في عام 1968 صدرت عن دار الكاتب العربي- هيئة الكتاب- مجموعة محمد حافظ رجب الشهيرة" الكرة ورأس الرجل"، وأثارت في حينه ضجة أدبية ونقدية خاصة القصة الأولى منها التي سميت المجموعة على اسمها. في القصة تتحول رأس الانسان إلي كرة قدم يلعبون بها. وقد كان ذلك التصور الكابوسي وليد نكسة 67 وكان أيضا احتجاجا على الأوضاع التي تتحول فيها الثقافة إلي لهو وتسلية مهدرة كل القيم الفكرية.
لم يكن محمد حافظ رجب، ولا غيره، يتخيل أن ماكان رؤية كابوسية سوف تصبح واقعا يتحقق بعد نصف قرن على يدي المجلس الأعلى للثقافة ورئيسه د. حاتم ربيع الذي أعلن عن أن المجلس سيطلق مسابقة "الدورى الثقافى المصرى" على نفس طريقة دوري كرة القدم! ومن المقرر: " أن يكون التحكيم مشتركًا بين النقاد من جهة وتصويت الجمهور من جهة أخرى"!! واعلان المجلس عن مسابقة للقصة القصيرة على ذلك النحو أمر مذهل، فلم يسبق لأحد في تاريخ الثقافة أن سمع أن مسابقة أدبية تدار على طريقة دوري كرة القدم، وأنه لهذا السبب سمي المشروع " الدوري الثقافي"! ومن المؤسف والمؤلم أن نوضح للوزير وللمسئولين الذين يختارهم الفروق بين ألعاب التسلية والثقافة وما تستدعيه تلك الفروق من مناهج مختلفة. ويتأكد الطابع التجاري لمشروع الدوري بإشراك الجماهير في التصويت والتحكيم الكترونيا.
أي جماهير تلك- ومعظمها ليس مؤهلا للحكم على الأدب- ستقرر مصير القصص الأفضل؟! وهل يمكن بهذه الطريقة اختيار العمل الأفضل؟أم أن الأمر سيكون مثل برامج" من يربح المليون"؟ على أي حال اختار المجلس أن ينتقل برؤوس البشر إلي الملاعب، حيث تتساوى الرأس وكرة القدم. في إطار المشروع ذاته يعلن حاتم ربيع أن المجلس سيقيم الدوري الثقافي بالاشتراك مع هيئة الكتاب ومع " بتانة للنشر" التي ساهمت على حد قوله بمبلغ كبير، هذا بينما تبلغ قيمة الجائزة الأولى خمسين ألف جنيه! فهل أصبح المجلس الأعلى فقيرا وتعسا هو ووزارة الثقافة إلي درجة أنه لا يستطيع توفير هذه المبالغ الهزيلة؟.
الحق أن مشروع الدوري الثقافي لا يثير إلا الشعور العميق بالأسف لعدة أسباب، أولا أن تنحدر المؤسسات الثقافية إلي هذه النظرة التجارية الرخيصة التي ترى في الثقافة تسلية ولهوا، بينما يقتضى وصول الثقافة إلي الجماهير العريضة اجراءات أخرى منها على الأقل فتح المكتبات ومنافذ توزيع الكتب في المدن والقرى البعيدة عن العاصمة.
الأمر الثاني الذي يدعو للأسف أنه لا الوزارة ولا المجلس بحاجة لمساهمة مالية من أي دار نشر خاصة، إلا إن كان ذلك جريا على سياسة خصخصة كل شيء بإشراك أطراف غير حكومية فيها، هذا ما يحدث حينما يعلنون عن بناء المدارس بشكل مشترك بين الحكومة والمستثمرين، وعن أن هناك مشروعا يعهدون بموجبه لشركة أجنبية بإدارة السكك الحديدية، وعن أن هناك مدارس وتعليما سيكون أشبه بالخاص لكن مدعوما. والواضح إذن أننا أمام خطوة أخرى على طريق خصخصة الثقافة بحيث ترفع الدولة يدها عن دعم الكتب والأدب والعلم.
لقد أكد حلمي النمنم وزير الثقافة في 10 يوليو أن الثقافة ليست مسئولية الوزارة وحدها ويجب أن تتضافر جهود جميع المؤسسات على ذلك الطريق. والنمنم محق، لكن عليه ألا ينسى أنه وحده- من دون أي تضافر – الذي يختار المسئولين ويرسم السياسة الثقافية للوزارة. أما عن الدوري الثقافي المعلن على طريق دوري كرة القدم فإنني أقترح توزيع فانلات بلون موحد على الكتاب المشاركين وصفافير للنقاد الحكام، وبهذا تكتسب الثقافة طابعا جماهيريا. وطالما أن المجلس الأعلى للثقافة قد وسع نشاطه وانتقل إلي كرة القدم فالأرجح أنه سيتقبل ملاحظاتي بروح رياضية!
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري
لم يكن محمد حافظ رجب، ولا غيره، يتخيل أن ماكان رؤية كابوسية سوف تصبح واقعا يتحقق بعد نصف قرن على يدي المجلس الأعلى للثقافة ورئيسه د. حاتم ربيع الذي أعلن عن أن المجلس سيطلق مسابقة "الدورى الثقافى المصرى" على نفس طريقة دوري كرة القدم! ومن المقرر: " أن يكون التحكيم مشتركًا بين النقاد من جهة وتصويت الجمهور من جهة أخرى"!! واعلان المجلس عن مسابقة للقصة القصيرة على ذلك النحو أمر مذهل، فلم يسبق لأحد في تاريخ الثقافة أن سمع أن مسابقة أدبية تدار على طريقة دوري كرة القدم، وأنه لهذا السبب سمي المشروع " الدوري الثقافي"! ومن المؤسف والمؤلم أن نوضح للوزير وللمسئولين الذين يختارهم الفروق بين ألعاب التسلية والثقافة وما تستدعيه تلك الفروق من مناهج مختلفة. ويتأكد الطابع التجاري لمشروع الدوري بإشراك الجماهير في التصويت والتحكيم الكترونيا.
أي جماهير تلك- ومعظمها ليس مؤهلا للحكم على الأدب- ستقرر مصير القصص الأفضل؟! وهل يمكن بهذه الطريقة اختيار العمل الأفضل؟أم أن الأمر سيكون مثل برامج" من يربح المليون"؟ على أي حال اختار المجلس أن ينتقل برؤوس البشر إلي الملاعب، حيث تتساوى الرأس وكرة القدم. في إطار المشروع ذاته يعلن حاتم ربيع أن المجلس سيقيم الدوري الثقافي بالاشتراك مع هيئة الكتاب ومع " بتانة للنشر" التي ساهمت على حد قوله بمبلغ كبير، هذا بينما تبلغ قيمة الجائزة الأولى خمسين ألف جنيه! فهل أصبح المجلس الأعلى فقيرا وتعسا هو ووزارة الثقافة إلي درجة أنه لا يستطيع توفير هذه المبالغ الهزيلة؟.
الحق أن مشروع الدوري الثقافي لا يثير إلا الشعور العميق بالأسف لعدة أسباب، أولا أن تنحدر المؤسسات الثقافية إلي هذه النظرة التجارية الرخيصة التي ترى في الثقافة تسلية ولهوا، بينما يقتضى وصول الثقافة إلي الجماهير العريضة اجراءات أخرى منها على الأقل فتح المكتبات ومنافذ توزيع الكتب في المدن والقرى البعيدة عن العاصمة.
الأمر الثاني الذي يدعو للأسف أنه لا الوزارة ولا المجلس بحاجة لمساهمة مالية من أي دار نشر خاصة، إلا إن كان ذلك جريا على سياسة خصخصة كل شيء بإشراك أطراف غير حكومية فيها، هذا ما يحدث حينما يعلنون عن بناء المدارس بشكل مشترك بين الحكومة والمستثمرين، وعن أن هناك مشروعا يعهدون بموجبه لشركة أجنبية بإدارة السكك الحديدية، وعن أن هناك مدارس وتعليما سيكون أشبه بالخاص لكن مدعوما. والواضح إذن أننا أمام خطوة أخرى على طريق خصخصة الثقافة بحيث ترفع الدولة يدها عن دعم الكتب والأدب والعلم.
لقد أكد حلمي النمنم وزير الثقافة في 10 يوليو أن الثقافة ليست مسئولية الوزارة وحدها ويجب أن تتضافر جهود جميع المؤسسات على ذلك الطريق. والنمنم محق، لكن عليه ألا ينسى أنه وحده- من دون أي تضافر – الذي يختار المسئولين ويرسم السياسة الثقافية للوزارة. أما عن الدوري الثقافي المعلن على طريق دوري كرة القدم فإنني أقترح توزيع فانلات بلون موحد على الكتاب المشاركين وصفافير للنقاد الحكام، وبهذا تكتسب الثقافة طابعا جماهيريا. وطالما أن المجلس الأعلى للثقافة قد وسع نشاطه وانتقل إلي كرة القدم فالأرجح أنه سيتقبل ملاحظاتي بروح رياضية!
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري