بابكر الوسيلة سر الختم - على جثة الأرض

(1)

على فارغِ العالميّ
الروحُ سربُ دموعٍ
والرجلُ ماءٌ مكسَّرُ النشوةِ
تعرفُ يا صبيُّ
أنتَ يا وشيكْ
الدمعُ ينـزفُ من أحشائِكَ
أنتَ
محضُ حربٍ خاسرةٍ،
محضُ ميتةٍ في صيفِ أهْلِكْ
كنتَ
ولداً في حصانِ الحياةِ،
بنتاً في قلبِكَ الناشطِ،
ولكن...
هذا الصباحُ
كومةُ ذكرياتٍ في نظركْ
لا ترى سرَّكَ ذاك،َ
ولا عيناكَ في أحدْ
كلّما ذهبتَ
سقطَتْ أيامُك في الوحلِ،
وسقطتْ رأسُكَ في برميلِ الأوساخْ

تلقّيتَ أكثرَ من طعنةٍ من خنجرِ الزمنْ
ما مِتَّ
لكنَّ الحياةَ فارقتكَ
وها أنتَذا
تسعى في الأوهامْ..
تلقّيتَ منذ حتفِكَ الأوَّلِ،
حرفكَ بهدوءٍ
وتعزِّيكَ الرغبةُ الأليمةُ
في السكوتِ على سَهلِ صمتِكَ،
أيّها
الرجلْ.
أنتَ
أحدُ جبالِ الصبرِ
في أرضِ التمسُّكِ
طالما أنتَ بهذا الاحتمالِ
وهذه العذوبةْ
ينبعُ من أطرافِكَ يا عذباً
شلالُ الأملْ
طالما أنتَ بهذا الخريفْ
وهذه الظرافةْ
طالما
أنتَ
ميِّتْ
وترمي من جثتِكَ الوسيمةِ
أزهارَ الحبِّ.
أنتَ
أحدُ أنهارِ بلدكَ
يُغذِّيكَ الجفافُ
وتَكْبُرُ في نظر البُحيرةِ،
أنتَ يا كبيرْ
ولهذا أنتَ هكذا:
محضُ
حربٍ
خاسرةْ
كنتَ ذا سريرٍ أخضرِ الفحولةِ
لكنّكَ، متزوجاً بالغنيمةِ
تنامُ حالماً في جثمانِ الآخرينْ
تقولُ القصيدةَ
وتسكتُ عن آلافِ البحيراتِ
من الشّعرِ في جسدكْ..
تسكتُ عن لحظةِ الحقِّ
عند أوَّلِ كأسٍ
طالما حياتُكُ كأسٌ صغيرٌ
كأسٌ
صغيرٌ
وفارغْ
تشربَه باطمئنانٍ
من غيرِ رغبةْ
"حوشُكَ"
خالٍ من بقايا الصداقاتِ،
ومن صَحْنِ الجيرانِ،
ومن مشكلةِ الحبِّ،
أهلُكَ رحلوا
جميعُهم قريةً قريةْ
وها أنتَذا محضُ حربٍ خاسرةٍ،
محضُ ميتةٍ كسولةٍ
في صيفِ
الأيامْ.

(2)
سمعتُكَ..
لكنَّ صوتَكَ من أثرِ النسيانِ،
كان بعيداً..
وكانت مغاربُ الكلماتِ
تسقطُ في شِبَاكِ الليالي

سمعتُكَ يا أخي
ماذا بوسعي أنْ أقولَ..
أنا الراكضُ خلفَ ذكرى
بيدٍ قديمةٍ تنبضُ
ليدٍ قديمةٍ تنبضْ

حنانَك يا أخي
حنانَكْ

(3)
غرقى يجلسونَ على جثَّةِ الرملِ
في انتظارِ غريقْ..
طيلةَ الحزنِ،
يبكونَ
يبكونَ
يبكونْ
إنما سيمرُّ يومٌ
ويبتسمونَ للشجرِ الضرورة
في جداولهمْ
سينسونَ الغريقَ،
والبحرَ،
والموتْ
يذهبونَ إلى حظِّهمْ
ويغرقونَ
في النهرِ الكبيرِ للحياةْ
النهرِ الحقيقيِّ
الكاذبْ

(4)
الشجرة ُ

تذكَّرتُهَا
... ...
أيُّ ثمرةٍ كانتْ ترمي
غير ذاك الأسى بالجذورْ

- لحسن حظِّي أنني أنْسَى -
مثل أيِّ ثمرةٍ
كانت ترميها تلكَ الشجرةْ
مثل أيِّ ظلٍّ
وأيِّ ورقةٍ لريحِ القسوةْ

(5)
أسمعُ الأغاني
أسمعُ صوتي في خريرٍ بعيدٍ،
خريرِ الطفولةِ
ومجدِ الإنسانْ.

أسمعُ للصخرِ نحيباً شاهقًا بالذكرياتْ
وأبكي من أجلي
على لحظةٍ لم أعشْهَا
على أفقٍ لم أزرْهُ
وأسمعُ بين ضجيجِ الضوء، كِلْمَةَ الظلمةِ
الكِلْمَةَ
الخالدةَ النّورْ

وأسمعُ الموسيقى
أسمعُ الوحدةَ، تنثَالُ، وحيدةً
في أقبيةِ الوجدانْ

(6)
صمتُكَ
كانَ وتراً شعرياً
من عروقِ الظلمةِ،
وكنتُ أنا الكمنجة البعيدة
أراه ، خِفيةً ،
يتسلَّلُ بين مضاربِ الضوءِ في الكونِ
ويرمي للحرّية زهرةَ النسيانِ،
وذكرى الأغنيةْ

صمتُكَ..
غريقُ دمعةِ الابديةْ.

(7)
خُضرةُ وجهِكِ
هذا الفضاءُ الطاعمُ الطمأنينةْ
(يدُكِ في يدي
نهرانِ للخلودْ)
وتدفّقُكِ الناعسُ على الرائحةْ
ما كلُّ هذا الفقرِ من الحبِّ،
ما سِرُّ اليأسِ من تنفُّسِ الحقولْ؟!

الرعاةُ ينادونَ صوتَكِ
من أجلِ أغنامِهمْ
والشعراءُ ينادونَه من أجلِ أنْ لا يقولوا..

خُضْرَةُ وجهِكِ يا بنتُ،
وبديعُ أيامِكِ في الصيفْ.

(8)
تربَّعَ وجهي ، على أيامَِكِ تلك،
عرشَ الوقارْ
بينما كان قلبي جردلَ ماءٍ
للظامئ منتصفِ الحبِّ

نسيتُ الآن
اسمَكِ
نسيتُ الظهيرةَ عاريةً
والعَرَقْ..
نسيتُ الشِبَّاكَ المكسورَ،
والطابقَ الثاني من الأحلامِ والحسرةْ

نسيتُ الكأسَ
الأولى..
نسيتُ الذكرى والنسيانْ

إنما..
كيف أنسى الرقرقة

(9)
كلَّ مساءٍ
أجلسُ: أنا الرجلُ الضخمُ الذكرى
في شارعِ القسوةِ،
أرى الحياةَ: جارتي الصغيرةْ
تعبرُ اليومَ وتدخلُ البيتَ.
أتأمّلُ: تخلعُ إنْسَانَهَا
لتنامَ وحيدةً في انتظارِ حياةٍ جميلةْ

لكنني أعرِفُ..
أنا: الرجلُ الضخمُ الذكرى
مساقطَ الغدِ ،
وأيامَ الله.

(10)
أَمَا مِنْ عاقلٍ
في هذه القريةِ..
يُطفئُ للبنتِ شمعتَهَا
ويُضئُ لها رملَها؟!

َ أَمَا من بنتٍ
في هذه القريةِ يا رجالْ؟!

أَمَا من جاهلٍ
في هذه المدينةِ
يُسيئُ الظلمةَ ، جوهرةَ الحبِّ؟!

أَمَا
من
رجُلْ؟!

(11)
أبكي دائماً
لكأنِّي نهرٌ..
لكأنِّي ذكرى في أطلالِ يتيمٍ عاشقْ.
15-25 مايو
2006

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى