أنا أحب عمي، فهو الذي تبنانا أنا وأختي بعد موت أبوينا. عمي اسمه “السيد الكريم” وهو رجل طيب وقور يشتغل “وزيرا للاقتصاد”. وهو حقا كريم النفس مع رجال الأعمال وأصحاب البنوك والعمال طبعا. لا يرقد إلى النوم قبل أن يطمئن على البورصة ومجريات الأزمة الاقتصادية.
بلادنا غنية وقوية ومتطورة. سماؤنا صافية بزرقة فضية مزينة بخطوط دخان ترسمها طائرات حربية تحمينا من الأعداء. طيورنا تطوف بين أشجار سامقة ومداخن مصانع ومراكز نووية. أهل بلدتنا، مثل جميع بلدات الوطن، يتنزهون فرحين عند ضفاف بحيرة متوهجة بزرقة فضية تحت شمس ربيع أخضر زاه بعد عتمة شتاء قارس. نلعب ونسبح ونأكل في حدائق وباحات مطاعم.
عمي “السيد الكريم” معروف بقدرته على إقناع الدول الفقيرة بإعطائنا منتجاتهم الزراعية وموادهم الخام لقاء مساعدتهم في تطوير جيوشهم وشرطتهم، وتزويدهم بأحدث أجهزة التنصت والرقابة والسيطرة من أجل استتاب الأمن والازدهار والمحبة بين الناس والشعوب. من دلائل حرص عمي على سلامة الطبقة العاملة في بلادنا، أنه يعمل على تصدير الأسلحة ولو بصورة غير علنية ورسمية من أجل حسن سير المصانع وتجنب العطالة؛ لهذا يحبه الجميع، أغنياء وفقراء، وينادونه مباشرة باسمه الشخصي “الكريم”.
***
في ذلك الصباح الربيعي المشمس كنت جالسا مع أختي وعمي وزوجته “السيدة المحبوبة” التي هي بمثابة أمي، ونناديها بـ “عمتي”. نتسامر في حديقة قصرنا المطل على البحيرة، نداعب كلبنا yorkshire الأبيض. عمتي معروفة في البلد كله بجمالها الباهر وحرصها على جمع المساعدات للمؤسسات الخيرية من خلال عروض الأزياء التي تنظمها لأغنى أغنياء العالم. خاطبت عمي بصوتها الرقيق وهي تداعب رأس أختي وتتأمل بحنان ومتعة ثعباننا الأفريقي المتراقص في قفصه الزجاجي:
ـ يا وزيري الحبيب، اسمح لي أن أتقدم لك بشكوى أتمنى أن لا أزعجك بها. ألا تتفق معي أنه من الظلم أننا لا نمتلك غير شقة كبيرة في المدينة، وبيت في الريف الجبلي، وقصر عند ضفاف البحيرة، ومقام في مزرعة السهل، وسفينة، وطائرة خاصة، وسبع سيارات..؟!
ارتسمت على وجه عمي ابتسامته الساحرة المعروفة التي يحبها الشعب، وقال بصوته الوقور الحنون:
ـ ما تكلمت إلا الحق يا زوجتي العزيزة.. لا أدري كيف غابت عني هذه القضية. عذرا إنها مشاغل الوطن وحرصي على الناس.
بعد لحظات صمت وتفكير وهو ينثر البذور لعصافير حب تتراقص حولنا، قال:
ـ وجدت الحل يا عزيزتي، سأتصل بصديقي المليونير “السيد الإنساني” لكي يتدبر لنا الأمر.
قام واتصل بصديقه العزيز وهو صاحب مصانع أسلحة. شكا له الحال ببضعة كلمات وبوضوح. ضحك “المليونير الإنساني”، وقال بصوته المرح:
ـ طلبك على العين والرأس يا وزيري العزيز. لكن أرجوك اطلب من حكومتنا العزيزة أن تعمل لنا حربا هنا أو انقلابا هناك، في أي من هذه القارات التعبانة التي لا تكل عن طلب مساعدتنا ولا تتعب نفسها بالتفكير لحظة بكيفية تدبير أمورنا. المهم يا صديقي أن تخلصونا ولو مؤقتا من هذا السلام المقرف الذي يعمل لنا الكساد.
في مثل هذه الأمور الجادة والاستثنائية فإن عمي “الكريم” يحرص على إشراك عمتي وأخذ رأيها. وبعد مداولات اتفقا على أن تقوم هي بمفاتحة صديقتها الحميمة ” السيدة الزاهدة”، وهي زوجة صديقنا الطيب “السيد المسالم” الذي يشتغل “وزيرا للدفاع″. وهو ذو سمعة عالمية وحائز على جائزة “نوبل للمحبة”. إذ إنه في جميع الحروب التي أشرف عليها، ظل دائما يوصي جنوده أن لا يكثروا من القنابل التي تبيد عشرات الآلاف، بل القنابل الأقل التي لا تبيد الواحدة منها غير الآلاف. ويذكّرهم دائما أن يرحموا المدنيين ويعطفوا على الأسرى، وأن ينظفوا بسرعة واتقان أية منطقة يحتلونها من آثار الدمار والدماء وجثث الأعداء. ومن علامات إنسانيته أنه يفضل القضاء على الجيوش العدوة والمناطق المتمردة من خلال القصف الجوي النظيف والحضاري بدلا من المواجهات البرية المكلفة والوحشية.
***
هكذا مضت أمورنا كالعادة بسلام ومحبة. حصلت عمتي “السيدة المحبوبة” على قصر جديد في جزيرة يونانية. وحصل صديقنا المليونير “السيد الإنساني” على حرب مكلفة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط. أما زوجته صديقتنا “السيدة الزاهدة” فإن زهدها منعها من طلب أي مقابل، إذ يكفيها أن زوجها وزير الدفاع المسالم، وجد حربا تسليه وتشغله عنها لعدة أشهر وربما لسنوات طويلة. ويمكنها ان تتفرغ هي لرياضة اليوغا والدفاع عن القطط السائبة في البلدان الفقيرة.
جنيف
بلادنا غنية وقوية ومتطورة. سماؤنا صافية بزرقة فضية مزينة بخطوط دخان ترسمها طائرات حربية تحمينا من الأعداء. طيورنا تطوف بين أشجار سامقة ومداخن مصانع ومراكز نووية. أهل بلدتنا، مثل جميع بلدات الوطن، يتنزهون فرحين عند ضفاف بحيرة متوهجة بزرقة فضية تحت شمس ربيع أخضر زاه بعد عتمة شتاء قارس. نلعب ونسبح ونأكل في حدائق وباحات مطاعم.
عمي “السيد الكريم” معروف بقدرته على إقناع الدول الفقيرة بإعطائنا منتجاتهم الزراعية وموادهم الخام لقاء مساعدتهم في تطوير جيوشهم وشرطتهم، وتزويدهم بأحدث أجهزة التنصت والرقابة والسيطرة من أجل استتاب الأمن والازدهار والمحبة بين الناس والشعوب. من دلائل حرص عمي على سلامة الطبقة العاملة في بلادنا، أنه يعمل على تصدير الأسلحة ولو بصورة غير علنية ورسمية من أجل حسن سير المصانع وتجنب العطالة؛ لهذا يحبه الجميع، أغنياء وفقراء، وينادونه مباشرة باسمه الشخصي “الكريم”.
***
في ذلك الصباح الربيعي المشمس كنت جالسا مع أختي وعمي وزوجته “السيدة المحبوبة” التي هي بمثابة أمي، ونناديها بـ “عمتي”. نتسامر في حديقة قصرنا المطل على البحيرة، نداعب كلبنا yorkshire الأبيض. عمتي معروفة في البلد كله بجمالها الباهر وحرصها على جمع المساعدات للمؤسسات الخيرية من خلال عروض الأزياء التي تنظمها لأغنى أغنياء العالم. خاطبت عمي بصوتها الرقيق وهي تداعب رأس أختي وتتأمل بحنان ومتعة ثعباننا الأفريقي المتراقص في قفصه الزجاجي:
ـ يا وزيري الحبيب، اسمح لي أن أتقدم لك بشكوى أتمنى أن لا أزعجك بها. ألا تتفق معي أنه من الظلم أننا لا نمتلك غير شقة كبيرة في المدينة، وبيت في الريف الجبلي، وقصر عند ضفاف البحيرة، ومقام في مزرعة السهل، وسفينة، وطائرة خاصة، وسبع سيارات..؟!
ارتسمت على وجه عمي ابتسامته الساحرة المعروفة التي يحبها الشعب، وقال بصوته الوقور الحنون:
ـ ما تكلمت إلا الحق يا زوجتي العزيزة.. لا أدري كيف غابت عني هذه القضية. عذرا إنها مشاغل الوطن وحرصي على الناس.
بعد لحظات صمت وتفكير وهو ينثر البذور لعصافير حب تتراقص حولنا، قال:
ـ وجدت الحل يا عزيزتي، سأتصل بصديقي المليونير “السيد الإنساني” لكي يتدبر لنا الأمر.
قام واتصل بصديقه العزيز وهو صاحب مصانع أسلحة. شكا له الحال ببضعة كلمات وبوضوح. ضحك “المليونير الإنساني”، وقال بصوته المرح:
ـ طلبك على العين والرأس يا وزيري العزيز. لكن أرجوك اطلب من حكومتنا العزيزة أن تعمل لنا حربا هنا أو انقلابا هناك، في أي من هذه القارات التعبانة التي لا تكل عن طلب مساعدتنا ولا تتعب نفسها بالتفكير لحظة بكيفية تدبير أمورنا. المهم يا صديقي أن تخلصونا ولو مؤقتا من هذا السلام المقرف الذي يعمل لنا الكساد.
في مثل هذه الأمور الجادة والاستثنائية فإن عمي “الكريم” يحرص على إشراك عمتي وأخذ رأيها. وبعد مداولات اتفقا على أن تقوم هي بمفاتحة صديقتها الحميمة ” السيدة الزاهدة”، وهي زوجة صديقنا الطيب “السيد المسالم” الذي يشتغل “وزيرا للدفاع″. وهو ذو سمعة عالمية وحائز على جائزة “نوبل للمحبة”. إذ إنه في جميع الحروب التي أشرف عليها، ظل دائما يوصي جنوده أن لا يكثروا من القنابل التي تبيد عشرات الآلاف، بل القنابل الأقل التي لا تبيد الواحدة منها غير الآلاف. ويذكّرهم دائما أن يرحموا المدنيين ويعطفوا على الأسرى، وأن ينظفوا بسرعة واتقان أية منطقة يحتلونها من آثار الدمار والدماء وجثث الأعداء. ومن علامات إنسانيته أنه يفضل القضاء على الجيوش العدوة والمناطق المتمردة من خلال القصف الجوي النظيف والحضاري بدلا من المواجهات البرية المكلفة والوحشية.
***
هكذا مضت أمورنا كالعادة بسلام ومحبة. حصلت عمتي “السيدة المحبوبة” على قصر جديد في جزيرة يونانية. وحصل صديقنا المليونير “السيد الإنساني” على حرب مكلفة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط. أما زوجته صديقتنا “السيدة الزاهدة” فإن زهدها منعها من طلب أي مقابل، إذ يكفيها أن زوجها وزير الدفاع المسالم، وجد حربا تسليه وتشغله عنها لعدة أشهر وربما لسنوات طويلة. ويمكنها ان تتفرغ هي لرياضة اليوغا والدفاع عن القطط السائبة في البلدان الفقيرة.
جنيف