محمد رشو - ملاك الروح المبدعة..

كان سعدي يوسف في أوج تجربته الشعرية، معلّماً، طبعت له بيروت «الأعمال الشعرية» قبل عقدٍ من الزمن، حين قدّم رياض الصالح الحسين الذي كان يحضّر كتابه «بسيطٌ كالماء، واضحٌ كطلقة مسدّس» ليصدر عن دارٍ صغيرة في دمشق.
يرى سعدي أن عيني الشاعر حينئذٍ، «ليستا متجهتين كالسابق إلى ألعاب الآخرين النارية»، لكنه لا يخفي تحفظّه وهو يعرّج على تجربة رياض بالنشر في أقل من أربع سنوات، يكثر من استعمال «لكن» و«ربّما» مستدركاً، ضابطاً نفسه، فخراب الدورة الدموية «تتعجل القفز على موانع الواقع ومعالمه، دون أن تتمهل كثيراً لالتقاط التفاصيل القابلة للاكتناز» وربما نجح رياض في «أساطير يومية» في «السيطرة على مادته الواقعية وتكثيفها» لكن «الفنتازيا ووهم الكلمات وتعمد التهويل والتهاويل ما تزال ماثلة».
في العام نفسه سيموت رياض لننتظر أربعة وثلاثين عاماً قبل أن تطبع أعماله الكاملة.
بُخل عليه بالورق الذي كان يُهدر في مطابع وزارة الثقافة ودور النشر الخاصة، ليُقرأ فقط في نسخ أجهزة الفوتوكوبي وثم في ملفات ال pdf والمواقع الأنترنيتية، لم يحرسه سوى ملاك الروح المبدعة ليتحول شيئاً فشيئاً إلى أيقونة من الأيقونات النادرة في الكتابة السورية.
خلال الوقت نفسه كان سعدي يكتب بحكم العادة، كأي وظيفة بيولوجية، بدون شهوة ولا شهية، ظل وما يزال يكتب، لا شغف، لا الهام ولا شيطان، لا حرفة ولا صنعة حتى، ولم تشفع مكنات الورق للمعلم الذي استرخى وتخلى عن ضوابطه ليُقرأ،
تجار الورق لديهم سلوفان ليغلّفوا بضاعتهم الفاسدة، والمعلّم عنيدٌ لا يرضى أن يتوقف عن الكتابة حتى يبلغ حافتي الخريفين، خريف العمر وخريف الشعر، فليكتب أي شيء، أي شيء كان، فلا يلبث أن ينشر في «السفير» و«الأخبار» و«أخبار الأدب» ويطبع في القاهرة وبيروت ودمشق والمغرب وألمانيا.
يُترك الأمر إذن لرأفة الموت وعدالة الزمن.
في 16/9/1975 يرسل رياض إلى محمود علي السعيد يشكره ويعتذر عن عدم حضوره إلى حلب لإلقاء قصائده في مهرجان الشباب ويرفق الرسالة بقصيدة له طالباً المساعدة على نشرها بجريدة «الجماهير» المحلية التي تهتم بجولات محافظ المدينة وشكاوي المواطنين على مؤسسات الكهرباء والمياه والقمامة، راجياً ان تنشر «دون حذف أو بتر أصابع او نزع أضلاع».
«الجماهير» يا رياض، الله يسامحك،
بالتأكيد، لن تُبتر الأصابع ولن تنزع الأضلاع بالطبع، فالقصيدة لم تُنشر أصلاً.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى