كان العرق البارد يملأ جبهتي العريضة، وجسدي يرتعش في جنون، والشاوش ببذلته الزرقاء الموشومة ينفث دخان سيجارته في الهواء، ويحتسي بين الفينة والأخرى الشاي بصوت مرنم مسموع، ثم يلتفت إلى«شاوش» آخر ليقول له:
أنت تعرف صنع الشاي إذن... لقد راق الرئيس كثيرا...
وتقدمت منه بخطاي البطيئة، وأنا ارتعش.. وابتسمت له ابتسامة واسعة سرعان ما اختفت، عندما، وجدته يحدق في حذائي «الكاوتشوك» الذي بدت من ثقبته أصبع الإبهام طليقة في الهواء، ثم رفع رأسه إلى وجهي منقلا عينيه القاسيتين عبر البذلة الكالحة، إلى أن استقر بهما أخيرا على ربطة العنق المتسخة التي كانت تتدلى في استرخاء.
وفتحت فمي لأتحدث، عندما رن الجرس قويا في الممر الطويل، فمرمى عقب السيجارة وهو يقف ثم توجه على مكتب قريب وضعت على بابه ورقة بيضاء مكتوب عليها بالخط العريض:«مكتب الرئيس» ثم نقر الباب مرة.. ودخل.
كنت ارتعش، وحبات العرق البارد تملأ جبهتي، ودعوة أمي يتردد صداها في مسمعي«الله ما يخيبك».
هل تراه يستجيب لها ؟
أرجو أن يفعل، أن يستجيب سريعا وينقذني من هذا الموقف الحرج الذي تأباه كبريائي أنا.
وعاد«الشاوش» ومد بقطعة فلوس من فئة خمسمائة فرنك إلى الشاوش الآخر صانع الشاي مخبرا إياه أن المدير يريد علبة سجائر«أمريكان» كالعادة، ثم توجه إلي بالسؤال : ماذا تريد؟
وفتحت فمي، ولكن الجرس عاد يرن مرة أخرى في قوة، وذهب الشاوش على المكتب ذي الورقة البيضاء المخطوطة... ونقر مرة على الباب.. ثم دخل.
ومرت بي في الممر الطويل فتاة جميلة، حاملة بضعة «كراريس» ثم سرعان ما استدارت إلي متسائلة : أنت؟
لعلها نسيت أسمي.. ولكنها لم تنس الجبهة العريضة والوجه الأسمر، والحذاء «الكاوتشوك» وربطة العنق المتسخة التي كانت مثار سخريتها دائما، حيث كانت تقدم لي أحيانا شيئا ملفوفا في ورق، افتحه لأجد به قطعة صابون وكلمة «أغسل به ربطة عنقك».
لعلها لم تنس كل ذلك، وهي تستدير إلي، ثم تقترب مني مبتسمة.. نفس الابتسامة الساخرة التي كانت تواجهني بها في القسم، كلما البت علي الأستاذ المفتون بها... وكلما طردني المراقب العام من المدرسة لأنني لا أدفع الواجب المدرسي في أوانه.
كانت تبتسم.. عندما سألتني في الممر الطويل: ماذا تفعل هنا؟
قلت: لا شيء.
فحدقت في ربطة العنق قائلة: غير معقول!؟
ولم اجب.. بينما استطردت هي: أنك ما تزال كما أنت دائما... لم بتغير فيك شيء.
وبحركة لا شعورية مددت يدي إلى عنقي اخفي «الربطة» المشؤومة، عندما أضافت: اقصد انك ما تزال محتفظا بكبريائك.
نعم اعرف أنك لا تعنين ربطة العنق هذه المرة، الربطة الكالحة التي لم تتغير قط فماذا تعنين إذن؟
كبريائي.. وهل ترك لي «الشاوش» شيئا اسمه الكبرياء؟ هل تركت لي الحاجة قليلا منها؟
أية حرب باردة هذه التي يعاملني بها «السيد» الشاوش، كأني به يريد أن يوفقني على «رجلي» فأتمسح به واستعطفه.. سأفعل ذلك، لأنني أريد من الله لا« يخيبني» وأنا اطرق باب العمل لأول مرة سأفعل.. اقسم أنني سأفعل.
وافقت من خواطري على صوتها قائلة: ماذا تعمل الآن؟
قلت: ما زلت طالبا.
ومدت لي يدها مودعة، وهي تحدق في «مركب النقص» عندي.. ربطة العنق.
ثم خرج «الشاوش» من مكتب المدير طلق المحيا، ولكنه سرعان ما غير سحنته عندما رآني وهو يصيح: أنت.. ماذا تريد هنا؟
وفتحت فمي: أريد مقابلة المدير.. يا...
وقاطعني بصوته المجلجل: المدير
قالها في استنكار، وهو يعبث من جديد بحذائي وربطة العنق... ثم أضاف: غير موجود.
ألف مرة موجود، ألم يشرب الشاي ويعلن لك من إعجابه، ألم تبعث «الشاوش» الذي أبطأ كثيرا- ليشتري علبة سجائر«أمريكان»؟؟ ثم تقول أنه غير موجود.
وبصوت مختنق، قلت وأنا أواجهه بنظراتي الحادة:
- أنه موجود.. أقسم لك.
- تكذبني إذن؟
ولم أجب، بينما أشعل لنفسه سيجارة راح ينفث دخانها في الهواء، واستدار إلي قائلا: أنه لن يقابلك أبدا.
كانت هذه الجملة خنجرا مسموما، جعلتني كالثور الذبيح الذي لا يرضى أن يموت قبل أن يعلن وجوده، ولو برفس الرجلين. ورفست أنا الآخر ببقية من كبرياء، وخرجت الكلمات متوالية: وهل أنت الرئيس؟ سأقابله؟ وسأبلغ بك، أنني أريده في شأن هام جدا.
ولم يظهر على الشاوش أي تأثير وهو يواجهني بنظراته الباردة، بينما سمعت في الممر الطويل حذاء يضرب الأرض في قوة وثقة، ويقترب منا، كانت هي.. جميلة، لتبتسم ابتسامتها الساخرة أبدا، وفي يديها الكراريس، ووقفت بيني وبين الشاوش، ثم قالت: مالكم؟
واحنيت راسي إلى الأرض، عندما اخبرها الشاوش إنني أريد مقابلة الرئيس، فقالت له: هل منعته كعادتك؟
وأجاب: الرئيس غير موجود، هذا هو كل شيء.
ووضعت الكراريس على الطاولة التي كانت قربنا، ثم تناولت ورقة صغيرة مدتها إلي قائلة: أكتب هنا، سأقوم أنا بعمل محمود.
وثار«محمود» لهذا التدخل في الاختصاصات، بينما أخرجت قلمي لأملا الورقة الصغيرة.
اسم الزائر: اسمي أنا؟ أي شيء هو هذا الاسم الحقير؟ أي إغراء فيه يدفع الناس لأن يعجبوا به أو يفكروا فيه؟ ما هي قيمته؟ عائلة غير معروفة...
ولا أنا معروف. ثم ... ما هو غرضي من الزيارة؟ أن أطلب عملا.
يجب أن لا تعرف الفتاة الجميلة هذا، فإنه قاس أن تحني راسك مرة أمام الناس الذين كنت معهم مرفوع الرأس دائما في السماء.
مع ذلك فقد ملأت الورقة، وأخذتها مني، ثم ذهبت إلى مكتب الرئيس ونقرت عليه.. ودخلت.
وعاودني الارتعاش الجنوني، وأخذت حبات العرق البارد تتجمع في جبهتي العريضة، ودعوة أمي تتردد في مسمعي :«الله ما يخيبك».
ثم خرجت الصديقة من مكتب الرئيس وقد اختفت الابتسامة من شفتيها، وقالت لي الرئيس مشغول.
وازدادت خفقات قلبي عنفا، بينما أصبحت لا اسمع شيئا دعوة أمي :« الله ما يخيبك».
ونقلت خطاي عبر الممر الطويل في سهوم، بينما كانت صديقتي تردد : الحقيقة أنه غير مشغول، ولكن ليس هناك أي مكان فارغ في الإدارة، لقد أخبرني الرئيس أنه لا يوجد لك عمل هنا، وصدقني إذا قلت لك أنني حاولت المستحيل معه، مع ذلك فإن لي كثير الأمل في إيجاد عمل لك هنا... في نفس الإدارة... ومع نفس الرئيس هل تعود في المساء؟
وأجبت : ولم أعود؟
قالت : أنني أريد أن تعود فسوف يوجد لك عمل في المساء، لابد أن يوجد، شكرتها ساهما، ثم خرجت إلى الشارع مخنوقا بالبكاء، وأنا أسمع دعوة أمي، وأرى أن الله قد «خيبني».
وفي المساء...
كان لابد لي أن أقتل الكبرياء الكاذبة، وان أعود إلى الإدارة لأجرب حظي مرة ثانية، وعدت، ووجدتها تنتظرني بابتسامتها الساخرة، ثم مدت إلى ورقة، وهي تقول : هذا هو العمل... لقد أوجدته لك أنا. وقرأت الورقة الصغيرة :«بناء على حديثي معك في التلفون... فحامل البطاقة مني أنا، هو الشاب الفقير الذي حدثتك عنه».
هو اسم آخر إذن... الذي سيراه الرئيس، وليس اسمي أنا.
كم أبدو تافها في بطاقة التوصية هذه «شاب فقير مسكين... أي عمل... شاوش مثلا، انه عديم القيمة، ولكنني أريد أن تجد له عملا»
ذاك اليوم، لماذا لم أصفع الصغيرة الجميلة، التي احتقرتني إلى ذلك الحد... لماذا لم أنشب فيها أظفاري وأقتل فيها الابتسامة الساخرة ؟
وذاك المساء أيضا، فتح لي باب الرئيس على مصراعيه لأدخل «بطاقة التوصية».
وكانت صديقتي تبتسم منتصرة على الرئيس، وساخرة من كبريائي.
وفي جنون مزقت «البطاقة» ورميتها في وجه الصديقة الساخرة... لقد كانت هناك بقية من كبريائي أنا...أنا الذي لا يملك اسما، مزقت البطاقة، ,أخذت أجري في الممر الطويل.
وفي المنزل الخرب... بالزقاق المنسي، سألتني أمي عن النتيجة، فأخبرتها أن الله «لم يخيبني» فلقد هيأ لي ممرا طويلا اجري فيه، وأصابع قوية تمزق بطاقات التوصية.
ــــــــــــــ
دعوة الحق، العدد 18
أنت تعرف صنع الشاي إذن... لقد راق الرئيس كثيرا...
وتقدمت منه بخطاي البطيئة، وأنا ارتعش.. وابتسمت له ابتسامة واسعة سرعان ما اختفت، عندما، وجدته يحدق في حذائي «الكاوتشوك» الذي بدت من ثقبته أصبع الإبهام طليقة في الهواء، ثم رفع رأسه إلى وجهي منقلا عينيه القاسيتين عبر البذلة الكالحة، إلى أن استقر بهما أخيرا على ربطة العنق المتسخة التي كانت تتدلى في استرخاء.
وفتحت فمي لأتحدث، عندما رن الجرس قويا في الممر الطويل، فمرمى عقب السيجارة وهو يقف ثم توجه على مكتب قريب وضعت على بابه ورقة بيضاء مكتوب عليها بالخط العريض:«مكتب الرئيس» ثم نقر الباب مرة.. ودخل.
كنت ارتعش، وحبات العرق البارد تملأ جبهتي، ودعوة أمي يتردد صداها في مسمعي«الله ما يخيبك».
هل تراه يستجيب لها ؟
أرجو أن يفعل، أن يستجيب سريعا وينقذني من هذا الموقف الحرج الذي تأباه كبريائي أنا.
وعاد«الشاوش» ومد بقطعة فلوس من فئة خمسمائة فرنك إلى الشاوش الآخر صانع الشاي مخبرا إياه أن المدير يريد علبة سجائر«أمريكان» كالعادة، ثم توجه إلي بالسؤال : ماذا تريد؟
وفتحت فمي، ولكن الجرس عاد يرن مرة أخرى في قوة، وذهب الشاوش على المكتب ذي الورقة البيضاء المخطوطة... ونقر مرة على الباب.. ثم دخل.
ومرت بي في الممر الطويل فتاة جميلة، حاملة بضعة «كراريس» ثم سرعان ما استدارت إلي متسائلة : أنت؟
لعلها نسيت أسمي.. ولكنها لم تنس الجبهة العريضة والوجه الأسمر، والحذاء «الكاوتشوك» وربطة العنق المتسخة التي كانت مثار سخريتها دائما، حيث كانت تقدم لي أحيانا شيئا ملفوفا في ورق، افتحه لأجد به قطعة صابون وكلمة «أغسل به ربطة عنقك».
لعلها لم تنس كل ذلك، وهي تستدير إلي، ثم تقترب مني مبتسمة.. نفس الابتسامة الساخرة التي كانت تواجهني بها في القسم، كلما البت علي الأستاذ المفتون بها... وكلما طردني المراقب العام من المدرسة لأنني لا أدفع الواجب المدرسي في أوانه.
كانت تبتسم.. عندما سألتني في الممر الطويل: ماذا تفعل هنا؟
قلت: لا شيء.
فحدقت في ربطة العنق قائلة: غير معقول!؟
ولم اجب.. بينما استطردت هي: أنك ما تزال كما أنت دائما... لم بتغير فيك شيء.
وبحركة لا شعورية مددت يدي إلى عنقي اخفي «الربطة» المشؤومة، عندما أضافت: اقصد انك ما تزال محتفظا بكبريائك.
نعم اعرف أنك لا تعنين ربطة العنق هذه المرة، الربطة الكالحة التي لم تتغير قط فماذا تعنين إذن؟
كبريائي.. وهل ترك لي «الشاوش» شيئا اسمه الكبرياء؟ هل تركت لي الحاجة قليلا منها؟
أية حرب باردة هذه التي يعاملني بها «السيد» الشاوش، كأني به يريد أن يوفقني على «رجلي» فأتمسح به واستعطفه.. سأفعل ذلك، لأنني أريد من الله لا« يخيبني» وأنا اطرق باب العمل لأول مرة سأفعل.. اقسم أنني سأفعل.
وافقت من خواطري على صوتها قائلة: ماذا تعمل الآن؟
قلت: ما زلت طالبا.
ومدت لي يدها مودعة، وهي تحدق في «مركب النقص» عندي.. ربطة العنق.
ثم خرج «الشاوش» من مكتب المدير طلق المحيا، ولكنه سرعان ما غير سحنته عندما رآني وهو يصيح: أنت.. ماذا تريد هنا؟
وفتحت فمي: أريد مقابلة المدير.. يا...
وقاطعني بصوته المجلجل: المدير
قالها في استنكار، وهو يعبث من جديد بحذائي وربطة العنق... ثم أضاف: غير موجود.
ألف مرة موجود، ألم يشرب الشاي ويعلن لك من إعجابه، ألم تبعث «الشاوش» الذي أبطأ كثيرا- ليشتري علبة سجائر«أمريكان»؟؟ ثم تقول أنه غير موجود.
وبصوت مختنق، قلت وأنا أواجهه بنظراتي الحادة:
- أنه موجود.. أقسم لك.
- تكذبني إذن؟
ولم أجب، بينما أشعل لنفسه سيجارة راح ينفث دخانها في الهواء، واستدار إلي قائلا: أنه لن يقابلك أبدا.
كانت هذه الجملة خنجرا مسموما، جعلتني كالثور الذبيح الذي لا يرضى أن يموت قبل أن يعلن وجوده، ولو برفس الرجلين. ورفست أنا الآخر ببقية من كبرياء، وخرجت الكلمات متوالية: وهل أنت الرئيس؟ سأقابله؟ وسأبلغ بك، أنني أريده في شأن هام جدا.
ولم يظهر على الشاوش أي تأثير وهو يواجهني بنظراته الباردة، بينما سمعت في الممر الطويل حذاء يضرب الأرض في قوة وثقة، ويقترب منا، كانت هي.. جميلة، لتبتسم ابتسامتها الساخرة أبدا، وفي يديها الكراريس، ووقفت بيني وبين الشاوش، ثم قالت: مالكم؟
واحنيت راسي إلى الأرض، عندما اخبرها الشاوش إنني أريد مقابلة الرئيس، فقالت له: هل منعته كعادتك؟
وأجاب: الرئيس غير موجود، هذا هو كل شيء.
ووضعت الكراريس على الطاولة التي كانت قربنا، ثم تناولت ورقة صغيرة مدتها إلي قائلة: أكتب هنا، سأقوم أنا بعمل محمود.
وثار«محمود» لهذا التدخل في الاختصاصات، بينما أخرجت قلمي لأملا الورقة الصغيرة.
اسم الزائر: اسمي أنا؟ أي شيء هو هذا الاسم الحقير؟ أي إغراء فيه يدفع الناس لأن يعجبوا به أو يفكروا فيه؟ ما هي قيمته؟ عائلة غير معروفة...
ولا أنا معروف. ثم ... ما هو غرضي من الزيارة؟ أن أطلب عملا.
يجب أن لا تعرف الفتاة الجميلة هذا، فإنه قاس أن تحني راسك مرة أمام الناس الذين كنت معهم مرفوع الرأس دائما في السماء.
مع ذلك فقد ملأت الورقة، وأخذتها مني، ثم ذهبت إلى مكتب الرئيس ونقرت عليه.. ودخلت.
وعاودني الارتعاش الجنوني، وأخذت حبات العرق البارد تتجمع في جبهتي العريضة، ودعوة أمي تتردد في مسمعي :«الله ما يخيبك».
ثم خرجت الصديقة من مكتب الرئيس وقد اختفت الابتسامة من شفتيها، وقالت لي الرئيس مشغول.
وازدادت خفقات قلبي عنفا، بينما أصبحت لا اسمع شيئا دعوة أمي :« الله ما يخيبك».
ونقلت خطاي عبر الممر الطويل في سهوم، بينما كانت صديقتي تردد : الحقيقة أنه غير مشغول، ولكن ليس هناك أي مكان فارغ في الإدارة، لقد أخبرني الرئيس أنه لا يوجد لك عمل هنا، وصدقني إذا قلت لك أنني حاولت المستحيل معه، مع ذلك فإن لي كثير الأمل في إيجاد عمل لك هنا... في نفس الإدارة... ومع نفس الرئيس هل تعود في المساء؟
وأجبت : ولم أعود؟
قالت : أنني أريد أن تعود فسوف يوجد لك عمل في المساء، لابد أن يوجد، شكرتها ساهما، ثم خرجت إلى الشارع مخنوقا بالبكاء، وأنا أسمع دعوة أمي، وأرى أن الله قد «خيبني».
وفي المساء...
كان لابد لي أن أقتل الكبرياء الكاذبة، وان أعود إلى الإدارة لأجرب حظي مرة ثانية، وعدت، ووجدتها تنتظرني بابتسامتها الساخرة، ثم مدت إلى ورقة، وهي تقول : هذا هو العمل... لقد أوجدته لك أنا. وقرأت الورقة الصغيرة :«بناء على حديثي معك في التلفون... فحامل البطاقة مني أنا، هو الشاب الفقير الذي حدثتك عنه».
هو اسم آخر إذن... الذي سيراه الرئيس، وليس اسمي أنا.
كم أبدو تافها في بطاقة التوصية هذه «شاب فقير مسكين... أي عمل... شاوش مثلا، انه عديم القيمة، ولكنني أريد أن تجد له عملا»
ذاك اليوم، لماذا لم أصفع الصغيرة الجميلة، التي احتقرتني إلى ذلك الحد... لماذا لم أنشب فيها أظفاري وأقتل فيها الابتسامة الساخرة ؟
وذاك المساء أيضا، فتح لي باب الرئيس على مصراعيه لأدخل «بطاقة التوصية».
وكانت صديقتي تبتسم منتصرة على الرئيس، وساخرة من كبريائي.
وفي جنون مزقت «البطاقة» ورميتها في وجه الصديقة الساخرة... لقد كانت هناك بقية من كبريائي أنا...أنا الذي لا يملك اسما، مزقت البطاقة، ,أخذت أجري في الممر الطويل.
وفي المنزل الخرب... بالزقاق المنسي، سألتني أمي عن النتيجة، فأخبرتها أن الله «لم يخيبني» فلقد هيأ لي ممرا طويلا اجري فيه، وأصابع قوية تمزق بطاقات التوصية.
ــــــــــــــ
دعوة الحق، العدد 18