وجدوا الرصاصة في عنقي .. لم يمهلوني .. أخرجوها ضاحكة .. مات منهم ثلاثة ..
{ أبقيت الرابع ــ تقول الرصاصة ــ ليصف إلى غيرهم ما رأى } .. وهي تضحك آمنة ، تواصل الرصاصة :{ ليس أكثر من عنقك مأوى، فما أبأسهم إذ أخرجوني …
أخفقت محاولات طبيب أن يقنع رؤوسا تحيط به ، ليبقي الرصاصة حيث لمستها أنامله .. { سيؤدي إخراجها ــ الآن ــ إلى تقيِّح في العنق ربما { 1 }
تقول للطبيب أنامله ، وهي تتحسس مساحة في العنق يزحف الازرقاق ليغطي منحنياتها و يتلف أنسجةً تتصاعد نحو الرأس : { احتمال التقيّح قائم حتى مع إبقاء الرصاصة في { 1 }
أركبتني اهتزازات عجينة داخل رأسي ، متن عقارب الزمن ، فرحت أدور ــ مع الأرض ــ حول كرة توزّع شواظّها على متباعدات نجوم انحسرت واقيات الحرارة عنها ، فابتلعها الوهج المتدفق من كرة النار …
رستْ بي كبسولة تحملني ، عند تخوم ليل تملأ منافذ الصمت فيه سيمفونية الحشرجات و الأنين ، تنفثها دواخل أججها احتدام أمنيات عجزت عن اختراق واقع مكثّف بأجنحة القلق و أبخرة أنفاس تملأ الفواصل المتقاربة …
يقول الطبيب الذي استوعب هلوستي مع الرصاصة ، أنني بخير و أن الجرح في عنقي سيلئمه ابتعادي عن مصاهر الحمم على امتداد الشواطئ المحترقة …
لكنني أفهمته أن عشقي للنار لا يطفئه ما يخطط لي بياض قلبه ، فقد نذرتني أمي منذ انفلاق مشيمتي ، لأن أتعمد بأطراف ذيول تتراقص كالشياطين .. علمتني كيف أصارع وهجها وهي تحتضنني كل فجر ، لتواجه فوَّهة أتون تزداد رقصاته عنفا كلما كثرت الجباه التي تلامس بخشوعها الأرض أمامه .
ــ لم غادرت موضعا حددنا { 1 }
يفح صوت من فتحة في رأس يحمله جسد تهدل حتى أوشكت أليافه أن تمس الأرض … تناوبت توجيه الأسئلة ــ السكاكين مع كيس اللحم عناصر حملت تعابير وجوههم أشّد ما يمكن نصوره من سواد الدخائل …
ما كان برغبتي أن أريح تلهف أعماقهم لمعرفة كيف ولَجت الرصاص عنقي…
بين نياسم أرض لا يستطيع خاطٍ فوقها إخفاء ظله ، ألقت بي كتلة حديد متحركة .. تركتني أعد آثار مخالبها على تراب أحالت النار عطاءاته إلى رماد لا تكاد أشد الأنامل حساسية الإمساك به ..تحسست جيوبي .. أحدها مخنوق بسحاب أُمرتُ أن لا أفتحه إلا
ــ تجد مخطط مهمتك في أحد جيوب بدلتك .. الجيب الوحيد الذي
يحمل سحابا ..تستطيع أن { 1 }
تباعدت حاجتي إلى أن تحملني أمي إلى وعاء نارها الصباحي .. صرت أتبعها ، ما أن تتوجه إليه ، بخطاي المترنحة …
لم تستطع كل الخرائط و المخططات التي توجب علي حفظ تفاصيلها أن تغطي
ــ في وعيي ــ المساحة الممتدة بين وعاء النار و تلهفي إلى أن أكون قربه ،كلما رأت الرؤوس التي تحركني إمكانية ذلك …
صخرة هائلة شقَ التآكل نتوءات فيها ، تجثم عند حافة نهر تعذر الفصل بين الماء المالح
و العذب فيه ، صيَّرناها مقاعد نلقي عليها ــ عندما يهبنا القمر بعضا من لياليه الآمنة
ــ ركاما من تأوهات أجسادنا …
يعتلي أحدنا قمة الصخرة .. يقرأ أسماء حملها البريد .. { ابننا البطل ــ { أنا ؟! }
ــ تقرؤك أُمك سلاما من أعماقها.. تقول لك أنها حملت وعاء نارها ، مع أرغفة لم تنضج بعد إلى { زُحل } .. وهي أيتها الأم الرائعة .. كم ردَّدتُ في حضرتك أني أحلم بقضاء متبقياتي من دوران الساعة على{ زُحل }..وها أنتي تسبقينني إليه ! …
قبل أن تفتح كتلة الحديد المتحركة شدقها لتلقي بي ، يضُّج في مؤخرة رأسي صوت :
{ فقط ، بعد أن تتلاشى حاملتنا أمام نظرك ، اخرج مخطط مهمتك …
على أرض محروقة التراب بسطت مستطيلا ورقيا .. سحبتني ــ قبل أن أدخل منحنيات خطوطه ــ حروف ملونة في أسفله : { خلال أي لحظة من الآن ، ستمر فوقك مروحية تلقي إليك احتياجاتك لتنفيذ مهمتك .. كن بمستوى ثقتنا بك …
تقطعت مفاصل النهار ، وما لاح لمروحية ظل .. إنداحت خطاي في متكاثف الليل ،
ولم يضُجَّ في سماء يحاورني بريق نجومها صوت .. يراودني مصباح في جيبي :
ــ أخرجني ، أضيء لك النياسم لتمضي .
ــ لكنك ستكشف موضعي .. و مَن يدري …
تذكرت ، وأنا أقاوم أذرع إخطبوط قلق تتسع رقعته في رأسي ، إحدى ألعاب طفولتنا … { هذه الخرقة وسخة ، كيف تضعونها على عينيّ } .. تنعدم أمامك الرؤية ، فتظل تضرب الهواء بذراع واحدة و ساق .. هذه قواعد
اللعبة .. لا يجوز لك أن تتحرك ، فأنت عقرب ، و العقرب لا
و رحت أدور في موضعي من الليل ..عشر خطىً إلى الأمام ، إلى اليسار دُر .. عشر خطىً إلى الأمام ، إلى السار دُر …
و كم تلهفت إلى أن أرى أثر خطاي على محروق التراب في الصباح …
و الصباح ينأى كقافلة يبتلعها أفق دامي .. و متاريس الليل تتراكم كالأوبئة .. و طنين جهنمي ينمو في رأسي .. ينسحب إلى كل عناصر الحياة في كياني .. فقاعات .. فقاعات ملونة يبتلع الصغير كبيرها .. تتضخم بينها واحدة .. تتدحرج نحوي عاكسة أضواء غارقة في أفق الشمس ..يتشكل على جدار الفقاعة وجه يضبب بعض شفافيتها
.. ترتسم على شفتي الوجه ابتسامة غامضة .. تدنو الفقاعة مني .. تلتصق بي .. تتحشرج أنفاسي .. ينفذ من خلال انبعاجات الفقاعة صوت :
ــ فتشتم جيوبه ؟
ــ أية جيوب .. كان شبه عارٍ وسط بركة دماء خثّرها التراب
ــ ما مدى إصابته ؟
ــ رصاصة واحدة في العنق .
ريسان جاسم عبد الكريم
كـركـوك
_________________
{ 1 } هذا القطع المفاجئ مقصود .. هو من تكنيك القصة
{ 2 } اسم اللعبة الشعبية { العجيرب حاس . } أي : العقرب تحرك .
* نقلا عن موقع الناقد العراقي
{ أبقيت الرابع ــ تقول الرصاصة ــ ليصف إلى غيرهم ما رأى } .. وهي تضحك آمنة ، تواصل الرصاصة :{ ليس أكثر من عنقك مأوى، فما أبأسهم إذ أخرجوني …
أخفقت محاولات طبيب أن يقنع رؤوسا تحيط به ، ليبقي الرصاصة حيث لمستها أنامله .. { سيؤدي إخراجها ــ الآن ــ إلى تقيِّح في العنق ربما { 1 }
تقول للطبيب أنامله ، وهي تتحسس مساحة في العنق يزحف الازرقاق ليغطي منحنياتها و يتلف أنسجةً تتصاعد نحو الرأس : { احتمال التقيّح قائم حتى مع إبقاء الرصاصة في { 1 }
أركبتني اهتزازات عجينة داخل رأسي ، متن عقارب الزمن ، فرحت أدور ــ مع الأرض ــ حول كرة توزّع شواظّها على متباعدات نجوم انحسرت واقيات الحرارة عنها ، فابتلعها الوهج المتدفق من كرة النار …
رستْ بي كبسولة تحملني ، عند تخوم ليل تملأ منافذ الصمت فيه سيمفونية الحشرجات و الأنين ، تنفثها دواخل أججها احتدام أمنيات عجزت عن اختراق واقع مكثّف بأجنحة القلق و أبخرة أنفاس تملأ الفواصل المتقاربة …
يقول الطبيب الذي استوعب هلوستي مع الرصاصة ، أنني بخير و أن الجرح في عنقي سيلئمه ابتعادي عن مصاهر الحمم على امتداد الشواطئ المحترقة …
لكنني أفهمته أن عشقي للنار لا يطفئه ما يخطط لي بياض قلبه ، فقد نذرتني أمي منذ انفلاق مشيمتي ، لأن أتعمد بأطراف ذيول تتراقص كالشياطين .. علمتني كيف أصارع وهجها وهي تحتضنني كل فجر ، لتواجه فوَّهة أتون تزداد رقصاته عنفا كلما كثرت الجباه التي تلامس بخشوعها الأرض أمامه .
ــ لم غادرت موضعا حددنا { 1 }
يفح صوت من فتحة في رأس يحمله جسد تهدل حتى أوشكت أليافه أن تمس الأرض … تناوبت توجيه الأسئلة ــ السكاكين مع كيس اللحم عناصر حملت تعابير وجوههم أشّد ما يمكن نصوره من سواد الدخائل …
ما كان برغبتي أن أريح تلهف أعماقهم لمعرفة كيف ولَجت الرصاص عنقي…
بين نياسم أرض لا يستطيع خاطٍ فوقها إخفاء ظله ، ألقت بي كتلة حديد متحركة .. تركتني أعد آثار مخالبها على تراب أحالت النار عطاءاته إلى رماد لا تكاد أشد الأنامل حساسية الإمساك به ..تحسست جيوبي .. أحدها مخنوق بسحاب أُمرتُ أن لا أفتحه إلا
ــ تجد مخطط مهمتك في أحد جيوب بدلتك .. الجيب الوحيد الذي
يحمل سحابا ..تستطيع أن { 1 }
تباعدت حاجتي إلى أن تحملني أمي إلى وعاء نارها الصباحي .. صرت أتبعها ، ما أن تتوجه إليه ، بخطاي المترنحة …
لم تستطع كل الخرائط و المخططات التي توجب علي حفظ تفاصيلها أن تغطي
ــ في وعيي ــ المساحة الممتدة بين وعاء النار و تلهفي إلى أن أكون قربه ،كلما رأت الرؤوس التي تحركني إمكانية ذلك …
صخرة هائلة شقَ التآكل نتوءات فيها ، تجثم عند حافة نهر تعذر الفصل بين الماء المالح
و العذب فيه ، صيَّرناها مقاعد نلقي عليها ــ عندما يهبنا القمر بعضا من لياليه الآمنة
ــ ركاما من تأوهات أجسادنا …
يعتلي أحدنا قمة الصخرة .. يقرأ أسماء حملها البريد .. { ابننا البطل ــ { أنا ؟! }
ــ تقرؤك أُمك سلاما من أعماقها.. تقول لك أنها حملت وعاء نارها ، مع أرغفة لم تنضج بعد إلى { زُحل } .. وهي أيتها الأم الرائعة .. كم ردَّدتُ في حضرتك أني أحلم بقضاء متبقياتي من دوران الساعة على{ زُحل }..وها أنتي تسبقينني إليه ! …
قبل أن تفتح كتلة الحديد المتحركة شدقها لتلقي بي ، يضُّج في مؤخرة رأسي صوت :
{ فقط ، بعد أن تتلاشى حاملتنا أمام نظرك ، اخرج مخطط مهمتك …
على أرض محروقة التراب بسطت مستطيلا ورقيا .. سحبتني ــ قبل أن أدخل منحنيات خطوطه ــ حروف ملونة في أسفله : { خلال أي لحظة من الآن ، ستمر فوقك مروحية تلقي إليك احتياجاتك لتنفيذ مهمتك .. كن بمستوى ثقتنا بك …
تقطعت مفاصل النهار ، وما لاح لمروحية ظل .. إنداحت خطاي في متكاثف الليل ،
ولم يضُجَّ في سماء يحاورني بريق نجومها صوت .. يراودني مصباح في جيبي :
ــ أخرجني ، أضيء لك النياسم لتمضي .
ــ لكنك ستكشف موضعي .. و مَن يدري …
تذكرت ، وأنا أقاوم أذرع إخطبوط قلق تتسع رقعته في رأسي ، إحدى ألعاب طفولتنا … { هذه الخرقة وسخة ، كيف تضعونها على عينيّ } .. تنعدم أمامك الرؤية ، فتظل تضرب الهواء بذراع واحدة و ساق .. هذه قواعد
اللعبة .. لا يجوز لك أن تتحرك ، فأنت عقرب ، و العقرب لا
و رحت أدور في موضعي من الليل ..عشر خطىً إلى الأمام ، إلى اليسار دُر .. عشر خطىً إلى الأمام ، إلى السار دُر …
و كم تلهفت إلى أن أرى أثر خطاي على محروق التراب في الصباح …
و الصباح ينأى كقافلة يبتلعها أفق دامي .. و متاريس الليل تتراكم كالأوبئة .. و طنين جهنمي ينمو في رأسي .. ينسحب إلى كل عناصر الحياة في كياني .. فقاعات .. فقاعات ملونة يبتلع الصغير كبيرها .. تتضخم بينها واحدة .. تتدحرج نحوي عاكسة أضواء غارقة في أفق الشمس ..يتشكل على جدار الفقاعة وجه يضبب بعض شفافيتها
.. ترتسم على شفتي الوجه ابتسامة غامضة .. تدنو الفقاعة مني .. تلتصق بي .. تتحشرج أنفاسي .. ينفذ من خلال انبعاجات الفقاعة صوت :
ــ فتشتم جيوبه ؟
ــ أية جيوب .. كان شبه عارٍ وسط بركة دماء خثّرها التراب
ــ ما مدى إصابته ؟
ــ رصاصة واحدة في العنق .
ريسان جاسم عبد الكريم
كـركـوك
_________________
{ 1 } هذا القطع المفاجئ مقصود .. هو من تكنيك القصة
{ 2 } اسم اللعبة الشعبية { العجيرب حاس . } أي : العقرب تحرك .
* نقلا عن موقع الناقد العراقي