إهداء
إلى الذينَ يبتسمونَ بقلوبهم وهم يلوِّحون بغيومهم لي
وأنا في غمرةِ القصيدة
قصائدُ تُزهرُ في الظهيرة I
بنتُ روحي
إذا انهمَرَتْ من ضلوعي الفراشاتُ
واغرَورَقَتْ شرفاتُ الشتاءِ بماءِ العصافيرِ يخضَّرُ قلبُكِ
يُزهرُ بالكهرمانِ وبالضوءِ والفُلِّ والزعفرانِ
بعطرٍ خفيفِ الغيومِ كرائحةِ الحُبِّ في جسدِ الأقحوانِ
فيصرخُ بي فرَحٌ ليسَ يوصفُ
يصرخُ من دونِ وعيٍ
أحبُّكِ يا بنت روحي..أحبُّكْ
***********
نطفةٌ من وصايا الغمامْ
ضمِّدي شفَتي بالينابيعِ والشِعرِ كيْ أستطيعَ الكلامْ
وكيْ تتحرَّرَ منِّي الزوابعُ.. كيْ أتحرَّرَ منها
وكيْ أتمشَّى على ضفَّةِ الشمسِ مغرَورِقاً بحليبِ الغرامْ
كلُّ ما يتراكمُ فوقَ دمي من غبارِ الحروبِ الأليفةِ
أو من غبارِ الحنينِ
ستجرفهُ نطفةٌ تتحدَّرُ من نسلِ بحرِكِ أو من وصايا الغمامْ
*********
حليبُ الجمانْ
وجهُ عصفورةٍ وجهُها ويداها سرابٌ أليفٌ
وغُرَّتُها سوسنٌ نافرٌ
يتدَلَّى الخريفُ الشفيفُ على جانبَيْ قَمرٍ
غارقٍ في شذاهُ الحليبيِّ
فوقَ الجبينِ المشبَّعِ بالنورِ والوردِ / أو عَبقِ الشهدِ
ضحكتُها حُرَّةٌ كرفيفِ الغزالاتِ في قبَّةِ الليلِ
أو كهسيسِ الطيورِ التي تلبسُ البحرَ
أو ترتدي ريشَ أوجاعهِ...
وجهُ عصفورةٍ وجهُها
نهرُ نيلوفرٍ جسمُها تسبحُ الشمسُ فيهِ
وعنقودُها طافحٌ بالقصائدِ أو بحليبِ الجمانْ
*********
غيمُ ابتسامتها
ما سرُّ هذا الأبيضِ الشفَّافِ في غيمِ ابتسامتها؟
كأنَّ نصاعةَ الأحلامِ والأنغامِ
تسبحُ في معارجِ نومها بينَ الملائكةِ الصغارِ...
بكاؤها يُغري العصافيرَ الوديعةَ
بالتطفُّلِ والتأمُّلِ في براءتها الوضيئةِ
والجمالِ اليعربيِّ يحفُّهُ قمرُ النعاسِ وجلُّنارُ الحبِّ
في أعلى سماءِ القلبِ
في غيمِ ابتسامتها المطرَّزِ بالقُبَلْ
هيَ فسحةُ الأنوارِ والأزهارِ والأطيارِ والأشعارِ
والرؤيا الوحيدةُ والأملْ
*********
فمُها قُبلةٌ لليماماتِ
لونُها يعجنُ الشمسَ بالحنطةِ الذهبيَّةِ
والماءَ بالفُلِّ والفضَّةِ الذائبَةْ
في مصبِّ الأحاسيسِ أو مرتقى الضوءِ ألثمُها
فمُها قُبلةٌ لليماماتِ راحَتْ تُطوِّقُ عينيَّ...
تبكي وتضحكُ..تمشي إلى غيمها الطفلِ
كالفرسِ الآدميَّةِ..نهرٌ نحيلٌ يُعانقُها
وهلالانِ ينحنيانِ على حاجبيها الجميلينِ كالحارسينِ
صباحٌ تيمَّمَ - حينَ استفاقتْ من الحلمِ – بالوردِ
عطرٌ تيتَّمَ منها.. ومن لغوِ بسمتها الكاذبَةْ
قوسُ ليمونها نرجسيٌّ سخيٌّ
يُطوِّقُ خصرَ دمي بالرذاذِ وبالأسهمِ الصائبَةْ
فمُها قُبلةٌ لليماماتِ..
لكنَّ أزهارَها الآنَ ملعونةٌ
فهيَ عنقاءُ أجسادنا الغائبةْ
غيمةٌ من رمادٍ وخمرٍ إلى حتفِها في سدومَ الحديثةِ
أو أرضِ سانَ الرجيمةِ بالنارِ ذاهبةٌ ذاهبةْ.
***********
مُبتدى الورد
كتبتُ على ورقِ الماءِ
أنِّي أُحبُّكِ كيْ أتخلَّصَ من حبَقٍ طائشٍ للمزاميرِ فيكِ
ومن لعنةِ الزمنِ الانكشاريِّ
من خنجرٍ لفَّهُ لي صديقي اللدودُ
- الذي يتقمَّصُ رقَّةَ عينيكِ في زرقةِ الليلِ أو ذروةِ الانكسارِ-
بفضَّةِ دمعي ليُهديهِ لي في النهارِ القصيرِ
ليَذبحَ قلبي انسلالُ فراشاتكِ الخضرِ منهُ
وقلبي على شوكةِ الصلبِ مُغرَورقٌ بالزنابقِ
والشمسُ سوداءُ سوداءُ لا تُرشدُ الروحَ في تيهِها النبويِّ
كتبتُ على ورقِ الماءِ
أنِّي أُحبُّكِ كيْ أحملَ الكوكبَ الأنثويَّ على كتفيَّ
وأمشي إلى مبتدى الوردِ عندَ انتهاءِ الكلامْ
**********
سأُكملُ هذي القصيدةَ
سأُكملُ هذي القصيدةَ حتى ولو كرهَ الكافرونَ بمجدِ الحنينْ
سأُكملُ خيطاً رفيعاً من الأقحوانِ الحزينْ
ومن رقصةِ النورِ في ليلةِ العاطفيِّينَ...
عينايَ بستانُ لوزٍ وكفَّايَ أرجوحتانِ لنجمٍ صغيرِ الغوايةِ
عينايَ نهرا سرابٍ يُفتشُّ عن برقهِ المرهقونَ
من الحبِّ والحربِ في زمنٍ من جنونْ
سأُكملُ هذي القصيدةَ من كاحلِ الروحِ حتى رموشِ العيونْ
ومن وجعِ الشمسِ حتى أنينِ الأنينْ
*********
يدُها زهرةٌ تتفتَّحُ
يدُها زهرةٌ تتفتَّحُ في قبضةِ الريحِ
أنفاسُها حبَقٌ ناعسٌ يترامى الهواءُ النظيفُ على ضفَّتيهِ
اللتينِ تضمَّانِ رملَ المحبَّةِ
ذاكَ الذي يتراكمُ في قاعِ قلبي
وفي فسحةِ الضوءِ أبيضَ مثلَ الحليبِ
تماماً كما يتراكمُ ثلجُ غيومٍ خريفيَّةٍ فوقَ وجهِ السماءِ
كما يتجمَّعُ ماءٌ خفيٌّ من القبلاتِ التي لا تُرى
فوقَ وجهيَ من صوتها الليلكيِّ
الذي صقلتهُ مياهُ الغوايةِ في كوكبٍ عاشقٍ
حينَ أصرخُ ملءَ دمي في انخطافٍ رهيبٍ
أُحبُّكِ يا روحَ روحي ويا دفءَ قلبي
الذي ماتَ قبلكِ من شدَّةِ البردِ
يا بسمةَ الوردِ / يا زينةَ العالمين
*********
فمٌ على الصوَّان
وأقولُ ليسَ من السماءِ
فبينَ حضنِ سكينتي وحريرها رَحِمٌ
وبينَ قصيدتي وسريرها ألمٌ...
قريباً نرتقي أولمبَ يا امرأتي
ونبكي لانتهاءِ الصيفِ...
ليسَ من السماءِ أقولُ
بل من أيِّ أرضٍ زارني شَبَحي
وشعَّ ظلامُ نجمِ الخوفِ
حلَّقَ حولَ قلبي في سكونِ الليلِ؟
أيُّ رصاصةٍ ستشقُّ عطرَ الخوخةِ الخلَّابَ
وهيَ تطيرُ نحوَ دمي وتُغلقُ لي
ابتسامةَ من يموتُ كوردةٍ بيضاءَ مظلوماً؟
أمُدُّ يَدَيَّ حينَ تُفوِّلينَ
شفاهَ عاشقةٍ من الصلصالِ نحوَ الشمسِ
تبتسمينَ..تجتاحينَ فردوساً من النعناعِ قابَ دمي...
بياضُ الليلِ يخطفني
يمرُّ الماءُ من قلبي
عصافيرُ القرنفلِ تقتفي أثَري
انهياراتي التي أجَّلْتُها
كفمٍ على الصوَّانِ لم يهدأْ ستنهضُ بي
من الزبَدِ المعمَّدِ بالدموعِ وفضَّةِ النسيانِ
يصحو الشاعرُ المرشوقُ بالطلقاتِ
وردتُهُ تدُّلُ عليهِ روعَ الباحثينَ
وتكتسي عيناهُ حزنَ الأنبياءْ.
********
فاطمة
والآن ماذا تبقَّى من فاطمة
غير شتائها الدنيويِّ الأخيرِ
وتلويحةِ الشمسِ لشقرتها الغجريَّةِ..
فاطمة التي كنتُ أصرخُ لها بأخذةِ استهتارٍ فيما مضى
بمقطعٍ من قصيدةٍ منسيَّةٍ أو ملغيَّة...
عيناكِ يا فاطمتي عيناكِ
أو أغرقُ في بحرٍ من الكونياكِ
لا أفيقُ إلَّا حينما يوقظني الملاكْ
**********
وصايا صغيرة
لا تدَعْ لطفولةِ ماءِ النَهَرْ
ولا لحباحبِ ليمونها
أن تُكذِّبَ عينيكَ في صدَفِ الرملِ
أو أن تُشذِّبَ يوماً حنينَكَ
لا تقصصَ الحبَّ – حبَّكَ – يوماً على أحَدٍ غيرَها أبداً
لا تدَعْ لغزالاتِها السابحاتِ بيمِّ البنفسَجِ أن تحتَمي
بشموسِ ابتساماتها – هكذا –
لا تُفكِّرْ بغيرِ هواها العظيمِ
ولا تدَعْ الوردةَ الأنثويَّةَ تذبَلُ
لا تدَعْ النسوةَ الفاتناتِ يشاهدنَ موتَكَ تحتَ القمَرْ
قُلْ إلهي الذي في السماواتِ
عدْلٌ قضاؤكَ فيَّ
أنا يا إلهي
ضعيفٌ شفيفٌ ألوفٌ رهيفٌ
غُلبتُ على شَغَفي فانتصِرْ.
************
فقاعاتُ قهوة
لحيفا والناصرة وشفاعمرو فقاعاتُ قهوةٍ في دمي
توجعني..تتنفَّسُ روحي وتتفتَّقُ فيها
أقولُ فقاعات قهوةٍ فأنا لا أقصدُ العبيرَ ولا الرائحة
هيَ طيرُ نوستالجيا.. وما يجعلُ الصبحَ صبحاً
بكلِّ معانيهِ غيرِ المحسوسةِ
فتاةٌ ناحلةٌ من نرجسِ الريح
تسكبُ ماءَ الظهيرةِ في خرَزِ القلبِ الرمليِّ
ولأنَّ فقاعاتِ القهوةِ حتماً تقودُ إلى إحساسٍ يُشبهُ الحبَّ
أقولُ لي لا تُفكِّر بامرأةٍ بكلِّ عبثيَّةٍ هكذا
فأنتَ تُفكِّر في البدايةِ من شدَّةِ المللِ في ذلكَ الصباحِ
المضمَّخِ بعبيرِ القهوةِ والهالِ
ولكنَّ تفكيركَ العبثيَّ هذا سرعانَ ما يتحوَّل إلى عبادة.
************
تروبادور
تروبادورُ يعصرُ غيمةَ الرملِ الأخيرةَ
يستوي ملِكاً ولو في الوهمِ
يُشعلُ قلبَهُ الشمعيَّ كُرمى للعصافيرِ التي
نقَرَتْ نوافذَ روحهِ وزجاجَ حُوريَّاتهِ في الليلِ
إذْ في الحلمِ يستيقظنَ
يجمعُ من أصابعهنَّ ورداً
من نداهنَّ المعطَّرِ رغوةَ الماءِ الحزينِ
ومن خطاهنَّ اشتهاءَ المسكِ
من غيمِ ابتسامتهنَّ دمعَ الطيرِ
يا لمغفَّلٍ أعمى يعيشُ على الرمادِ
وليسَ يفهمُ ما يُغنِّي الكائنُ الكهفيُّ
لامرأةٍ من الحبِّ الحديث.
**********
الشام
يقطفُ القاتلُ الفظُّ قلبَ الصبيَّةِ في الشامِ
مثلَ بنفسجةِ الماءِ
لكنَّ عينيهِ تندلعانِ بنارِ السوادِ ولا تبصرانِ بروقَ الخلاصِ
سوى موتهِ في مرايا الرصاصِ...
تموتُ الصبيَّةُ لكنَّ بسمتها الليلكيَّةَ
تقتلُ قاتلَها كلَّما رفرفَتْ كالحمامةِ في ناظريهِ
تسمِّرُ أحقادهُ فوقَ هاويةِ الريحِ
أسألُ نفسيَ
هل كانت الشامُ أمسِ معادلةً للفراديسِ؟
كنَّا نقولُ نريدُ من الشامِ حوريَّةً من ندى اللازوردِ
وخمراً وشهداً وورداً نريدُ
ليكبرَ في صبحنا شفقُ الزعفرانِ...
فما لجهنَّمَ تُمطرنا بالأبابيلِ والدمِ في ريحِ صرصرها العاتية؟
شامنا باقيةْ/ شامنا باقيةْ
***********
نهرٌ تعرَّى من الماءِ
تقمَّصتِ جسمَ القصيدةِ أو ياسمينَ الشموسِ
فكيفَ نهَرتِ الزهورَ على كاحلِ الماءِ ؟
كيفَ زرعتِ الخزامَ الذي لا يُرى في سهوبِ الحليبِ
التي أينعتْ في الظهيرةِ أو خرزِ الظَهرِ؟
كيفَ أقولُكِ؟
في أيِّ صحراءَ يغمرها البرقُ
أُودعُ شيطانَ شِعركِ- يا لعنةَ الشِعرِ -؟
ماذا أُسمِّيكِ؟
ترنيمةَ العبثِ الأزليَّةَ؟
ضرباً من المسِّ؟
تعليقَ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟
سعياً على الجمرِ فوقَ صراطِ الحياةِ؟
طريقاً تؤدِّي إلى جنَّةِ الروحِ في جسَدِ الجلجلَة
وإلى شفرةِ النارِ في زهرةِ المقصلَةْ؟
مهنةَ العاطلينَ عن الحبِّ والأسئلةْ؟
عنفواناً مريضاً؟ / شتاءً خفيضاً؟
سماءً ترتِّبُ هندامَها وتشذِّبُ أحلامَها؟
قمرَ الوردِ؟ / إكسيرَ حبٍّ تكسَّرَ؟
حقلَ ندى من كلامٍ بسيطٍ كعفويَّةِ الضوءِ
يُرجعُ كلَّ الذي ضاعَ من ذهبِ العمرِ / في أوَّلِ النهرِ؟
لا لن أُعوَّلَ إلَّا على ما تربَّى من الشِعرِ في عهدتِكْ
فهوَ صُنَّارةٌ لاصطيادِ النساءِ
اللواتي تعبنَ من الركضِ خلفَ الفراشاتِ
أو من تسلُّقِ سلَّمِ أمجادهنَّ إلى شرفاتِ السماءْ
لن أعوِّلَ إلَّا على ما يمَسُّ القصيدةَ منكِ فتصبحُ سجَّادةَ الحالمينَ
بكسرةِ خبزٍ وقُبلةِ ماءْ
آهِ لكن سألتكِ من أنتِ أو بأصحِّ العبارةِ ما أنتِ
أو ما هوَ الشعرُ ؟ قولي إذنْ
طعمُ شوقٍ تجسَّدَ قربَ سفينةِ أحمدَ بن ماجدٍ؟
وعذاباتُ كولمبسِ؟
الشعرُ كالحبِّ ضربٌ من المسِّ؟
تعليقُ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟
ما هوَ هذا الذي ليسَ يوصفُ في كائنِ الهجسِ؟
نهرٌ تعرَّى من الماءِ في ليلةِ السبتِ؟
نحلٌ فقيرٌ من الصمتِ يمخرُ آفاقَ قلبي إلى وردةِ الروحِ
أو قُبلةٍ في أقاصي شفاهِ الشمالِ المدجَّجِ بالخمرِ والطيرِ؟
هل هوَ شبهُ بكاءٍ خفيٍّ على ما يضيعُ من الوردِ فينا وراءَ الظلالِ؟
سرابٌ خفيفُ الاشارةِ؟
طميٌ تقرَّى دمي في أعالي الجبالِ؟
ملاكٌ بريءٌ يضيءُ على الليلِ قلبَكِ
لكنهُ ليسَ يُطعمني حنطةً من جنانكِ
ليسَ يُبلِّلُني بندى الزنجبيلْ؟
فما هوَ هذا الذي لا يُعرَّفُ؟
من هو هذا الأميرُ الجميلُ
النبيلُ..الأصيلُ..الشهيُّ..البهيُّ
الذي في أعالي صباحاتنا كانَ يصرعنا سحرُهُ المتأنِّقُ
من دونِ أن يلمسَ السيفَ والوردةَ/ السرَّ
من دونِ أن يتهجَّى الينابيعَ في دَمِنا
أو يتقاطعَ مع بسمةِ القمرِ الطفلِ
تحتَ ظلالِ المساءاتِ حينَ يُطهِّرنا من هوانا الرخيصِ
ويجعلنا بشَراً من بكاءِ النخيلِ على نسوةِ الماءِ؟
ما هوَ هذا الذي يجمعُ الأبديَّةَ في لحظةٍ كالفقاعةِ؟
ما يجعلُ الصخرَ في نهرِ أضلاعنا غيمَ قطنٍ
خفيفاً شفيفاً نظيفاً تماماً كغيمِ الأنوثةِ؟
ما هو هذا الذي يحملُ العشبَ عنَّا
لأنَّا تعبنا كثيراً من الركضِ فوقَ مراثي إرميا
وتحتَ بكاءِ السماءِ
لأنَّا تعبنا من الحُبِّ واستنزفتنا المسافةُ بينَ القرنفلِ والقلبِ
بينَ القميصِ المفخَّخِ بالمسكِ والذئبِ
بينَ الخرافةِ تمشي على قدمينِ معمدَّتينِ بعطرِ الخزامْ
وبينَ الروبوتِ الذكيِّ المدجَّجِ بالكرهِ والحقدِ والانتقام؟
***********
ما حاجتي للأسئلة؟
(أغنيةٌ مجهولة لإبراهيم القاشوش)
كلَّما رأيتُ بردَى بلا حنجرةٍ مذبوحاً من الوريدِ إلى الوريدِ
محمولاً على الريحِ في عَينَيْ إبراهيم القاشوش يدمعُ قلبي
روحي سماءٌ مُهملَةْ
ويدايَ خابيتانِ من شهدٍ ومن وردٍ
شفاهي غيمتانِ صغيرتانِ تعانقانِ الأرضَ
قلبي وردتانِ / دمي فمي
عينايَ نافذتانِ في برَدى إلى الدنيا
وجوهرتانِ غامضتانِ من جمرِ الحنينِ إلى الحياةِ
فمي دمي يبكي
وحنجرتي وراءَ الخنجرِ المأفونِ قبَّرتي.. وصوتي مقصلَةْ
برَدى أبي النهريُّ يحملني كأني طفلُهُ الموعودُ / أو إكسيرُهُ المشهودُ
حزنُ الياسمينِ أخي
ويفترشُ اليمامُ خطايَ
يقتسمُ الجنودُ وكلُّ أشباحِ الجنودِ رؤايَ
يُولمُ من دمائي الناسُ
ها أنذا مغنِّي النارِ في أوغاريتَ
حنجرتي بكفِّ القاتلِ المأجورِ جوهرتي
فما...ما حاجتي للأسئلةْ؟
قدرُ الرصاصِ أو الجحيمُ – جحيمُ كلِّ الآخرينَ –
يهبُّ زخَّاتٍ على ما ظلَّ في عينيَّ من حبقِ الطفولةِ
يُحرقُ الأطفالَ والأشجارَ والأنهارَ والأزهارَ
والقمرَ المحنَّى بالدماءِ وبالدموعِ
ونسوةَ التفَّاحِ
يُطلعُ من براعمهنَّ أحجارَ الجماجمِ
والربيعُ الحرُّ والحريَّةُ الخضراءُ والحمراءُ والبيضاءُ قابَ قرنفلَةْ
ما حاجتي للأسئلة؟
الأفعوانُ يخضُّ أوردتي
فما للدُبِّ والتنِّينِ راحا يحرسانِ بغيرِ ما قلبٍ
شهيَّةَ ذلكَ المسخِ الزنيمِ إلى الدماءِ
ويُطلقانِ جنونَهُ الأعمى على الفردوسِ
في ريحِ الأفاعي المرسلَةْ؟
روحي سماءٌ مُهملَةْ
ويدايَ نورستانِ في بحرٍ بلا ماءٍ
أصابعُ صرختي ريحٌ تظلُّ النارُ في الأجسادِ منها مُوحلَةْ
هل من دمٍ لمْ يجرِ بعدُ؟
ومن نساءٍ بعدُ لم يُذبَحنَ؟
هل يكفي رخامُ الشامِ كلَّ مقابرِ الشهداءِ..؟
يومُكَ..بل جحيمُكَ أيها الطاغوتُ يأزفُ ها هنا والآنَ
فيما جنَّةُ الشعبِ العظيمِ مؤجَّلةْ
كلُّ الخطاباتِ التي تستلُّها الأممُ الحديثةُ
من عذاباتِ المهرِّجِ ليسَ تُغني خردَلةْ
كلُّ الشعاراتِ الرخيصةِ
كلُّ هذا العُهرِ
هذي العنتريَّاتِ العقيمةِ
فوقَ أشلاءِ الضحايا مهزلةْ
هل يفهمُ الجلَّادُ صمتَ الحزنِ في عينيَّ؟
ها أنذا مغنِّي جمرةِ الشهداءِ
روحي في معارجها تخفُّ وتقتفي
ما شعَّ من ألقِ الخلاصِ على الرصاصِ
دمي فمي يبكي وهذا الحُبُّ روحيٌّ
وأفراسُ العروقِ مُجلجِلةْ
بردَى صليبي والزبانيةُ القدامى حولَ رأسي
طائفونَ وطائفونَ وطائفونْ
بردَى مساميري المضيئةُ والخبيئةُ في كلامي
بيْدَ أني منكِ يا عشتارُ مولودٌ
وتكفيني عيونُكِ يا ابنةَ الشعبِ المعذَّبِ جلجلَةْ
هل يفهمُ الجلَّادُ أني حبَّةٌ من حنطةٍ ذابتْ
على هذا الترابِ كقبلةٍ ثلجيَّةٍ في النارِ
فيما قلبُكِ المسكونُ بالمرجانِ أبهى سنبلَة؟
هل يفهمُ الجلَّادُ سرَّ الماءِ في أعماقِ حنجرتي
وفي عينيَّ حينَ تحوِّمانِ على البنفسجِ طائرينِ معذَّبينِ
وتحملانِ رؤى مزاميرِ البهاءِ المنزلَةْ؟
روحي سماءٌ مقفلَةْ
وصراخُ قلبي أبكمٌ
عينايَ صاريتانِ من رملٍ وبحري يابسٌ
لا شيءَ يُرشدني إلى نفسي سوى حدسي وضوءِ قرنفلَةْ
سأكونُ في أوغاريتَ...
حنجرتي بكفِّ القاتلِ المأجورِ جوهرتي
فما..ما حاجتي للأسئلة؟
*************
مثلَ عشبٍ عاشقٍ
تقتاتُ أشعاري على قلبي الذي يقتاتُ من قلَقٍ
طقوسيٍّ..سخيِّ الوجدِ.. صوفيٍّ.. خريفيٍّ
يُربِّي طفرةَ الأشياءِ..ماءَ اللا سكينةِ مثلَ أيِّ خميرةٍ بيضاءَ
في أفكارِ ذاكَ الشاعرِ الكليِّ
ذاكَ الحالمِ الرائي المضمَّخِ بالرؤى فرناندو بيسوا..
أُحاولُ أن أُضيءَ عبارةً سريَّةً أو وردةً جوريَّةً
بخطايَ أو بحقيقةٍ خضراءَ
لا قمرٌ يُشيعُ صدايَ
لا قدَرٌ يطيعُ إشارتي
وجميعُ أشياءِ المدى الخاوي تسوطُ دمي
تُسمِّرني على شمسِ الظلامِ
قصيدتي بيدي ترفُّ كصولجانِ البرقِ أو كنبوءةِ الأنهارِ
ينزفُ من شراييني مجازٌ طافحٌ بنجومهِ وغيومهِ..
لا برَّ في جسدي يفِحُّ لأقتفي طيرَ الشذى
لا بحرَ في قلبي ولا لغتي لأرفعَهُ
على شفقِ الدماءِ كبيرقٍ أعمى
ولا شجَرٌ وحيدٌ طاعنٌ في الصمتِ..
يجلسُ كالنساءِ المرهقاتِ من التأمُّلِ في الخريفِ الدُنيويِّ
أو التطفُّلِ في المحبَّةِ والبكاءِ على طلولِ العمرِ
وهيَ تذوبُ كالأزهارِ في الصحراءِ
أو كالأنجمِ البيضاءِ في ليلِ المجوسِ العاطفيِّينَ
انتبهتُ من الرمادِ رأيتُ حقلاً من حباحبَ في الثرى الخاوي
ونهراً حافياً يعدو على جمرِ الحصى المهتاجِ
كيْ يرقى إلى حوريَّةٍ تكتظُّ بالسمكِ المضيءِ وبالزجاجِ
بما تناثرَ من شفاهِ الفُلِّ في الأمواجِ
ها هيَ مرَّةً تدنو وتُمعنُ مرَّةً في الصدِّ
ها هيَ ذي تجلَّتْ في مقامِ الوردِ
شمساً علَّقَتْ أنهارَ قلبي من أصابعها
على رملِ السماءِ وكربلاءِ الروحِ
يا لأنوثةِ الأشعارِ فيها
أمطَرَتني لؤلؤاً من نرجسٍ وسقَتْ ورودَ دمي الصغيرةَ
ثُمَّ عضَّت نارَ عُنَّابي بما يهتاجُ في فمِها
من البرَدِ المصَفَّى والمقفَّى..
طفلةٌ روحي على أعتابها إذْ تُتقنُ الأحلامَ
أو فنَّ التذكُّرِ والهشاشةِ
طفلةٌ بيضاءُ ملءَ نصاعةِ الرؤيا وملءَ براءةِ الغيمِ الصديقِ
قصيدةٌ زرقاءُ مثلُ شذى النُعاسِ
وريحُها خضراءُ كالأشواقِ لا تكتظُّ إلَّا باليمامِ
وخيلِ لوركا الطفلِ...
لا صحراءَ في لغتي ولا شفتي
ولا أفياءَ أو أنداءَ
لا عنقاءَ تنهضُ من رمادِ ذكورتي
لا رغوةَ امرأةٍ تفِحُّ.. تفورُ من دمعي
تطيرُ اليومَ من ضلعي
كأيِّ حمامةٍ خضراءَ سرياليَّةٍ في جوِّ ذاكرتي
يُطرِّزُ ريشُها شالَ الجبالِ ومعطفَ الأجواءِ
بالقُزحِ الجميلِ وبالخيولِ
وبالنوارسِ وهيَ تغزلُ من خيوطِ الغيمِ
والمسكِ المفخَّخِ بالعذابِ قصيدتي الأولى
وأسرارَ التبتُّلِ واختلاجاتِ الضبابِ
وما ترمَّدَ من دمي فوقَ انكساراتِ السحابِ
وفوقَ أهدابِ البحيرةِ في المساءِ المستضاءِ
بكُلِّ أعراقِ البنفسجِ والرذاذِ
وبالأصابعِ والشموعِ أو الدموعِ
تدُقُّ كالأجراسِ غابَ الروحِ
لا صفَةٌ أُعلِّقها على ذاتي ولا شِعري
ولا شفَةٌ تضيءُ القُبلةَ الخرساءَ في ليلِ الجحيمِ
وتبتني للجمرِ صومعةً
وللماءِ المقطَّرِ من هوائي شرفَةً عُلويَّةً سحريَّةً
عبثيَّةَ المعنى أو المبنى..
سكبتُ على الرمالِ عبارَتي
فاخضوضَرَتْ شمسٌ على مرمى الضلوعِ
وأشرَقتْ لغةٌ تُزوِّجُ وردةً صخريَّةً
تنسّلُّ من تشرينَ قلبي للربيعِ
كما تُزوِّجُ عاشقَينِ مضمَّخينِ بلهفةِ القُبَلِ السريعةِ
حينَ تمحو فوقَ دربِ الروحِ كُلَّ خطى الصقيعِ
وحينَ تشتَمُّ العبيرَ الدافقَ الخفَّاقَ
في حبرِ النصاعةِ والصباحاتِ القصيرةِ
هل سرابُ العمرِ غيرُ فقاعةٍ يمتصُّها عطشُ الزمانِ اللا نهائيُّ؟
الحياةُ كأنَّها قيلولةٌ بيضاءُ فوقَ ثرى الوجودِ
وبينَ معركتينِ دائرتينِ
بينَ المثخنينَ بلسعةِ الأملِ العصيِّ ولدغةِ اليأسِ الجريحِ
كيقظةٍ ما بينَ كابوسينِ يقتتلانِ في قلبي
أو امرأةٌ تعذِّبني بلا وجَعٍ خفيفِ الماءِ والرؤيا
تغازلني فتخذلني.. تقبِّلني فتقتلني
وما في القلبِ غيرُ خيالها الناريِّ يخطفُ في دمي الأزهارَ
ما في الروحِ غيرُ رمادها الفضيِّ والمرفوعِ فوقَ الغيمِ كالأسرارِ..
هل أكلَت قوافي الحُبِّ قمحَ فمي.. ووردَ القلبِ؟
هل أكلَتْ لسانَ الروحِ مثلَ الذئبِ؟
أم ضاقَ الكلامُ عليَّ واتَّسَعتْ على مرمى الغوايةِ
في المدى رؤيايَ كالنفريِّ؟
أرعى صمتَ روحي مثلَ عشبٍ عاشقٍ
قد شاخَ في أشعارِ رمبو قبلَ عصرِ الحزنِ..
أسألُ هل أنايَ العاطفيَّةُ في القصيدةِ والحياةِ أنايَ؟
أسألُ مالكَ بنَ الريبِ هل مرثيَّةٌ بيضاءُ واحدةٌ
تليقُ بموتِ هذا الشاعرِ الضلِّيلِ والمنسيِّ والصُعلوكِ أو تكفيهِ؟
هل قمرُ البنفسجِ والحمامِ ينامُ في كفَّيهِ؟
أو هل يحتفي بسمائهِ ويصُبُّ في عينيهِ كالأنهارِ بعدَ اليومِ؟
هل فُلٌّ يطوِّقُ وحدةَ الأشجارِ وهيَ تشِّعُ أسفلَ قلبهِ في الليلِ؟
هل يكفيهِ ما ينحَلُّ من شمسِ المحبَّةِ فيهِ
وهوَ يعودُ من تغريبةِ الإنسانِ للإنسانِ؟
بحرٌ واحدٌ لا غيرَ في شفتيهِ يردمُ هوَّةَ النسيانِ في دمهِ
يُعانقهُ فيُدني قلبَهُ الأعمى
يُقبِّلُهُ ويرفعُهُ على عينيهِ مثلَ قميصِ يوسفَ
هبَّ من فردوسِ أحلامِ الصغارِ
قصيدتي بيدي ترِفُّ كصولجانِ البرقِ أو كنبوءةِ الأنهارِ
ينزفُ من شراييني مجازٌ طافحٌ بنجومِ ذاكَ الحالمِ الرائي
المضَمَّخِ بالرؤى- قلبي-
أُحاولُ أن أُضيءَ عبارةً سريَّةً أو وردةً جوريَّةً.. رمليَّةً.. صخريَّةً
بالماءِ أو بالعشبِ من جلجامشِ المطرودِ من فردوسهِ السريِّ
أحملُ في دمي قمَرينِ مشتعلينِ..
برَّاً في مدى جسدي يفِحُّ وأقتفي طيرَ الشذى
الموشومَ فوقَ دمي وفي أنفاسِ أحلامي
أُحاولُ أن أُضيءَ خطى النجومِ
بما ترمَّدَ من شفاهي في الترابِ الحيِّ
من نارٍ تخاتلُ ذئبَها الفضيَّ في شفقِ الغوايةِ..
أيها المنسيُّ لا طُرُقٌ تقودُ إلى قصائدكَ الرجيمةِ
لا سماءٌ طفلةٌ تفتضُّ سرَّ الأزرقِ الشفَّافِ في أقصى شغافكَ..
لا طيورَ تبُلُّ شمسَكَ بالغناءِ أو البكاءِ
ولا سلوقيٌّ يشُمُّ حنينَ روحكَ للأنوثةِ
لا معارجَ ترتقي فيها إلى المجهولِ
لا ظلٌّ يليقُ بكبرياءِ النَسرِ فيكَ
ولا نوافذَ في القصيدةِ كيْ تطلَّ على اختلاجاتِ الندى منها
ولا شفقٌ يليقُ بعنفوانِ الوردِ في قدميكَ
لا ماءٌ يُفسِّرُ هجرةَ الأنهارِ في عينيكَ
يشفعُ لانطفاءِ حصاكَ
يكفيكَ الذي ينحَلُّ من شمسِ المحبَّةِ فيكَ
يردمُ هوَّةَ النسيانِ
وهوَ يهبُّ من فردوسِ أحلامِ الصغارِ.
*************
مدائح لمائيَّةِ ميم III
فوضويٌّ جميلُ
شاعرٌ هوَ أم داعرٌ إذ يقولُ
ظُفرُ تلكَ التي كنتُ أحببتُها لدقائقَ معدودةٍ في مكانٍ نسيتُ...
ربَّما كانَ في حرمِ الجامعةْ
ربمَّا في القطارِ البطيءْ
ربمَّا في حدائقِ عينينِ صيفيَّتينِ تضيئانِ ما لا يُضيءْ
ربمَّا في الطريقِ إلى الموتِ أو صخبِ الحافلةْ
ربمَّا في مساءٍ بظلِّ المجمَّعِ أو في انتظارٍ طويلٍ طويلٍ لما لا يجيءْ
ربمَّا في ندى الوردِ أو في خطى السابلةْ
كانَ يلعنُ هذي الحياةَ بعينيهِ أو روحهِ الشاعرةْ
كانَ يهذي بغيرِ فمٍ:
ظفرُ تلكَ التي كنتُ أحببتُها لدقائقَ معدودةٍ في جهنَّمَ
حتى ولو سُميَّتْ عاهرةْ
أحنُّ وأفضلُ من كلِّ زوجاتيَ العشرِ....
عانقتهُ ثمَّ وصَّيتهُ بصغارِ الملائكِ..ودَّعتهُ وبكيتُ.. انتهيتُ من الليلِ
ثمَّ مشيتُ.. مشيتُ.. تشقُّ الخيولُ المجنَّحةُ الماءَ فيَّ ولا تستريحُ الخيولُ
شاعرٌ هو أم .. فوضويٌّ جميلُ؟
*******
بهارُ ماتيلدا أُخرى
أكلُهنَّ جميلاتٌ بقلبكَ أم
يُعمي خطى قلبكَ الشمسيِّ إخفاقُ؟
أم عاشقاتٌ بريئاتٌ ووحدكَ من
قد توَّجوهُ على الخسرانِ عُشَّاقُ؟
دمُ القصيدةِ يَعرى خلفهنَّ شذىً
وليسَ يكسوهُ تفَّاحٌ ودُرَّاقُ
جسمي رمادُ ندى العنقاءِ أجمعُهُ
والروحُ ريحٌ وأمطارٌ وأوراقُ
تُعذِّبُ القمرَ الفضيَّ في جسَدي
منهنَّ حينَ يموتُ الليلُ أحداقُ
بي شهوةُ الماءِ تجري باتجَّاهِ دمي
بقوَّةٍ.. وصهيلُ العطرِ دفَّاقُ
لم يبقَ نجمٌ مُدمَّىً في الترابِ هوى
إلَّا وخطَّتهُ في عينيَّ أشواقُ
في القلبِ جيتارةٌ تعوي وزرعُ لظىً
وصمتُ حوريَّةٍ تبكي وإطراقُ
مَدَدتُ للأزرقِ الكليِّ رملَ فمي
والماءُ في شفةِ الليمونِ رقراقُ
ولم أُصدِّقْ شذى دمعي على يدها
والملحُ في الجسدِ الليليِّ برَّاقُ
أفعى تعانقُ عصفوراً على ظمأٍ
وشمٌ تُؤنثِّهُ للماءِ أعناقُ
طُردتُ أحملُ فردوساً على كتِفي
منها.. ويمَّ ذنوبٍ أرجحَتْ ساقُ
أكلتُ في ملكوتِ التيهِ بوصلتي
هل علَّمَ الوردُ ذئباً كيفَ يشتاقُ؟
يا فضَّةً لصباحاتٍ مؤجلةٍ
وليسَ تفتضُّها للسحرِ آفاقُ
روحُ الأماكنِ راحَ العطرُ يسكنُها
فيا ماتيلدايَ هل للعطرِ ميثاقُ؟
من بطنِ طائرِ رُخِّ الحبِّ مرتحلاً
سدىً أناديكِ.. إنَّ الحبَّ أرزاقُ
ألمُّ صرخةَ نيرودا وينثرُها
بهارُ ألفِ ماتيلدا منكِ حرَّاقُ
********
ذئبُ الغواية
لصهيلِ هذا الكوكبِ الدُريِّ بينَ سمائكَ الأولى
وبينَ دمائكَ الحُبلى بزهرةِ بيلسانْ
لعوائكَ البحريِّ يا ذئبَ الغوايةِ في براري اللهِ
يا فخَّاً من التفَّاحِ والدُفلى
يُؤرِّخُ للبنفسجِ والحروبِ أنوثةً بيضاءَ مثلَ الماءِ
تحفنُ شهوةً عجلى بعينيها....
لهذا الليلكِ المنصوبِ في دمِها
المسافرِ في انكساراتِ الزنابقِ
أرفعُ الكأسَ الأخيرةَ
نخبَ أوجاعِ التأمُّلِ أو خساراتي من التعبِ المريبِ
وصرخةِ الأشياءِ في الوقتِ المعبَّأِ بالرمادِ..
وفي انهيارِ الوردِ أسفلَ قلبِها الشبقيِّ
في شفتيَّ أو عينيَّ
يا للبحرِ في معنى انتحارِ قرنفلةْ
عبَّأتَ قلبكَ بالسرابِ وبالترابِ وبالرمادِ وبالرمالِ
على حوافِ المقصلةْ
ماذا تريدُ الأسئلةْ
من شكِّكَ العبثيِّ يا ابنَ قصيدةٍ خضراءَ
تحتَ البحرِ تغفو مُهملةْ؟
ماذا تريدُ الأسئلة؟
********
ما هوَ الظمأُ؟
الأقحوانةُ.. عطرُ الماءِ.. شهوتُهُ
المرأةُ.. النورسُ.. الحوريَّةُ.. الرشأُ
يبكي على يدِها من عشقهِ برَدى
وينتهي في حوافيها.. ويبتدئُ
تُعلِّمُ الشبقَ الفضيَّ في شفتي
طيورُها.. كيفَ حولَ النارِ ينطفئُ
الياسمينةُ أجلوها.. فينثرني
صوَّانُها الرخوُ.. أو يعلو دمي صدأُ؟
تسقي خطايَ فراشاتِ البحارِ ولا
تهذي بغيرِ شظايا.. ما هو الظمأُ؟
قصيدتي جرَّها الفاشيُّ حافيةً
من شعرِها.. والندى الجوريُّ يهترئُ
أكلَّما خمشَتْ عصفورةٌ عُنُقي
جاءَ ابنَ زيدونَ من ولَّادةٍ نبأُ؟
ضحكُ الدمشقيَّةِ الغيداءِ يغسلني
بلهفةِ الدمعِ حتى لستُ أنكفئُ
أروادُ فيها بعينيها تُعاتبُني
وليسَ تغفرُ لي نسيانَها سبأُ
**********
طيورُ المعاني الحبيسة
بما تحملينَ من الشِعرِ فُكِّي وثاقَ المعاني
التي حبستها سماءٌ من الاخضرارِ
كما يحبسُ الطيرَ بحرٌ بعيدٌ.. شريدُ الخطى..
يشربُ الصمتُ أنهارَ عينيكِ ناراً
ولا يرتوي الذئبُ في قلبِ نرسيسَ أو يرعوي
هذهِ الأرضُ تسكنني روحُها
وطريقٌ إلى شرفاتِ الغيومِ يشقُّ مرايايَ
قالتْ أنايَ الأخيرةُ
والوقتُ يسرقني من بياضِ النعاسِ وشهدِ الليالي وخمرِ السرابْ
يا عبيرَ الندى واختلاجَ الترابْ
**********
لماذا يتوَّجعُ الماء؟
تكلمَّي عن أي شيءٍ .. أيِّ شيءٍ.. مثلا عن علاقتكِ بالعصافير يا ميم...
عن علاقتكِ بأزهار اللبلاب والصبَّار والتين واللوز ...
وأسماك الأنهار العذبة في العالم
فقد تزوِّدينَ قصيدتكِ بدموع ذلك الضلع الذي يحن لصدري
قصيدتكِ التي شردت منذ طفولتكِ المحاريَّة ولم تعدْ
تكلَّمي عن الأشجار الصغيرة التي نامتْ على عنقكِ في طريقكِ إلى الجامعةْ
قبل سنينَ لا أذكر عددها الآن ولكنني أظنُّها سنين ضوئيَّة
لا أعرف لماذا يذكِّرني حزن عينيكِ بالأندلس والنساءِ المسبيَّاتِ
في حروب العربْ
كلمَّا يلمَسُ طائرٌ غريبٌ أصابعكِ لا أدري لماذا يتوَّجعُ الماء؟
كلمَّا تمشينَ على العشبِ الأخضر يتوَّجعُ من الحبِّ
وعلى الحصى يشتعلُ بنارٍ لا تلسعُ
تكلَّمي عن أيِّ شيءٍ... أيِّ شيءٍ
فأنا يكفيني صمتُ الشعراء المقهورين.
*********
القصيدة الغجريَّة
يا سرَّ فاطمةَ التي تمشي على
جمرِ المحبَّةِ في نقاوةِ مريمِ
أحضرتِ دمعَ المجدليَّةِ كُلَّهُ
في جسمٍ عصفورٍ لينقرَ معصمي
لوَّحتِ لي بقصيدةٍ ورديةٍ
من آخرِ الدنيا كخفقةِ أنجمِ
وأنا الذي في البئرِ يبكي راعفاً
بالظلمةِ الخضراءِ قلبي أو فمي
يا عطرَ ليلى وانتباهَ ظبائها
في سحرِ وردَ وزهرها المتأثِّمِ
ولَّادةٌ في جسمِ إلسا... بنتُها
تركتْ بروقَ الحبِّ تعوي في دمي
غجريَّةَ العينينِ والقدمينِ وال
شَعرِ الذي يبكي بدمعِ العندمِ
سمَّيتُ باسمكِ لهفةً تصلُ الندى
بالأقحوانةِ في منامِ متيَّمِ
ميمُ المعذَّبةُ المدَمَّى ماسُها
بالماءِ.. مهرُ المسكِ.. ملحُ تيتُّمي
بخطى من الحبقِ المحرَّقِ لملمي
شفقَ الصراخِ على شفيرِ جهنَّمِ
حبٌّ رموكِ بريئةً في جُبِّهِ
دنسٌ بأحضانِ العواهرِ يرتمي
وحديقةٌ زرقاءُ سرياليةٌ
أشواقُ وضَّاحٍ.. فلا تتوَّهمي
دمُكِ المفخَّخُ يحتفي بحرائقي
وبكحلِ أجنحةِ الفراشةِ يحتمي
وبنفسجُ الحمراءِ يقطرُ من يدي
وعلى شفاهيَ وردةٌ من علقمِ
حطَّمتِ ضلعي في مرايا زهوهِ
والضلعُ في فرَحٍ يُردِّدُ حطِّمي
كلُّ النهاريِّينَ حولَكِ أشعلوا
ماءً أصابعَهم بكهفٍ مظلمِ
هل أنتِ أندلسي التي ضيَّعتها
كقصيدةٍ... فردوسُها مُتنسَّمي؟
ظمأُ ابنِ زيدونَ الذي لا ينتهي
بالنارِ يختمُ ماءَ قلبي أو دمي
*********
مُقاداً بقلبي
سأتبعُ كالنسَمِ الهائمِ
خطاكِ إلى آخرِ العالمِ
بعينينِ من لازورديٍّ شقيٍّ
وحلمينِ من يقظةِ النائمِ
أُبدِّلُ أثوابَ قلبي وفي
دمي طائرُ الشبقِ الحائمِ
أنا السامريُّ الذي لا مساس
لعينيَّ غيرَ الندى الحالمِ
صراخي يشقُّ سماءَ الثرى
بما لا يُرى من دمي الغائمِ
وأغبطُ يوسفَ في جُبِّهِ
وأيوبَ في المرضِ الدائمِ
وتستصرخُ الروحُ أفعى سدوم
تنامُ على الهيكلِ القائمِ
وكلَّ الزناةِ الذينَ انتهوا
وكلَّ العواهرِ من آدمِ
لوجهكِ عينايَ كالشمعتينِ
تضيئانهُ.. وفمي خاتمي
لشعرَكِ كفَّايَ كالزهرتينِ
تربَّانِ عطرَ الندى الفاحمِ
لعينيكِ زرقةُ هذا المدى
تُزوَّجُ للمطرِ الناعمِ
فهل ترفعينَ دماً للشموسِ
لقلبٍ على قُبلةٍ جاثمِ؟
فأنتِ البلادُ التي لا أبوسُ
ثراها سوى بفمي النادمِ
بلادي التي ادَّخرتها سدومُ
لكلبِ هياكلها القادمِ
أيستوقفُ الماءَ رملُ الدماءِ
وفخَّارُ ضلعِ الظما لائمي؟
سأتبعُ كالنسَمِ الهائمِ
خطاكِ إلى آخرِ العالمِ
*********
تقمُّص
آهِ يا ميمُ ماذا تقولينَ لي
أنني ربمَّا أتقمَّصُ نجماً صغيراً من القطنِ في كاحلِ الماءِ
أو كحلِ أحلى الفراشاتِ يا ميمُ؟
أو ربَّما أتقمَّصُ حلماً من الليلكِ الرخوِ في قُزَحِ العُشبِ؟
يا ميمُ ماذا تريدينَ من عطشِ الأغنياتِ
وفيكِ الينابيعُ تركضُ مبهورةً بالأشعَّةِ؟
هذا أنا العربيُّ الشقيُّ الذي قصمَ الوردُ صبحَ النوارسِ فيَّ
ولستُ شبيهي الرومانسيَّ
لستُ أنا الشاعرَ الانجليزيَّ ما قبلَ قرنينِ
يا ميمُ لستُ أنا اللوردَ بايرونَ ولستُ أنا في الحياةِ أنا
ربَّما أنا أنتِ.
*********
قصائد حُبٍّ عطشى لرذاذِ الشمس IV
على ما يُرام
كنتَ تحملُ عنها حفيفَ الفراشاتِ في نصفِ نيسانَ
بعضَ غبارِ الورودِ الصغيرةِ
دمعَ الغزالةِ / ظلَّ البنفسجِ
خوفَ الندى من مرورِ يديها على شهقةِ الماءِ
سرَّ الخطى في الذهابِ إلى مشتهى الاحتراقِ
وشهدَ اليمامِ
فهل كنتَ تعرفُ ما مرضُ الشِعرِ والحبِّ
حينَ انتبهتَ إلى خمرةٍ حرَّةٍ في أصابعها
ثمَّ ملتَ على وردةٍ من كلام؟
تتمدَّدُ في قلبها مثلَ سربِ النوارسِ في الأزرقِ اللا نهائيِّ
أو كبكاءِ الخزامْ؟
وهل كنتَ تعرفُ ما عدد السنواتِ التي عذَّبتْ
قمَراً يختفي تحتَ فستانِ عفراءَ من شمسِ ذاكَ الشقيِّ حزامْ؟
ويا ولَدَ الماءِ هل كنتَ تغرفُ ضوءَ الغرامِ بعينيكَ حينَ تشاهدُها في المنامْ؟
وهيَ تقطفُ زيتونها برومانسيَّةِ الملكاتِ الجميلاتِ
أو بغوايةِ أحزانها العربيَّةِ...
هل كنتَ حقَّاً على ما يُرامْ؟
*********
حيفا تشبكُ شَعرَها بيمامةٍ عطشى
... منذُ متى وأنتَ تصُبُّ رغوةَ بحرِها وشذى نداها في دمائكَ
تقتفي ما يتركُ اللبلابُ في شرفاتها من شهوةٍ عجلى
تُؤثِّثُ ليلَها بشفاهِ ليليتَ التي لم تأتِ إلَّا عندما
فخَّختَ عطرَ قصيدةٍ بالموجِ؟
منذُ متى وأنتَ تقيسُ أبعادَ التأمُّلِ في روايةِ حُبِّها الأزليِّ؟
كيفَ يشيخُ قلبُكَ في طفولتها
وتلمَعُ في أنوثتها شظايا مائكَ الكحليِّ؟
لوزُ البحرِ مرميٌّ على يدِها
ودمعُ طيورها البيضاءِ يلمعُ في خطاكَ
فهل تُرى تهذي بموسيقاكَ في جَسدٍ
وهل كالأقحوانةِ في الصدَى تهوي؟
تَرى حيفا من الأصدافِ تخرجُ مثلَ أفروديتَ
تُشعلُ ماءَ بسمتِها
وتُسندُ قلبَها المثقوبَ بالنعناعِ والدامي
على نجمٍ من الصَوَّانِ
تشبكُ شعرَها بيمامةٍ عطشى
وتنتظرُ البرابرةَ المسائيِّينَ...
منذُ متى وأنتَ تحبُّها وتصُبُّ رغوةَ جِسمِها
أو نارَ شهوتِها المطيرةِ في دمِكْ؟
**********
لا تشتبِهْ بعنات
خفِّفْ الوطءَ
إنَّ الأديمَ الذي لستَ تمشي عليهِ سوى بعيونِ الظباءِ
كما قالَ عنهُ المعريُّ يوماً
دمُ العاشقاتِ القديماتِ فوقَ الرذاذِ تيبَّسَ
لا تنتبهْ لخطى الآخرينَ
ولا تشتبهْ
بعناتَ التي قطرَّتْ كحلَها في البنفسجِ
أو في سرابِ الترابِ الذي شحَّ فيهِ الندى
ونداءُ الجنودِ القدامى
هنا نمَشٌ غائرُ الضوءِ
وردٌ من الثلجِ
تُلقي بهِ الشمسُ في قلبها
خفِّفْ الوطءَ
إنَّ الأديمَ الذي تتقرَّاهُ بالفَمِ
غيمٌ تنقِّشهُ زرقةٌ واخضرارٌ وشهدٌ فسيحٌ جريحُ
لأعينِ من كُنَّ ربَّاتِ هذي السماءِ الفقيرةِ
كالأقحوانةِ يجتَّرُها شفقُ الرملِ
خفِّفْ إذنْ وطءَ عينيكَ
حينَ تهبَّانِ كالطائرينِ الغريبينِ
في أُفُقٍ هو من عبَقٍ لا يُرى
لا يُشَّمُ ولا يُشترى
من دمِ العاشقاتِ القديماتِ
أو من شفاهِ الهواءْ
**********
غجريَّات يوسف
النسوةُ الغَجرُ اللواتي انصَعنَ للتفَّاحِ
في فردوسهنَّ الآخرِ الأرضيِّ
أو لفُتاتِ شمسِ غزالةٍ عربيَّةٍ في شِعرِ لوركا..
النسوةُ الغجرُ الجميلاتُ الطويلاتُ الرشيقاتُ
انتبَهنَ لنأمةٍ في الماءِ
حينَ حمَلنَ غيمَ صليبهنَّ على الأكُفِّ
وسِرنَ في المعنى.....
أحُبُّ حريرهنَّ الرخوَ والذهبَ المقطَّرَ في جدائلهنَّ
أو في مسحةِ النمشِ الخفيفةِ حولَ أعينهنَّ...
كيفَ انصعنَ للدُلبِ المعذَّبِ بالحنينِ إلى الوراءِ؟
النسوةُ الغجرُ الخرافيَّاتُ لا يُسْبَينَ بل يَسْبينَ
يستنهِضْنَ حبَّارَ الرميمِ من الأديمِ
يكادُ من فرطِ الغرامِ يضيءُ
يستوقفنَ من يبكي عليهِ دماً سُدىً طلَلُ الفراغِ
ويستعدنَ البرقَ من رُكَبِ النساءِ الأمازونيَّاتِ
أو شبقِ المجازِ
حفيفهنَّ يخضُّ أوردتي ونارَ دمي
فكيفَ انصَعنَ للتفَّاحِ أو لأظافرِ الأفعى
التي شابَتْ من الآثامِ
أو قطَّعنَ أيديَهنَّ حينَ رأينَ يوسُفَ في المنام؟
*************
صَبيَّة
الصبيَّةُ تلكَ التي حنَّتْ الشمسُ غرَّتها
بالنعاسِ البريءِ وبالأرجوانِ السخيِّ
الفتاةُ الخجولةُ كالشاعراتِ الصغيراتِ في زحمةِ الآخرينَ
وفي لهفةِ الماءِ أو شغفِ الآسِ
والمستقيلةُ من قمَرٍ ذابلٍ ناحلٍ مثلها
الفتاةُ التي راحَ ينبضُ كالماسِ في قبضتي شعرُها
ويُلوِّحُ من آخرِ الكونِ أو لوعةِ اللونِ لي
ثُمَّ يتركُ في القمحِ أو أوَّلِ الصبحِ شقرتهُ الأبديَّةَ
أو شفقَ الزعفرانِ الملطَّخَ بالغارِ والزيزفونِ
الفتاةُ الصبيَّةُ تلكَ التي................
من تكونْ؟
************
إمرأةٌ لا تموت
تفحَّمتْ أوصالُ ذاكَ العنكبوتِ الأسودِ القبيحِ والدامي
ولم يذبحْ مرايا تلكما الحوريَّةِ الحوراءِ
تلكَ المرأةِ.. العصفورةِ.. الغزالةِ.. الفراشةِ.. الوردةِ
بل أسمعُها تشهقُ في قاعِ البحيراتِ
ولا تعصبُ عينيها سوى بالضوءِ أو بخرقةِ الدمعِ
الذي يطفرُ من ضلعي ومن أصابعي هناكَ
أو من عطشِ المرجانِ في كاحلها الناريِّ
فيما قلبُها كالسَمَكِ المهتاجِ أو كالقمَرِ الصغيرِ
راحَ يذرعُ السماءَ في الأسفلِ
كانَ صوتُها يخضرُّ أو يرتدُّ من
أقصى شغافِ الصدَفِ المائيِّ
فيما خصرُها يشقُّ نجمةً إلى نصفينِ
هل كلُّ طيورِ دمِها استعصَتْ على
خناجرِ الجلاَّدِ أو رصاصهِ الأعمى؟
وهل نحيبُها الشبيهُ بالنسمةِ أو برفرفاتِ اللوزِ
كانَ في مدى محارةٍ يرتدُّ كالموجةِ في قلبي؟
مسَستُ جسمَها فاستَنزَفَ الشهدَ
أكلُّ امرأةٍ من حمصَ فيها ذرَّةٌ خضراءُ
من شمسِ رمادِ وردْ؟
***********
يأكُلني المجاز
أفكِّرُ..
لا بقلبي أو بعينيَّ
الحياةُ جديلةٌ ناريَّةٌ في النهرِ
يأكلني المجازُ كما يليقُ بجهلِ رومانسيَّتي
وأنا أفكِّرُ؟
لا أفكِّرُ بل أمرُّ بكلِّ ما في جمرةِ الماءِ المريبةِ
فوقَ سوسنةِ الشفاهِ
ولا أمُرُّ
يضيئني غبَشي
أفكِّرُ؟
ربَّما اللا شيء من حولي
يُؤثِّثُ بالأصابعِ وهيَ تكتبُ سيرَةِ العطَشِ
انتباهاتِ النبيِّ ونومةَ الطيرِ الشريدِ
على حوافِ القطنِ
تنعفُني سماءٌ كي أمسَّ رمادَها الضوئيَّ في عَصَبي
وأقطفَ زهرةَ النَمَشِ.
**********
إيثاكا
هل في الطريقِ إلى إيثاكا
تولدُ الرغباتُ في قدمينِ عاريتينِ؟
تندلعُ الغواياتُ الصغيرةُ في الأصابعِ ؟
هل أرى في الناسِ يا بنلوبي غيرَكِ في إيثاكا؟
لا أظُنُّ....
أنا الذي لم ينطفئْ قلبي
ولم تترمَّدْ الشفتانِ في أسوارِ إيثاكا
وفي قنديلها البحريِّ
كالسمَكِ الذي قد حجَّرتهُ الذكرياتُ وذابَ في الرؤيا
فقلبي جمرةٌ لم تخبُ في أجفانكِ الخضراءِ يا بنلوبي
قلبي زهرةٌ في الريحِ تشربها السماءُ المرَّةُ السوداءُ
هذا الدربُ بالعينينِ أطوي شوكَهُ طيَّ الضلوعِ
على بنفسَجَكِ الصغيرِ المدلهمِّ...
ولا أرى في الناسِ غيرَكِ..
فاحملي بي واحلمي بصباحِ ذاكَ اليومِ
حينَ أفُكُّ حبستَكِ البليغةَ في القصائدِ
ثمَّ أنقضُ يا ابنةَ البحرِ المعذَّبِ
بالجمالِ وبالسيريناتِ العذارى
ما نسجتِ من الأشعَّةِ فوقَ قلبي.
السيرينات مفردها سيرينا وهي جنِّية البحر لها رأس أنثى بشرية بديعة الجمال وجسم طير. وفي أسطورة يونانية أخرى جاء أن للسيرينا شكلا آخر، رأس أنثى فائقة الجمال وشَعر طويل يزيدها جمالاً على جمال ونوراً على نور وعينان بلون البحر وجسم سمكة وهي حوريَّة البحر.
*************
معلَّقةُ نون V
معلَّقةُ نون
شكراً لكِ يا نون.. أيتها القصيدةُ المتوحِّشة.. نجحتُ أن أكتبكِ أخيراً.. ألف شكر يا أبولو ألف شكر.. أبوسُ ترابَ أولمبَ الطهور.
شفَّافةٌ كخرافةٍ.. بيضاءُ أسطوريَّةٌ ومصابةٌ بالريحِ
أو مطرِ الجمالِ الصاعقِ الهدَّارِ
يرجمُ وردَ هذا القلبِ وهو يهبُّ من أقصى شغافِ الغارِ
لم أفهم حوافيها المعذَّبةَ التلفُّتِ
لم أدُرْ إلَّا على نفسي
أقولُ جميلةٌ فتقولُ إنَّ جمالها مرضٌ وراثيٌّ
يؤثِّثُ قلبَها ودماءَها بالزعفرانِ وحزنهِ
وهيَ التي لا تعشقُ الأمراضَ تهمسُ لي وتشكرني...
أقولُ إذن مفكِّرةٌ...
أنا اللا شيء
عاريةٌ من الأصدافِ والرؤيا
أنا أنثى الندى والياسمينَ
أنا دمشقُ تقولُ
طعمُ التينِ في جلدي وفي كلتا يديَّ يذوبُ
عشتاري تعرَّتْ من كلامِ المنطقِ المأهولِ بالأوتارِ
أو من رغوةِ الأديانِ
لا أهوى مطارحةَ المديحِ ولا أجيدُ البوحَ
ماءُ القبَّراتِ على شفاهي تاهَ
لونُ البحرِ مسَّدني وعذَّبَ مقلتيَّ
ولم يحرِّرْني من الأسماءِ...
أكرهُ فيكَ شِعرَ الثرثراتِ تقولُ.. ثمَّ تضيفُ
غُصْ حتى الثمالةِ أو عماءِ الكونِ
يُعجبني كلامُكِ واليمامُ الليلكيُّ المدلهمُّ
على أعالي صَدركِ القُزَحيِّ...
سمَّتني الغريبُ.. ولا تُجيدُ صداقةَ الغرباءِ
قلتُ تكلَّمي عن أيِّ شيءٍ.. أيِّ شيءٍ
دونَ أن تتحرَّجي مني ولكن دونَ شتمٍ واضحٍ أو جارحٍ...
هل أنتِ جسمُ قصيدةٍ وحشيَّةٍ أنا روحُها؟
لا تتركيني في المساءِ وفي الضحى وحدي.. أقولُ
فلا تُجيبُ سوى بليسَ الآنَ.. ليسَ الآنَ
هل حوريَّةٌ تنسلُّ من زبدِ الضلوعِ أو البحيرةِ أنتِ؟
لا أدري تقولُ
وتحتفي كفراشةٍ بفمي
ستقتلني بكُحلِ النارِ.. أهجسُ
ثُمَّ تسألني.. أتهذي بالجمال؟
وما المهمُّ بقلبكَ المخلوقِ من دمعِ العذارى في الجمالِ؟
وما الأهمُّ؟
وتقتفي شبقي بضحكتها
ستقتلُني بمجَّانيَّةِ الرؤيا أو الأوهامِ أو عبثيَّةِ الأفكارِ
أو بجنونها...
وتضيفُ لولا القبحُ ما كانَ الجمالُ المحضُ..
تُفحمُني غرابةُ شِعرِها الأعمى وتهزمني
أُحبُّكِ...
لستُ أجرؤُ أن أقولَ لها أحبُّكِ.. أو صباحُ الخيرِ..
كيفَ الوضعُ عندكِ؟
مستقرٌّ...
ربَّما ما زلتُ من شغَفي على قيدِ الحياةِ
أو التأمُّلِ في الهشاشةِ...
آهِ.. لا تُرهق دمي بالثرثراتِ
فإنَّني صدَّقتُ أني لم أمُتْ...
هل هذهِ أضغاثُ أحلامٍ وفلسفةٍ محرَّمةٍ...؟
أم اليأسُ المفخَّخُ بالمرايا أو شظايا الحبِّ؟
أم هيَ خفَّةُ الدمِ فيكِ؟
أم ماذا؟
... أُحبُّكِ.. فارحميني من جمالكِ
أو ظلالكِ فوقَ عرَّابِ الندى المجهولِ
يذرعُ وحدَهُ الصحراءَ
يطوي شمسَهُ الرمليَّةَ الجرداءَ طيَّ القلبِ...
أهوى الصمتَ يا هذا
المدَجَّجَ بانتصارِ الأقحوانِ على القذائفِ
والمسيَّجَ بالمجازِ...
خذي إذن صمتي إليكِ
خذي ندى صوتي
وأجنحتي/ خذي موتي / خذي ما يتركُ اللبلابُ من وقتي
خذي ما تحملُ الأنهارُ من سَمْتي
سأهدأُ مثلما ينصاعُ ذئبٌ للأنوثةِ
ثمَّ أصمتُ في جوارِ حليبكِ الوحشيِّ...
لا إشكالَ في هذا تقولُ
كقطَّةٍ عمياءَ تخمشُ فُلَّ أعضائي ولا تتأسَّفُ
انتبهي فتبَّاً للنهارِ الزِفْتِ
تبَّاً لي وتبَّاً لاخضرارِ الصَمتِ في عينيكِ..
لا تتمرَّدي أبداً على كفَّيكِ
أو تثقي بما للخمرِ في شفتيكِ من عربيَّتي الفصحى
تجاهَلْ كلَّ تحريضٍ على فعلِ الكتابةِ والمحبَّةِ
وانتبهْ لخطاكَ في حقلٍ من الأوهامِ...
كيفَ تفلسفينَ الماءَ؟
كيفَ تفكِّرينَ..؟
وكيفَ تنشَقِّينَ من غيمِ الفراشةِ؟
كيفَ حالُكِ؟
كلُّهُ عدَمٌ...
يُطوِّقُ سوسني ندَمٌ
أكادُ أجنُّ منكِ أنا
ومن أسرارِ طينتكِ التي استعصَتْ على قلبي
وماءِ الشهوةِ البيضاءِ في جَسَدي
معذَّبةٌ وشاعرةٌ وحالمةٌ وقابضةٌ
على ما أوَّلَ التفَّاحُ في فمها من النيرانِ
منتصفُ الطريقِ إلى مجرَّاتِ الحنينِ أو البروقِ
بنفسجُ الرغباتِ/ شمسُ الأرجوانِ الرطبِ
عطرُ القهوةِ المسكيُّ
رائحةُ القرنفلِ في الأزقَّةِ
واجتراحُ الياسمينةِ
رفرفاتُ الظلِّ فوقَ الأقحوانةِ
رغوةُ النارنجِ / روحُ الطَلِّ
أسماكُ الغوايةِ / أضلعي الملغاةُ / أوجاعُ التأمُّلِ
خيطُ هاويتي / وأنهارُ التبتُّلِ / لوعةُ الليمونِ / أطيارُ التحوُّلِ
بدءُ خاتمتي وخاتمةُ البدايةِ
تقتفي أثرَ الطيورِ بأنفها الأقنى
ولا تنحَلُّ في المعنى
دعْ الأشياءَ تزهرُ في رمادكَ
أيُّها الكليُّ والمنفيُّ والمنسيُّ
خُذْ من كاحلِ العنقاءِ ذرَّتكَ الأخيرةَ
كي تُزاوجَ بينها وثرى بلادكَ
صدَّعتني حينَ قلتُ لها أحبُّكِ
ثمَّ قالتْ لي لماذا صدَّعَ الصَوَّانُ قلبَكَ في المراثي كلِّها؟
من أنتِ؟
أغنيةُ السرابِ وظلُّهُ العالي..
مزاميرُ الهباءِ.. تقولُ
هل ضدَّانِ نحنُ يتمِّمانِ رؤى الطريقِ
إلى إيثاكا فيكِ يا نونَ الجنونِ..؟ أقولُ
طاغيةُ النساءِ جميعهنَّ أنا تقولُ
سُدىً أُمشِّطُ بحرَها الغيميَّ بالعينينِ
إذ تتسلَّقانِ معارجَ البلَّورِ...
ها نحنُ اتَّفقنا بيننا لا بأسَ
طاغيةٌ وعبدٌ نحنُ
أو ضدَّانِ في المعنى وفي ذَهبِ الإشارةِ
في رميمِ الفضَّةِ العمياءِ
في أحجارِ آنيةِ المجازِ
فكيفَ يلتقيانِ؟
يا بنتَ المحارِ الحيِّ والحوريَّةِ العذراءِ
كيفَ ورثتِ عن هيلينَ
مخملَها / أناملَها / جدائلَها
استدارةَ خصرها الدريِّ
ناياتِ اسمِها العلويِّ
خمرتَها / وسرَّتها / خميلَتَها / وبسمتَها / انتباهتَها / ولعنتَها / وقسوتَها ؟
ولم أرِثْ انحسارَ الضوءِ عن رجليكِ
أو جوعَ الإباحيِّينَ
أو عرسَ انهمارِ أصابعِ الصبَّارِ كالأزهارِ
من كلِّ الأساطيرِ الجديدةِ والقديمةِ
لم أرِثْ يا نونُ
إلَّا لوعةً من قاسيونَ
وما اشتهى باريسُ حينَ أزاحَ عن آلاءِ صدركِ
غيمةً بحريَّةً عطشى...
وإلَّا كعبَ آخيلَ المخرَّمَ بالغوايةِ والعذابِ
تقولُ لا أحدٌ أنا
وخميرتي لا شيءَ
أقمارُ الطفولةِ في ثيابي
فانتبهْ لحفيفِ قلبكَ واشتبهْ بشذى رضابي
واثقٌ أنا يا زليخةَ بي وبالأنثى التي قدَّتكِ من شجَرٍ خريفيٍّ
فقُدِّيني إلى نهرينِ... قُدِّي لي قميصي مرَّةً أو مرَّتينِ
وراءَ صَهْدِ عبيركِ المنخوبِ بالشهقاتِ
من قُبُلٍ ومن دُبُرٍ
وقولي هيتَ لكْ.
**********
تموزيَّات VI
ذابَ معناكِ فيَّ
غصبَ عني حببتُكَ يا أيها المتصعلكُ
تهمسُ لي في رسالةِ هذا المساءِ فأهجسُ
بل رغمَ قلبكِ.. أو رغمَ أنفكِ هذا الجميلْ
غصبَ عني حببتُكِ والآخرونَ
على بابِ أحلى القصائدِ
حُجَّابُ هاويتي الميِّتونْ
غصبَ عن زهرةِ اللوزِ
تلكَ التي احترَقَتْ في العيونْ
غصبَ عن لغةِ الطيرِ والنهرِ والمستحيلْ
نجمتي اندثَرَتْ في الثرى
ذابَ معناكِ فيَّ
انتهى قمري في السرابِ
فماذا تريدينَ من صخرةٍ في فمي أن تقول؟
***********
صورةٌ بمجلَّدات من الشِعر
لي أكثرُ من ألفِ منشورٍ في الفيسبوك
ولكنها للأسف لم تحصدْ ( مجتمعةً) من اللايكات
قدر ما حصدتْ صورةٌ واحدةٌ لكِ
وللعلمِ أنها ليست أجملَ صوركِ ولا أشهاها إلى ذئابِ الشعرِ
ولا أنقاها غيماً يحفُّ بياضكِ النافرَ من نيلوفرِ الماءِ..
فتبَّاً لكل بوستاتي مجتمعةً ويا للعبث إذن ...
تُرى هل كانَ هوميروس يكتبُ الياذتهُ أو أوديسته
لو شعَّ وجهك الممطرُ في برِّيَّةِ عينيهِ المظلمة أو في يقظةِ حلمهِ ...؟
هل كانَ شكسبير يكتبُ مسرحياتهِ الانسانيةَ لو عاصرَكِ؟
أفكِّرُ أنَّهُ كانَ سيكتبُ كلَّ شعرهِ على طرازِ سونيتات الحبِّ.
**************
هيلين
تنشقُّ طرواديَّتانِ من النساءِ وراءَ خطوَكِ
من عُواءِ البحرِ.. من زبَدِ التردُّدِ
تقتفي الريحُ الحرونُ أصابعَ الرملِ الرقيقةَ
إذ تمدُّ إليكِ أشباحُ الخرافةِ يا هيلينُ
يدَيْ باريسَ من الظلامِ أو السنينِ
لتستريحا من هواياتِ الفظاظةِ والتجمُّلِ
أو هشاشةِ عاشقٍ نسيَ الطريقَ إلى أولمبَ
ولم يجدْ شفَتيهِ حينَ تمرَّدَ الرُمَّانُ...
لا تقفي بنصفِ الحبِّ يا هيلينُ
بل شُقِّي ملاءاتِ البحيرةِ كلَّها
وتدَّفقي كحديقةٍ قمريَّةٍ عندَ المصبِّ
ولا تُراعي حُرمةَ الرغوِ الوحيدةَ يا هيلينُ...
فكلُهنَّ يكِدْنَ من فرطِ الأنوثةِ والجنونِ
لما حملتِ من الينابيعِ الصغيرةِ في ثيابكِ
أو حفيفِ خريفكِ السحريِّ في قلبي
وقمصانِ احتراقِ الياسمينْ
**********
يا برَدى امتحِنْها
لا تنقري قلبي كعصفورٍ عنيفِ الحُبِّ
واتحدِّي بأعضائي
فإنَّ مزاجَكِ العصبيَّ لا يُجدي ولو خمشَتْ خطاكِ دمي
اذهبي في الماءِ
لا تتردَّدي كالنهرِ في الصحراءِ
حينَ يمرُّ في خرَزِ انكساركِ أو رمالِ الظَهرِ...
أبكي ياسمينَ دمشقَ
فلَّ الزرقةِ الأبديَّ في شريانكِ الكحليِّ
أهذي آه...
يا نارَ الجحيمِ تدفَّقي برْداً على آلاءِ فتنتها
ويا برَدى امتحِنها وامتحِنْ ندَمي على الجنَّاتِ ...
حقدُ الطائراتِ أحالَ عاليها أسافلَها
أنا بالروحِ لا بالجسمِ ثمَّ أُقاتلُ الطاغوتَ دونَكِ
فاحملي روحي على كفَّيكِ حينَ تموتُ
أو تخضَّرُ في الملكوت .
***********
نكايةٌ
نكايةً بكِ أو بقلبي الآنَ
سوفَ أشيرُ بالإعجابِ في كُتبِ الوجوهِ
لكلِّ من حقَدت عليكِ
أو اشمئزَتْ منكِ
أو حسدَت جمالَكِ
أو بلا سببٍ لغَتْ أطيارَ لثغتكِ الفريدةِ
من خيالِ النايِ والأشجارِ
أو كادَتْ لوردتكِ الصغيرةِ
أو لمزمورِ النصاعةِ في اجتراحِ الغيمِ
والعدَمِ المطوَّقِ بالذئابِ...
أقولُ تلكَ نكايةٌ لا غيرَ..
رومانسيةٌ.. شفَّافةٌ.. بيضاءُ.. ناعمةٌ.. وكاذبةٌ
فلا تتأسَّفي لي مرَّةً بأنوثةٍ عطشى وأسطوريةٍ
لا تحملي قمرَاً بلا ماءِ المجازِ
ولا تحيدي عن خصالِكِ
كُلهنَّ يغَرنَ من صخَبِ الهدوءِ لديكِ
حينَ تمسِّدينَ يديكِ بالصفصافِ
ليسَ لهنَّ طاقةُ زهرتينِ على احتمالكْ.
**********
يا ميراثَ أنكيدو من الخسران
إذهبْ وطرْ عني انسحبْ من قطرةِ الماءِ الأخيرةِ..
كن سرابَ الظلِّ.. طلِّقني.. اغتربْ عني..
اسكنْ المريِّخَ أو زحلَ
احترِقْ عني بعيداً في مجرَّاتِ الحليبِ أو الترابِ
أرِحْ من الوخزِ الرهيبِ دمي المضرَّجَ بالضبابِ
مصارعَ الثيرانِ كُنْ في أرضِ إسبانيا
وقاطفَ نبتةِ الشايِ الشفيفةِ في سهوبِ الصينِ
سرَّاً لاخضرارِ النارِ في الأنديزِ
موَّالَ الأرُّزِ وطينَهُ في الهندِ
حزنَ النايِ في الأوراسِ
زمَّارَ الرصيفِ بأورشليمَ وكوبنهاجنَ
راعيا في الهملايا
سائحاً في كاليفورنيا
أيها المجنونُ حِلْ عني
فقد أدميتَني حبَّاً وشعراً عارياً في الريحِ
يمشي فوقَ جمرِ الشوكِ
يا شفقَ انخطافِ رؤايَ.. يا شَغفيِ الذي أطَّرتهُ بيديَّ
يا قلَقَ القصيدةِ في النهاياتِ الوحيدةِ
يا مرايا المبتلى بجمالهِ نرسيسَ
يا شبقَ المحارةِ في المغارةِ
قُدتَني بغنائكَ الجنيِّ من قلبي
إلى أقصى تلابيبِ الأنوثةِ ..
من دمي حتى استداراتِ السفرجَلِ في الصدورِ
ومن فمي حتى غواياتِ القرنفلِ
أو وصايا الماءِ والشهدِ الصغيرةِ
قُدتَني بغبائكَ السحريِّ مثلَ فراشةٍ صفراءَ في تشيلي
تشاغبُ نجمةً مائيَّةً في الطينِ
قدتَ خطايَ نحوَ اللا مكان........
رجوتُ روحكَ.. بُستُ أخمصَ قلبكَ المشبوبِ بالعذريَّةِ السوداءِ
دعني.. لا تذُبْ فيَّ.. انسحبْ..
لا تقترِبْ مني
أريدُ الآنَ أن أحيا حياتي كلَّها
وعلى هوايَ وكيفَ شئتُ
فلا تقيِّدني بصلصالِ النساءِ الناظراتِ إلى سدومَ
ولا تعذِّبني بما يرِثُ السرابُ من الرتابةِ
والإشاراتِ الخفيفةِ في الكتابةِ والبنفسجِ
يا أنايَ المدلهمِّةُ.. يا دمي.. يا ما اشتهى نرسيسُ منهُ..
وما انتهى في الفضَّةِ الحمراءِ.. يا ضلِّيلُ..
يا ميراثَ أنكيدو من الخسرانِ
يا أيقونةَ القدِّيسِ أو أيقونةَ الزنديقِ
يا ليمونةً في القلبِ
يا عصَبَ الندى
يا شاعري
يا آخري..
يا......
************
تانغو
التانغو الذي كانَ مخبوءاً في مشيتكِ..
التانغو العفويُّ المجرَّدُ الفسيح الواضح كعينِ الأفعى..
الأزرقُ كبكاءِ دمِ البحر ..
الفقيرُ كغناءِ السمكِ الهائجِ..
التانغو الذي كانَ يختصرُ كلَّ أمجاد كرة القدم البرازيلية
كانَ لحظةً بيضاءَ بأعمارٍ شتَّى من الشعرِ
حينها نسيتُ أن أسألكِ
هل تسيرينَ في السنينَ إلى الوراء
أم إلى الأمامْ؟
**********
وشمُ طائرِ النورس
أيتها الأنثى العنقاء... كيفَ خرجتِ من الرماد أيتها الجميلة ...؟
كيفَ لملمتِ شباكَكِ البنفسجيَّةَ وحبالَ الشمسِ من جسمي.. كيف؟
كيفَ هصرتِ ذرَّاتكِ الذهبيَّة على جبيني ؟
كيفَ تمسَّحتِ بالغاباتِ الذهبيَّةِ السكريَّةِ الماطرةِ؟
وتركتِ أجنحتكِ في أشجار الصوَّانِ والزنزلختِ الشاهقةِ
كعصفورٍ مائيٍّ صغير؟
كيفَ قطَّرتِ روحَ شاعرٍ في هواءٍ آخرَ
كما يُقطَّرُ الوردُ ليُستخرجُ منهُ العطرُ النفَّاذ
ثمَّ حوَّلتها بلا مبالاةٍ إلى نجمةٍ يتيمةٍ.. كيف؟
أقودُ أسرابَ النحلِ وعصافيرَ الدوريِّ في قلبي بألف لغة
لأقاسمَكِ شهدَ الطيورِ والشِعرِ
وأوزِّعَ فقاعاتِ القصائدِ الملغيَّة على مدِّ الفضاءِ
بينَ كرملِ حيفا ومدينةِ ريو دي جانيرو
وأنتِ تتظاهرينَ بالعبثِ وتردِّينَ بعبارتٍ سريعةٍ ومقتضبة
كأن ليس لديكِ وقتٌ لشبكِ شعركِ بغيمةٍ حجريَّةٍ
أو بدبُّوسٍ صغيرٍ على هيئةِ أفعى
أو ربمَّا لتحسُّسِ وشمِ طائرِ النورس على ظاهرِ عنقكِ
ليسَ لديكِ وقتٌ لنطقِ عمتَ مساءً أو شقاءً.
*************
طريقُ إرَمْ
كيفَ يحنو عليها.. يُدلِّلها..
يحتفي بأظافرها حينَ تخمشُ عينيهِ بالنزَقِ الأنثويِّ
وحينَ تقُدُّ لهُ قلبَهُ؟
كيفَ يغمرُ كشرتها بمياهِ أغاني الرعاةِ
وبالزعفرانِ المجفَّفِ؟
أو كيفَ يحملُ ما خفَّ من سكَراتِ الندَى
عن تلابيبِ أنفاسها
وهيَ توسعهُ بالشتائمِ
تمطرهُ برخيصِ السِبابِ..
تصُبُّ عليهِ سياطَ العذابِ؟
يُكلِّمها بالزهورِ.. يقولُ لها قطَّتي
هل شراسةُ عصفورةٍ فيكِ أم أنني لا أرى؟
وهيَ ترشقُهُ بالشقيِّ الغبيِّ وأجهلِ كلِّ الورى
العربيِّ الذي ليسَ ينقصُ حزني...
وينسى شتائمها كلَّها
هل تدينُ بدينِ الهوى بعدُ
يا أيُّها الوغدُ؟
يا ليتهم قد أبادوا سماءَكَ
حِلْ عن سمائي...
يقولُ لها إنَّ شمسَكِ مرميَّةٌ في دمائي
وفي عصبي
والطريقُ إلى إرَمٍ قد تطولُ
الطريقُ إلى إرَمٍ قد تطولُ
بعينينِ ذابلتينِ يُقبِّلها
ثمَّ يسندها بيديهِ على حائطٍ مائلٍ
في مدائنَ منسيَّةٍ في أعالي البحارِ
يقولُ لها تشبهينَ فتاةً خلاسيَّةً كنتُ أحببتها
قبلَ عامٍ وخمسينَ صخرة حبٍّ على أضلعي
تشبهينَ فتاةً يهوديةً من أقاصي الشمالِ
فتاةً تزيِّنُ صرختها بالنبيذِ الفرنسيِّ أو خصرها بالهلالِ
تقولُ إذن أنتما تشبهانِ حذائي العتيقَ
ولا تتوَّرعُ في الشتمِ
يا جاهليُّ ابتعدْ عن خطايَ
ويا عربيُّ الذي ليسَ ينقصني
أكملْ النومَ تحتَ جبالِ الرمالِ
التي دفنتْ قومَكَ العربَ البائدةْ
أريدُ اللجوءَ إلى غيمةِ النومِ لكنَّ حزنكِ يمنعني
والقصيدةُ هذي سأكملها بعدَ دهرٍ طويلٍ يقولُ لها
فتقولُ لهُ أيهذا اليهوديُّ حِلْ عن دمائي
أريدُ المنامْ
فمثلكَ لا يستحقُ الكلامَ
ولا يستحقُ الغرامْ
على عتباتِ سدومَ خذي جسدي مائدةْ
لتشتعلَ الوردةُ الحجريَّةُ في الشاهدةْ
**********
إمرأةٌ من الفيروز
أنا لا أُسمِّي غيرَكِ امرأةً من الفيروزِ
يا من قد جعلتِ الشعرَ ..
كلَّ الشعرِ في قلبي رمالَ قصيدةٍ زرقاءَ في عينيكِ
أو أضغاثَ أحلامٍ
شذىً لخطاكِ أو نثراً ركيكا
لحطامِ ديكِ الجنِّ فيَّ...
أأنتِ وردُ؟
يقينُها كرمادها العطريِّ
أسكبُهُ أمامَ دمي ..أهذِّبهُ.. أرتِّبهُ.. أكذِّبهُ.. وأشربهُ شكوكا
*******
قصيدةٌ بالنارِ موشومةٌ
يا وتراً روَّى دمي لوعةً
وقمراً يطعنُ في الخاصرةْ
قصيدةً بالنارِ موشومةً
كنتُ نحرتُ فوقها الذاكرةْ
أجلدُ قلبي فوقَ تسعينَ جلدةً
لو لم تكوني امرأةً عاهرةْ
********
قلبُ امرئ القيسِ
هكذا خلقَ اللهُ قلبَ امرئ القيسِ
أبيضَ من غيرِ سوءٍ
مضيئاً بأوجاعهِ دونَ ضوءٍ
شفيفَ الكتابةِ غضَّ الصبابةِ
لا ينحني للغمامِ الخفيفِ وراءَ ابتساماتِ أنثى المجازِ
قويَّاً.. مريضاً بما يشبهُ الزعرناتِ الرخيصةَ
مغرورقاً بندى النسوةِ القاتلاتْ
هكذا خلقَ اللهُ قلبَ امرئ القيسِ
حرَّاً بريئاً جريئاً نظيفاً عفيفاً شريفاً نقيَّاً بهيَّاً سخيَّاً
ولكنهُ يعشقُ الآثماتْ
*******
أنثى/ أفعى
عطشتُ فلو لماكِ إلى شفاهي
تسلَّلَ قطرةً في رملِ روحي
حفيفُكِ ليسَ يحشو القلبَ إلا
بغاماً راحَ يُخلطُ بالفحيحِ
سأحلمُ بالمسيحِ بملءِ قلبي
وأينَ رؤايَ من فكِّ المسيحِ؟
يُقهقهُ في دمائي عطرُ أنثى
بملحِ سدومَ قد ربَّتْ جروحي
تدورُ خطايَ في أقسى مدارٍ
كلوعةِ بدرِ سيَّابٍ كسيحِ
*******
سؤالٌ
تسألني: هل أحببتَ يوماً ما
بكلِّ هذا العمقِ الكوكبيِّ في عينيكَ ؟
هل أحببتَ بكلِّ علوِّ الجمال المنبثقِ من نظرتكَ
من حروفكَ.. من صوتكَ غيرِ المسموعِ
المرئيِّ .. الحفيفِ .. الرفيفِ..؟
هل أحببتَ...؟
هل....؟
********
خذي ضلعي
عشقتكِ طفلةً أو بنتَ روحي
معاذَ الحبِّ أنساها معاذا
عصافيرُ الحنينِ على خطاها
تناغي ذاكَ أو تهفو لهذا
زرعتِ الحزنَ في قسماتِ وجهي
وكل صراخها يوحي.. لماذا؟
خذي ضلعي اليتيمَ فزوِّجيهِ
لضلعكِ.. واجعلي ناري رذاذا
************
برقيةُ دمعٍ إلى أبي سلمى
فلسطين الحبيبة كيفَ أغفو
ونارٌ من دموعكِ في ثيابي؟
على شفتي احتراقُ يديكِ ورداً
وفي عينيَّ أطيافُ العذابِ
دمي الوهاجُ في قمرٍ قتيلٍ
ترابٌ في ترابٍ في ترابِ
أبا سلمى شراييني سرابٌ
وقلبي بيتُ عنقاءِ السرابِ
***********
عبادةٌ
إلغاءُ غربتك عني عبادةٌ
التسكُّع بالقربِ منكِ عبادةٌ
الحبُّ الذي تسميِّنهُ تافهاً عبادةٌ
كلُّ عملٍ صغيرٍ جداً عبادةٌ
حتى التفكيرُ السريعُ العشوائيُّ بكِ عبادةٌ
واستحالةُ لمسكِ عبادةٌ أيضاً
*********
أمطارٌ مبلَّلةٌ بالقصائد VII
غيمة ضيِّقة
الفراشةُ وردتها مغلقة
البحارُ التي هَدهدَتْ حبرَ روحيَ
حتى النعاسِ الأخيرِ أصابعها مغلقة
المساءُ الذي لا يؤدِّي إلى من أُحبُّ شوارعُهُ مغلقة
الحبيبةُ في آخر الأرضِ خائنةٌ تتسلَّى بعشاقها اليائسينَ
ولا تتملَّى بغيرِ طلاءِ أظافرها...
جسمُها مغلقٌ... روحُها مغلقة
القصيدةُ أيضاً تخونُ وتسخرُ مني
كما يسخرُ الكافرونَ من الأنبياءِ
إذن كيفَ يوماً سأسكنُ في ضلعِ أنثى
وفي غيمةٍ ضيِّقة؟
*********
شمسُ الأوراس
أوَّاهُ لو سيكارةٌ واحدةٌ من تبغكِ العطريِّ
في فمي تربُّ حبقَ الأنفاسْ
تعدلُ لي رأسيَ أو تعادلُ الخمرةَ في شعرِ أبي نواسْ
أوَّاهُ لو حديقةٌ عاليةٌ تعلِّقُ الأسماكَ في خلخالكِ المائيِّ
مثلَ فضَّةِ الحواسْ
يشهقُ آسُ القلبِ في الجليلِ كلَّما همستُ اسمكِ
أو تنفَّست شمسُكِ في الأوراسْ
ألمُّ كحلَ الذَهبِ الأحمرِ عن جلدكِ
كالمنقبِّينَ عن فتاتِ الضوءِ
أو كطائرٍ ينقرُ حبَّ القمحِ عن خصركِ
كم قهرتِ لي دمي الذي آمنَ أنَّ الأرضَ مستطيلةٌ
يسقطُ في آخرها العشَّاقُ
مثلما قصَصتِ مرَّةً عليَّ تضحكينَ من سخافةِ الحبِّ
أكُلُّ امرأةٍ سواكِ من طينٍ وأصدافٍ ومن نحاسْ؟
***********
إنسحبي كالحديقةِ منِّي
أخرجي من دمي
أو قفي لحظةً
لستُ أقوى على الانهيارِ أمامَكِ منتصفَ الحبِّ
منتصفَ الدربِ
قلبي يخونُ ولا تستقرُّ شفاهي على لغةٍ
في الصباحِ سوى غمغماتِ الطيورِ
سوى خفقِ روحكِ
في الماءِ والريحِ
لا تقفي
بل قفي / انصرفي /انخطفي / انكشفي
في المرايا وفي نزقِ الشِعرِ
من دونما ريبةٍ
حاولي الآنَ حملَ الفراشةِ عن كاهلي
مرَّةً مثلما تحملينَ بكاءَ الندى
حاولي شيلَ نهرٍ على كتفينِ من الغيمِ
لا تذهبي في دمي الآنَ أكثرَ
وانسحبي كالحديقةِ منِّي
بكاملِ نرجسكِ المتأنِّي
***********
لستُ بعاشقٍ يا حاءُ كي أرثيكِ
أنا كاذبٌ في كلِّ ما قد قلتُ
لا بل صادقٌ
لا لستُ أدري...
كاذبٌ أو صادقٌ سيَّانِ عندي الآنَ
روحي غيمةٌ
عينايَ نرجستانِ
قلبي خفقةٌ بيضاءُ من صلصالكِ الحافي
فمي قمرٌ حليبيٌّ
شفاهي وردتانِ صغيرتانِ تطوِّقانِ الماءَ
لستُ بشاعرٍ
أو غافرٍ لكِ ما فعلتِ
دمي يئنُّ وراءَ ما انتبذَتْ خطاكِ من الظهيرةِ
وانحسارِ الأقحوانةِ في النهارِ اللولبيِّ
وفي اعترافاتِ الفراشةِ بالخطيئةِ في أثينا...
حكمتي خرقاءُ من دونِ انصياعِ مجازكِ السحريِّ لي...
عبَّأتُ قلبي بالرمادِ
ولم أُرتِّبْ ما تناثرَ من دمي القزحيِّ في رؤيايَ
حينَ ذهبتِ ماتَ الوردُ... ماتَ الليلُ ...
لستُ بصادقٍ أو واثقٍ
بكِ بعدَ هذا اليومِ
أو بغيابكِ الكليِّ عن نَزقي وعن حبَقي
ولستُ بعاشقٍ يا حاءُ كي أرثيكِ أو بمنافقٍ
لكنني سأقولُ حينَ أقولُ
هل كلُّ النساءِ يكِدْنَ مثلكِ أو يخُنَّ بلا مبالاةٍ؟
وهل ما زالَ من شيمِ النساءِ الغدرُ؟
يا حاءَ الحنانِ/ الحبِّ / حبرِ فراشةٍ حمراءَ /
حلمِ حرائقي الأولى / حليبِ الشِعرِ /
يا نونَ الندى / النسرينِ / ناياتِ النوى النسويَّةِ / الناسوتِ /
يا ألفَ الأوامِ / أريكةِ الأبدِ / الأسى / الأسماءِ /
أندلسي / أنايَ / أنينِ روحي / أنَّتي / ألمي /
ويا نونَ الندامةِ والنديمةِ
والنسيمِ الناعمِ النهريِّ/ نيساني / ونسياني /
نداءِ النارِ / نوحِ نهايتي / نزَقي /
نساءِ الأرضِ في امرأةٍ /
نسيجِ عشيقتي بنلوبي /
لا تتسلَّقي الأعذارَ كالأشجارِ
لا تتخلَّقي بالطيبةِ العمياءِ
وحدي آنَ ليَ بعدَ انطفائكِ وانتهائكِ
أن أشعَّ وأن أكونْ
***********
قصيدة قابيل
قابيلُ يا ابنَ أبي وأمي
يا شبيهَ القلبِ أنتَ
ويا شقيَّ الحبِّ
يا ابنَ اللحظةِ البيضاءِ كالثلجِ النظيفِ من الغبارِ أو الندامةِ
يا بهيَّ الوجهِ مثلَ الياسمينةِ في الركامِ المدلهمِّ
بزهرةٍ في الليلِ لا تَهَبُ الندى صلصالَها العاجيَّ
أينَ دمي؟
بكاءُ المجدليَّةِ أينَ؟
روحي أينَ؟
عنوانُ الحبيبةِ أينَ؟
أينَ فمي الذي يرتاحُ في نوَّارةِ الرمانِ؟
أينَ صدى حطامِ خطايَ في الفردوسِ؟
أينَ خطيئتي في الأرضِ؟
عشقُ سجائري الآليُّ.. فوضايَ الجميلةُ أينَ؟
نايُ أنوثةٍ قد يُرشدُ الأضلاعَ للنعناعِ أو للنارِ
في حلَكِ الفضاءِ أو الفراشةِ أينَ؟
أينَ قصيدتي.. منقارُ قبَّرةٍ على بابِ الصباحِ الرطبِ أينَ؟
ونسوةٌ منهنَّ تنضحُ رغوةُ الليمونِ والخوخِ الشَهيَّةُ أينَ؟
يا قابيلُ من حجرٍ طعنتَ بهِ دمي الشفهيَّ
أو ديوانَ خاصرتي إلى قمَرٍ
ورودُ أصابعي تمتدُّ
أسماءُ الظباءِ ومسكُها يمتدُّ
يا قابيلُ حقدُكَ لا يُخيفُ براءةَ المطَرِ الخفيفِ
ولا يضيفُ إليَّ حزناً طيِّباً كحنينيَ الروحيِّ
أو كوداعةِ الأطفالِ حينَ يهدهدونَ الحلمَ
سوفَ تموتُ أنتَ
وفيَّ نورسةٌ ونرجسةٌ وبحرُ قصيدةٍ زرقاءَ
فيَّ الليلكُ الملتاعُ
لي وقتٌ قليلُ الضوءِ بينَ رمادِ هاويتينِ
صمتٌ بينَ مزمورينِ أو سيفينِ يا شيلوكَ
خذْ من دمعتي أو بسمتي ما شئتَ
لي شمسٌ مُروَّضةٌ.. رخامُ الفلِّ
لي ماءٌ تيتَّمَ بينَ سنبلتينِ ظامئتينِ
لا... لا وقتَ لي.. لا صمتَ..
لا ماءٌ ولا بحرٌ ولا شمسٌ ولا رؤيا
وعليَّ أن أحيا وأن أحيا وأن أحيا.
**********
طفلة
الطفلةُ التي تختلجُ وتشهق في حضرةِ الموتِ
الطفلةُ التي تختلجُ وتشهق كأنها سمكةٌ في صحراء
الطفلةُ التي يخرج من فمها الزبدُ الأخضرُ
الطفلةُ التي لا أرى سواها
الطفلةُ التي ماتتْ وهم يسكبونَ على وجهها الماءَ والهواءَ
الطفلةُ الطفلةُ الطفلةُ إلى ما لا نهاية
هذه الطفلةُ هي إبنتي التي لم ألدها.
**********
أرى كلَّ ما لا أرى
أُضيءُ بذَّرةِ رملٍ دمي
وأصابعَ هذا الفراغِ الذي
يتعهَّدُ دمعَكِ بالماءِ أو بالطيورِ
فهل من سماءٍ خلاسيَّةِ القلبِ والقمرِ الذئبِ
نلهو بأحزانها
ثمَّ نسبحُ فيها ونرمي بصلصالنا من عَلٍ؟
آهِ.. هل كنتِ حقَّاً معي
عندما نفضَ الغيمُ عن دمنا الوردَ والشوكَ؟
أسألُ عينيكِ مثلَ الذي مسَّهُ الشِعرُ
هل كنتِ يوماً على أُهبةِ الحبِّ
هل كنتِ يوما...؟
وهل كنتُ حيَّاً أنا عندما كانت الريحُ
تحشو دمي بالرصاصِ وبالريشِ أو بظلامِ المحيطاتِ؟
هل كنتُ حقَّاً على أُهبةِ النايِ
أم أنني لم أكُنْ
عندما انبثَقَتْ من منامي نجومُ مراياكِ
حتى أرى كلَّ ما لا أرى؟
مثلاً طائراً يذرعُ القلبُ أو حُلُماً في منامِ القُرى
قمراً بارداً شارداً مالحاً كالحاً
قمراً كالفراشةِ من غيرِ إثمٍ ولا وجَعٍ مثلَ أنفاسِ غيمٍ
فكيفَ يحوِّلني شَجَراً في طريقِ سدومِ؟
ويصقلني بالدموعِ الصغيرةِ
في غبشِ الصبحِ أو عطشي للندى حجراً حجراً؟
أرى كلَّ ما لا أرى...
هل أرى؟
***********
أينَ ارتمى شعرُكِ البحريُّ؟
أهذي أُحبُّكِ.. يهذي الوردُ في دمها
خذني من الموتِ.. من خوفي ومن ضجري
أهذي أُحبُّكِ.. تهذي خذ يديَّ إلى
يديكَ من عالمي الأعمى ومن سقَري
أهذي أحبُّكِ.. ليتَ الحربَ تقتلني
ولا يطالكِ حتى الرشقُ بالزهَرِ
يا قلبَ عصفورةٍ تبكي وتخجلُ أن
يذوبَ سوسنُها في قبضةِ القمَرِ
هل كنتِ في الهالةِ البيضاءِ حينَ هوَتْ
نارُ الطغاةِ على روحي.. على وتري؟
من ذا يُلخِّصُ روحي لو بنورسةٍ
ومن يقايضُ لي عينيكِ بالمطرِ؟
أحسُّ وخزَ الندى المسمومِ منكِ.. تُرى
حشوتِ لي خِنجرَ الصوَّانِ بالزَهَرِ؟
لم تبقَ أندلسي لا يا متوَّجةً
على الرمادِ الذي يُغويكِ فانتصري
إن ظلَّ من كاحلِ العنقاءِ بي رمقٌ
فراشةُ الكحلِ تهوي بي إلى الحُفرِ
هل قلتِ: حبٌّ وحربٌ؟ فاذهبي بهما
إلى الجحيمِ ولا تُبقي ولا تَذَري
تبكينَ في الليلِ منِّي.. كيفَ صرتُ أنا
أقسى عليكِ من الأمريكِ والتَتَرِ؟
حُبِّي يؤرجحني في كلِّ هاويةٍ
أصخرتي أنتِ.. أم هل نزوتي قدري؟
أينَ ارتمى شعرُكِ البحريُّ.. أينَ غفَتْ
ناياتُ جسمكِ في ليلٍ بلا غجَرِ؟
كيفَ اشتهى ثمَرَ الحرمانِ مغتربٌ
عن الفراديسِ.. أم كيفَ انتهى شَرَري؟
مُرِّي على خيمةٍ في الريحِ أو وطنٍ
من الرمالِ بغيمِ الوردِ وانهمري
يفنى الحديدُ وتهوي الطائراتُ ولا
يفنى تشرُّدُ عصفوريكِ في السحَرِ
أزرى بخفقةِ جوليا وابتسامتها
فمٌ جميلُ الحواشي.. سيِّدُ الثمرِ
فمٌ رمتكِ بهِ في الجبِّ ساحرةٌ
شمطاءُ.. زمَّت رؤى عينيكِ في حجَرِ
أطلُّ منكِ على نيلوفرٍ نزقٍ
في أسفل الخصرِ.. ثلجيٍّ ومُستعرِ
كيفَ انسحبتِ وما فسَّرتِ رفرَفتي
مثلَ الرصاصةِ بينَ القلبِ والقمرِ؟
لأنَّ أغنيةً تغفو وتبسمُ لي
الآنَ تصدحُ سمفونيةُ المطرِ
*************
تنويعاتٌ على قيثارِ تشرين VIII
نهاياتُ حُمَّى
ما الذي قادني في شوارعِ أحلى المدُنْ
من يديَّ وعينيَّ.. من شفتيَّ وأنفي
بأزهارِ روميو وجولييتَ؟
هل لحنيني إلى أيِّ شيءٍ وطنْ؟
ما الذي قادني من دمي في الحدائقِ
أو في شقوقِ الأزقَّةِ.. أو في السهوبِ المطيرةِ
والنحلُ في قصَبِ الصدرِ يهتاجُ
أو ربَّما ينخبُ الغيمةَ الحجريَّةَ في اللا زمَنْ؟
كانَ يمكنُ ألَّا أكونَ إذنْ
كانَ يمكنُ ألَّا أراكِ وألَّا أحبَّكِ في زحمةِ الآخرينَ
وألَّا أدُلَّ صدى عطشي ورمادي على جمرةٍ
لمياهِ انحساراتِ صوتكِ عن شغفي مرَّةً
كانَ يُمكنُ ألَّا أرى
نجمةً تخبزُ الغيمَ للساهرينَ على شُرُفاتِ القُرى
ثمَّ ترجعُ في صخبِ النارِ قمصانُها القهقرى
كانَ يُمكنُ ألَّا أكونَ أنا
ها هنا
أو أكونَ ظلالاً لمعناكِ فيما كتبتُ
وفيما احترقتُ...
أما لاحتراقي ثمَنْ
في قصائدَ ليليَّةٍ ليسَ يقرأها العابرونَ؟
أما لندى زهرةِ التينِ أو جذعِ صُبَّارةٍ
في الجبالِ البعيدة روحٌ تحسُّ؟
أما للورودِ الصغيرةِ نفسُ؟
أما لخطايَ الفقيرةِ همسُ؟
اقتفيتُ تلابيبَ طيرٍ مُدَمَّى
ولوَّحتُ للأرضِ من شاهقٍ ونهاياتِ حُمَّى
فها قلبُكِ المتوحِّدُ والمتعدِّدُ والمتشرِّدُ كالحبِّ أعمى
بلا كيفَ.. أينَ.. متى.. ولماذا.. وعمَّ.. ولمـَّا.
************
حنينٌ سريالي
ألأنَّ قمحاً ليسَ يغفو فوقَ نافذتي
نسيتُ قصيدةً في القلبِ
آختْ بينَ خاصرتي وشمعِ أصابعٍ تبكي؟
أليسَ على فمي غيرُ انطفاءِ الماءِ
في جمرِ الظنونِ الرطبِ؟
هل كلُّ الذي أحشو بهِ رأسي مساءً
من دخانِ الأغنياتِ ومن رمادِ الوردِ والأنثى
هباءٌ لا يفيدُ وليسَ ينقصُ أو يزيدُ
من احتمالاتِ البكاءِ أو الخريفِ الهشِّ أو قلقِ الوجودِ؟
حقيقتي جسَدٌ تؤثِّثُ روحَهُ الناياتُ
بالقُبَلِ الشريدةِ والذنوبِ
ولعنةِ الطُرُقِ السريعةِ.. والحنينِ إلى الوصولِ.. وما الوصولُ
وكلَّما يمَّمتُ شطرَ غوايةٍ وجهي وقلبي الضائعينِ
كرغبةٍ في الريحِ أو في رقصةِ الأمطارِ
تُهتُ ولمْ أجدْ نفسي
ولم أشرَبْ سوى ما ذابَ من حدسي
على شفةِ الرمالِ
كوردةٍ مائيَّةٍ في القلبِ؟
لم أذهبْ سوى في شُبهةِ الأشياءِ
ثوبي غيمةٌ قمَريَّةٌ بيضاءُ ليسَ لغيبها رؤيا..
فمي شمسٌ مُسوَّرةٌ..
فهل شفتاكِ سنبلتانِ طافيتانِ فوقَ الريحِ يا امرأتي؟
غريبُكِ - حيثُ شئتِ - أنا
وحيثُ اغرورَقتْ قدماكِ بالأنخابِ أو بدمي هناكَ
وحيثما انطفَأتْ أصابعُكِ الرقيقةُ فوقَ جلدِ الماءِ
لا أسماءَ لي...
وخطايَ أوراقُ الشتاءِ الآخرِ الكُليِّ
هل في الأرضِ بقيا من فضاءاتِ الدمِ المطلولِ فيَّ وفيكِ؟
لا أدري...
ولكني سأهجسُ بالزنابقِ في الصباحِ الشاعريِّ
كأنَّما لغتي بلا قتلى ولا متنزِّهينَ على ضفافِ الموتِ
هل سمَّيتُ وجهَ الموتِ زهرَ سفرجَلٍ ذاوٍ؟
وهل أدمَنتُ عزفَ الموجِ والبحَّارةِ المتشرِّدينَ
وشقوةً ترِثُ الحنينَ؟
بمقلتيَّ أعانقُ العنقاءَ في النارِ البعيدةِ
أو بأجنحتي التي ليستْ تُرى في البرزخِ الأرضيِّ
يا لغبارها الأعمى
يُعمِّدُ بالسرابِ متيَّماً يَدمى
متى ستفيقُ من حلمِ الحياةِ.. متى؟
وهل كلُّ الذي ترويهِ في الأشعارِ لا تعنيهِ؟
هل كلُّ الذي تعنيهِ لا ترويهِ؟
تخجلُ أن تقولَ بأنَّ روحَكَ في سماءٍ ما تعيشُ مريضةً
أو أنَّ حُبَّاً ما عصيَّ الوردِ توَّجَ بالندى عينيكَ.. لا بالشوكِ
حينَ عن الصليبِ رميتَ قلبَكَ
للشياطينِ التي يختضُّ فيكَ عويلُها المجنونُ
أو يفتَضُّ حورياتكَ البيضاءَ في بحرِ الجسدْ.
***********
أثَرُ الاقحوانة
ما الذي كانَ يُمكنُ أن يتغيَّرَ لو أنني
منذُ عشرينَ عاماً تشرَّدتُ مثلَ العصافيرِ في الأرضِ؟
أو أنني لم أخفْ من دموعِ النساءِ اللواتي تغلغلنَ في الماءِ؟
لو كصديقي الذي ذابَ في لجَّةِ الهاويةْ
كنتُ ذبتُ كذرَّةِ ملحٍ وآخيتُ هذا الفضاء؟
ما الذي كانَ يُمكنُ يا سيَّداتي ويا سادتي أن يكونْ
لو تأبطتُ ريحَ البحارِ الحرونْ؟
وسافرتُ كالسندبادِ إلى اللا بلادْ؟
ما الذي كانَ يُمكنُ أن يتغيَّرَ لو أنني كنتُ لم أنتبهْ
للفراشةِ حولَ الشفاهِ وللقمَرِ المشتبهْ
بالسحابِ المكسَّرِ حولَ دمي؟
هل تُرى كنتُ أعشقُ هذي الحياةَ بكاملِ نقصانها الفظِّ؟
يا للحياةِ الرجيمةِ يا لشظايا الغناءِ المسَمَّرْ
على جسدي في سماءٍ من النارِ
يا لحنيني المُدَمَّرْ
أُفكِّرُ.. أهذي..أُخربشُ.. أكتبُ.. أشطب..
أصحو وأحلمُ.. أذكرُ.. أنسى..
أرى.. لا أرى..أقتفي أثرَ الأقحوانةِ في الطينِ
أو دمعةِ المجدليَّةِ
أمشي.. أطيرُ.. أخِفُّ.. أشِفُّ
سمائي مُرمَّمةٌ بالحروبِ وأرضي بوارُ
وأجنحتي أكلتها الصخورُ
ووجهي غبارُ.
**************
نظريَّة نسبيَّة
نزَقٌ خريفيٌّ أُدوِّنهُ بغيرِ إرادتي فوقَ الغبارِ
براءةٌ في الريحِ أو في القلبِ
غيمٌ فوقَ آنيةِ الزهورِ
قصيدةٌ في الماءِ
أسئلةٌ وأسماكٌ مشرَّدةٌ
نهارٌ لا أحبُّ بياضَهُ الأعمى
حفيفٌ موجعٌ ينسابُ في مجرى دمِ الكفَّينِ
يا عامورتي احترقي بعيداً عن شفاهي
لن أعودَ إليكِ بل لطفولةِ الأشياءِ
في نظريَّةِ اينشتاينَ النسبيَّةِ الأحلامِ
أفكاري يدجِّجها صهيلُ الوقتِ والقلقُ المفخَّخُ بالحنينِ
أقولُ إني قد وضعتُ على صفيحٍ ساخنٍ قلبي حياتي كلَّها لم يحترقْ
إلَّا بقبلتكِ الصغيرةِ في سماءِ الافتراضِ أو الحبقْ.
**************
أضغاثُ مرايا
لم يستقمْ قلبي بغيركِ
لم يتُبْ عن سرِّكِ الأزليِّ في طعمِ السَفرجَلِ
لم يغِبْ إلَّا ليظهرَ في انتباهكِ
بيدَ أني قمتُ من موتي الصغيرِ معذَّباً بالهاجسِ الآليِّ
كانتْ جمرةٌ عمياءُ هائلةٌ بحجمِ الأرضِ
غاضبةٌ بلا سببٍ
صباحَ اليومِ تأكلُ من دمي كالعنكبوتِ
وتقتفي وجعي من اللا شيءِ أو حزني على الشُبَّاكِ
أو فوقَ السريرِ وفي صريرِ البابِ
في خبزي وفي مائي وفي الكابوسِ والحلمِ السعيدِ
تُرى بماذا كنتُ أحلمُ حينما وبَّختُ راهبةَ الحياةِ بأرخصِ الألفاظِ؟
أم ماذا اعتراني فانهزَمتُ أمامَ نفسي؟
... ربَّما صدَّقتُ لو لهنيهةٍ في العُمرِ أني فاشلٌ...
لا.........
يا لأضغاثِ المرايا
ربَّما صدَّقتُ رغمَ عويلِ قيسٍ في حنايا الروحِ...
أني لنْ أطالَكِ في الغدِ الوهميِّ يا ليلى...
أهُشُّ على الحديديِّينَ بالأشعارِ أو بهشاشتي
لا شيءَ في معنايَ
أو لا خمرَ في رؤيايَ
أينَ تقودُني عينايَ؟
غيمٌ حولَ قلبي أم يمامُ خطايَ؟
وجهكِ في الصباحِ فراشتي...
مهما أحبَّكِ في الحياةِ دمي فلن يبقى حياديَّاً أمامَ قصيدةٍ
والآنَ أهذي والصليبُ فمي وجسمُ حبيبتي ويدايَ
ليلى... آهِ لا أدري لماذا كانَ يأكلُ من شفاهي
طيرُها المجنونُ هذا الصبحَ
لا أدري لماذا كنتُ طولَ اليومِ غضباناً بلا سببٍ
وفي اليوتيوبِ أو في القلبِ أغنيةٌ مزنَّرةٌ بنارِ الحبِّ
لكني أسبُّ الفايروسَ العصبيَّ في الحاسوبِ
أو ليلى فأشتمها بقلبي...
آهِ من مرَضِ الحنينِ أو الحياهْ
ورذاذُ وردتها الأخيرةِ في فمي الرمليِّ أو نارِ الشفاهْ.
***************
سربروس
الخفافيشُ لن تحترقْ
في الظلامِ سوى بأشعَّةِ شمسي
سربروسُ الذي عضَّ قلبي صغيراً
تبخَّرَ مني سراباً وما قضَّ مضجعَ هجسي
سربروسُ انتهى واختنقْ
تلوِّحُ لي طُرُقٌ في كواكبَ أخرى
طرُقٌ لا تموتُ ولا تفترقْ
طرُقٌ من حفيفِ الندى في يدي غيرُ هذي الطرُقْ
وأنا لم أفقْ بعدُ من يقظتي أو عواءِ الكلابِ
الذي يحبسُ النفسَ أن تنعتقْ.
**************
قلقٌ آلي
غبارٌ على قلبي.. غبارٌ على دمي
أعانقُ من جسمي مسيحاً مُسمَّرا
أضيءُ فتاتَ الدمعِ فوقَ أصابعي
وألحقُ في الرملِ السرابيِّ قيصرا
وتلكَ التي في عهدةِ النارِ أنَّثتْ
عوائي الذي بالتينِ كانَ مُزَنَّرا
غبارٌ على عينيَّ.. طينٌ على دمي
يجسَّانها شبراً فشبراً.. ولا أرى
أُحرِّقُ بالصَهْدِ الأخيرِ شفاهَها
ونرجسَها المائيَّ بالشمسِ والثرى
فراشتها عمياءُ.. أفعى بريئةٌ
تفحُّ بعينيها.. رخامي لها جرى
يُفكِّرُ بالروحيِّ قلبي.. إلى متى
أُلملمُ فوقَ الريحِ جسمي المبعثرا؟
وهل قصبُ الأضلاعِ ما زالَ خائفاً
إذا احتضنَ الناياتِ أن تتكسَّرا؟
سيفلتُ طيرُ الوجهِ من أخطبوطها
وتهمي فراشاتُ الشتاءِ على الذرى
غبارٌ على أصفادِ شيطانها الذي
يجبُّ حنيني للسماءِ.. أو السرى
غبارٌ على روحي.. قطارٌ مفخَّخٌ
بصلصالهِ الثلجيِّ في عصَبِ القرى
بحارٌ.. غواياتٌ.. دماءٌ تناسلتْ
رؤىً كانَ أغواها البكاءُ ودمَّرا
وفي مشتهى فردوسها أو جحيمها
سوى قلقي الآليِّ لا شيءَ أقمرا.
*************
ذئبة
الذئبةُ البيضاءُ تبكي
دمعُها ندَمٌ هوائيٌّ رماديٌّ سماويٌّ
تحدِّثني بلا صوتٍ وتحكي بيدَ أني لستُ أسمعُها..
أحبُّ حنانَ عينيها يحملقُ بي بلا معنى..
أودِّعها على شغَفِ اللقاءِ ولعنةِ النسيانِ..
هل يا قلبُ صرتَ تحبُّها؟
أم أنَّ أنسنةَ الذئابِ بلحظةٍ أدمَتكَ
أو أغوَتكَ أو أنسَتكَ نفسَكَ في الطريقِ العامِّ؟
دعها.. آهِ.. أو دعْ مسكَها يغلي على شفتيكَ طولَ الليلِ
لكن لا تفكِّر مرَّةً أخرى بها
فخطيئةُ النسيانِ تبدأُ من أظافرها هنا والآنْ.
*************
قصائدُ برائحةِ الذكريات IX
حطامُ الشغَف
(1)
مرَّ وقتٌ طويلْ
والفراشةُ في أسفلِ الخاصرةْ
ليسَ تبكي على الخللِ التقنيِّ
ولكن على غيمةٍ في الجليلِ
وفي الذاكرةْ
إنها ندمٌ من دمٍ وخُطى شهوةٍ خاسرةْ
(2)
مرَّ وقتٌ ولم تزَلْ القُبَّرةْ
تنامُ بغيرِ غناءٍ على السروةِ المقفرةْ
وتحرسُها الشجراتُ الثلاثُ الوحيداتُ في مدخلِ المقبَرةْ
(3)
هواءٌ يهبُّ على سعَفِ الصمتِ
طاحونةٌ في العراءِ تلمُّ عصافيرَها
عرباتُ خيولِ الأبدْ
تجرُّ الجسدْ
في مساءِ الأحدْ
فوقَ هاويةِ الاثمِ والمغفرة
(4)
ناوليني سكينةَ روحكِ والوردةَ الناحلةْ
في تلابيبِ كفَّيكِ أو قلقِ الأسئلةْ
لأكتبَ هذي القصيدةَ
لا شفرةَ المقصلةْ
(5)
أصابعُ لا تختفي أو تبينُ ووجهٌ يشفُّ
وأشياءُ أخرى.. وعينٌ سرابيةٌ.. وخواءٌ مريعٌ
ولا شيءَ.. لا شيءَ يستلُّني من حطامِ الشغَفْ
أو موسيقا الغُرَف.
***********
حُلم
كيفَ نمتُ المساءَ بعينينِ مفتوحتينِ وقلبٍ على وردةٍ مُغلقِ؟
كيفَ أُغميَ من شدَّةِ الضحكِ حتى على جسَدي بينما الروحُ تبكي رمادَ سحيمَ على المحرقِ؟
أضعتُ المساءَ/ الرواياتِ/ خيطَ القصيدةِ/ ثوبَ الغمامةِ/ مائيَّةَ الحُبِّ/ ماهيَّةَ الليلِ/ نفسي/ خطايَ/ حنيني/ رؤايَ/ فمي وشفاهي/ انتباهي/ أنيني/ هبائي/ بذورَ الفراغِ/
ونمتُ بعينينِ مفتوحتينِ لعلِّي أرى في منامي السماءَ على بابِ قلبي حقيقيَّةً
ثمَّ أنسى دمي في الظلامِ وأنسى كلامي الذي لم يقُلني وأذكرُ درسَ ابراهيمِ الفقي.
***********
لا سامريَّ بصحراءِ قلبي
أنتِ أجملُ من أن أحبَّكِ
أبعدُ من سنةِ الضوءِ عنَّي
وأعمقُ من نجمةٍ في المياهِ...
فمي يتفتَّتُ وهو يجسُّ التياعَ البراكينِ باسمكِ في جسدِ البحرِ..
لي خمرةُ الفلِّ.. لكنَّ وخزَ الندى في الظهيرةِ أو أسفلِ القلبِ..
أو شمسِ خاصرتي ليسَ لي.. ليسَ لي..
أكملي ما بدأتِ بهِ من عناقِ الصدى باليدينِ وبالماءِ..
لا تقفي.. أكملي.. أكملي
يخفقُ القمَرُ المخمليُّ وينهاكِ عني
وتنهاكِ عني الخيولُ
وتعرى فصولُ الكتابةِ حينَ أُفكِّرُ كيفَ أقولُكِ
كيفَ أخطُّ وصاياكِ فوقَ الهواءِ وفي الماء..؟
أعلى من اليدِ والفمِ أنتِ وأدنى من القلبِ...
كيفَ تشهَّيتُ فيكِ الطفولةَ/ طيشَ الشبابِ/ مجازَ السرابِ/ الغناءَ/
ليالي الشرابِ/ العذوبةَ أو شذراتِ العذابِ
ولحظةَ أفلتَ من قبضتي ذهبُ العُمرِ في هيئةِ الطيرِ؟
ينتهكُ الشِعرُ فيكِ النصاعةَ حتى البكاءِ
ولا سامريَّ بصحراءِ قلبي يصيحُ بإنَّ سمائي مخرَّمةٌ بالخطايا
فهل لكِ أن تطردي الشاعرَ المتهتِّكَ منكِ
وأن تحذفي مَن جمالُكِ يجلدُهُ باشتهاءِ؟
*************
تفَّاحةُ المعصية
بماذا أُشبِّهُ هذا النهارَ
ولا خمرَ في القلبِ
لا شِعرَ ينبتُ في الفمِ للحُبِّ
لا شيءَ في الشيءِ
لا ضوءَ في الروحِ
لا وصفَ يعجبني
لا مزاميرَ كَيْ أتغنَّى بها
(شَعرُ محبوبتي ماعزٌ جبليٌّ يُروِّضُ وحشةَ جلعادَ..
عينا حبيبي غمامْ)؟
لستُ أفهمُ غيرَ كلامِ الطيورِ التي هجرَتني بغيرِ اتجَّاهٍ لقسوةِ تشرينَ
في لحظةٍ هيَ أيقونةٌ في مهبِّ العراءِ على الأغنيةْ
القصيدةُ تفَّاحةُ المعصيةْ
رفرفاتُ النجومِ الصغيرةِ وقتَ الظهيرةِ في الأقبيةْ
خمرةٌ لا تُرى في هواءِ القُرى
قلَقٌ ناصعٌ كسهامِ الحنينِ يُعذِّبُ من ألفِ عامٍ دمي...
واحتراقاتُ صلصالِ فاوستَ
أو ندَمٌ من حطامْ.
************
صلصال
يخيَّلُ لي أنني لن أجيدَ سوى فشلي
في استعادةِ ما ضاعَ من ذهَبِ الحُبِّ في القلبِ
أو خمرة الروحِ في اليمِّ
أو في الوصولِ إلى منبعِ الوردةِ الأنثويةِ أو أملي
يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي...
يا امرءَ القيسِ هل كلَّما طعَمَ القلبُ
صلصالَ أنثاهُ في الأرضِ أو في السماءِ
أو انطفأَ الماءُ في قمَرِ الصبحِ
واتخذَّتْ نحلةٌ قلبَ فاطمَ مسكنَها
لجَّ في غيِّهِ شاعرٌ لم يصِبْ سهمُهُ كعبَ فاطمَ
أو لم يتُبْ في النهاراتِ عن ليلِها الأليلِ؟
***********
سنتمنتالي
السنتمنتاليُّ مكتئبٌ ومبتسمٌ بلا سببٍ
يفكِّرُ.. لا يفكِّرُ..
قلبُهُ عدَمٌ إضافيٌّ
على شفتيهِ أغنيةٌ
وفي عينيهِ فزَّاعاتُ أحلامٍ
يرى.. أو لا يرى
ما في قلوبِ العابراتِ من السرابِ أو الثرى
ألأنهُ شبحٌ هوائيٌّ يخفُّ كريشةٍ
أو يختفي في الريحِ منحازاً إلى فرحٍ غريبٍ ما؟
يحبُّ وليسَ يجرؤُ أن.....
مزاجيٌّ يسُبُّ جحيمَهُ والآخرينَ....
السنتمنتاليُّ صعلوكٌ بلا شِعرٍ
ومكتئبٌ بلا سببٍ
ومحتشِدٌ بلا معنى.
***********
أب
يقولُ أبٌ ما لزوجتهِ لا تغيبي كثيراً
ولا تتركي جسدي يتأرجحُ في اللا مكانِ
أُتركي وردةَ النارِ تفتحُ عينيَّ في المدفأةْ
لا تروحي.. ارجعي فأنا عندما تذهبينَ
أُصابُ بما يشبهُ الموتَ..
أو يتحوَّلُ قلبي إلى نجمةٍ مُطفأةْ
فوقَ هاويةِ الثلجِ ترجفُ...
أو عندما لا أبوسُ ابنتي وهيَ تذهبُ للنومِ
ساحبةً خلفَها عالمَ الطيرِ.. أو لغةَ اللونِ
أو ما تُغنِّي البحيراتُ في كوكبِ الجنَّةِ المرجأةْ
أظلُّ بغيرِ زمانٍ وغيرِ صليبٍ
يصيحُ دمي بالقصيدةِ في الليلِ كوني امرأةْ
يقولُ أبٌ ما لأشباحهِ في الظلامِ أتركوني وشأني.
************
لا غاوٍ سَيتبَعُني
قالتْ فتاةٌ ما كأنَّ النثرَ يفضحني
فإنَّ قصيدتي سِترٌ ومتسَّعٌ
لما واريتُ خلفَ ثيابها
ممَّا اكتويتُ بهِ من الأهواءِ..
ضاقَ بصرختي جسَدي
وحمحمَ كاحلُ الينبوعِ فيَّ
وضَجَّ في قدميَّ
رقصُ عواصفٍ حمراءَ في أعلى شراييني وفي عينيَّ
لا غاوٍ سيتبَعُني
ولا وادٍ أهيمُ بهِ ولا فيهِ سوى عَينَيْ حبيبي
كُلُّ عُشَّاقي ذئابٌ يقتفونَ عبيرَ قلبي بالمخالبِ والعُواءِ
وكُلُّهم وغدٌ وأعمى القلبِ
عُشَّاقي كِلابٌ ليسَ يختلفونَ فيما بينهم
إلَّا على أسرارِ رائحتي وعاطفتي
أنا ابنةُ حزنِ أنكيدو
وقلبي لا يُجيدَ الصمتَ
كيفَ إذنْ يُذوِّبُ ما يشاءُ من القرنفلِ
في مداراتِ السرابِ اللا نهائيِّ؟
اشتهيتُ أو انتهيتُ أو انتهى فيَّ الغيابْ.
************
أغصانُ ميدوزا
للذكرياتِ فقاعةٌ شَمسيَّةٌ
فيها يعيشُ القلبُ منذُ طفولةِ النعناعِ
كيفَ إذنْ أُخلِّصُهُ وما لي بالشموسِ يدٌ
لتشربَ ما يُغرِّرُ بي من الأضواءِ
وهيَ كرغوةٍ مخمورةِ الإيقاعِ تصعدُ نحوَ أنفاسي
وما تنفَكُّ أن تنحلَّ قابَ فمي كأيِّ فراشةٍ بيضاءِ؟
كيفَ أعيدُ ترتيبَ الزهورِ على الشهورِ
ولا يكمِّمني عويلُ الريحِ في الأعلى
ولا أغصانُ ميدوزا تسمِّمني؟
سيبكي آبُ يوما ما على لوركا..
وتحملُ قلبَهُ في فضَّةِ الأنهارِ شمسُ ترابْ.
**************
قبضُ سراب
حفيفُ خيالكِ الشتويِّ دقَّ النوافذَ وهو يهمي أو يهيمُ
انتبهتُ وكانَ حلمي من رمادِ السنينِ إليهِ
يُفلتُ من وصايا الطيورِ المدلهمَّةِ في الغيومِ
الظنونُ تخبُّ بي.. جسمي ملاذُ البحارِ وقُبَّراتِ الحُبِّ
روحي السماءُ وصوتُها.. عينايَ ماءُ المرايا
هل تسرَّبَ منكِ...؟ كلَّا
فمي أضحى هواءً وانتظاراً
لقبلتكِ البعيدةِ واشتهائي
لقبضتكِ الصغيرةِ..
لا هشيمٌ سواكِ الآنَ يعوي في دمائي
يدايَ على صليبِ الشوكِ ليلاً
بنفسجتانِ من نارِ الغناءِ
قبضتُ من السرابِ على حياةٍ
ومن ريحِ الغيابِ على نساءِ
حفيفُ خيالكِ الشتويِّ يهمي
ثلوجَ الوردِ في أقصى الجحيمِ
فيصرخُ بالندى دثِّرْ عظامي
فأصرخُ دثِّريني بالنجومِ.
**************
هل تفرغُ الروحُ من الذكريات؟
عندما لا أجدُ ما أقولهُ أغلقُ فمي على زهرةِ صَوَّانٍ كبيرةٍ
(بيدَ أني لستُ جلجامشَ)
أو أمارسُ طقوسَ المشيِ في الهواءٍ الصلبِ كالفلاسفةِ المشَّائينَ
وأنا أصبُّ ماءَ قلبي على جمر الثرثرةِ المهتاجِ بفرحٍ
أعيشُ قليلاً في حضرةِ إغراءِ الصمتِ..(ليسَ صمتَ رمبو)
أكملُ أحلامَ غالب هلسا غير المدوَّنةِ
أو أحيل بقايا قصيدةٍ إلى شاعرٍ صعلوكٍ غيري
يحملُ مأساتهُ على كتفيهِ ويذرعُ شوارعَ مدنٍ
على كواكبَ أخرى..
يقاسمني الروحَ وهشيمها السماويَّ
ويجيبُ وهو على الصليبِ عن أيِّ سؤالٍ كانَ بجوابٍ واحدٍ هو
أيها المراؤون لمَ تجربونني؟
ولكنني لا أعرفُ وأنا أجمعُ من دموعِ نساءٍ رحلنَ
سُقيا لأزهارِ عينيَّ الذابلة
هل تفرغُ الروحُ من الذكرياتْ؟
أو ماذا سأفعلُ بعمري يا غسان كنفاني
عندما أعجزُ بشكلٍ فجائيٍّ عن الكتابة؟
**********
بُكاءُ قلبكَ في الأزهارِ منتشرُ
(قصيدةٌ في رثاء الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري)
في قلبهِ تولدُ الرؤيا وتندَثرُ
ومن نجومِ شظايا حلمهِ كِسَرُ
وفوقَ عينيهِ تغفو الآنَ في دعةٍ
مجرَّةٌ راحَ يهفو حولَها قمَرُ
مجرَّةٌ من حليبِ الشعرِ تفلتُ من
ريحِ الذئابِ وفي الأجواءِ تنشطرُ
تبدو وتخفى كبرقِ الماءِ في لغتي
كجذوةٍ من هوىً يخبو ويزدهرُ
سَلْ الرمادَ سل الليلَ الذي انعتقتْ
فيهِ النجومُ.. سَلْ العنقاءَ تستعرُ
أفضَّةٌ في حروبِ الماءِ صامتةٌ
حشوُ العيونِ.. وحشوُ الخافقِ المدَرُ؟
وفوقَ كلِّ خوابي الشهدِ علقمةٌ
حمراءُ في القلبِ لا تُبقي ولا تذَرُ؟
وسَلْ أحارسُ كنزِ الحالمينَ غفا
وكانَ في مقلتيهِ ينبضُ السَحَرُ؟
ومالَ نجمٌ على عينيهِ مثلُ قناً
في راحتينِ من النعناعِ تنكسرُ؟
كبَتْ خطاهُ وصارتْ روحُهُ كِسَفاً
من الشذى في المدى الدُريِّ تنحدرُ
والقلبُ ما زالَ في لهوٍ وفي لعبٍ
نهبَ العيونِ التي في طرفها حَوَرُ
********
في كُلِّ أرضٍ خطى يحيى وسوسنةٌ
بيضاءُ يهوي عليها الصارمُ الذكَرُ
كأنما من مسيحِ الماءِ أنتَ وذا
بكاءُ قلبكَ في الأزهارِ منتشرُ
أرقى سماءً وأرضُ الشعرِ عاليةٌ
أنقى وفاءً إذا ما الأصفيا غدَروا
والشعرُ في يقظاتِ الحُلمِ نصرُكَ.. هل
كيشوتُ في غيرِ زيفِ الحلمِ ينتصرُ؟
لا كانَ سيفٌ ولا كيشوتُ حاملُهُ
قتلاهُ من شؤمهِ الأشجارُ والحجَرُ
**********
يا شاعراً فيكَ من غورِ الخلودِ صدى
ما ليسَ يسبرُ أدنى نجمةٍ بشَرُ
أعلاكَ في الأرضِ مجدٌ لا انتهاءَ لهُ
من المزاميرِ.. لا يرقى لهُ خطَرُ
لطالما كنتَ والأيامُ عاصفةٌ
سحابةً من جمالِ الصحوِ تنحدرُ
تشدُّني من شغافِ الروحِ تحملني
والأرضُ مدُّ سرابٍ والمدى جُزُرُ
إلى وراءِ حدودِ النجمتينِ ضحىً
وفي الأصائلِ حيثُ الشوقُ ينهمرُ
*********
تمشي قصائدُ مهديٍّ بغيرِ هدىً
كأنها امرأةٌ في خصرها خدَرُ
ضلِّيلُها ملِكٌ حينَ ازدهى وبدا
شالتهُ كالشمسِ في عليائها سُرَرُ
يا صاحبَ النغَمِ الوسنانِ في خلَدي
نامَ الدجى عنكَ لو أحسَسْتَ والوترُ
اليومَ أُزجي إليكَ الشعرَ زنبقةً
تكادُ من دمها الأشواقُ تنفجرُ
ما أمَّةُ الشعرِ.. مهما قيلَ.. ناعمةٌ
هيهات.. بل أشقياءٌ بالذي شعروا
شقَّوا غبارَ الرؤى السفلى وبرزخها
إلى جحيمٍ من الأحلامِ وانحدروا
جرُّ الخطى ثمَّ تيهٌ.. لا أُشبِّههُ
بخطوِ قارونَ.. إنَّ الرقَّةَ الوفَرُ
أزهو بصخرٍ من الآلامِ أحملهُ
قصاصةً.. وبتاجِ الشوكِ أفتخرُ
كادتْ زليخةُ لي منذُ انتبَهتُ إلى
فلٍّ من الماءِ فيها حفَّهُ شرَرُ
كذاكَ ما قتلَ الأيامَ من كمَدٍ
إلا النوابغُ من آلامهم سخروا
لولا تفاوتهم في العبقريَّةِ.. ما
مدَّ الظلالَ على التاريخِ محتَكرُ
عَلِقتَ قلبي جمالَ الخالدينَ فلا
يبُلُّ شوقَ صداكَ الوِردُ والصدَرُ
أكلَّما سرحت عيناكَ أعجبها
طيفُ الجمالِ ثناها السُهدُ والحسَرُ؟
خفَّ الربيعُ الطفوليُّ الذي اندثرَتْ
في طيِّهِ عبرُ الأشواقِ والذكَرُ
هل كنتُ في الحلَكِ اللجيِّ غيرَ سنا
فراشةٍ في لهيبِ الليلِ تستعرُ؟
*********
جواهريَّ المعانيَ والقوافيَ هل
تفرُّ للحبِّ من نارِ الردى دُرَرُ؟
لم تألُ جهدَكَ في الدوِّ العظيمِ ولم
تتركْ فلا الحبِّ حتَّى ردَّكَ السفَرُ
بقيا غضنفرَ ملءُ الغابِ هيبتُها
ويأخذُ الناسَ منها الخوفُ والحذَرُ
كنَّا الشجيراتَ في الغابِ الذي سكرتْ
فيهِ الأحاسيسُ حتَّى غمغمَ السحَرُ
كنَّا الشجيراتَ.. كنتَ الشمسَ ترضعنا
لبانَ نورٍ وأحلامٍ بهِ خدَرُ
كانَ الحنينُ الذي نحوي ونجمعهُ
والشوقُ كلَّ الذي نجني وندِّخرُ
عمري بلحظةِ حبٍّ لو تبادلني
عيناكِ.. في جنباتٍ مسَّها نهرُ
*********
هل شهرزادُكَ ما دارتْ على شفقٍ
إلا أصابكَ من أحزانها ضجرُ؟
فلمْ نكَرتَ من الدنيا ترفَّعها
ولم ذممتَ هواها.. والهوى قدَرُ؟
أنثى تعالت على قلبي ومنَّعها
عني الهوى والنوى والصدُّ والصَعَرُ
مثَّلتُ ما فاتَ كالأوهامِ صادقةً
منها فما خانني قلبٌ ولا بصرُ
ومن تكذِّبهُ عيناهُ إذْ نظرتْ
إليَّ... فالتربُ تبرٌ والحصى دُرَرُ
بل سأبقى صديَّاً جامحاً أبداً
وبينَ عينيَّ ماءُ السؤلِ ينهمرُ
هيهاتَ تُنقعُ غلَّاتُ النفوسِ إذا
كانت أواماً من الحرمانِ يستعرُ
هيهاتَ تفنى حبالُ القلبِ فهي ندى
نارنجةٍ في دمي.. يمتصُّهُ قمرُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كتبت هذه القصائد بين الأعوام 2011 - 2013
عن الشاعر
نمر أحمد سعدي شاعر وكاتب فلسطيني وُلدَ عام 1977. يقيم في قريته بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها، ومناظرها الطبيعية الخلابة.
بدأ بنشر بواكير أشعاره، بعد اختمار التجربة ونضوجها، جنبًا إلى جنب الموهبة والثقافة، في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، وكذلك في صحيفتي "كل العرب" و"الأخبار" الناصريتين منذ عام 1999. يتميز شعر نمر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة. يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة: موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة: عربية وشرقية، ومنها العامة: أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي. ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره: فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا. تنصتُ أشعارُهُ لهموم التجربة الحياتية وتزخمُ بالموسيقى الهادئة.
يُعدُّ الشاعر نمر سعدي واحداً من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية الفلسطينية، لما يمتاز شعره به من: طاقة إبداعية، وغزارة في النتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة. وهو يكتب قصيدة التفعيلة، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية. وقصيدةَ النثر. كما أنه ناشط في الحراك الأدبي، ومتابع لنشاطات الحركة الأدبية المحلية. كرَّمته مؤسَّسة الأسوار في عكا عام 2007.
صدرَت له الدواوين الشعرية التالية:
عذابات وضَّاح آخر 2005 مطبعة فينوس/ الناصرة
موسيقى مرئية 2008 منشورات مجلة مواقف/ الناصرة
كأني سواي 2009 ( ديوان في ثلاثة أبواب ) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا
يوتوبيا أنثى 2010 منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله
ماء معذَّب 2011 منشورات مجلة مواقف / الناصرة
وقتٌ لأنسنةِ الذئب 2014 دار النسيم للنشر والتوزيع/ القاهرة
تُرجمت له عدة قصائد الى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية وصدرت في أنطولوجيات شعرية.
نشر مئات القصائد وعشرات المقالات في الكثير من المواقع الأدبية والثقافية على الشبكة العنكبوتية وفي المجلات والصحف المحلية والعربية مثل القدس العربي وصحيفة عكاظ السعودية وصحيفة الخليج الاماراتية وصحيفة العرب اللندنية.
(مقتطف من مقال للناقد الفلسطيني الدكتور محمد خليل)
صفحة الشاعر على الفيسبوك
www.facebook.com/nemer.saady
إلى الذينَ يبتسمونَ بقلوبهم وهم يلوِّحون بغيومهم لي
وأنا في غمرةِ القصيدة
قصائدُ تُزهرُ في الظهيرة I
بنتُ روحي
إذا انهمَرَتْ من ضلوعي الفراشاتُ
واغرَورَقَتْ شرفاتُ الشتاءِ بماءِ العصافيرِ يخضَّرُ قلبُكِ
يُزهرُ بالكهرمانِ وبالضوءِ والفُلِّ والزعفرانِ
بعطرٍ خفيفِ الغيومِ كرائحةِ الحُبِّ في جسدِ الأقحوانِ
فيصرخُ بي فرَحٌ ليسَ يوصفُ
يصرخُ من دونِ وعيٍ
أحبُّكِ يا بنت روحي..أحبُّكْ
***********
نطفةٌ من وصايا الغمامْ
ضمِّدي شفَتي بالينابيعِ والشِعرِ كيْ أستطيعَ الكلامْ
وكيْ تتحرَّرَ منِّي الزوابعُ.. كيْ أتحرَّرَ منها
وكيْ أتمشَّى على ضفَّةِ الشمسِ مغرَورِقاً بحليبِ الغرامْ
كلُّ ما يتراكمُ فوقَ دمي من غبارِ الحروبِ الأليفةِ
أو من غبارِ الحنينِ
ستجرفهُ نطفةٌ تتحدَّرُ من نسلِ بحرِكِ أو من وصايا الغمامْ
*********
حليبُ الجمانْ
وجهُ عصفورةٍ وجهُها ويداها سرابٌ أليفٌ
وغُرَّتُها سوسنٌ نافرٌ
يتدَلَّى الخريفُ الشفيفُ على جانبَيْ قَمرٍ
غارقٍ في شذاهُ الحليبيِّ
فوقَ الجبينِ المشبَّعِ بالنورِ والوردِ / أو عَبقِ الشهدِ
ضحكتُها حُرَّةٌ كرفيفِ الغزالاتِ في قبَّةِ الليلِ
أو كهسيسِ الطيورِ التي تلبسُ البحرَ
أو ترتدي ريشَ أوجاعهِ...
وجهُ عصفورةٍ وجهُها
نهرُ نيلوفرٍ جسمُها تسبحُ الشمسُ فيهِ
وعنقودُها طافحٌ بالقصائدِ أو بحليبِ الجمانْ
*********
غيمُ ابتسامتها
ما سرُّ هذا الأبيضِ الشفَّافِ في غيمِ ابتسامتها؟
كأنَّ نصاعةَ الأحلامِ والأنغامِ
تسبحُ في معارجِ نومها بينَ الملائكةِ الصغارِ...
بكاؤها يُغري العصافيرَ الوديعةَ
بالتطفُّلِ والتأمُّلِ في براءتها الوضيئةِ
والجمالِ اليعربيِّ يحفُّهُ قمرُ النعاسِ وجلُّنارُ الحبِّ
في أعلى سماءِ القلبِ
في غيمِ ابتسامتها المطرَّزِ بالقُبَلْ
هيَ فسحةُ الأنوارِ والأزهارِ والأطيارِ والأشعارِ
والرؤيا الوحيدةُ والأملْ
*********
فمُها قُبلةٌ لليماماتِ
لونُها يعجنُ الشمسَ بالحنطةِ الذهبيَّةِ
والماءَ بالفُلِّ والفضَّةِ الذائبَةْ
في مصبِّ الأحاسيسِ أو مرتقى الضوءِ ألثمُها
فمُها قُبلةٌ لليماماتِ راحَتْ تُطوِّقُ عينيَّ...
تبكي وتضحكُ..تمشي إلى غيمها الطفلِ
كالفرسِ الآدميَّةِ..نهرٌ نحيلٌ يُعانقُها
وهلالانِ ينحنيانِ على حاجبيها الجميلينِ كالحارسينِ
صباحٌ تيمَّمَ - حينَ استفاقتْ من الحلمِ – بالوردِ
عطرٌ تيتَّمَ منها.. ومن لغوِ بسمتها الكاذبَةْ
قوسُ ليمونها نرجسيٌّ سخيٌّ
يُطوِّقُ خصرَ دمي بالرذاذِ وبالأسهمِ الصائبَةْ
فمُها قُبلةٌ لليماماتِ..
لكنَّ أزهارَها الآنَ ملعونةٌ
فهيَ عنقاءُ أجسادنا الغائبةْ
غيمةٌ من رمادٍ وخمرٍ إلى حتفِها في سدومَ الحديثةِ
أو أرضِ سانَ الرجيمةِ بالنارِ ذاهبةٌ ذاهبةْ.
***********
مُبتدى الورد
كتبتُ على ورقِ الماءِ
أنِّي أُحبُّكِ كيْ أتخلَّصَ من حبَقٍ طائشٍ للمزاميرِ فيكِ
ومن لعنةِ الزمنِ الانكشاريِّ
من خنجرٍ لفَّهُ لي صديقي اللدودُ
- الذي يتقمَّصُ رقَّةَ عينيكِ في زرقةِ الليلِ أو ذروةِ الانكسارِ-
بفضَّةِ دمعي ليُهديهِ لي في النهارِ القصيرِ
ليَذبحَ قلبي انسلالُ فراشاتكِ الخضرِ منهُ
وقلبي على شوكةِ الصلبِ مُغرَورقٌ بالزنابقِ
والشمسُ سوداءُ سوداءُ لا تُرشدُ الروحَ في تيهِها النبويِّ
كتبتُ على ورقِ الماءِ
أنِّي أُحبُّكِ كيْ أحملَ الكوكبَ الأنثويَّ على كتفيَّ
وأمشي إلى مبتدى الوردِ عندَ انتهاءِ الكلامْ
**********
سأُكملُ هذي القصيدةَ
سأُكملُ هذي القصيدةَ حتى ولو كرهَ الكافرونَ بمجدِ الحنينْ
سأُكملُ خيطاً رفيعاً من الأقحوانِ الحزينْ
ومن رقصةِ النورِ في ليلةِ العاطفيِّينَ...
عينايَ بستانُ لوزٍ وكفَّايَ أرجوحتانِ لنجمٍ صغيرِ الغوايةِ
عينايَ نهرا سرابٍ يُفتشُّ عن برقهِ المرهقونَ
من الحبِّ والحربِ في زمنٍ من جنونْ
سأُكملُ هذي القصيدةَ من كاحلِ الروحِ حتى رموشِ العيونْ
ومن وجعِ الشمسِ حتى أنينِ الأنينْ
*********
يدُها زهرةٌ تتفتَّحُ
يدُها زهرةٌ تتفتَّحُ في قبضةِ الريحِ
أنفاسُها حبَقٌ ناعسٌ يترامى الهواءُ النظيفُ على ضفَّتيهِ
اللتينِ تضمَّانِ رملَ المحبَّةِ
ذاكَ الذي يتراكمُ في قاعِ قلبي
وفي فسحةِ الضوءِ أبيضَ مثلَ الحليبِ
تماماً كما يتراكمُ ثلجُ غيومٍ خريفيَّةٍ فوقَ وجهِ السماءِ
كما يتجمَّعُ ماءٌ خفيٌّ من القبلاتِ التي لا تُرى
فوقَ وجهيَ من صوتها الليلكيِّ
الذي صقلتهُ مياهُ الغوايةِ في كوكبٍ عاشقٍ
حينَ أصرخُ ملءَ دمي في انخطافٍ رهيبٍ
أُحبُّكِ يا روحَ روحي ويا دفءَ قلبي
الذي ماتَ قبلكِ من شدَّةِ البردِ
يا بسمةَ الوردِ / يا زينةَ العالمين
*********
فمٌ على الصوَّان
وأقولُ ليسَ من السماءِ
فبينَ حضنِ سكينتي وحريرها رَحِمٌ
وبينَ قصيدتي وسريرها ألمٌ...
قريباً نرتقي أولمبَ يا امرأتي
ونبكي لانتهاءِ الصيفِ...
ليسَ من السماءِ أقولُ
بل من أيِّ أرضٍ زارني شَبَحي
وشعَّ ظلامُ نجمِ الخوفِ
حلَّقَ حولَ قلبي في سكونِ الليلِ؟
أيُّ رصاصةٍ ستشقُّ عطرَ الخوخةِ الخلَّابَ
وهيَ تطيرُ نحوَ دمي وتُغلقُ لي
ابتسامةَ من يموتُ كوردةٍ بيضاءَ مظلوماً؟
أمُدُّ يَدَيَّ حينَ تُفوِّلينَ
شفاهَ عاشقةٍ من الصلصالِ نحوَ الشمسِ
تبتسمينَ..تجتاحينَ فردوساً من النعناعِ قابَ دمي...
بياضُ الليلِ يخطفني
يمرُّ الماءُ من قلبي
عصافيرُ القرنفلِ تقتفي أثَري
انهياراتي التي أجَّلْتُها
كفمٍ على الصوَّانِ لم يهدأْ ستنهضُ بي
من الزبَدِ المعمَّدِ بالدموعِ وفضَّةِ النسيانِ
يصحو الشاعرُ المرشوقُ بالطلقاتِ
وردتُهُ تدُّلُ عليهِ روعَ الباحثينَ
وتكتسي عيناهُ حزنَ الأنبياءْ.
********
فاطمة
والآن ماذا تبقَّى من فاطمة
غير شتائها الدنيويِّ الأخيرِ
وتلويحةِ الشمسِ لشقرتها الغجريَّةِ..
فاطمة التي كنتُ أصرخُ لها بأخذةِ استهتارٍ فيما مضى
بمقطعٍ من قصيدةٍ منسيَّةٍ أو ملغيَّة...
عيناكِ يا فاطمتي عيناكِ
أو أغرقُ في بحرٍ من الكونياكِ
لا أفيقُ إلَّا حينما يوقظني الملاكْ
**********
وصايا صغيرة
لا تدَعْ لطفولةِ ماءِ النَهَرْ
ولا لحباحبِ ليمونها
أن تُكذِّبَ عينيكَ في صدَفِ الرملِ
أو أن تُشذِّبَ يوماً حنينَكَ
لا تقصصَ الحبَّ – حبَّكَ – يوماً على أحَدٍ غيرَها أبداً
لا تدَعْ لغزالاتِها السابحاتِ بيمِّ البنفسَجِ أن تحتَمي
بشموسِ ابتساماتها – هكذا –
لا تُفكِّرْ بغيرِ هواها العظيمِ
ولا تدَعْ الوردةَ الأنثويَّةَ تذبَلُ
لا تدَعْ النسوةَ الفاتناتِ يشاهدنَ موتَكَ تحتَ القمَرْ
قُلْ إلهي الذي في السماواتِ
عدْلٌ قضاؤكَ فيَّ
أنا يا إلهي
ضعيفٌ شفيفٌ ألوفٌ رهيفٌ
غُلبتُ على شَغَفي فانتصِرْ.
************
فقاعاتُ قهوة
لحيفا والناصرة وشفاعمرو فقاعاتُ قهوةٍ في دمي
توجعني..تتنفَّسُ روحي وتتفتَّقُ فيها
أقولُ فقاعات قهوةٍ فأنا لا أقصدُ العبيرَ ولا الرائحة
هيَ طيرُ نوستالجيا.. وما يجعلُ الصبحَ صبحاً
بكلِّ معانيهِ غيرِ المحسوسةِ
فتاةٌ ناحلةٌ من نرجسِ الريح
تسكبُ ماءَ الظهيرةِ في خرَزِ القلبِ الرمليِّ
ولأنَّ فقاعاتِ القهوةِ حتماً تقودُ إلى إحساسٍ يُشبهُ الحبَّ
أقولُ لي لا تُفكِّر بامرأةٍ بكلِّ عبثيَّةٍ هكذا
فأنتَ تُفكِّر في البدايةِ من شدَّةِ المللِ في ذلكَ الصباحِ
المضمَّخِ بعبيرِ القهوةِ والهالِ
ولكنَّ تفكيركَ العبثيَّ هذا سرعانَ ما يتحوَّل إلى عبادة.
************
تروبادور
تروبادورُ يعصرُ غيمةَ الرملِ الأخيرةَ
يستوي ملِكاً ولو في الوهمِ
يُشعلُ قلبَهُ الشمعيَّ كُرمى للعصافيرِ التي
نقَرَتْ نوافذَ روحهِ وزجاجَ حُوريَّاتهِ في الليلِ
إذْ في الحلمِ يستيقظنَ
يجمعُ من أصابعهنَّ ورداً
من نداهنَّ المعطَّرِ رغوةَ الماءِ الحزينِ
ومن خطاهنَّ اشتهاءَ المسكِ
من غيمِ ابتسامتهنَّ دمعَ الطيرِ
يا لمغفَّلٍ أعمى يعيشُ على الرمادِ
وليسَ يفهمُ ما يُغنِّي الكائنُ الكهفيُّ
لامرأةٍ من الحبِّ الحديث.
**********
الشام
يقطفُ القاتلُ الفظُّ قلبَ الصبيَّةِ في الشامِ
مثلَ بنفسجةِ الماءِ
لكنَّ عينيهِ تندلعانِ بنارِ السوادِ ولا تبصرانِ بروقَ الخلاصِ
سوى موتهِ في مرايا الرصاصِ...
تموتُ الصبيَّةُ لكنَّ بسمتها الليلكيَّةَ
تقتلُ قاتلَها كلَّما رفرفَتْ كالحمامةِ في ناظريهِ
تسمِّرُ أحقادهُ فوقَ هاويةِ الريحِ
أسألُ نفسيَ
هل كانت الشامُ أمسِ معادلةً للفراديسِ؟
كنَّا نقولُ نريدُ من الشامِ حوريَّةً من ندى اللازوردِ
وخمراً وشهداً وورداً نريدُ
ليكبرَ في صبحنا شفقُ الزعفرانِ...
فما لجهنَّمَ تُمطرنا بالأبابيلِ والدمِ في ريحِ صرصرها العاتية؟
شامنا باقيةْ/ شامنا باقيةْ
***********
نهرٌ تعرَّى من الماءِ
تقمَّصتِ جسمَ القصيدةِ أو ياسمينَ الشموسِ
فكيفَ نهَرتِ الزهورَ على كاحلِ الماءِ ؟
كيفَ زرعتِ الخزامَ الذي لا يُرى في سهوبِ الحليبِ
التي أينعتْ في الظهيرةِ أو خرزِ الظَهرِ؟
كيفَ أقولُكِ؟
في أيِّ صحراءَ يغمرها البرقُ
أُودعُ شيطانَ شِعركِ- يا لعنةَ الشِعرِ -؟
ماذا أُسمِّيكِ؟
ترنيمةَ العبثِ الأزليَّةَ؟
ضرباً من المسِّ؟
تعليقَ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟
سعياً على الجمرِ فوقَ صراطِ الحياةِ؟
طريقاً تؤدِّي إلى جنَّةِ الروحِ في جسَدِ الجلجلَة
وإلى شفرةِ النارِ في زهرةِ المقصلَةْ؟
مهنةَ العاطلينَ عن الحبِّ والأسئلةْ؟
عنفواناً مريضاً؟ / شتاءً خفيضاً؟
سماءً ترتِّبُ هندامَها وتشذِّبُ أحلامَها؟
قمرَ الوردِ؟ / إكسيرَ حبٍّ تكسَّرَ؟
حقلَ ندى من كلامٍ بسيطٍ كعفويَّةِ الضوءِ
يُرجعُ كلَّ الذي ضاعَ من ذهبِ العمرِ / في أوَّلِ النهرِ؟
لا لن أُعوَّلَ إلَّا على ما تربَّى من الشِعرِ في عهدتِكْ
فهوَ صُنَّارةٌ لاصطيادِ النساءِ
اللواتي تعبنَ من الركضِ خلفَ الفراشاتِ
أو من تسلُّقِ سلَّمِ أمجادهنَّ إلى شرفاتِ السماءْ
لن أعوِّلَ إلَّا على ما يمَسُّ القصيدةَ منكِ فتصبحُ سجَّادةَ الحالمينَ
بكسرةِ خبزٍ وقُبلةِ ماءْ
آهِ لكن سألتكِ من أنتِ أو بأصحِّ العبارةِ ما أنتِ
أو ما هوَ الشعرُ ؟ قولي إذنْ
طعمُ شوقٍ تجسَّدَ قربَ سفينةِ أحمدَ بن ماجدٍ؟
وعذاباتُ كولمبسِ؟
الشعرُ كالحبِّ ضربٌ من المسِّ؟
تعليقُ قلبي وحيداً على حِربةِ الشمسِ؟
ما هوَ هذا الذي ليسَ يوصفُ في كائنِ الهجسِ؟
نهرٌ تعرَّى من الماءِ في ليلةِ السبتِ؟
نحلٌ فقيرٌ من الصمتِ يمخرُ آفاقَ قلبي إلى وردةِ الروحِ
أو قُبلةٍ في أقاصي شفاهِ الشمالِ المدجَّجِ بالخمرِ والطيرِ؟
هل هوَ شبهُ بكاءٍ خفيٍّ على ما يضيعُ من الوردِ فينا وراءَ الظلالِ؟
سرابٌ خفيفُ الاشارةِ؟
طميٌ تقرَّى دمي في أعالي الجبالِ؟
ملاكٌ بريءٌ يضيءُ على الليلِ قلبَكِ
لكنهُ ليسَ يُطعمني حنطةً من جنانكِ
ليسَ يُبلِّلُني بندى الزنجبيلْ؟
فما هوَ هذا الذي لا يُعرَّفُ؟
من هو هذا الأميرُ الجميلُ
النبيلُ..الأصيلُ..الشهيُّ..البهيُّ
الذي في أعالي صباحاتنا كانَ يصرعنا سحرُهُ المتأنِّقُ
من دونِ أن يلمسَ السيفَ والوردةَ/ السرَّ
من دونِ أن يتهجَّى الينابيعَ في دَمِنا
أو يتقاطعَ مع بسمةِ القمرِ الطفلِ
تحتَ ظلالِ المساءاتِ حينَ يُطهِّرنا من هوانا الرخيصِ
ويجعلنا بشَراً من بكاءِ النخيلِ على نسوةِ الماءِ؟
ما هوَ هذا الذي يجمعُ الأبديَّةَ في لحظةٍ كالفقاعةِ؟
ما يجعلُ الصخرَ في نهرِ أضلاعنا غيمَ قطنٍ
خفيفاً شفيفاً نظيفاً تماماً كغيمِ الأنوثةِ؟
ما هو هذا الذي يحملُ العشبَ عنَّا
لأنَّا تعبنا كثيراً من الركضِ فوقَ مراثي إرميا
وتحتَ بكاءِ السماءِ
لأنَّا تعبنا من الحُبِّ واستنزفتنا المسافةُ بينَ القرنفلِ والقلبِ
بينَ القميصِ المفخَّخِ بالمسكِ والذئبِ
بينَ الخرافةِ تمشي على قدمينِ معمدَّتينِ بعطرِ الخزامْ
وبينَ الروبوتِ الذكيِّ المدجَّجِ بالكرهِ والحقدِ والانتقام؟
***********
ما حاجتي للأسئلة؟
(أغنيةٌ مجهولة لإبراهيم القاشوش)
كلَّما رأيتُ بردَى بلا حنجرةٍ مذبوحاً من الوريدِ إلى الوريدِ
محمولاً على الريحِ في عَينَيْ إبراهيم القاشوش يدمعُ قلبي
روحي سماءٌ مُهملَةْ
ويدايَ خابيتانِ من شهدٍ ومن وردٍ
شفاهي غيمتانِ صغيرتانِ تعانقانِ الأرضَ
قلبي وردتانِ / دمي فمي
عينايَ نافذتانِ في برَدى إلى الدنيا
وجوهرتانِ غامضتانِ من جمرِ الحنينِ إلى الحياةِ
فمي دمي يبكي
وحنجرتي وراءَ الخنجرِ المأفونِ قبَّرتي.. وصوتي مقصلَةْ
برَدى أبي النهريُّ يحملني كأني طفلُهُ الموعودُ / أو إكسيرُهُ المشهودُ
حزنُ الياسمينِ أخي
ويفترشُ اليمامُ خطايَ
يقتسمُ الجنودُ وكلُّ أشباحِ الجنودِ رؤايَ
يُولمُ من دمائي الناسُ
ها أنذا مغنِّي النارِ في أوغاريتَ
حنجرتي بكفِّ القاتلِ المأجورِ جوهرتي
فما...ما حاجتي للأسئلةْ؟
قدرُ الرصاصِ أو الجحيمُ – جحيمُ كلِّ الآخرينَ –
يهبُّ زخَّاتٍ على ما ظلَّ في عينيَّ من حبقِ الطفولةِ
يُحرقُ الأطفالَ والأشجارَ والأنهارَ والأزهارَ
والقمرَ المحنَّى بالدماءِ وبالدموعِ
ونسوةَ التفَّاحِ
يُطلعُ من براعمهنَّ أحجارَ الجماجمِ
والربيعُ الحرُّ والحريَّةُ الخضراءُ والحمراءُ والبيضاءُ قابَ قرنفلَةْ
ما حاجتي للأسئلة؟
الأفعوانُ يخضُّ أوردتي
فما للدُبِّ والتنِّينِ راحا يحرسانِ بغيرِ ما قلبٍ
شهيَّةَ ذلكَ المسخِ الزنيمِ إلى الدماءِ
ويُطلقانِ جنونَهُ الأعمى على الفردوسِ
في ريحِ الأفاعي المرسلَةْ؟
روحي سماءٌ مُهملَةْ
ويدايَ نورستانِ في بحرٍ بلا ماءٍ
أصابعُ صرختي ريحٌ تظلُّ النارُ في الأجسادِ منها مُوحلَةْ
هل من دمٍ لمْ يجرِ بعدُ؟
ومن نساءٍ بعدُ لم يُذبَحنَ؟
هل يكفي رخامُ الشامِ كلَّ مقابرِ الشهداءِ..؟
يومُكَ..بل جحيمُكَ أيها الطاغوتُ يأزفُ ها هنا والآنَ
فيما جنَّةُ الشعبِ العظيمِ مؤجَّلةْ
كلُّ الخطاباتِ التي تستلُّها الأممُ الحديثةُ
من عذاباتِ المهرِّجِ ليسَ تُغني خردَلةْ
كلُّ الشعاراتِ الرخيصةِ
كلُّ هذا العُهرِ
هذي العنتريَّاتِ العقيمةِ
فوقَ أشلاءِ الضحايا مهزلةْ
هل يفهمُ الجلَّادُ صمتَ الحزنِ في عينيَّ؟
ها أنذا مغنِّي جمرةِ الشهداءِ
روحي في معارجها تخفُّ وتقتفي
ما شعَّ من ألقِ الخلاصِ على الرصاصِ
دمي فمي يبكي وهذا الحُبُّ روحيٌّ
وأفراسُ العروقِ مُجلجِلةْ
بردَى صليبي والزبانيةُ القدامى حولَ رأسي
طائفونَ وطائفونَ وطائفونْ
بردَى مساميري المضيئةُ والخبيئةُ في كلامي
بيْدَ أني منكِ يا عشتارُ مولودٌ
وتكفيني عيونُكِ يا ابنةَ الشعبِ المعذَّبِ جلجلَةْ
هل يفهمُ الجلَّادُ أني حبَّةٌ من حنطةٍ ذابتْ
على هذا الترابِ كقبلةٍ ثلجيَّةٍ في النارِ
فيما قلبُكِ المسكونُ بالمرجانِ أبهى سنبلَة؟
هل يفهمُ الجلَّادُ سرَّ الماءِ في أعماقِ حنجرتي
وفي عينيَّ حينَ تحوِّمانِ على البنفسجِ طائرينِ معذَّبينِ
وتحملانِ رؤى مزاميرِ البهاءِ المنزلَةْ؟
روحي سماءٌ مقفلَةْ
وصراخُ قلبي أبكمٌ
عينايَ صاريتانِ من رملٍ وبحري يابسٌ
لا شيءَ يُرشدني إلى نفسي سوى حدسي وضوءِ قرنفلَةْ
سأكونُ في أوغاريتَ...
حنجرتي بكفِّ القاتلِ المأجورِ جوهرتي
فما..ما حاجتي للأسئلة؟
*************
مثلَ عشبٍ عاشقٍ
تقتاتُ أشعاري على قلبي الذي يقتاتُ من قلَقٍ
طقوسيٍّ..سخيِّ الوجدِ.. صوفيٍّ.. خريفيٍّ
يُربِّي طفرةَ الأشياءِ..ماءَ اللا سكينةِ مثلَ أيِّ خميرةٍ بيضاءَ
في أفكارِ ذاكَ الشاعرِ الكليِّ
ذاكَ الحالمِ الرائي المضمَّخِ بالرؤى فرناندو بيسوا..
أُحاولُ أن أُضيءَ عبارةً سريَّةً أو وردةً جوريَّةً
بخطايَ أو بحقيقةٍ خضراءَ
لا قمرٌ يُشيعُ صدايَ
لا قدَرٌ يطيعُ إشارتي
وجميعُ أشياءِ المدى الخاوي تسوطُ دمي
تُسمِّرني على شمسِ الظلامِ
قصيدتي بيدي ترفُّ كصولجانِ البرقِ أو كنبوءةِ الأنهارِ
ينزفُ من شراييني مجازٌ طافحٌ بنجومهِ وغيومهِ..
لا برَّ في جسدي يفِحُّ لأقتفي طيرَ الشذى
لا بحرَ في قلبي ولا لغتي لأرفعَهُ
على شفقِ الدماءِ كبيرقٍ أعمى
ولا شجَرٌ وحيدٌ طاعنٌ في الصمتِ..
يجلسُ كالنساءِ المرهقاتِ من التأمُّلِ في الخريفِ الدُنيويِّ
أو التطفُّلِ في المحبَّةِ والبكاءِ على طلولِ العمرِ
وهيَ تذوبُ كالأزهارِ في الصحراءِ
أو كالأنجمِ البيضاءِ في ليلِ المجوسِ العاطفيِّينَ
انتبهتُ من الرمادِ رأيتُ حقلاً من حباحبَ في الثرى الخاوي
ونهراً حافياً يعدو على جمرِ الحصى المهتاجِ
كيْ يرقى إلى حوريَّةٍ تكتظُّ بالسمكِ المضيءِ وبالزجاجِ
بما تناثرَ من شفاهِ الفُلِّ في الأمواجِ
ها هيَ مرَّةً تدنو وتُمعنُ مرَّةً في الصدِّ
ها هيَ ذي تجلَّتْ في مقامِ الوردِ
شمساً علَّقَتْ أنهارَ قلبي من أصابعها
على رملِ السماءِ وكربلاءِ الروحِ
يا لأنوثةِ الأشعارِ فيها
أمطَرَتني لؤلؤاً من نرجسٍ وسقَتْ ورودَ دمي الصغيرةَ
ثُمَّ عضَّت نارَ عُنَّابي بما يهتاجُ في فمِها
من البرَدِ المصَفَّى والمقفَّى..
طفلةٌ روحي على أعتابها إذْ تُتقنُ الأحلامَ
أو فنَّ التذكُّرِ والهشاشةِ
طفلةٌ بيضاءُ ملءَ نصاعةِ الرؤيا وملءَ براءةِ الغيمِ الصديقِ
قصيدةٌ زرقاءُ مثلُ شذى النُعاسِ
وريحُها خضراءُ كالأشواقِ لا تكتظُّ إلَّا باليمامِ
وخيلِ لوركا الطفلِ...
لا صحراءَ في لغتي ولا شفتي
ولا أفياءَ أو أنداءَ
لا عنقاءَ تنهضُ من رمادِ ذكورتي
لا رغوةَ امرأةٍ تفِحُّ.. تفورُ من دمعي
تطيرُ اليومَ من ضلعي
كأيِّ حمامةٍ خضراءَ سرياليَّةٍ في جوِّ ذاكرتي
يُطرِّزُ ريشُها شالَ الجبالِ ومعطفَ الأجواءِ
بالقُزحِ الجميلِ وبالخيولِ
وبالنوارسِ وهيَ تغزلُ من خيوطِ الغيمِ
والمسكِ المفخَّخِ بالعذابِ قصيدتي الأولى
وأسرارَ التبتُّلِ واختلاجاتِ الضبابِ
وما ترمَّدَ من دمي فوقَ انكساراتِ السحابِ
وفوقَ أهدابِ البحيرةِ في المساءِ المستضاءِ
بكُلِّ أعراقِ البنفسجِ والرذاذِ
وبالأصابعِ والشموعِ أو الدموعِ
تدُقُّ كالأجراسِ غابَ الروحِ
لا صفَةٌ أُعلِّقها على ذاتي ولا شِعري
ولا شفَةٌ تضيءُ القُبلةَ الخرساءَ في ليلِ الجحيمِ
وتبتني للجمرِ صومعةً
وللماءِ المقطَّرِ من هوائي شرفَةً عُلويَّةً سحريَّةً
عبثيَّةَ المعنى أو المبنى..
سكبتُ على الرمالِ عبارَتي
فاخضوضَرَتْ شمسٌ على مرمى الضلوعِ
وأشرَقتْ لغةٌ تُزوِّجُ وردةً صخريَّةً
تنسّلُّ من تشرينَ قلبي للربيعِ
كما تُزوِّجُ عاشقَينِ مضمَّخينِ بلهفةِ القُبَلِ السريعةِ
حينَ تمحو فوقَ دربِ الروحِ كُلَّ خطى الصقيعِ
وحينَ تشتَمُّ العبيرَ الدافقَ الخفَّاقَ
في حبرِ النصاعةِ والصباحاتِ القصيرةِ
هل سرابُ العمرِ غيرُ فقاعةٍ يمتصُّها عطشُ الزمانِ اللا نهائيُّ؟
الحياةُ كأنَّها قيلولةٌ بيضاءُ فوقَ ثرى الوجودِ
وبينَ معركتينِ دائرتينِ
بينَ المثخنينَ بلسعةِ الأملِ العصيِّ ولدغةِ اليأسِ الجريحِ
كيقظةٍ ما بينَ كابوسينِ يقتتلانِ في قلبي
أو امرأةٌ تعذِّبني بلا وجَعٍ خفيفِ الماءِ والرؤيا
تغازلني فتخذلني.. تقبِّلني فتقتلني
وما في القلبِ غيرُ خيالها الناريِّ يخطفُ في دمي الأزهارَ
ما في الروحِ غيرُ رمادها الفضيِّ والمرفوعِ فوقَ الغيمِ كالأسرارِ..
هل أكلَت قوافي الحُبِّ قمحَ فمي.. ووردَ القلبِ؟
هل أكلَتْ لسانَ الروحِ مثلَ الذئبِ؟
أم ضاقَ الكلامُ عليَّ واتَّسَعتْ على مرمى الغوايةِ
في المدى رؤيايَ كالنفريِّ؟
أرعى صمتَ روحي مثلَ عشبٍ عاشقٍ
قد شاخَ في أشعارِ رمبو قبلَ عصرِ الحزنِ..
أسألُ هل أنايَ العاطفيَّةُ في القصيدةِ والحياةِ أنايَ؟
أسألُ مالكَ بنَ الريبِ هل مرثيَّةٌ بيضاءُ واحدةٌ
تليقُ بموتِ هذا الشاعرِ الضلِّيلِ والمنسيِّ والصُعلوكِ أو تكفيهِ؟
هل قمرُ البنفسجِ والحمامِ ينامُ في كفَّيهِ؟
أو هل يحتفي بسمائهِ ويصُبُّ في عينيهِ كالأنهارِ بعدَ اليومِ؟
هل فُلٌّ يطوِّقُ وحدةَ الأشجارِ وهيَ تشِّعُ أسفلَ قلبهِ في الليلِ؟
هل يكفيهِ ما ينحَلُّ من شمسِ المحبَّةِ فيهِ
وهوَ يعودُ من تغريبةِ الإنسانِ للإنسانِ؟
بحرٌ واحدٌ لا غيرَ في شفتيهِ يردمُ هوَّةَ النسيانِ في دمهِ
يُعانقهُ فيُدني قلبَهُ الأعمى
يُقبِّلُهُ ويرفعُهُ على عينيهِ مثلَ قميصِ يوسفَ
هبَّ من فردوسِ أحلامِ الصغارِ
قصيدتي بيدي ترِفُّ كصولجانِ البرقِ أو كنبوءةِ الأنهارِ
ينزفُ من شراييني مجازٌ طافحٌ بنجومِ ذاكَ الحالمِ الرائي
المضَمَّخِ بالرؤى- قلبي-
أُحاولُ أن أُضيءَ عبارةً سريَّةً أو وردةً جوريَّةً.. رمليَّةً.. صخريَّةً
بالماءِ أو بالعشبِ من جلجامشِ المطرودِ من فردوسهِ السريِّ
أحملُ في دمي قمَرينِ مشتعلينِ..
برَّاً في مدى جسدي يفِحُّ وأقتفي طيرَ الشذى
الموشومَ فوقَ دمي وفي أنفاسِ أحلامي
أُحاولُ أن أُضيءَ خطى النجومِ
بما ترمَّدَ من شفاهي في الترابِ الحيِّ
من نارٍ تخاتلُ ذئبَها الفضيَّ في شفقِ الغوايةِ..
أيها المنسيُّ لا طُرُقٌ تقودُ إلى قصائدكَ الرجيمةِ
لا سماءٌ طفلةٌ تفتضُّ سرَّ الأزرقِ الشفَّافِ في أقصى شغافكَ..
لا طيورَ تبُلُّ شمسَكَ بالغناءِ أو البكاءِ
ولا سلوقيٌّ يشُمُّ حنينَ روحكَ للأنوثةِ
لا معارجَ ترتقي فيها إلى المجهولِ
لا ظلٌّ يليقُ بكبرياءِ النَسرِ فيكَ
ولا نوافذَ في القصيدةِ كيْ تطلَّ على اختلاجاتِ الندى منها
ولا شفقٌ يليقُ بعنفوانِ الوردِ في قدميكَ
لا ماءٌ يُفسِّرُ هجرةَ الأنهارِ في عينيكَ
يشفعُ لانطفاءِ حصاكَ
يكفيكَ الذي ينحَلُّ من شمسِ المحبَّةِ فيكَ
يردمُ هوَّةَ النسيانِ
وهوَ يهبُّ من فردوسِ أحلامِ الصغارِ.
*************
مدائح لمائيَّةِ ميم III
فوضويٌّ جميلُ
شاعرٌ هوَ أم داعرٌ إذ يقولُ
ظُفرُ تلكَ التي كنتُ أحببتُها لدقائقَ معدودةٍ في مكانٍ نسيتُ...
ربَّما كانَ في حرمِ الجامعةْ
ربمَّا في القطارِ البطيءْ
ربمَّا في حدائقِ عينينِ صيفيَّتينِ تضيئانِ ما لا يُضيءْ
ربمَّا في الطريقِ إلى الموتِ أو صخبِ الحافلةْ
ربمَّا في مساءٍ بظلِّ المجمَّعِ أو في انتظارٍ طويلٍ طويلٍ لما لا يجيءْ
ربمَّا في ندى الوردِ أو في خطى السابلةْ
كانَ يلعنُ هذي الحياةَ بعينيهِ أو روحهِ الشاعرةْ
كانَ يهذي بغيرِ فمٍ:
ظفرُ تلكَ التي كنتُ أحببتُها لدقائقَ معدودةٍ في جهنَّمَ
حتى ولو سُميَّتْ عاهرةْ
أحنُّ وأفضلُ من كلِّ زوجاتيَ العشرِ....
عانقتهُ ثمَّ وصَّيتهُ بصغارِ الملائكِ..ودَّعتهُ وبكيتُ.. انتهيتُ من الليلِ
ثمَّ مشيتُ.. مشيتُ.. تشقُّ الخيولُ المجنَّحةُ الماءَ فيَّ ولا تستريحُ الخيولُ
شاعرٌ هو أم .. فوضويٌّ جميلُ؟
*******
بهارُ ماتيلدا أُخرى
أكلُهنَّ جميلاتٌ بقلبكَ أم
يُعمي خطى قلبكَ الشمسيِّ إخفاقُ؟
أم عاشقاتٌ بريئاتٌ ووحدكَ من
قد توَّجوهُ على الخسرانِ عُشَّاقُ؟
دمُ القصيدةِ يَعرى خلفهنَّ شذىً
وليسَ يكسوهُ تفَّاحٌ ودُرَّاقُ
جسمي رمادُ ندى العنقاءِ أجمعُهُ
والروحُ ريحٌ وأمطارٌ وأوراقُ
تُعذِّبُ القمرَ الفضيَّ في جسَدي
منهنَّ حينَ يموتُ الليلُ أحداقُ
بي شهوةُ الماءِ تجري باتجَّاهِ دمي
بقوَّةٍ.. وصهيلُ العطرِ دفَّاقُ
لم يبقَ نجمٌ مُدمَّىً في الترابِ هوى
إلَّا وخطَّتهُ في عينيَّ أشواقُ
في القلبِ جيتارةٌ تعوي وزرعُ لظىً
وصمتُ حوريَّةٍ تبكي وإطراقُ
مَدَدتُ للأزرقِ الكليِّ رملَ فمي
والماءُ في شفةِ الليمونِ رقراقُ
ولم أُصدِّقْ شذى دمعي على يدها
والملحُ في الجسدِ الليليِّ برَّاقُ
أفعى تعانقُ عصفوراً على ظمأٍ
وشمٌ تُؤنثِّهُ للماءِ أعناقُ
طُردتُ أحملُ فردوساً على كتِفي
منها.. ويمَّ ذنوبٍ أرجحَتْ ساقُ
أكلتُ في ملكوتِ التيهِ بوصلتي
هل علَّمَ الوردُ ذئباً كيفَ يشتاقُ؟
يا فضَّةً لصباحاتٍ مؤجلةٍ
وليسَ تفتضُّها للسحرِ آفاقُ
روحُ الأماكنِ راحَ العطرُ يسكنُها
فيا ماتيلدايَ هل للعطرِ ميثاقُ؟
من بطنِ طائرِ رُخِّ الحبِّ مرتحلاً
سدىً أناديكِ.. إنَّ الحبَّ أرزاقُ
ألمُّ صرخةَ نيرودا وينثرُها
بهارُ ألفِ ماتيلدا منكِ حرَّاقُ
********
ذئبُ الغواية
لصهيلِ هذا الكوكبِ الدُريِّ بينَ سمائكَ الأولى
وبينَ دمائكَ الحُبلى بزهرةِ بيلسانْ
لعوائكَ البحريِّ يا ذئبَ الغوايةِ في براري اللهِ
يا فخَّاً من التفَّاحِ والدُفلى
يُؤرِّخُ للبنفسجِ والحروبِ أنوثةً بيضاءَ مثلَ الماءِ
تحفنُ شهوةً عجلى بعينيها....
لهذا الليلكِ المنصوبِ في دمِها
المسافرِ في انكساراتِ الزنابقِ
أرفعُ الكأسَ الأخيرةَ
نخبَ أوجاعِ التأمُّلِ أو خساراتي من التعبِ المريبِ
وصرخةِ الأشياءِ في الوقتِ المعبَّأِ بالرمادِ..
وفي انهيارِ الوردِ أسفلَ قلبِها الشبقيِّ
في شفتيَّ أو عينيَّ
يا للبحرِ في معنى انتحارِ قرنفلةْ
عبَّأتَ قلبكَ بالسرابِ وبالترابِ وبالرمادِ وبالرمالِ
على حوافِ المقصلةْ
ماذا تريدُ الأسئلةْ
من شكِّكَ العبثيِّ يا ابنَ قصيدةٍ خضراءَ
تحتَ البحرِ تغفو مُهملةْ؟
ماذا تريدُ الأسئلة؟
********
ما هوَ الظمأُ؟
الأقحوانةُ.. عطرُ الماءِ.. شهوتُهُ
المرأةُ.. النورسُ.. الحوريَّةُ.. الرشأُ
يبكي على يدِها من عشقهِ برَدى
وينتهي في حوافيها.. ويبتدئُ
تُعلِّمُ الشبقَ الفضيَّ في شفتي
طيورُها.. كيفَ حولَ النارِ ينطفئُ
الياسمينةُ أجلوها.. فينثرني
صوَّانُها الرخوُ.. أو يعلو دمي صدأُ؟
تسقي خطايَ فراشاتِ البحارِ ولا
تهذي بغيرِ شظايا.. ما هو الظمأُ؟
قصيدتي جرَّها الفاشيُّ حافيةً
من شعرِها.. والندى الجوريُّ يهترئُ
أكلَّما خمشَتْ عصفورةٌ عُنُقي
جاءَ ابنَ زيدونَ من ولَّادةٍ نبأُ؟
ضحكُ الدمشقيَّةِ الغيداءِ يغسلني
بلهفةِ الدمعِ حتى لستُ أنكفئُ
أروادُ فيها بعينيها تُعاتبُني
وليسَ تغفرُ لي نسيانَها سبأُ
**********
طيورُ المعاني الحبيسة
بما تحملينَ من الشِعرِ فُكِّي وثاقَ المعاني
التي حبستها سماءٌ من الاخضرارِ
كما يحبسُ الطيرَ بحرٌ بعيدٌ.. شريدُ الخطى..
يشربُ الصمتُ أنهارَ عينيكِ ناراً
ولا يرتوي الذئبُ في قلبِ نرسيسَ أو يرعوي
هذهِ الأرضُ تسكنني روحُها
وطريقٌ إلى شرفاتِ الغيومِ يشقُّ مرايايَ
قالتْ أنايَ الأخيرةُ
والوقتُ يسرقني من بياضِ النعاسِ وشهدِ الليالي وخمرِ السرابْ
يا عبيرَ الندى واختلاجَ الترابْ
**********
لماذا يتوَّجعُ الماء؟
تكلمَّي عن أي شيءٍ .. أيِّ شيءٍ.. مثلا عن علاقتكِ بالعصافير يا ميم...
عن علاقتكِ بأزهار اللبلاب والصبَّار والتين واللوز ...
وأسماك الأنهار العذبة في العالم
فقد تزوِّدينَ قصيدتكِ بدموع ذلك الضلع الذي يحن لصدري
قصيدتكِ التي شردت منذ طفولتكِ المحاريَّة ولم تعدْ
تكلَّمي عن الأشجار الصغيرة التي نامتْ على عنقكِ في طريقكِ إلى الجامعةْ
قبل سنينَ لا أذكر عددها الآن ولكنني أظنُّها سنين ضوئيَّة
لا أعرف لماذا يذكِّرني حزن عينيكِ بالأندلس والنساءِ المسبيَّاتِ
في حروب العربْ
كلمَّا يلمَسُ طائرٌ غريبٌ أصابعكِ لا أدري لماذا يتوَّجعُ الماء؟
كلمَّا تمشينَ على العشبِ الأخضر يتوَّجعُ من الحبِّ
وعلى الحصى يشتعلُ بنارٍ لا تلسعُ
تكلَّمي عن أيِّ شيءٍ... أيِّ شيءٍ
فأنا يكفيني صمتُ الشعراء المقهورين.
*********
القصيدة الغجريَّة
يا سرَّ فاطمةَ التي تمشي على
جمرِ المحبَّةِ في نقاوةِ مريمِ
أحضرتِ دمعَ المجدليَّةِ كُلَّهُ
في جسمٍ عصفورٍ لينقرَ معصمي
لوَّحتِ لي بقصيدةٍ ورديةٍ
من آخرِ الدنيا كخفقةِ أنجمِ
وأنا الذي في البئرِ يبكي راعفاً
بالظلمةِ الخضراءِ قلبي أو فمي
يا عطرَ ليلى وانتباهَ ظبائها
في سحرِ وردَ وزهرها المتأثِّمِ
ولَّادةٌ في جسمِ إلسا... بنتُها
تركتْ بروقَ الحبِّ تعوي في دمي
غجريَّةَ العينينِ والقدمينِ وال
شَعرِ الذي يبكي بدمعِ العندمِ
سمَّيتُ باسمكِ لهفةً تصلُ الندى
بالأقحوانةِ في منامِ متيَّمِ
ميمُ المعذَّبةُ المدَمَّى ماسُها
بالماءِ.. مهرُ المسكِ.. ملحُ تيتُّمي
بخطى من الحبقِ المحرَّقِ لملمي
شفقَ الصراخِ على شفيرِ جهنَّمِ
حبٌّ رموكِ بريئةً في جُبِّهِ
دنسٌ بأحضانِ العواهرِ يرتمي
وحديقةٌ زرقاءُ سرياليةٌ
أشواقُ وضَّاحٍ.. فلا تتوَّهمي
دمُكِ المفخَّخُ يحتفي بحرائقي
وبكحلِ أجنحةِ الفراشةِ يحتمي
وبنفسجُ الحمراءِ يقطرُ من يدي
وعلى شفاهيَ وردةٌ من علقمِ
حطَّمتِ ضلعي في مرايا زهوهِ
والضلعُ في فرَحٍ يُردِّدُ حطِّمي
كلُّ النهاريِّينَ حولَكِ أشعلوا
ماءً أصابعَهم بكهفٍ مظلمِ
هل أنتِ أندلسي التي ضيَّعتها
كقصيدةٍ... فردوسُها مُتنسَّمي؟
ظمأُ ابنِ زيدونَ الذي لا ينتهي
بالنارِ يختمُ ماءَ قلبي أو دمي
*********
مُقاداً بقلبي
سأتبعُ كالنسَمِ الهائمِ
خطاكِ إلى آخرِ العالمِ
بعينينِ من لازورديٍّ شقيٍّ
وحلمينِ من يقظةِ النائمِ
أُبدِّلُ أثوابَ قلبي وفي
دمي طائرُ الشبقِ الحائمِ
أنا السامريُّ الذي لا مساس
لعينيَّ غيرَ الندى الحالمِ
صراخي يشقُّ سماءَ الثرى
بما لا يُرى من دمي الغائمِ
وأغبطُ يوسفَ في جُبِّهِ
وأيوبَ في المرضِ الدائمِ
وتستصرخُ الروحُ أفعى سدوم
تنامُ على الهيكلِ القائمِ
وكلَّ الزناةِ الذينَ انتهوا
وكلَّ العواهرِ من آدمِ
لوجهكِ عينايَ كالشمعتينِ
تضيئانهُ.. وفمي خاتمي
لشعرَكِ كفَّايَ كالزهرتينِ
تربَّانِ عطرَ الندى الفاحمِ
لعينيكِ زرقةُ هذا المدى
تُزوَّجُ للمطرِ الناعمِ
فهل ترفعينَ دماً للشموسِ
لقلبٍ على قُبلةٍ جاثمِ؟
فأنتِ البلادُ التي لا أبوسُ
ثراها سوى بفمي النادمِ
بلادي التي ادَّخرتها سدومُ
لكلبِ هياكلها القادمِ
أيستوقفُ الماءَ رملُ الدماءِ
وفخَّارُ ضلعِ الظما لائمي؟
سأتبعُ كالنسَمِ الهائمِ
خطاكِ إلى آخرِ العالمِ
*********
تقمُّص
آهِ يا ميمُ ماذا تقولينَ لي
أنني ربمَّا أتقمَّصُ نجماً صغيراً من القطنِ في كاحلِ الماءِ
أو كحلِ أحلى الفراشاتِ يا ميمُ؟
أو ربَّما أتقمَّصُ حلماً من الليلكِ الرخوِ في قُزَحِ العُشبِ؟
يا ميمُ ماذا تريدينَ من عطشِ الأغنياتِ
وفيكِ الينابيعُ تركضُ مبهورةً بالأشعَّةِ؟
هذا أنا العربيُّ الشقيُّ الذي قصمَ الوردُ صبحَ النوارسِ فيَّ
ولستُ شبيهي الرومانسيَّ
لستُ أنا الشاعرَ الانجليزيَّ ما قبلَ قرنينِ
يا ميمُ لستُ أنا اللوردَ بايرونَ ولستُ أنا في الحياةِ أنا
ربَّما أنا أنتِ.
*********
قصائد حُبٍّ عطشى لرذاذِ الشمس IV
على ما يُرام
كنتَ تحملُ عنها حفيفَ الفراشاتِ في نصفِ نيسانَ
بعضَ غبارِ الورودِ الصغيرةِ
دمعَ الغزالةِ / ظلَّ البنفسجِ
خوفَ الندى من مرورِ يديها على شهقةِ الماءِ
سرَّ الخطى في الذهابِ إلى مشتهى الاحتراقِ
وشهدَ اليمامِ
فهل كنتَ تعرفُ ما مرضُ الشِعرِ والحبِّ
حينَ انتبهتَ إلى خمرةٍ حرَّةٍ في أصابعها
ثمَّ ملتَ على وردةٍ من كلام؟
تتمدَّدُ في قلبها مثلَ سربِ النوارسِ في الأزرقِ اللا نهائيِّ
أو كبكاءِ الخزامْ؟
وهل كنتَ تعرفُ ما عدد السنواتِ التي عذَّبتْ
قمَراً يختفي تحتَ فستانِ عفراءَ من شمسِ ذاكَ الشقيِّ حزامْ؟
ويا ولَدَ الماءِ هل كنتَ تغرفُ ضوءَ الغرامِ بعينيكَ حينَ تشاهدُها في المنامْ؟
وهيَ تقطفُ زيتونها برومانسيَّةِ الملكاتِ الجميلاتِ
أو بغوايةِ أحزانها العربيَّةِ...
هل كنتَ حقَّاً على ما يُرامْ؟
*********
حيفا تشبكُ شَعرَها بيمامةٍ عطشى
... منذُ متى وأنتَ تصُبُّ رغوةَ بحرِها وشذى نداها في دمائكَ
تقتفي ما يتركُ اللبلابُ في شرفاتها من شهوةٍ عجلى
تُؤثِّثُ ليلَها بشفاهِ ليليتَ التي لم تأتِ إلَّا عندما
فخَّختَ عطرَ قصيدةٍ بالموجِ؟
منذُ متى وأنتَ تقيسُ أبعادَ التأمُّلِ في روايةِ حُبِّها الأزليِّ؟
كيفَ يشيخُ قلبُكَ في طفولتها
وتلمَعُ في أنوثتها شظايا مائكَ الكحليِّ؟
لوزُ البحرِ مرميٌّ على يدِها
ودمعُ طيورها البيضاءِ يلمعُ في خطاكَ
فهل تُرى تهذي بموسيقاكَ في جَسدٍ
وهل كالأقحوانةِ في الصدَى تهوي؟
تَرى حيفا من الأصدافِ تخرجُ مثلَ أفروديتَ
تُشعلُ ماءَ بسمتِها
وتُسندُ قلبَها المثقوبَ بالنعناعِ والدامي
على نجمٍ من الصَوَّانِ
تشبكُ شعرَها بيمامةٍ عطشى
وتنتظرُ البرابرةَ المسائيِّينَ...
منذُ متى وأنتَ تحبُّها وتصُبُّ رغوةَ جِسمِها
أو نارَ شهوتِها المطيرةِ في دمِكْ؟
**********
لا تشتبِهْ بعنات
خفِّفْ الوطءَ
إنَّ الأديمَ الذي لستَ تمشي عليهِ سوى بعيونِ الظباءِ
كما قالَ عنهُ المعريُّ يوماً
دمُ العاشقاتِ القديماتِ فوقَ الرذاذِ تيبَّسَ
لا تنتبهْ لخطى الآخرينَ
ولا تشتبهْ
بعناتَ التي قطرَّتْ كحلَها في البنفسجِ
أو في سرابِ الترابِ الذي شحَّ فيهِ الندى
ونداءُ الجنودِ القدامى
هنا نمَشٌ غائرُ الضوءِ
وردٌ من الثلجِ
تُلقي بهِ الشمسُ في قلبها
خفِّفْ الوطءَ
إنَّ الأديمَ الذي تتقرَّاهُ بالفَمِ
غيمٌ تنقِّشهُ زرقةٌ واخضرارٌ وشهدٌ فسيحٌ جريحُ
لأعينِ من كُنَّ ربَّاتِ هذي السماءِ الفقيرةِ
كالأقحوانةِ يجتَّرُها شفقُ الرملِ
خفِّفْ إذنْ وطءَ عينيكَ
حينَ تهبَّانِ كالطائرينِ الغريبينِ
في أُفُقٍ هو من عبَقٍ لا يُرى
لا يُشَّمُ ولا يُشترى
من دمِ العاشقاتِ القديماتِ
أو من شفاهِ الهواءْ
**********
غجريَّات يوسف
النسوةُ الغَجرُ اللواتي انصَعنَ للتفَّاحِ
في فردوسهنَّ الآخرِ الأرضيِّ
أو لفُتاتِ شمسِ غزالةٍ عربيَّةٍ في شِعرِ لوركا..
النسوةُ الغجرُ الجميلاتُ الطويلاتُ الرشيقاتُ
انتبَهنَ لنأمةٍ في الماءِ
حينَ حمَلنَ غيمَ صليبهنَّ على الأكُفِّ
وسِرنَ في المعنى.....
أحُبُّ حريرهنَّ الرخوَ والذهبَ المقطَّرَ في جدائلهنَّ
أو في مسحةِ النمشِ الخفيفةِ حولَ أعينهنَّ...
كيفَ انصعنَ للدُلبِ المعذَّبِ بالحنينِ إلى الوراءِ؟
النسوةُ الغجرُ الخرافيَّاتُ لا يُسْبَينَ بل يَسْبينَ
يستنهِضْنَ حبَّارَ الرميمِ من الأديمِ
يكادُ من فرطِ الغرامِ يضيءُ
يستوقفنَ من يبكي عليهِ دماً سُدىً طلَلُ الفراغِ
ويستعدنَ البرقَ من رُكَبِ النساءِ الأمازونيَّاتِ
أو شبقِ المجازِ
حفيفهنَّ يخضُّ أوردتي ونارَ دمي
فكيفَ انصَعنَ للتفَّاحِ أو لأظافرِ الأفعى
التي شابَتْ من الآثامِ
أو قطَّعنَ أيديَهنَّ حينَ رأينَ يوسُفَ في المنام؟
*************
صَبيَّة
الصبيَّةُ تلكَ التي حنَّتْ الشمسُ غرَّتها
بالنعاسِ البريءِ وبالأرجوانِ السخيِّ
الفتاةُ الخجولةُ كالشاعراتِ الصغيراتِ في زحمةِ الآخرينَ
وفي لهفةِ الماءِ أو شغفِ الآسِ
والمستقيلةُ من قمَرٍ ذابلٍ ناحلٍ مثلها
الفتاةُ التي راحَ ينبضُ كالماسِ في قبضتي شعرُها
ويُلوِّحُ من آخرِ الكونِ أو لوعةِ اللونِ لي
ثُمَّ يتركُ في القمحِ أو أوَّلِ الصبحِ شقرتهُ الأبديَّةَ
أو شفقَ الزعفرانِ الملطَّخَ بالغارِ والزيزفونِ
الفتاةُ الصبيَّةُ تلكَ التي................
من تكونْ؟
************
إمرأةٌ لا تموت
تفحَّمتْ أوصالُ ذاكَ العنكبوتِ الأسودِ القبيحِ والدامي
ولم يذبحْ مرايا تلكما الحوريَّةِ الحوراءِ
تلكَ المرأةِ.. العصفورةِ.. الغزالةِ.. الفراشةِ.. الوردةِ
بل أسمعُها تشهقُ في قاعِ البحيراتِ
ولا تعصبُ عينيها سوى بالضوءِ أو بخرقةِ الدمعِ
الذي يطفرُ من ضلعي ومن أصابعي هناكَ
أو من عطشِ المرجانِ في كاحلها الناريِّ
فيما قلبُها كالسَمَكِ المهتاجِ أو كالقمَرِ الصغيرِ
راحَ يذرعُ السماءَ في الأسفلِ
كانَ صوتُها يخضرُّ أو يرتدُّ من
أقصى شغافِ الصدَفِ المائيِّ
فيما خصرُها يشقُّ نجمةً إلى نصفينِ
هل كلُّ طيورِ دمِها استعصَتْ على
خناجرِ الجلاَّدِ أو رصاصهِ الأعمى؟
وهل نحيبُها الشبيهُ بالنسمةِ أو برفرفاتِ اللوزِ
كانَ في مدى محارةٍ يرتدُّ كالموجةِ في قلبي؟
مسَستُ جسمَها فاستَنزَفَ الشهدَ
أكلُّ امرأةٍ من حمصَ فيها ذرَّةٌ خضراءُ
من شمسِ رمادِ وردْ؟
***********
يأكُلني المجاز
أفكِّرُ..
لا بقلبي أو بعينيَّ
الحياةُ جديلةٌ ناريَّةٌ في النهرِ
يأكلني المجازُ كما يليقُ بجهلِ رومانسيَّتي
وأنا أفكِّرُ؟
لا أفكِّرُ بل أمرُّ بكلِّ ما في جمرةِ الماءِ المريبةِ
فوقَ سوسنةِ الشفاهِ
ولا أمُرُّ
يضيئني غبَشي
أفكِّرُ؟
ربَّما اللا شيء من حولي
يُؤثِّثُ بالأصابعِ وهيَ تكتبُ سيرَةِ العطَشِ
انتباهاتِ النبيِّ ونومةَ الطيرِ الشريدِ
على حوافِ القطنِ
تنعفُني سماءٌ كي أمسَّ رمادَها الضوئيَّ في عَصَبي
وأقطفَ زهرةَ النَمَشِ.
**********
إيثاكا
هل في الطريقِ إلى إيثاكا
تولدُ الرغباتُ في قدمينِ عاريتينِ؟
تندلعُ الغواياتُ الصغيرةُ في الأصابعِ ؟
هل أرى في الناسِ يا بنلوبي غيرَكِ في إيثاكا؟
لا أظُنُّ....
أنا الذي لم ينطفئْ قلبي
ولم تترمَّدْ الشفتانِ في أسوارِ إيثاكا
وفي قنديلها البحريِّ
كالسمَكِ الذي قد حجَّرتهُ الذكرياتُ وذابَ في الرؤيا
فقلبي جمرةٌ لم تخبُ في أجفانكِ الخضراءِ يا بنلوبي
قلبي زهرةٌ في الريحِ تشربها السماءُ المرَّةُ السوداءُ
هذا الدربُ بالعينينِ أطوي شوكَهُ طيَّ الضلوعِ
على بنفسَجَكِ الصغيرِ المدلهمِّ...
ولا أرى في الناسِ غيرَكِ..
فاحملي بي واحلمي بصباحِ ذاكَ اليومِ
حينَ أفُكُّ حبستَكِ البليغةَ في القصائدِ
ثمَّ أنقضُ يا ابنةَ البحرِ المعذَّبِ
بالجمالِ وبالسيريناتِ العذارى
ما نسجتِ من الأشعَّةِ فوقَ قلبي.
السيرينات مفردها سيرينا وهي جنِّية البحر لها رأس أنثى بشرية بديعة الجمال وجسم طير. وفي أسطورة يونانية أخرى جاء أن للسيرينا شكلا آخر، رأس أنثى فائقة الجمال وشَعر طويل يزيدها جمالاً على جمال ونوراً على نور وعينان بلون البحر وجسم سمكة وهي حوريَّة البحر.
*************
معلَّقةُ نون V
معلَّقةُ نون
شكراً لكِ يا نون.. أيتها القصيدةُ المتوحِّشة.. نجحتُ أن أكتبكِ أخيراً.. ألف شكر يا أبولو ألف شكر.. أبوسُ ترابَ أولمبَ الطهور.
شفَّافةٌ كخرافةٍ.. بيضاءُ أسطوريَّةٌ ومصابةٌ بالريحِ
أو مطرِ الجمالِ الصاعقِ الهدَّارِ
يرجمُ وردَ هذا القلبِ وهو يهبُّ من أقصى شغافِ الغارِ
لم أفهم حوافيها المعذَّبةَ التلفُّتِ
لم أدُرْ إلَّا على نفسي
أقولُ جميلةٌ فتقولُ إنَّ جمالها مرضٌ وراثيٌّ
يؤثِّثُ قلبَها ودماءَها بالزعفرانِ وحزنهِ
وهيَ التي لا تعشقُ الأمراضَ تهمسُ لي وتشكرني...
أقولُ إذن مفكِّرةٌ...
أنا اللا شيء
عاريةٌ من الأصدافِ والرؤيا
أنا أنثى الندى والياسمينَ
أنا دمشقُ تقولُ
طعمُ التينِ في جلدي وفي كلتا يديَّ يذوبُ
عشتاري تعرَّتْ من كلامِ المنطقِ المأهولِ بالأوتارِ
أو من رغوةِ الأديانِ
لا أهوى مطارحةَ المديحِ ولا أجيدُ البوحَ
ماءُ القبَّراتِ على شفاهي تاهَ
لونُ البحرِ مسَّدني وعذَّبَ مقلتيَّ
ولم يحرِّرْني من الأسماءِ...
أكرهُ فيكَ شِعرَ الثرثراتِ تقولُ.. ثمَّ تضيفُ
غُصْ حتى الثمالةِ أو عماءِ الكونِ
يُعجبني كلامُكِ واليمامُ الليلكيُّ المدلهمُّ
على أعالي صَدركِ القُزَحيِّ...
سمَّتني الغريبُ.. ولا تُجيدُ صداقةَ الغرباءِ
قلتُ تكلَّمي عن أيِّ شيءٍ.. أيِّ شيءٍ
دونَ أن تتحرَّجي مني ولكن دونَ شتمٍ واضحٍ أو جارحٍ...
هل أنتِ جسمُ قصيدةٍ وحشيَّةٍ أنا روحُها؟
لا تتركيني في المساءِ وفي الضحى وحدي.. أقولُ
فلا تُجيبُ سوى بليسَ الآنَ.. ليسَ الآنَ
هل حوريَّةٌ تنسلُّ من زبدِ الضلوعِ أو البحيرةِ أنتِ؟
لا أدري تقولُ
وتحتفي كفراشةٍ بفمي
ستقتلني بكُحلِ النارِ.. أهجسُ
ثُمَّ تسألني.. أتهذي بالجمال؟
وما المهمُّ بقلبكَ المخلوقِ من دمعِ العذارى في الجمالِ؟
وما الأهمُّ؟
وتقتفي شبقي بضحكتها
ستقتلُني بمجَّانيَّةِ الرؤيا أو الأوهامِ أو عبثيَّةِ الأفكارِ
أو بجنونها...
وتضيفُ لولا القبحُ ما كانَ الجمالُ المحضُ..
تُفحمُني غرابةُ شِعرِها الأعمى وتهزمني
أُحبُّكِ...
لستُ أجرؤُ أن أقولَ لها أحبُّكِ.. أو صباحُ الخيرِ..
كيفَ الوضعُ عندكِ؟
مستقرٌّ...
ربَّما ما زلتُ من شغَفي على قيدِ الحياةِ
أو التأمُّلِ في الهشاشةِ...
آهِ.. لا تُرهق دمي بالثرثراتِ
فإنَّني صدَّقتُ أني لم أمُتْ...
هل هذهِ أضغاثُ أحلامٍ وفلسفةٍ محرَّمةٍ...؟
أم اليأسُ المفخَّخُ بالمرايا أو شظايا الحبِّ؟
أم هيَ خفَّةُ الدمِ فيكِ؟
أم ماذا؟
... أُحبُّكِ.. فارحميني من جمالكِ
أو ظلالكِ فوقَ عرَّابِ الندى المجهولِ
يذرعُ وحدَهُ الصحراءَ
يطوي شمسَهُ الرمليَّةَ الجرداءَ طيَّ القلبِ...
أهوى الصمتَ يا هذا
المدَجَّجَ بانتصارِ الأقحوانِ على القذائفِ
والمسيَّجَ بالمجازِ...
خذي إذن صمتي إليكِ
خذي ندى صوتي
وأجنحتي/ خذي موتي / خذي ما يتركُ اللبلابُ من وقتي
خذي ما تحملُ الأنهارُ من سَمْتي
سأهدأُ مثلما ينصاعُ ذئبٌ للأنوثةِ
ثمَّ أصمتُ في جوارِ حليبكِ الوحشيِّ...
لا إشكالَ في هذا تقولُ
كقطَّةٍ عمياءَ تخمشُ فُلَّ أعضائي ولا تتأسَّفُ
انتبهي فتبَّاً للنهارِ الزِفْتِ
تبَّاً لي وتبَّاً لاخضرارِ الصَمتِ في عينيكِ..
لا تتمرَّدي أبداً على كفَّيكِ
أو تثقي بما للخمرِ في شفتيكِ من عربيَّتي الفصحى
تجاهَلْ كلَّ تحريضٍ على فعلِ الكتابةِ والمحبَّةِ
وانتبهْ لخطاكَ في حقلٍ من الأوهامِ...
كيفَ تفلسفينَ الماءَ؟
كيفَ تفكِّرينَ..؟
وكيفَ تنشَقِّينَ من غيمِ الفراشةِ؟
كيفَ حالُكِ؟
كلُّهُ عدَمٌ...
يُطوِّقُ سوسني ندَمٌ
أكادُ أجنُّ منكِ أنا
ومن أسرارِ طينتكِ التي استعصَتْ على قلبي
وماءِ الشهوةِ البيضاءِ في جَسَدي
معذَّبةٌ وشاعرةٌ وحالمةٌ وقابضةٌ
على ما أوَّلَ التفَّاحُ في فمها من النيرانِ
منتصفُ الطريقِ إلى مجرَّاتِ الحنينِ أو البروقِ
بنفسجُ الرغباتِ/ شمسُ الأرجوانِ الرطبِ
عطرُ القهوةِ المسكيُّ
رائحةُ القرنفلِ في الأزقَّةِ
واجتراحُ الياسمينةِ
رفرفاتُ الظلِّ فوقَ الأقحوانةِ
رغوةُ النارنجِ / روحُ الطَلِّ
أسماكُ الغوايةِ / أضلعي الملغاةُ / أوجاعُ التأمُّلِ
خيطُ هاويتي / وأنهارُ التبتُّلِ / لوعةُ الليمونِ / أطيارُ التحوُّلِ
بدءُ خاتمتي وخاتمةُ البدايةِ
تقتفي أثرَ الطيورِ بأنفها الأقنى
ولا تنحَلُّ في المعنى
دعْ الأشياءَ تزهرُ في رمادكَ
أيُّها الكليُّ والمنفيُّ والمنسيُّ
خُذْ من كاحلِ العنقاءِ ذرَّتكَ الأخيرةَ
كي تُزاوجَ بينها وثرى بلادكَ
صدَّعتني حينَ قلتُ لها أحبُّكِ
ثمَّ قالتْ لي لماذا صدَّعَ الصَوَّانُ قلبَكَ في المراثي كلِّها؟
من أنتِ؟
أغنيةُ السرابِ وظلُّهُ العالي..
مزاميرُ الهباءِ.. تقولُ
هل ضدَّانِ نحنُ يتمِّمانِ رؤى الطريقِ
إلى إيثاكا فيكِ يا نونَ الجنونِ..؟ أقولُ
طاغيةُ النساءِ جميعهنَّ أنا تقولُ
سُدىً أُمشِّطُ بحرَها الغيميَّ بالعينينِ
إذ تتسلَّقانِ معارجَ البلَّورِ...
ها نحنُ اتَّفقنا بيننا لا بأسَ
طاغيةٌ وعبدٌ نحنُ
أو ضدَّانِ في المعنى وفي ذَهبِ الإشارةِ
في رميمِ الفضَّةِ العمياءِ
في أحجارِ آنيةِ المجازِ
فكيفَ يلتقيانِ؟
يا بنتَ المحارِ الحيِّ والحوريَّةِ العذراءِ
كيفَ ورثتِ عن هيلينَ
مخملَها / أناملَها / جدائلَها
استدارةَ خصرها الدريِّ
ناياتِ اسمِها العلويِّ
خمرتَها / وسرَّتها / خميلَتَها / وبسمتَها / انتباهتَها / ولعنتَها / وقسوتَها ؟
ولم أرِثْ انحسارَ الضوءِ عن رجليكِ
أو جوعَ الإباحيِّينَ
أو عرسَ انهمارِ أصابعِ الصبَّارِ كالأزهارِ
من كلِّ الأساطيرِ الجديدةِ والقديمةِ
لم أرِثْ يا نونُ
إلَّا لوعةً من قاسيونَ
وما اشتهى باريسُ حينَ أزاحَ عن آلاءِ صدركِ
غيمةً بحريَّةً عطشى...
وإلَّا كعبَ آخيلَ المخرَّمَ بالغوايةِ والعذابِ
تقولُ لا أحدٌ أنا
وخميرتي لا شيءَ
أقمارُ الطفولةِ في ثيابي
فانتبهْ لحفيفِ قلبكَ واشتبهْ بشذى رضابي
واثقٌ أنا يا زليخةَ بي وبالأنثى التي قدَّتكِ من شجَرٍ خريفيٍّ
فقُدِّيني إلى نهرينِ... قُدِّي لي قميصي مرَّةً أو مرَّتينِ
وراءَ صَهْدِ عبيركِ المنخوبِ بالشهقاتِ
من قُبُلٍ ومن دُبُرٍ
وقولي هيتَ لكْ.
**********
تموزيَّات VI
ذابَ معناكِ فيَّ
غصبَ عني حببتُكَ يا أيها المتصعلكُ
تهمسُ لي في رسالةِ هذا المساءِ فأهجسُ
بل رغمَ قلبكِ.. أو رغمَ أنفكِ هذا الجميلْ
غصبَ عني حببتُكِ والآخرونَ
على بابِ أحلى القصائدِ
حُجَّابُ هاويتي الميِّتونْ
غصبَ عن زهرةِ اللوزِ
تلكَ التي احترَقَتْ في العيونْ
غصبَ عن لغةِ الطيرِ والنهرِ والمستحيلْ
نجمتي اندثَرَتْ في الثرى
ذابَ معناكِ فيَّ
انتهى قمري في السرابِ
فماذا تريدينَ من صخرةٍ في فمي أن تقول؟
***********
صورةٌ بمجلَّدات من الشِعر
لي أكثرُ من ألفِ منشورٍ في الفيسبوك
ولكنها للأسف لم تحصدْ ( مجتمعةً) من اللايكات
قدر ما حصدتْ صورةٌ واحدةٌ لكِ
وللعلمِ أنها ليست أجملَ صوركِ ولا أشهاها إلى ذئابِ الشعرِ
ولا أنقاها غيماً يحفُّ بياضكِ النافرَ من نيلوفرِ الماءِ..
فتبَّاً لكل بوستاتي مجتمعةً ويا للعبث إذن ...
تُرى هل كانَ هوميروس يكتبُ الياذتهُ أو أوديسته
لو شعَّ وجهك الممطرُ في برِّيَّةِ عينيهِ المظلمة أو في يقظةِ حلمهِ ...؟
هل كانَ شكسبير يكتبُ مسرحياتهِ الانسانيةَ لو عاصرَكِ؟
أفكِّرُ أنَّهُ كانَ سيكتبُ كلَّ شعرهِ على طرازِ سونيتات الحبِّ.
**************
هيلين
تنشقُّ طرواديَّتانِ من النساءِ وراءَ خطوَكِ
من عُواءِ البحرِ.. من زبَدِ التردُّدِ
تقتفي الريحُ الحرونُ أصابعَ الرملِ الرقيقةَ
إذ تمدُّ إليكِ أشباحُ الخرافةِ يا هيلينُ
يدَيْ باريسَ من الظلامِ أو السنينِ
لتستريحا من هواياتِ الفظاظةِ والتجمُّلِ
أو هشاشةِ عاشقٍ نسيَ الطريقَ إلى أولمبَ
ولم يجدْ شفَتيهِ حينَ تمرَّدَ الرُمَّانُ...
لا تقفي بنصفِ الحبِّ يا هيلينُ
بل شُقِّي ملاءاتِ البحيرةِ كلَّها
وتدَّفقي كحديقةٍ قمريَّةٍ عندَ المصبِّ
ولا تُراعي حُرمةَ الرغوِ الوحيدةَ يا هيلينُ...
فكلُهنَّ يكِدْنَ من فرطِ الأنوثةِ والجنونِ
لما حملتِ من الينابيعِ الصغيرةِ في ثيابكِ
أو حفيفِ خريفكِ السحريِّ في قلبي
وقمصانِ احتراقِ الياسمينْ
**********
يا برَدى امتحِنْها
لا تنقري قلبي كعصفورٍ عنيفِ الحُبِّ
واتحدِّي بأعضائي
فإنَّ مزاجَكِ العصبيَّ لا يُجدي ولو خمشَتْ خطاكِ دمي
اذهبي في الماءِ
لا تتردَّدي كالنهرِ في الصحراءِ
حينَ يمرُّ في خرَزِ انكساركِ أو رمالِ الظَهرِ...
أبكي ياسمينَ دمشقَ
فلَّ الزرقةِ الأبديَّ في شريانكِ الكحليِّ
أهذي آه...
يا نارَ الجحيمِ تدفَّقي برْداً على آلاءِ فتنتها
ويا برَدى امتحِنها وامتحِنْ ندَمي على الجنَّاتِ ...
حقدُ الطائراتِ أحالَ عاليها أسافلَها
أنا بالروحِ لا بالجسمِ ثمَّ أُقاتلُ الطاغوتَ دونَكِ
فاحملي روحي على كفَّيكِ حينَ تموتُ
أو تخضَّرُ في الملكوت .
***********
نكايةٌ
نكايةً بكِ أو بقلبي الآنَ
سوفَ أشيرُ بالإعجابِ في كُتبِ الوجوهِ
لكلِّ من حقَدت عليكِ
أو اشمئزَتْ منكِ
أو حسدَت جمالَكِ
أو بلا سببٍ لغَتْ أطيارَ لثغتكِ الفريدةِ
من خيالِ النايِ والأشجارِ
أو كادَتْ لوردتكِ الصغيرةِ
أو لمزمورِ النصاعةِ في اجتراحِ الغيمِ
والعدَمِ المطوَّقِ بالذئابِ...
أقولُ تلكَ نكايةٌ لا غيرَ..
رومانسيةٌ.. شفَّافةٌ.. بيضاءُ.. ناعمةٌ.. وكاذبةٌ
فلا تتأسَّفي لي مرَّةً بأنوثةٍ عطشى وأسطوريةٍ
لا تحملي قمرَاً بلا ماءِ المجازِ
ولا تحيدي عن خصالِكِ
كُلهنَّ يغَرنَ من صخَبِ الهدوءِ لديكِ
حينَ تمسِّدينَ يديكِ بالصفصافِ
ليسَ لهنَّ طاقةُ زهرتينِ على احتمالكْ.
**********
يا ميراثَ أنكيدو من الخسران
إذهبْ وطرْ عني انسحبْ من قطرةِ الماءِ الأخيرةِ..
كن سرابَ الظلِّ.. طلِّقني.. اغتربْ عني..
اسكنْ المريِّخَ أو زحلَ
احترِقْ عني بعيداً في مجرَّاتِ الحليبِ أو الترابِ
أرِحْ من الوخزِ الرهيبِ دمي المضرَّجَ بالضبابِ
مصارعَ الثيرانِ كُنْ في أرضِ إسبانيا
وقاطفَ نبتةِ الشايِ الشفيفةِ في سهوبِ الصينِ
سرَّاً لاخضرارِ النارِ في الأنديزِ
موَّالَ الأرُّزِ وطينَهُ في الهندِ
حزنَ النايِ في الأوراسِ
زمَّارَ الرصيفِ بأورشليمَ وكوبنهاجنَ
راعيا في الهملايا
سائحاً في كاليفورنيا
أيها المجنونُ حِلْ عني
فقد أدميتَني حبَّاً وشعراً عارياً في الريحِ
يمشي فوقَ جمرِ الشوكِ
يا شفقَ انخطافِ رؤايَ.. يا شَغفيِ الذي أطَّرتهُ بيديَّ
يا قلَقَ القصيدةِ في النهاياتِ الوحيدةِ
يا مرايا المبتلى بجمالهِ نرسيسَ
يا شبقَ المحارةِ في المغارةِ
قُدتَني بغنائكَ الجنيِّ من قلبي
إلى أقصى تلابيبِ الأنوثةِ ..
من دمي حتى استداراتِ السفرجَلِ في الصدورِ
ومن فمي حتى غواياتِ القرنفلِ
أو وصايا الماءِ والشهدِ الصغيرةِ
قُدتَني بغبائكَ السحريِّ مثلَ فراشةٍ صفراءَ في تشيلي
تشاغبُ نجمةً مائيَّةً في الطينِ
قدتَ خطايَ نحوَ اللا مكان........
رجوتُ روحكَ.. بُستُ أخمصَ قلبكَ المشبوبِ بالعذريَّةِ السوداءِ
دعني.. لا تذُبْ فيَّ.. انسحبْ..
لا تقترِبْ مني
أريدُ الآنَ أن أحيا حياتي كلَّها
وعلى هوايَ وكيفَ شئتُ
فلا تقيِّدني بصلصالِ النساءِ الناظراتِ إلى سدومَ
ولا تعذِّبني بما يرِثُ السرابُ من الرتابةِ
والإشاراتِ الخفيفةِ في الكتابةِ والبنفسجِ
يا أنايَ المدلهمِّةُ.. يا دمي.. يا ما اشتهى نرسيسُ منهُ..
وما انتهى في الفضَّةِ الحمراءِ.. يا ضلِّيلُ..
يا ميراثَ أنكيدو من الخسرانِ
يا أيقونةَ القدِّيسِ أو أيقونةَ الزنديقِ
يا ليمونةً في القلبِ
يا عصَبَ الندى
يا شاعري
يا آخري..
يا......
************
تانغو
التانغو الذي كانَ مخبوءاً في مشيتكِ..
التانغو العفويُّ المجرَّدُ الفسيح الواضح كعينِ الأفعى..
الأزرقُ كبكاءِ دمِ البحر ..
الفقيرُ كغناءِ السمكِ الهائجِ..
التانغو الذي كانَ يختصرُ كلَّ أمجاد كرة القدم البرازيلية
كانَ لحظةً بيضاءَ بأعمارٍ شتَّى من الشعرِ
حينها نسيتُ أن أسألكِ
هل تسيرينَ في السنينَ إلى الوراء
أم إلى الأمامْ؟
**********
وشمُ طائرِ النورس
أيتها الأنثى العنقاء... كيفَ خرجتِ من الرماد أيتها الجميلة ...؟
كيفَ لملمتِ شباكَكِ البنفسجيَّةَ وحبالَ الشمسِ من جسمي.. كيف؟
كيفَ هصرتِ ذرَّاتكِ الذهبيَّة على جبيني ؟
كيفَ تمسَّحتِ بالغاباتِ الذهبيَّةِ السكريَّةِ الماطرةِ؟
وتركتِ أجنحتكِ في أشجار الصوَّانِ والزنزلختِ الشاهقةِ
كعصفورٍ مائيٍّ صغير؟
كيفَ قطَّرتِ روحَ شاعرٍ في هواءٍ آخرَ
كما يُقطَّرُ الوردُ ليُستخرجُ منهُ العطرُ النفَّاذ
ثمَّ حوَّلتها بلا مبالاةٍ إلى نجمةٍ يتيمةٍ.. كيف؟
أقودُ أسرابَ النحلِ وعصافيرَ الدوريِّ في قلبي بألف لغة
لأقاسمَكِ شهدَ الطيورِ والشِعرِ
وأوزِّعَ فقاعاتِ القصائدِ الملغيَّة على مدِّ الفضاءِ
بينَ كرملِ حيفا ومدينةِ ريو دي جانيرو
وأنتِ تتظاهرينَ بالعبثِ وتردِّينَ بعبارتٍ سريعةٍ ومقتضبة
كأن ليس لديكِ وقتٌ لشبكِ شعركِ بغيمةٍ حجريَّةٍ
أو بدبُّوسٍ صغيرٍ على هيئةِ أفعى
أو ربمَّا لتحسُّسِ وشمِ طائرِ النورس على ظاهرِ عنقكِ
ليسَ لديكِ وقتٌ لنطقِ عمتَ مساءً أو شقاءً.
*************
طريقُ إرَمْ
كيفَ يحنو عليها.. يُدلِّلها..
يحتفي بأظافرها حينَ تخمشُ عينيهِ بالنزَقِ الأنثويِّ
وحينَ تقُدُّ لهُ قلبَهُ؟
كيفَ يغمرُ كشرتها بمياهِ أغاني الرعاةِ
وبالزعفرانِ المجفَّفِ؟
أو كيفَ يحملُ ما خفَّ من سكَراتِ الندَى
عن تلابيبِ أنفاسها
وهيَ توسعهُ بالشتائمِ
تمطرهُ برخيصِ السِبابِ..
تصُبُّ عليهِ سياطَ العذابِ؟
يُكلِّمها بالزهورِ.. يقولُ لها قطَّتي
هل شراسةُ عصفورةٍ فيكِ أم أنني لا أرى؟
وهيَ ترشقُهُ بالشقيِّ الغبيِّ وأجهلِ كلِّ الورى
العربيِّ الذي ليسَ ينقصُ حزني...
وينسى شتائمها كلَّها
هل تدينُ بدينِ الهوى بعدُ
يا أيُّها الوغدُ؟
يا ليتهم قد أبادوا سماءَكَ
حِلْ عن سمائي...
يقولُ لها إنَّ شمسَكِ مرميَّةٌ في دمائي
وفي عصبي
والطريقُ إلى إرَمٍ قد تطولُ
الطريقُ إلى إرَمٍ قد تطولُ
بعينينِ ذابلتينِ يُقبِّلها
ثمَّ يسندها بيديهِ على حائطٍ مائلٍ
في مدائنَ منسيَّةٍ في أعالي البحارِ
يقولُ لها تشبهينَ فتاةً خلاسيَّةً كنتُ أحببتها
قبلَ عامٍ وخمسينَ صخرة حبٍّ على أضلعي
تشبهينَ فتاةً يهوديةً من أقاصي الشمالِ
فتاةً تزيِّنُ صرختها بالنبيذِ الفرنسيِّ أو خصرها بالهلالِ
تقولُ إذن أنتما تشبهانِ حذائي العتيقَ
ولا تتوَّرعُ في الشتمِ
يا جاهليُّ ابتعدْ عن خطايَ
ويا عربيُّ الذي ليسَ ينقصني
أكملْ النومَ تحتَ جبالِ الرمالِ
التي دفنتْ قومَكَ العربَ البائدةْ
أريدُ اللجوءَ إلى غيمةِ النومِ لكنَّ حزنكِ يمنعني
والقصيدةُ هذي سأكملها بعدَ دهرٍ طويلٍ يقولُ لها
فتقولُ لهُ أيهذا اليهوديُّ حِلْ عن دمائي
أريدُ المنامْ
فمثلكَ لا يستحقُ الكلامَ
ولا يستحقُ الغرامْ
على عتباتِ سدومَ خذي جسدي مائدةْ
لتشتعلَ الوردةُ الحجريَّةُ في الشاهدةْ
**********
إمرأةٌ من الفيروز
أنا لا أُسمِّي غيرَكِ امرأةً من الفيروزِ
يا من قد جعلتِ الشعرَ ..
كلَّ الشعرِ في قلبي رمالَ قصيدةٍ زرقاءَ في عينيكِ
أو أضغاثَ أحلامٍ
شذىً لخطاكِ أو نثراً ركيكا
لحطامِ ديكِ الجنِّ فيَّ...
أأنتِ وردُ؟
يقينُها كرمادها العطريِّ
أسكبُهُ أمامَ دمي ..أهذِّبهُ.. أرتِّبهُ.. أكذِّبهُ.. وأشربهُ شكوكا
*******
قصيدةٌ بالنارِ موشومةٌ
يا وتراً روَّى دمي لوعةً
وقمراً يطعنُ في الخاصرةْ
قصيدةً بالنارِ موشومةً
كنتُ نحرتُ فوقها الذاكرةْ
أجلدُ قلبي فوقَ تسعينَ جلدةً
لو لم تكوني امرأةً عاهرةْ
********
قلبُ امرئ القيسِ
هكذا خلقَ اللهُ قلبَ امرئ القيسِ
أبيضَ من غيرِ سوءٍ
مضيئاً بأوجاعهِ دونَ ضوءٍ
شفيفَ الكتابةِ غضَّ الصبابةِ
لا ينحني للغمامِ الخفيفِ وراءَ ابتساماتِ أنثى المجازِ
قويَّاً.. مريضاً بما يشبهُ الزعرناتِ الرخيصةَ
مغرورقاً بندى النسوةِ القاتلاتْ
هكذا خلقَ اللهُ قلبَ امرئ القيسِ
حرَّاً بريئاً جريئاً نظيفاً عفيفاً شريفاً نقيَّاً بهيَّاً سخيَّاً
ولكنهُ يعشقُ الآثماتْ
*******
أنثى/ أفعى
عطشتُ فلو لماكِ إلى شفاهي
تسلَّلَ قطرةً في رملِ روحي
حفيفُكِ ليسَ يحشو القلبَ إلا
بغاماً راحَ يُخلطُ بالفحيحِ
سأحلمُ بالمسيحِ بملءِ قلبي
وأينَ رؤايَ من فكِّ المسيحِ؟
يُقهقهُ في دمائي عطرُ أنثى
بملحِ سدومَ قد ربَّتْ جروحي
تدورُ خطايَ في أقسى مدارٍ
كلوعةِ بدرِ سيَّابٍ كسيحِ
*******
سؤالٌ
تسألني: هل أحببتَ يوماً ما
بكلِّ هذا العمقِ الكوكبيِّ في عينيكَ ؟
هل أحببتَ بكلِّ علوِّ الجمال المنبثقِ من نظرتكَ
من حروفكَ.. من صوتكَ غيرِ المسموعِ
المرئيِّ .. الحفيفِ .. الرفيفِ..؟
هل أحببتَ...؟
هل....؟
********
خذي ضلعي
عشقتكِ طفلةً أو بنتَ روحي
معاذَ الحبِّ أنساها معاذا
عصافيرُ الحنينِ على خطاها
تناغي ذاكَ أو تهفو لهذا
زرعتِ الحزنَ في قسماتِ وجهي
وكل صراخها يوحي.. لماذا؟
خذي ضلعي اليتيمَ فزوِّجيهِ
لضلعكِ.. واجعلي ناري رذاذا
************
برقيةُ دمعٍ إلى أبي سلمى
فلسطين الحبيبة كيفَ أغفو
ونارٌ من دموعكِ في ثيابي؟
على شفتي احتراقُ يديكِ ورداً
وفي عينيَّ أطيافُ العذابِ
دمي الوهاجُ في قمرٍ قتيلٍ
ترابٌ في ترابٍ في ترابِ
أبا سلمى شراييني سرابٌ
وقلبي بيتُ عنقاءِ السرابِ
***********
عبادةٌ
إلغاءُ غربتك عني عبادةٌ
التسكُّع بالقربِ منكِ عبادةٌ
الحبُّ الذي تسميِّنهُ تافهاً عبادةٌ
كلُّ عملٍ صغيرٍ جداً عبادةٌ
حتى التفكيرُ السريعُ العشوائيُّ بكِ عبادةٌ
واستحالةُ لمسكِ عبادةٌ أيضاً
*********
أمطارٌ مبلَّلةٌ بالقصائد VII
غيمة ضيِّقة
الفراشةُ وردتها مغلقة
البحارُ التي هَدهدَتْ حبرَ روحيَ
حتى النعاسِ الأخيرِ أصابعها مغلقة
المساءُ الذي لا يؤدِّي إلى من أُحبُّ شوارعُهُ مغلقة
الحبيبةُ في آخر الأرضِ خائنةٌ تتسلَّى بعشاقها اليائسينَ
ولا تتملَّى بغيرِ طلاءِ أظافرها...
جسمُها مغلقٌ... روحُها مغلقة
القصيدةُ أيضاً تخونُ وتسخرُ مني
كما يسخرُ الكافرونَ من الأنبياءِ
إذن كيفَ يوماً سأسكنُ في ضلعِ أنثى
وفي غيمةٍ ضيِّقة؟
*********
شمسُ الأوراس
أوَّاهُ لو سيكارةٌ واحدةٌ من تبغكِ العطريِّ
في فمي تربُّ حبقَ الأنفاسْ
تعدلُ لي رأسيَ أو تعادلُ الخمرةَ في شعرِ أبي نواسْ
أوَّاهُ لو حديقةٌ عاليةٌ تعلِّقُ الأسماكَ في خلخالكِ المائيِّ
مثلَ فضَّةِ الحواسْ
يشهقُ آسُ القلبِ في الجليلِ كلَّما همستُ اسمكِ
أو تنفَّست شمسُكِ في الأوراسْ
ألمُّ كحلَ الذَهبِ الأحمرِ عن جلدكِ
كالمنقبِّينَ عن فتاتِ الضوءِ
أو كطائرٍ ينقرُ حبَّ القمحِ عن خصركِ
كم قهرتِ لي دمي الذي آمنَ أنَّ الأرضَ مستطيلةٌ
يسقطُ في آخرها العشَّاقُ
مثلما قصَصتِ مرَّةً عليَّ تضحكينَ من سخافةِ الحبِّ
أكُلُّ امرأةٍ سواكِ من طينٍ وأصدافٍ ومن نحاسْ؟
***********
إنسحبي كالحديقةِ منِّي
أخرجي من دمي
أو قفي لحظةً
لستُ أقوى على الانهيارِ أمامَكِ منتصفَ الحبِّ
منتصفَ الدربِ
قلبي يخونُ ولا تستقرُّ شفاهي على لغةٍ
في الصباحِ سوى غمغماتِ الطيورِ
سوى خفقِ روحكِ
في الماءِ والريحِ
لا تقفي
بل قفي / انصرفي /انخطفي / انكشفي
في المرايا وفي نزقِ الشِعرِ
من دونما ريبةٍ
حاولي الآنَ حملَ الفراشةِ عن كاهلي
مرَّةً مثلما تحملينَ بكاءَ الندى
حاولي شيلَ نهرٍ على كتفينِ من الغيمِ
لا تذهبي في دمي الآنَ أكثرَ
وانسحبي كالحديقةِ منِّي
بكاملِ نرجسكِ المتأنِّي
***********
لستُ بعاشقٍ يا حاءُ كي أرثيكِ
أنا كاذبٌ في كلِّ ما قد قلتُ
لا بل صادقٌ
لا لستُ أدري...
كاذبٌ أو صادقٌ سيَّانِ عندي الآنَ
روحي غيمةٌ
عينايَ نرجستانِ
قلبي خفقةٌ بيضاءُ من صلصالكِ الحافي
فمي قمرٌ حليبيٌّ
شفاهي وردتانِ صغيرتانِ تطوِّقانِ الماءَ
لستُ بشاعرٍ
أو غافرٍ لكِ ما فعلتِ
دمي يئنُّ وراءَ ما انتبذَتْ خطاكِ من الظهيرةِ
وانحسارِ الأقحوانةِ في النهارِ اللولبيِّ
وفي اعترافاتِ الفراشةِ بالخطيئةِ في أثينا...
حكمتي خرقاءُ من دونِ انصياعِ مجازكِ السحريِّ لي...
عبَّأتُ قلبي بالرمادِ
ولم أُرتِّبْ ما تناثرَ من دمي القزحيِّ في رؤيايَ
حينَ ذهبتِ ماتَ الوردُ... ماتَ الليلُ ...
لستُ بصادقٍ أو واثقٍ
بكِ بعدَ هذا اليومِ
أو بغيابكِ الكليِّ عن نَزقي وعن حبَقي
ولستُ بعاشقٍ يا حاءُ كي أرثيكِ أو بمنافقٍ
لكنني سأقولُ حينَ أقولُ
هل كلُّ النساءِ يكِدْنَ مثلكِ أو يخُنَّ بلا مبالاةٍ؟
وهل ما زالَ من شيمِ النساءِ الغدرُ؟
يا حاءَ الحنانِ/ الحبِّ / حبرِ فراشةٍ حمراءَ /
حلمِ حرائقي الأولى / حليبِ الشِعرِ /
يا نونَ الندى / النسرينِ / ناياتِ النوى النسويَّةِ / الناسوتِ /
يا ألفَ الأوامِ / أريكةِ الأبدِ / الأسى / الأسماءِ /
أندلسي / أنايَ / أنينِ روحي / أنَّتي / ألمي /
ويا نونَ الندامةِ والنديمةِ
والنسيمِ الناعمِ النهريِّ/ نيساني / ونسياني /
نداءِ النارِ / نوحِ نهايتي / نزَقي /
نساءِ الأرضِ في امرأةٍ /
نسيجِ عشيقتي بنلوبي /
لا تتسلَّقي الأعذارَ كالأشجارِ
لا تتخلَّقي بالطيبةِ العمياءِ
وحدي آنَ ليَ بعدَ انطفائكِ وانتهائكِ
أن أشعَّ وأن أكونْ
***********
قصيدة قابيل
قابيلُ يا ابنَ أبي وأمي
يا شبيهَ القلبِ أنتَ
ويا شقيَّ الحبِّ
يا ابنَ اللحظةِ البيضاءِ كالثلجِ النظيفِ من الغبارِ أو الندامةِ
يا بهيَّ الوجهِ مثلَ الياسمينةِ في الركامِ المدلهمِّ
بزهرةٍ في الليلِ لا تَهَبُ الندى صلصالَها العاجيَّ
أينَ دمي؟
بكاءُ المجدليَّةِ أينَ؟
روحي أينَ؟
عنوانُ الحبيبةِ أينَ؟
أينَ فمي الذي يرتاحُ في نوَّارةِ الرمانِ؟
أينَ صدى حطامِ خطايَ في الفردوسِ؟
أينَ خطيئتي في الأرضِ؟
عشقُ سجائري الآليُّ.. فوضايَ الجميلةُ أينَ؟
نايُ أنوثةٍ قد يُرشدُ الأضلاعَ للنعناعِ أو للنارِ
في حلَكِ الفضاءِ أو الفراشةِ أينَ؟
أينَ قصيدتي.. منقارُ قبَّرةٍ على بابِ الصباحِ الرطبِ أينَ؟
ونسوةٌ منهنَّ تنضحُ رغوةُ الليمونِ والخوخِ الشَهيَّةُ أينَ؟
يا قابيلُ من حجرٍ طعنتَ بهِ دمي الشفهيَّ
أو ديوانَ خاصرتي إلى قمَرٍ
ورودُ أصابعي تمتدُّ
أسماءُ الظباءِ ومسكُها يمتدُّ
يا قابيلُ حقدُكَ لا يُخيفُ براءةَ المطَرِ الخفيفِ
ولا يضيفُ إليَّ حزناً طيِّباً كحنينيَ الروحيِّ
أو كوداعةِ الأطفالِ حينَ يهدهدونَ الحلمَ
سوفَ تموتُ أنتَ
وفيَّ نورسةٌ ونرجسةٌ وبحرُ قصيدةٍ زرقاءَ
فيَّ الليلكُ الملتاعُ
لي وقتٌ قليلُ الضوءِ بينَ رمادِ هاويتينِ
صمتٌ بينَ مزمورينِ أو سيفينِ يا شيلوكَ
خذْ من دمعتي أو بسمتي ما شئتَ
لي شمسٌ مُروَّضةٌ.. رخامُ الفلِّ
لي ماءٌ تيتَّمَ بينَ سنبلتينِ ظامئتينِ
لا... لا وقتَ لي.. لا صمتَ..
لا ماءٌ ولا بحرٌ ولا شمسٌ ولا رؤيا
وعليَّ أن أحيا وأن أحيا وأن أحيا.
**********
طفلة
الطفلةُ التي تختلجُ وتشهق في حضرةِ الموتِ
الطفلةُ التي تختلجُ وتشهق كأنها سمكةٌ في صحراء
الطفلةُ التي يخرج من فمها الزبدُ الأخضرُ
الطفلةُ التي لا أرى سواها
الطفلةُ التي ماتتْ وهم يسكبونَ على وجهها الماءَ والهواءَ
الطفلةُ الطفلةُ الطفلةُ إلى ما لا نهاية
هذه الطفلةُ هي إبنتي التي لم ألدها.
**********
أرى كلَّ ما لا أرى
أُضيءُ بذَّرةِ رملٍ دمي
وأصابعَ هذا الفراغِ الذي
يتعهَّدُ دمعَكِ بالماءِ أو بالطيورِ
فهل من سماءٍ خلاسيَّةِ القلبِ والقمرِ الذئبِ
نلهو بأحزانها
ثمَّ نسبحُ فيها ونرمي بصلصالنا من عَلٍ؟
آهِ.. هل كنتِ حقَّاً معي
عندما نفضَ الغيمُ عن دمنا الوردَ والشوكَ؟
أسألُ عينيكِ مثلَ الذي مسَّهُ الشِعرُ
هل كنتِ يوماً على أُهبةِ الحبِّ
هل كنتِ يوما...؟
وهل كنتُ حيَّاً أنا عندما كانت الريحُ
تحشو دمي بالرصاصِ وبالريشِ أو بظلامِ المحيطاتِ؟
هل كنتُ حقَّاً على أُهبةِ النايِ
أم أنني لم أكُنْ
عندما انبثَقَتْ من منامي نجومُ مراياكِ
حتى أرى كلَّ ما لا أرى؟
مثلاً طائراً يذرعُ القلبُ أو حُلُماً في منامِ القُرى
قمراً بارداً شارداً مالحاً كالحاً
قمراً كالفراشةِ من غيرِ إثمٍ ولا وجَعٍ مثلَ أنفاسِ غيمٍ
فكيفَ يحوِّلني شَجَراً في طريقِ سدومِ؟
ويصقلني بالدموعِ الصغيرةِ
في غبشِ الصبحِ أو عطشي للندى حجراً حجراً؟
أرى كلَّ ما لا أرى...
هل أرى؟
***********
أينَ ارتمى شعرُكِ البحريُّ؟
أهذي أُحبُّكِ.. يهذي الوردُ في دمها
خذني من الموتِ.. من خوفي ومن ضجري
أهذي أُحبُّكِ.. تهذي خذ يديَّ إلى
يديكَ من عالمي الأعمى ومن سقَري
أهذي أحبُّكِ.. ليتَ الحربَ تقتلني
ولا يطالكِ حتى الرشقُ بالزهَرِ
يا قلبَ عصفورةٍ تبكي وتخجلُ أن
يذوبَ سوسنُها في قبضةِ القمَرِ
هل كنتِ في الهالةِ البيضاءِ حينَ هوَتْ
نارُ الطغاةِ على روحي.. على وتري؟
من ذا يُلخِّصُ روحي لو بنورسةٍ
ومن يقايضُ لي عينيكِ بالمطرِ؟
أحسُّ وخزَ الندى المسمومِ منكِ.. تُرى
حشوتِ لي خِنجرَ الصوَّانِ بالزَهَرِ؟
لم تبقَ أندلسي لا يا متوَّجةً
على الرمادِ الذي يُغويكِ فانتصري
إن ظلَّ من كاحلِ العنقاءِ بي رمقٌ
فراشةُ الكحلِ تهوي بي إلى الحُفرِ
هل قلتِ: حبٌّ وحربٌ؟ فاذهبي بهما
إلى الجحيمِ ولا تُبقي ولا تَذَري
تبكينَ في الليلِ منِّي.. كيفَ صرتُ أنا
أقسى عليكِ من الأمريكِ والتَتَرِ؟
حُبِّي يؤرجحني في كلِّ هاويةٍ
أصخرتي أنتِ.. أم هل نزوتي قدري؟
أينَ ارتمى شعرُكِ البحريُّ.. أينَ غفَتْ
ناياتُ جسمكِ في ليلٍ بلا غجَرِ؟
كيفَ اشتهى ثمَرَ الحرمانِ مغتربٌ
عن الفراديسِ.. أم كيفَ انتهى شَرَري؟
مُرِّي على خيمةٍ في الريحِ أو وطنٍ
من الرمالِ بغيمِ الوردِ وانهمري
يفنى الحديدُ وتهوي الطائراتُ ولا
يفنى تشرُّدُ عصفوريكِ في السحَرِ
أزرى بخفقةِ جوليا وابتسامتها
فمٌ جميلُ الحواشي.. سيِّدُ الثمرِ
فمٌ رمتكِ بهِ في الجبِّ ساحرةٌ
شمطاءُ.. زمَّت رؤى عينيكِ في حجَرِ
أطلُّ منكِ على نيلوفرٍ نزقٍ
في أسفل الخصرِ.. ثلجيٍّ ومُستعرِ
كيفَ انسحبتِ وما فسَّرتِ رفرَفتي
مثلَ الرصاصةِ بينَ القلبِ والقمرِ؟
لأنَّ أغنيةً تغفو وتبسمُ لي
الآنَ تصدحُ سمفونيةُ المطرِ
*************
تنويعاتٌ على قيثارِ تشرين VIII
نهاياتُ حُمَّى
ما الذي قادني في شوارعِ أحلى المدُنْ
من يديَّ وعينيَّ.. من شفتيَّ وأنفي
بأزهارِ روميو وجولييتَ؟
هل لحنيني إلى أيِّ شيءٍ وطنْ؟
ما الذي قادني من دمي في الحدائقِ
أو في شقوقِ الأزقَّةِ.. أو في السهوبِ المطيرةِ
والنحلُ في قصَبِ الصدرِ يهتاجُ
أو ربَّما ينخبُ الغيمةَ الحجريَّةَ في اللا زمَنْ؟
كانَ يمكنُ ألَّا أكونَ إذنْ
كانَ يمكنُ ألَّا أراكِ وألَّا أحبَّكِ في زحمةِ الآخرينَ
وألَّا أدُلَّ صدى عطشي ورمادي على جمرةٍ
لمياهِ انحساراتِ صوتكِ عن شغفي مرَّةً
كانَ يُمكنُ ألَّا أرى
نجمةً تخبزُ الغيمَ للساهرينَ على شُرُفاتِ القُرى
ثمَّ ترجعُ في صخبِ النارِ قمصانُها القهقرى
كانَ يُمكنُ ألَّا أكونَ أنا
ها هنا
أو أكونَ ظلالاً لمعناكِ فيما كتبتُ
وفيما احترقتُ...
أما لاحتراقي ثمَنْ
في قصائدَ ليليَّةٍ ليسَ يقرأها العابرونَ؟
أما لندى زهرةِ التينِ أو جذعِ صُبَّارةٍ
في الجبالِ البعيدة روحٌ تحسُّ؟
أما للورودِ الصغيرةِ نفسُ؟
أما لخطايَ الفقيرةِ همسُ؟
اقتفيتُ تلابيبَ طيرٍ مُدَمَّى
ولوَّحتُ للأرضِ من شاهقٍ ونهاياتِ حُمَّى
فها قلبُكِ المتوحِّدُ والمتعدِّدُ والمتشرِّدُ كالحبِّ أعمى
بلا كيفَ.. أينَ.. متى.. ولماذا.. وعمَّ.. ولمـَّا.
************
حنينٌ سريالي
ألأنَّ قمحاً ليسَ يغفو فوقَ نافذتي
نسيتُ قصيدةً في القلبِ
آختْ بينَ خاصرتي وشمعِ أصابعٍ تبكي؟
أليسَ على فمي غيرُ انطفاءِ الماءِ
في جمرِ الظنونِ الرطبِ؟
هل كلُّ الذي أحشو بهِ رأسي مساءً
من دخانِ الأغنياتِ ومن رمادِ الوردِ والأنثى
هباءٌ لا يفيدُ وليسَ ينقصُ أو يزيدُ
من احتمالاتِ البكاءِ أو الخريفِ الهشِّ أو قلقِ الوجودِ؟
حقيقتي جسَدٌ تؤثِّثُ روحَهُ الناياتُ
بالقُبَلِ الشريدةِ والذنوبِ
ولعنةِ الطُرُقِ السريعةِ.. والحنينِ إلى الوصولِ.. وما الوصولُ
وكلَّما يمَّمتُ شطرَ غوايةٍ وجهي وقلبي الضائعينِ
كرغبةٍ في الريحِ أو في رقصةِ الأمطارِ
تُهتُ ولمْ أجدْ نفسي
ولم أشرَبْ سوى ما ذابَ من حدسي
على شفةِ الرمالِ
كوردةٍ مائيَّةٍ في القلبِ؟
لم أذهبْ سوى في شُبهةِ الأشياءِ
ثوبي غيمةٌ قمَريَّةٌ بيضاءُ ليسَ لغيبها رؤيا..
فمي شمسٌ مُسوَّرةٌ..
فهل شفتاكِ سنبلتانِ طافيتانِ فوقَ الريحِ يا امرأتي؟
غريبُكِ - حيثُ شئتِ - أنا
وحيثُ اغرورَقتْ قدماكِ بالأنخابِ أو بدمي هناكَ
وحيثما انطفَأتْ أصابعُكِ الرقيقةُ فوقَ جلدِ الماءِ
لا أسماءَ لي...
وخطايَ أوراقُ الشتاءِ الآخرِ الكُليِّ
هل في الأرضِ بقيا من فضاءاتِ الدمِ المطلولِ فيَّ وفيكِ؟
لا أدري...
ولكني سأهجسُ بالزنابقِ في الصباحِ الشاعريِّ
كأنَّما لغتي بلا قتلى ولا متنزِّهينَ على ضفافِ الموتِ
هل سمَّيتُ وجهَ الموتِ زهرَ سفرجَلٍ ذاوٍ؟
وهل أدمَنتُ عزفَ الموجِ والبحَّارةِ المتشرِّدينَ
وشقوةً ترِثُ الحنينَ؟
بمقلتيَّ أعانقُ العنقاءَ في النارِ البعيدةِ
أو بأجنحتي التي ليستْ تُرى في البرزخِ الأرضيِّ
يا لغبارها الأعمى
يُعمِّدُ بالسرابِ متيَّماً يَدمى
متى ستفيقُ من حلمِ الحياةِ.. متى؟
وهل كلُّ الذي ترويهِ في الأشعارِ لا تعنيهِ؟
هل كلُّ الذي تعنيهِ لا ترويهِ؟
تخجلُ أن تقولَ بأنَّ روحَكَ في سماءٍ ما تعيشُ مريضةً
أو أنَّ حُبَّاً ما عصيَّ الوردِ توَّجَ بالندى عينيكَ.. لا بالشوكِ
حينَ عن الصليبِ رميتَ قلبَكَ
للشياطينِ التي يختضُّ فيكَ عويلُها المجنونُ
أو يفتَضُّ حورياتكَ البيضاءَ في بحرِ الجسدْ.
***********
أثَرُ الاقحوانة
ما الذي كانَ يُمكنُ أن يتغيَّرَ لو أنني
منذُ عشرينَ عاماً تشرَّدتُ مثلَ العصافيرِ في الأرضِ؟
أو أنني لم أخفْ من دموعِ النساءِ اللواتي تغلغلنَ في الماءِ؟
لو كصديقي الذي ذابَ في لجَّةِ الهاويةْ
كنتُ ذبتُ كذرَّةِ ملحٍ وآخيتُ هذا الفضاء؟
ما الذي كانَ يُمكنُ يا سيَّداتي ويا سادتي أن يكونْ
لو تأبطتُ ريحَ البحارِ الحرونْ؟
وسافرتُ كالسندبادِ إلى اللا بلادْ؟
ما الذي كانَ يُمكنُ أن يتغيَّرَ لو أنني كنتُ لم أنتبهْ
للفراشةِ حولَ الشفاهِ وللقمَرِ المشتبهْ
بالسحابِ المكسَّرِ حولَ دمي؟
هل تُرى كنتُ أعشقُ هذي الحياةَ بكاملِ نقصانها الفظِّ؟
يا للحياةِ الرجيمةِ يا لشظايا الغناءِ المسَمَّرْ
على جسدي في سماءٍ من النارِ
يا لحنيني المُدَمَّرْ
أُفكِّرُ.. أهذي..أُخربشُ.. أكتبُ.. أشطب..
أصحو وأحلمُ.. أذكرُ.. أنسى..
أرى.. لا أرى..أقتفي أثرَ الأقحوانةِ في الطينِ
أو دمعةِ المجدليَّةِ
أمشي.. أطيرُ.. أخِفُّ.. أشِفُّ
سمائي مُرمَّمةٌ بالحروبِ وأرضي بوارُ
وأجنحتي أكلتها الصخورُ
ووجهي غبارُ.
**************
نظريَّة نسبيَّة
نزَقٌ خريفيٌّ أُدوِّنهُ بغيرِ إرادتي فوقَ الغبارِ
براءةٌ في الريحِ أو في القلبِ
غيمٌ فوقَ آنيةِ الزهورِ
قصيدةٌ في الماءِ
أسئلةٌ وأسماكٌ مشرَّدةٌ
نهارٌ لا أحبُّ بياضَهُ الأعمى
حفيفٌ موجعٌ ينسابُ في مجرى دمِ الكفَّينِ
يا عامورتي احترقي بعيداً عن شفاهي
لن أعودَ إليكِ بل لطفولةِ الأشياءِ
في نظريَّةِ اينشتاينَ النسبيَّةِ الأحلامِ
أفكاري يدجِّجها صهيلُ الوقتِ والقلقُ المفخَّخُ بالحنينِ
أقولُ إني قد وضعتُ على صفيحٍ ساخنٍ قلبي حياتي كلَّها لم يحترقْ
إلَّا بقبلتكِ الصغيرةِ في سماءِ الافتراضِ أو الحبقْ.
**************
أضغاثُ مرايا
لم يستقمْ قلبي بغيركِ
لم يتُبْ عن سرِّكِ الأزليِّ في طعمِ السَفرجَلِ
لم يغِبْ إلَّا ليظهرَ في انتباهكِ
بيدَ أني قمتُ من موتي الصغيرِ معذَّباً بالهاجسِ الآليِّ
كانتْ جمرةٌ عمياءُ هائلةٌ بحجمِ الأرضِ
غاضبةٌ بلا سببٍ
صباحَ اليومِ تأكلُ من دمي كالعنكبوتِ
وتقتفي وجعي من اللا شيءِ أو حزني على الشُبَّاكِ
أو فوقَ السريرِ وفي صريرِ البابِ
في خبزي وفي مائي وفي الكابوسِ والحلمِ السعيدِ
تُرى بماذا كنتُ أحلمُ حينما وبَّختُ راهبةَ الحياةِ بأرخصِ الألفاظِ؟
أم ماذا اعتراني فانهزَمتُ أمامَ نفسي؟
... ربَّما صدَّقتُ لو لهنيهةٍ في العُمرِ أني فاشلٌ...
لا.........
يا لأضغاثِ المرايا
ربَّما صدَّقتُ رغمَ عويلِ قيسٍ في حنايا الروحِ...
أني لنْ أطالَكِ في الغدِ الوهميِّ يا ليلى...
أهُشُّ على الحديديِّينَ بالأشعارِ أو بهشاشتي
لا شيءَ في معنايَ
أو لا خمرَ في رؤيايَ
أينَ تقودُني عينايَ؟
غيمٌ حولَ قلبي أم يمامُ خطايَ؟
وجهكِ في الصباحِ فراشتي...
مهما أحبَّكِ في الحياةِ دمي فلن يبقى حياديَّاً أمامَ قصيدةٍ
والآنَ أهذي والصليبُ فمي وجسمُ حبيبتي ويدايَ
ليلى... آهِ لا أدري لماذا كانَ يأكلُ من شفاهي
طيرُها المجنونُ هذا الصبحَ
لا أدري لماذا كنتُ طولَ اليومِ غضباناً بلا سببٍ
وفي اليوتيوبِ أو في القلبِ أغنيةٌ مزنَّرةٌ بنارِ الحبِّ
لكني أسبُّ الفايروسَ العصبيَّ في الحاسوبِ
أو ليلى فأشتمها بقلبي...
آهِ من مرَضِ الحنينِ أو الحياهْ
ورذاذُ وردتها الأخيرةِ في فمي الرمليِّ أو نارِ الشفاهْ.
***************
سربروس
الخفافيشُ لن تحترقْ
في الظلامِ سوى بأشعَّةِ شمسي
سربروسُ الذي عضَّ قلبي صغيراً
تبخَّرَ مني سراباً وما قضَّ مضجعَ هجسي
سربروسُ انتهى واختنقْ
تلوِّحُ لي طُرُقٌ في كواكبَ أخرى
طرُقٌ لا تموتُ ولا تفترقْ
طرُقٌ من حفيفِ الندى في يدي غيرُ هذي الطرُقْ
وأنا لم أفقْ بعدُ من يقظتي أو عواءِ الكلابِ
الذي يحبسُ النفسَ أن تنعتقْ.
**************
قلقٌ آلي
غبارٌ على قلبي.. غبارٌ على دمي
أعانقُ من جسمي مسيحاً مُسمَّرا
أضيءُ فتاتَ الدمعِ فوقَ أصابعي
وألحقُ في الرملِ السرابيِّ قيصرا
وتلكَ التي في عهدةِ النارِ أنَّثتْ
عوائي الذي بالتينِ كانَ مُزَنَّرا
غبارٌ على عينيَّ.. طينٌ على دمي
يجسَّانها شبراً فشبراً.. ولا أرى
أُحرِّقُ بالصَهْدِ الأخيرِ شفاهَها
ونرجسَها المائيَّ بالشمسِ والثرى
فراشتها عمياءُ.. أفعى بريئةٌ
تفحُّ بعينيها.. رخامي لها جرى
يُفكِّرُ بالروحيِّ قلبي.. إلى متى
أُلملمُ فوقَ الريحِ جسمي المبعثرا؟
وهل قصبُ الأضلاعِ ما زالَ خائفاً
إذا احتضنَ الناياتِ أن تتكسَّرا؟
سيفلتُ طيرُ الوجهِ من أخطبوطها
وتهمي فراشاتُ الشتاءِ على الذرى
غبارٌ على أصفادِ شيطانها الذي
يجبُّ حنيني للسماءِ.. أو السرى
غبارٌ على روحي.. قطارٌ مفخَّخٌ
بصلصالهِ الثلجيِّ في عصَبِ القرى
بحارٌ.. غواياتٌ.. دماءٌ تناسلتْ
رؤىً كانَ أغواها البكاءُ ودمَّرا
وفي مشتهى فردوسها أو جحيمها
سوى قلقي الآليِّ لا شيءَ أقمرا.
*************
ذئبة
الذئبةُ البيضاءُ تبكي
دمعُها ندَمٌ هوائيٌّ رماديٌّ سماويٌّ
تحدِّثني بلا صوتٍ وتحكي بيدَ أني لستُ أسمعُها..
أحبُّ حنانَ عينيها يحملقُ بي بلا معنى..
أودِّعها على شغَفِ اللقاءِ ولعنةِ النسيانِ..
هل يا قلبُ صرتَ تحبُّها؟
أم أنَّ أنسنةَ الذئابِ بلحظةٍ أدمَتكَ
أو أغوَتكَ أو أنسَتكَ نفسَكَ في الطريقِ العامِّ؟
دعها.. آهِ.. أو دعْ مسكَها يغلي على شفتيكَ طولَ الليلِ
لكن لا تفكِّر مرَّةً أخرى بها
فخطيئةُ النسيانِ تبدأُ من أظافرها هنا والآنْ.
*************
قصائدُ برائحةِ الذكريات IX
حطامُ الشغَف
(1)
مرَّ وقتٌ طويلْ
والفراشةُ في أسفلِ الخاصرةْ
ليسَ تبكي على الخللِ التقنيِّ
ولكن على غيمةٍ في الجليلِ
وفي الذاكرةْ
إنها ندمٌ من دمٍ وخُطى شهوةٍ خاسرةْ
(2)
مرَّ وقتٌ ولم تزَلْ القُبَّرةْ
تنامُ بغيرِ غناءٍ على السروةِ المقفرةْ
وتحرسُها الشجراتُ الثلاثُ الوحيداتُ في مدخلِ المقبَرةْ
(3)
هواءٌ يهبُّ على سعَفِ الصمتِ
طاحونةٌ في العراءِ تلمُّ عصافيرَها
عرباتُ خيولِ الأبدْ
تجرُّ الجسدْ
في مساءِ الأحدْ
فوقَ هاويةِ الاثمِ والمغفرة
(4)
ناوليني سكينةَ روحكِ والوردةَ الناحلةْ
في تلابيبِ كفَّيكِ أو قلقِ الأسئلةْ
لأكتبَ هذي القصيدةَ
لا شفرةَ المقصلةْ
(5)
أصابعُ لا تختفي أو تبينُ ووجهٌ يشفُّ
وأشياءُ أخرى.. وعينٌ سرابيةٌ.. وخواءٌ مريعٌ
ولا شيءَ.. لا شيءَ يستلُّني من حطامِ الشغَفْ
أو موسيقا الغُرَف.
***********
حُلم
كيفَ نمتُ المساءَ بعينينِ مفتوحتينِ وقلبٍ على وردةٍ مُغلقِ؟
كيفَ أُغميَ من شدَّةِ الضحكِ حتى على جسَدي بينما الروحُ تبكي رمادَ سحيمَ على المحرقِ؟
أضعتُ المساءَ/ الرواياتِ/ خيطَ القصيدةِ/ ثوبَ الغمامةِ/ مائيَّةَ الحُبِّ/ ماهيَّةَ الليلِ/ نفسي/ خطايَ/ حنيني/ رؤايَ/ فمي وشفاهي/ انتباهي/ أنيني/ هبائي/ بذورَ الفراغِ/
ونمتُ بعينينِ مفتوحتينِ لعلِّي أرى في منامي السماءَ على بابِ قلبي حقيقيَّةً
ثمَّ أنسى دمي في الظلامِ وأنسى كلامي الذي لم يقُلني وأذكرُ درسَ ابراهيمِ الفقي.
***********
لا سامريَّ بصحراءِ قلبي
أنتِ أجملُ من أن أحبَّكِ
أبعدُ من سنةِ الضوءِ عنَّي
وأعمقُ من نجمةٍ في المياهِ...
فمي يتفتَّتُ وهو يجسُّ التياعَ البراكينِ باسمكِ في جسدِ البحرِ..
لي خمرةُ الفلِّ.. لكنَّ وخزَ الندى في الظهيرةِ أو أسفلِ القلبِ..
أو شمسِ خاصرتي ليسَ لي.. ليسَ لي..
أكملي ما بدأتِ بهِ من عناقِ الصدى باليدينِ وبالماءِ..
لا تقفي.. أكملي.. أكملي
يخفقُ القمَرُ المخمليُّ وينهاكِ عني
وتنهاكِ عني الخيولُ
وتعرى فصولُ الكتابةِ حينَ أُفكِّرُ كيفَ أقولُكِ
كيفَ أخطُّ وصاياكِ فوقَ الهواءِ وفي الماء..؟
أعلى من اليدِ والفمِ أنتِ وأدنى من القلبِ...
كيفَ تشهَّيتُ فيكِ الطفولةَ/ طيشَ الشبابِ/ مجازَ السرابِ/ الغناءَ/
ليالي الشرابِ/ العذوبةَ أو شذراتِ العذابِ
ولحظةَ أفلتَ من قبضتي ذهبُ العُمرِ في هيئةِ الطيرِ؟
ينتهكُ الشِعرُ فيكِ النصاعةَ حتى البكاءِ
ولا سامريَّ بصحراءِ قلبي يصيحُ بإنَّ سمائي مخرَّمةٌ بالخطايا
فهل لكِ أن تطردي الشاعرَ المتهتِّكَ منكِ
وأن تحذفي مَن جمالُكِ يجلدُهُ باشتهاءِ؟
*************
تفَّاحةُ المعصية
بماذا أُشبِّهُ هذا النهارَ
ولا خمرَ في القلبِ
لا شِعرَ ينبتُ في الفمِ للحُبِّ
لا شيءَ في الشيءِ
لا ضوءَ في الروحِ
لا وصفَ يعجبني
لا مزاميرَ كَيْ أتغنَّى بها
(شَعرُ محبوبتي ماعزٌ جبليٌّ يُروِّضُ وحشةَ جلعادَ..
عينا حبيبي غمامْ)؟
لستُ أفهمُ غيرَ كلامِ الطيورِ التي هجرَتني بغيرِ اتجَّاهٍ لقسوةِ تشرينَ
في لحظةٍ هيَ أيقونةٌ في مهبِّ العراءِ على الأغنيةْ
القصيدةُ تفَّاحةُ المعصيةْ
رفرفاتُ النجومِ الصغيرةِ وقتَ الظهيرةِ في الأقبيةْ
خمرةٌ لا تُرى في هواءِ القُرى
قلَقٌ ناصعٌ كسهامِ الحنينِ يُعذِّبُ من ألفِ عامٍ دمي...
واحتراقاتُ صلصالِ فاوستَ
أو ندَمٌ من حطامْ.
************
صلصال
يخيَّلُ لي أنني لن أجيدَ سوى فشلي
في استعادةِ ما ضاعَ من ذهَبِ الحُبِّ في القلبِ
أو خمرة الروحِ في اليمِّ
أو في الوصولِ إلى منبعِ الوردةِ الأنثويةِ أو أملي
يُخيَّلُ لي ما يُخيَّلُ لي...
يا امرءَ القيسِ هل كلَّما طعَمَ القلبُ
صلصالَ أنثاهُ في الأرضِ أو في السماءِ
أو انطفأَ الماءُ في قمَرِ الصبحِ
واتخذَّتْ نحلةٌ قلبَ فاطمَ مسكنَها
لجَّ في غيِّهِ شاعرٌ لم يصِبْ سهمُهُ كعبَ فاطمَ
أو لم يتُبْ في النهاراتِ عن ليلِها الأليلِ؟
***********
سنتمنتالي
السنتمنتاليُّ مكتئبٌ ومبتسمٌ بلا سببٍ
يفكِّرُ.. لا يفكِّرُ..
قلبُهُ عدَمٌ إضافيٌّ
على شفتيهِ أغنيةٌ
وفي عينيهِ فزَّاعاتُ أحلامٍ
يرى.. أو لا يرى
ما في قلوبِ العابراتِ من السرابِ أو الثرى
ألأنهُ شبحٌ هوائيٌّ يخفُّ كريشةٍ
أو يختفي في الريحِ منحازاً إلى فرحٍ غريبٍ ما؟
يحبُّ وليسَ يجرؤُ أن.....
مزاجيٌّ يسُبُّ جحيمَهُ والآخرينَ....
السنتمنتاليُّ صعلوكٌ بلا شِعرٍ
ومكتئبٌ بلا سببٍ
ومحتشِدٌ بلا معنى.
***********
أب
يقولُ أبٌ ما لزوجتهِ لا تغيبي كثيراً
ولا تتركي جسدي يتأرجحُ في اللا مكانِ
أُتركي وردةَ النارِ تفتحُ عينيَّ في المدفأةْ
لا تروحي.. ارجعي فأنا عندما تذهبينَ
أُصابُ بما يشبهُ الموتَ..
أو يتحوَّلُ قلبي إلى نجمةٍ مُطفأةْ
فوقَ هاويةِ الثلجِ ترجفُ...
أو عندما لا أبوسُ ابنتي وهيَ تذهبُ للنومِ
ساحبةً خلفَها عالمَ الطيرِ.. أو لغةَ اللونِ
أو ما تُغنِّي البحيراتُ في كوكبِ الجنَّةِ المرجأةْ
أظلُّ بغيرِ زمانٍ وغيرِ صليبٍ
يصيحُ دمي بالقصيدةِ في الليلِ كوني امرأةْ
يقولُ أبٌ ما لأشباحهِ في الظلامِ أتركوني وشأني.
************
لا غاوٍ سَيتبَعُني
قالتْ فتاةٌ ما كأنَّ النثرَ يفضحني
فإنَّ قصيدتي سِترٌ ومتسَّعٌ
لما واريتُ خلفَ ثيابها
ممَّا اكتويتُ بهِ من الأهواءِ..
ضاقَ بصرختي جسَدي
وحمحمَ كاحلُ الينبوعِ فيَّ
وضَجَّ في قدميَّ
رقصُ عواصفٍ حمراءَ في أعلى شراييني وفي عينيَّ
لا غاوٍ سيتبَعُني
ولا وادٍ أهيمُ بهِ ولا فيهِ سوى عَينَيْ حبيبي
كُلُّ عُشَّاقي ذئابٌ يقتفونَ عبيرَ قلبي بالمخالبِ والعُواءِ
وكُلُّهم وغدٌ وأعمى القلبِ
عُشَّاقي كِلابٌ ليسَ يختلفونَ فيما بينهم
إلَّا على أسرارِ رائحتي وعاطفتي
أنا ابنةُ حزنِ أنكيدو
وقلبي لا يُجيدَ الصمتَ
كيفَ إذنْ يُذوِّبُ ما يشاءُ من القرنفلِ
في مداراتِ السرابِ اللا نهائيِّ؟
اشتهيتُ أو انتهيتُ أو انتهى فيَّ الغيابْ.
************
أغصانُ ميدوزا
للذكرياتِ فقاعةٌ شَمسيَّةٌ
فيها يعيشُ القلبُ منذُ طفولةِ النعناعِ
كيفَ إذنْ أُخلِّصُهُ وما لي بالشموسِ يدٌ
لتشربَ ما يُغرِّرُ بي من الأضواءِ
وهيَ كرغوةٍ مخمورةِ الإيقاعِ تصعدُ نحوَ أنفاسي
وما تنفَكُّ أن تنحلَّ قابَ فمي كأيِّ فراشةٍ بيضاءِ؟
كيفَ أعيدُ ترتيبَ الزهورِ على الشهورِ
ولا يكمِّمني عويلُ الريحِ في الأعلى
ولا أغصانُ ميدوزا تسمِّمني؟
سيبكي آبُ يوما ما على لوركا..
وتحملُ قلبَهُ في فضَّةِ الأنهارِ شمسُ ترابْ.
**************
قبضُ سراب
حفيفُ خيالكِ الشتويِّ دقَّ النوافذَ وهو يهمي أو يهيمُ
انتبهتُ وكانَ حلمي من رمادِ السنينِ إليهِ
يُفلتُ من وصايا الطيورِ المدلهمَّةِ في الغيومِ
الظنونُ تخبُّ بي.. جسمي ملاذُ البحارِ وقُبَّراتِ الحُبِّ
روحي السماءُ وصوتُها.. عينايَ ماءُ المرايا
هل تسرَّبَ منكِ...؟ كلَّا
فمي أضحى هواءً وانتظاراً
لقبلتكِ البعيدةِ واشتهائي
لقبضتكِ الصغيرةِ..
لا هشيمٌ سواكِ الآنَ يعوي في دمائي
يدايَ على صليبِ الشوكِ ليلاً
بنفسجتانِ من نارِ الغناءِ
قبضتُ من السرابِ على حياةٍ
ومن ريحِ الغيابِ على نساءِ
حفيفُ خيالكِ الشتويِّ يهمي
ثلوجَ الوردِ في أقصى الجحيمِ
فيصرخُ بالندى دثِّرْ عظامي
فأصرخُ دثِّريني بالنجومِ.
**************
هل تفرغُ الروحُ من الذكريات؟
عندما لا أجدُ ما أقولهُ أغلقُ فمي على زهرةِ صَوَّانٍ كبيرةٍ
(بيدَ أني لستُ جلجامشَ)
أو أمارسُ طقوسَ المشيِ في الهواءٍ الصلبِ كالفلاسفةِ المشَّائينَ
وأنا أصبُّ ماءَ قلبي على جمر الثرثرةِ المهتاجِ بفرحٍ
أعيشُ قليلاً في حضرةِ إغراءِ الصمتِ..(ليسَ صمتَ رمبو)
أكملُ أحلامَ غالب هلسا غير المدوَّنةِ
أو أحيل بقايا قصيدةٍ إلى شاعرٍ صعلوكٍ غيري
يحملُ مأساتهُ على كتفيهِ ويذرعُ شوارعَ مدنٍ
على كواكبَ أخرى..
يقاسمني الروحَ وهشيمها السماويَّ
ويجيبُ وهو على الصليبِ عن أيِّ سؤالٍ كانَ بجوابٍ واحدٍ هو
أيها المراؤون لمَ تجربونني؟
ولكنني لا أعرفُ وأنا أجمعُ من دموعِ نساءٍ رحلنَ
سُقيا لأزهارِ عينيَّ الذابلة
هل تفرغُ الروحُ من الذكرياتْ؟
أو ماذا سأفعلُ بعمري يا غسان كنفاني
عندما أعجزُ بشكلٍ فجائيٍّ عن الكتابة؟
**********
بُكاءُ قلبكَ في الأزهارِ منتشرُ
(قصيدةٌ في رثاء الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري)
في قلبهِ تولدُ الرؤيا وتندَثرُ
ومن نجومِ شظايا حلمهِ كِسَرُ
وفوقَ عينيهِ تغفو الآنَ في دعةٍ
مجرَّةٌ راحَ يهفو حولَها قمَرُ
مجرَّةٌ من حليبِ الشعرِ تفلتُ من
ريحِ الذئابِ وفي الأجواءِ تنشطرُ
تبدو وتخفى كبرقِ الماءِ في لغتي
كجذوةٍ من هوىً يخبو ويزدهرُ
سَلْ الرمادَ سل الليلَ الذي انعتقتْ
فيهِ النجومُ.. سَلْ العنقاءَ تستعرُ
أفضَّةٌ في حروبِ الماءِ صامتةٌ
حشوُ العيونِ.. وحشوُ الخافقِ المدَرُ؟
وفوقَ كلِّ خوابي الشهدِ علقمةٌ
حمراءُ في القلبِ لا تُبقي ولا تذَرُ؟
وسَلْ أحارسُ كنزِ الحالمينَ غفا
وكانَ في مقلتيهِ ينبضُ السَحَرُ؟
ومالَ نجمٌ على عينيهِ مثلُ قناً
في راحتينِ من النعناعِ تنكسرُ؟
كبَتْ خطاهُ وصارتْ روحُهُ كِسَفاً
من الشذى في المدى الدُريِّ تنحدرُ
والقلبُ ما زالَ في لهوٍ وفي لعبٍ
نهبَ العيونِ التي في طرفها حَوَرُ
********
في كُلِّ أرضٍ خطى يحيى وسوسنةٌ
بيضاءُ يهوي عليها الصارمُ الذكَرُ
كأنما من مسيحِ الماءِ أنتَ وذا
بكاءُ قلبكَ في الأزهارِ منتشرُ
أرقى سماءً وأرضُ الشعرِ عاليةٌ
أنقى وفاءً إذا ما الأصفيا غدَروا
والشعرُ في يقظاتِ الحُلمِ نصرُكَ.. هل
كيشوتُ في غيرِ زيفِ الحلمِ ينتصرُ؟
لا كانَ سيفٌ ولا كيشوتُ حاملُهُ
قتلاهُ من شؤمهِ الأشجارُ والحجَرُ
**********
يا شاعراً فيكَ من غورِ الخلودِ صدى
ما ليسَ يسبرُ أدنى نجمةٍ بشَرُ
أعلاكَ في الأرضِ مجدٌ لا انتهاءَ لهُ
من المزاميرِ.. لا يرقى لهُ خطَرُ
لطالما كنتَ والأيامُ عاصفةٌ
سحابةً من جمالِ الصحوِ تنحدرُ
تشدُّني من شغافِ الروحِ تحملني
والأرضُ مدُّ سرابٍ والمدى جُزُرُ
إلى وراءِ حدودِ النجمتينِ ضحىً
وفي الأصائلِ حيثُ الشوقُ ينهمرُ
*********
تمشي قصائدُ مهديٍّ بغيرِ هدىً
كأنها امرأةٌ في خصرها خدَرُ
ضلِّيلُها ملِكٌ حينَ ازدهى وبدا
شالتهُ كالشمسِ في عليائها سُرَرُ
يا صاحبَ النغَمِ الوسنانِ في خلَدي
نامَ الدجى عنكَ لو أحسَسْتَ والوترُ
اليومَ أُزجي إليكَ الشعرَ زنبقةً
تكادُ من دمها الأشواقُ تنفجرُ
ما أمَّةُ الشعرِ.. مهما قيلَ.. ناعمةٌ
هيهات.. بل أشقياءٌ بالذي شعروا
شقَّوا غبارَ الرؤى السفلى وبرزخها
إلى جحيمٍ من الأحلامِ وانحدروا
جرُّ الخطى ثمَّ تيهٌ.. لا أُشبِّههُ
بخطوِ قارونَ.. إنَّ الرقَّةَ الوفَرُ
أزهو بصخرٍ من الآلامِ أحملهُ
قصاصةً.. وبتاجِ الشوكِ أفتخرُ
كادتْ زليخةُ لي منذُ انتبَهتُ إلى
فلٍّ من الماءِ فيها حفَّهُ شرَرُ
كذاكَ ما قتلَ الأيامَ من كمَدٍ
إلا النوابغُ من آلامهم سخروا
لولا تفاوتهم في العبقريَّةِ.. ما
مدَّ الظلالَ على التاريخِ محتَكرُ
عَلِقتَ قلبي جمالَ الخالدينَ فلا
يبُلُّ شوقَ صداكَ الوِردُ والصدَرُ
أكلَّما سرحت عيناكَ أعجبها
طيفُ الجمالِ ثناها السُهدُ والحسَرُ؟
خفَّ الربيعُ الطفوليُّ الذي اندثرَتْ
في طيِّهِ عبرُ الأشواقِ والذكَرُ
هل كنتُ في الحلَكِ اللجيِّ غيرَ سنا
فراشةٍ في لهيبِ الليلِ تستعرُ؟
*********
جواهريَّ المعانيَ والقوافيَ هل
تفرُّ للحبِّ من نارِ الردى دُرَرُ؟
لم تألُ جهدَكَ في الدوِّ العظيمِ ولم
تتركْ فلا الحبِّ حتَّى ردَّكَ السفَرُ
بقيا غضنفرَ ملءُ الغابِ هيبتُها
ويأخذُ الناسَ منها الخوفُ والحذَرُ
كنَّا الشجيراتَ في الغابِ الذي سكرتْ
فيهِ الأحاسيسُ حتَّى غمغمَ السحَرُ
كنَّا الشجيراتَ.. كنتَ الشمسَ ترضعنا
لبانَ نورٍ وأحلامٍ بهِ خدَرُ
كانَ الحنينُ الذي نحوي ونجمعهُ
والشوقُ كلَّ الذي نجني وندِّخرُ
عمري بلحظةِ حبٍّ لو تبادلني
عيناكِ.. في جنباتٍ مسَّها نهرُ
*********
هل شهرزادُكَ ما دارتْ على شفقٍ
إلا أصابكَ من أحزانها ضجرُ؟
فلمْ نكَرتَ من الدنيا ترفَّعها
ولم ذممتَ هواها.. والهوى قدَرُ؟
أنثى تعالت على قلبي ومنَّعها
عني الهوى والنوى والصدُّ والصَعَرُ
مثَّلتُ ما فاتَ كالأوهامِ صادقةً
منها فما خانني قلبٌ ولا بصرُ
ومن تكذِّبهُ عيناهُ إذْ نظرتْ
إليَّ... فالتربُ تبرٌ والحصى دُرَرُ
بل سأبقى صديَّاً جامحاً أبداً
وبينَ عينيَّ ماءُ السؤلِ ينهمرُ
هيهاتَ تُنقعُ غلَّاتُ النفوسِ إذا
كانت أواماً من الحرمانِ يستعرُ
هيهاتَ تفنى حبالُ القلبِ فهي ندى
نارنجةٍ في دمي.. يمتصُّهُ قمرُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كتبت هذه القصائد بين الأعوام 2011 - 2013
عن الشاعر
نمر أحمد سعدي شاعر وكاتب فلسطيني وُلدَ عام 1977. يقيم في قريته بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها، ومناظرها الطبيعية الخلابة.
بدأ بنشر بواكير أشعاره، بعد اختمار التجربة ونضوجها، جنبًا إلى جنب الموهبة والثقافة، في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، وكذلك في صحيفتي "كل العرب" و"الأخبار" الناصريتين منذ عام 1999. يتميز شعر نمر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة. يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة: موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة: عربية وشرقية، ومنها العامة: أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي. ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره: فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا. تنصتُ أشعارُهُ لهموم التجربة الحياتية وتزخمُ بالموسيقى الهادئة.
يُعدُّ الشاعر نمر سعدي واحداً من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية الفلسطينية، لما يمتاز شعره به من: طاقة إبداعية، وغزارة في النتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة. وهو يكتب قصيدة التفعيلة، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية. وقصيدةَ النثر. كما أنه ناشط في الحراك الأدبي، ومتابع لنشاطات الحركة الأدبية المحلية. كرَّمته مؤسَّسة الأسوار في عكا عام 2007.
صدرَت له الدواوين الشعرية التالية:
عذابات وضَّاح آخر 2005 مطبعة فينوس/ الناصرة
موسيقى مرئية 2008 منشورات مجلة مواقف/ الناصرة
كأني سواي 2009 ( ديوان في ثلاثة أبواب ) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا
يوتوبيا أنثى 2010 منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله
ماء معذَّب 2011 منشورات مجلة مواقف / الناصرة
وقتٌ لأنسنةِ الذئب 2014 دار النسيم للنشر والتوزيع/ القاهرة
تُرجمت له عدة قصائد الى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية وصدرت في أنطولوجيات شعرية.
نشر مئات القصائد وعشرات المقالات في الكثير من المواقع الأدبية والثقافية على الشبكة العنكبوتية وفي المجلات والصحف المحلية والعربية مثل القدس العربي وصحيفة عكاظ السعودية وصحيفة الخليج الاماراتية وصحيفة العرب اللندنية.
(مقتطف من مقال للناقد الفلسطيني الدكتور محمد خليل)
صفحة الشاعر على الفيسبوك
www.facebook.com/nemer.saady