاقة والطاقة البديلة القومية وأن الترتيبات تسير على قدم وساق لعقد أول اجتماع للجمعية العمومية لانتخاب مجلس الإدارة تمهيداً لتعيين إدارة عامة وتنفيذية .. مراسلكم من قلب العاصمة لقناة الطليعة الدولية).
أنهى المراسل تقريره فرفع المصور رأسه عن عدسة الكاميرا وسأل:
- لماذا تعطرت قبل التصوير؟
.
.
.
الطاولة بيضاوية بنية اللون من الخشب المصقول باللماع. وحولها يجلس خمسة رجال كهول بصمت حيث يشغل كل واحد منهم نفسه بشيء ما فالرئيس ذو الصلعة اللامعة يقرأ أوراقا من فوق نظارته البنية ، ونائبه مندمج في حوار كتابي على هاتفه المحمول. أما العضو على يسار الرئيس فمتكئ على الكرسي الوثير مغمضَ العينين والعضو على يمين النائب فيلعب بقلم الحبر وأما الأخير فيتأمل سقف القاعة.
مضت ربع ساعة والجميع ينتظر حديث الرئيس غير أن هذا الأخير لم يلقَ بالاً للأمر بل ظل غارقاً في قراءة الأوراق التي أمامه. ثم مضت ربع ساعة أخرى قبل أن يتنحنح فانتبه الأربعة ونظروا نحوه لكنه عاد للقراءة فعاد كل منهم لما يشغله. بعد ربع ساعة أخرى ترك الرئيس الورق وقال فجأة:
- يكفينا إضاعةً للوقت يا سادة...عليكم أن تكونوا أكثر التزاما بالوقت .. تعرفون أن هذه شركة وليدة .. ولكنها وليدة صراعات قوية وكثيفة بين المدير السابق ورئيس مجلس الإدارة ووزير الطاقة والتعدين. على أي حال هذا هو اجتماعنا الأول وبالتأكيد فلن يكون منظماً وإنما مجردُ عصفٍ ذهني.
فتح الرئيس ذراعيه وقال:
- هل من اقتراح؟
العضو الذي كان غافياً قال وهو يتُأتئ:
- إن ذاكرتي ليست بالقوة التي تسمح لي بعصف ذهني .. كما أنني لا أستطيع أن أفهم عندما أكون منشغلا بكتابة ما يدور بيننا لإعادة قراءته..اقترح أن يكتب أحدكم ما يدور في هذا الاجتماع.
نظر إليهم الرئيس وقال:
- هل من متبرع بالكتابة.
قال نائب الرئيس:
- إذا كانت ذاكرتك ضعيفة كما أنك لا تستطيع الكتابة فلماذا ترشحت لعضوية المجلس؟
توتر الجو قليلاً غير أن الآخر أجاب عليه ببرود:
- لأنني أمتلك أربعة عشر في المائة من أسهم الشركة.. إنني استحق أن أكون رئيساً لا مجرد عضو...فكم تمتلك أنت؟
تململ الرئيس وقال:
- دعونا من المواضيع الانصرافية فأمامنا وطن بأكمله ينتظرنا.
قال العضو نفسه:
- ما علاقة الوطن بالأمر...هل نحن ديوان زكاة .. هل نحن جيش سيقاتل في الحدود؟ هل نحن سنوزع الأرباح على الشعب الغوغائي؟
قال العضو الذي كان يحدق بالسقف:
- لماذا تصر على لهجتك العدوانية هذه؟
قال الرئيس:
- لا بأس سأستدعي موظفا ليكتب ما نقول...
ضغط على زر تحت الطاولة فانفتح باب القاعة وأطل الساعي الشاب برأسه:
- نعم سيدي.
قال الرئيس:
- استدع لي بخيت فورا.
قال الساعي:
- بخيت حصل على إجازة مرضية.
قال الرئيس:
- وثريا ..
تدخل العضو الذي كان يلعب بالقلم وقال:
- لا يا سيدي.. ثريا هذه لا تؤتمن على أسرار محادثاتنا. بل أعتقد أن هؤلاء الموظفين جميعا لا يؤتمنون على شيء.
قال العضو الذي كان غافياً:
- فليكن الساعي هو من نختاره إذا كان يعرف القراءة والكتابة.
قال الرئيس:
تعال يا فتى واغلق الباب خلفك.. ثم أجلس خلفي ودون كل ما نقوله..ستجد رزمة أوراق وقلم على طاولة مكتبي هناك.
فعل الساعي ذلك وجلس ثم قال:
- إذا سمحت سيدي... ما هي أجندة الاجتماع لكي أدونها قبل كل شيء.
صمت الجميع وهم يتبادلون النظرات الحائرة. فتنحنح نائب الرئيس:
- أمممم... حسن...أعتقد أننا في بداية الانطلاق لهذه الشركة العملاقة ولذلك فربما نعتمد على العصف الذهني.
قال الساعي:
- حسن.. اذن فرقم واحد في الأجندة: هو توصيف الوضع الراهن للشركة وتحليله.
قال الخمسة:
صحيح.. صحيح.. نعم.. هو كذلك...
اضاف الرئيس:
- إن الوضع الراهن يحتاج بالفعل إلى توصيف دقيق... ولكن من ذا الذي يمكن أن يمنحنا هذا التوصيف؟
قال الساعي وهو ساهم:
- إذن البند الثاني من الأجندة هو تحديد آليات جمع المعلومات.
صاح الخمسة:
صحيح..صحيح..جيد..
قال العضو الذي كان يحدق في السقف:
- الأمر ليس بهذه البساطة يا سيدي الرئيس فنحن لدينا مشاكل مالية وفنية بل وسياسية على ما أعتقد.
قال الرئيس:
- نعم .. مشاكل معقدة جدا..
قال الساعي:
- البند الثالث من أجندة الاجتماع سيكون عن : هيكلة المشاكل التي واجهت وتواجه الشركة.
صاح الجميع:
صحيح.. صحيح.. ممتاز.. جيد جدا..
قال العضو الذي كان يحدق في السقف:
- ولكن هذه الهيكلة يا سادة تتوزع على عدة أقسام مختصة داخل الشركة.. أليس هذا مقلق قليلا؟
قال الرئيس:
- فعلا مقلق ولكن ليس كثيرا...
قال الساعي:
- حسن.. إذن فالبند الرابع من أجندة الاجتماع سيكون عن تشكيل لجنة من رؤساء الأقسام المختصة.
قال الجميع:
صحيح..صحيح.. جيد.. هذا ما قلناه بالفعل...
قال العضو الذي كان غافيا:
- هل سنستدعيهم الآن...؟
قال نائب الرئيس:
- سيثير ذلك فوضى.
قال الساعي:
- أها.. فحسب ما قلتموه سيكون البند الخامس من أجندة الاجتماع عن كتابة خطاب وتوجيهه لرؤساء الأقسام ودعوتهم لاجتماع عاجل خلال اليومين القادمين.
صاح الجميع:
نعم .. صحيح .. صحيح... هذا ما قلناه بالفعل...
قال الرئيس:
- متى سيكون الاجتماع بهم؟
قال نائبه:
- غدا...
قال العضو الذي كان غافيا:
- غدا لا أستطيع الحضور .. زفاف ابنتي...
قال الساعي:
- أه.. حسنا.. البند السادس من أجندة الاجتماع هو تحديد موعد مناسب للاجتماع..
صاح الجميع نعم .. صحيح.. صحيح..
قال النائب:
- من سيتبرع بكتابة الخطاب...؟
قال الرجل الذي كان يحدق في السقف:
- كتابة الخطابات مملة...
ثم صمت الجميع في انتظار متبرع.
قال الساعي:
- إذن فقد توصل الاجتماع إلى خطاب قصير من الجملة التالية:
- على جميع رؤساء الأقسام الحضور بعد غد الثلاثاء لقاعة المؤتمرات للاجتماع بمجلس الإدارة مع تحضير كل رئيس قسم لنبذة مختصرة عن عمل القسم ومعوقات العمل. وذلك في تمام الساعة الواحدة ظهرا.
صاح الجميع:
هذا طيب.. صحيح.. جميل .. هذا ما قلناه بالفعل..
نهض الرئيس فنهض الباقون جميعا ثم قال:
- حسن يا فتى .. اطبع خطابنا هذا ووزعه على رؤساء الأقسام على نحو عاجل.
ثم ترك مقعده وقال:
- لقد قمتم بعمل جيد يا سادة هذا اليوم...
فشكره الأعضاء وغادروا القاعة.


(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى