روجيه غريب - العاصفة.. شعر

السحابةُ الأولى:

وطنٌ مهدمٌ

أحملُ أَحجارَهُ على محملِ الجدِّ لِأُعمِّرَهُ
أتجاهلُ غَصّةَ الورى في حلقي
لِأَجِدَ تفاصيلَ البلادِ من الذاكرةِ
أتدثرُ بنصائحِ الأجدادِ المُنافقين
وهُمْ يُبْعَثونَ في أجسادِ أَبنائِهِمْ
باستهزاءٍ ينظرونَ إلينا جُثَثاً هائمةً على سطحِ الموتِ
أتابعُ اِخلاصي بجدٍ
إلى أنْ أَفنى
*** *** ***
وطنٌ ساقطٌ

يُعزّي نفسَهُ الفتياتِ اللاتي يُقلِّمْنَ مُغلفاتِ الكُتُبِ
كالأظافرِ
يطلبُ مِنْهُنَّ البقاءَ على قيدِ الوعيِّ
يضيعُ في أفراجِهِنَّ
ثُمَّ يولدُ من البعيدِ
*** *** ***
وطنٌ ثملٌ

يضربُ الكأسَ بالكأسِ برفقةِ الحظِّ
يلهثُ بحثاً عن مكبِّ قاذوراتِ التاريخِ
ليتقيأَ الموتى
والحكامَ.
*** *** ***
وطنٌ ظمآنٌ

ينفُضُ عن نفسِه عانةَ البدويِّ
يأبى أن يرتوي من واحات الجهل في الصحراء
يلهث و فَمَهُ تَجُفَّهُ الحربَ:
" ثوروا .. ثوروا
لنا قيامةٌ ثانيةٌ عقبَ انتهاء الحربِ"
*** *** ***
وطنٌ مهجورٌ

تسكنُهُ أشباحٌ منافقةٌ
تستيقظُ مِثلنا
عندَ بزوغِ الكذبِ
ولا تُبكي ولا تُخيف
فقط لا تموتُ و تأبى أنْ تقتُلَنا
*** *** ***
وطنٌ مشتّتٌ

التهكمُ صفةُ كلِّ حقيقيٍّ
كالواقعِ ينظرُ بسخريةٍ إلينا
ويبعثرُ دعاباتَه على حدودِ الأشياءِ
البؤسُ بدايةٌ ونهايةٌ منطقيةٌ للوجودِ
المبرراتُ, الأهدافُ
فقدتْ معانيها
هناكَ وطنٌ مشتتٌ
لا يرانا
نندهُ إليهِ لنطعنهُ بلا رحمةٍ فينا
ولا يموتُ
ولا يعيشْ..!
*** *** ***
وطنٌ قذرٌ

لا ننظفُهُ بصفحاتِ الكُتُبِ
يبولُ علينا
حرباً جديدةً
*** *** ***
السحابة الثانية:

اغتصابٌ منمقٌ
الرصيفُ منخفضٌ جداً
والأبنيةُ عاليةٌ أكثرَ من اللازمِ
أتذكرُ أحوالَنا الاجتماعيةِ
ثُمَّ أتمددُ على الطرقاتِ
*** *** ***
اغتصابٌ مفروضٌ

أثداءُ نساءِ الكوكبِ تكفيْ لإرضاعِ الأرضِ البورِ
عويلُ الجوعِ كابوسٌ في رأسي
أردِّدَهُ قبلَ النّومِ
ثُمَّ أتضورُ جوعاً
*** *** ***
اغتصابٌ علنيٌّ

ملامحُ وجهي بِلا سببٍ رُسمَتْ
عيوبي الصغيرةُ توجِعُني
شامَتيْ دوامةٌ تَعرِضُ سيرتي الذاتيةَ
هي تفاصيلي أقبحَ من الحقيقةِ بقليلٍ
أكرهُ جميعَ الألوانِ
أفضلُ الإصغاءَ للفراغِ
لأكتبَ مطلعَ قصيدتي الأخيرة
" دعونا ننجو
قبلَ أنْ تفيضَ بِنا خطايانا"
*** *** ***
اغتصابٌ مخمورٌ

يتمايلُ وجودُنا فينا على أرصفةِ الأحلامِ
يَرْكيْ اشتياقه للموت على كتفِ الآمالِ
يقول وقد أثقله السكر:
" أن تفتقد حياتنا معنىً.. أي أن ننتحرَ
أن نكونَ صادقينْ.. "
*** *** ***
اغتصابٌ أمميٌّ

في نهايةِ الأيامِ
تجتمعُ الشياطينُ و الأباليسُ
بأخيرِ الآلهةِ و الرُسُلِ
يفنونَ بعضَهُمْ
وأبقى أنا وحيداً.
*** *** ***
السحابة الثالثة:

انفصامٌ أولٌ:

أخرجُ مِنَ القُمْقُمِ
وأشهقُ للمرةِ الأولى
يضعونني في إحدى الحيواتِ المُصَندَقةِ
ثم يصيحُ أحدَهم "يلي بعدو"
*** *** ***
انفصامٌ عبثيٌّ:

يحدثُ ما يحدثُ خارجاً
أنا أختبأُ بأمانٍ
أرسمُ بحبري درعاً يحميني من الزوالِ
الهدنةُ المطبقةُ في النزاعِ الداخليِّ
على قراري ساريةُ المفعولِ
أنا أكثرُ حكمةً الآنَ
أنا أعيشُ الحياةَ
أنا لا آخذُها على محملِ الجدِّ
*** *** ***
انفصامٌ واقعيٌّ:

سيصيرُ ما يصيرُ في المكانِ
الوقتُ مراوغٌ
هيَ الاحتمالاتُ لعبةُ نردٍ
تربحُها دائماً
إنْ فرحتَ هو الحظُّ
وإنْ حزنتَ هو القدرُ
كلٌّ مِنَّا يُعبِّدُ بأيامِه
طريقَهُ الوحيدَ
يحفرُ قبراً في نهايتِه
ليموتَ فيهِ
*** *** ***
انفصامٌ مُهملٌ:

تركتُ وجودي منشغلاً بجثتِكِ
يتحسسُ خدّيكِ
ويصرخُ : " كونيْ كونيْ "
كلُّهُ عبثٌ..
و رحلتُ
فالوجودُ لا يحتاجُ لهزّةِ رمشٍ
لكنْ لِكيْ تكونَ رُبّما تحتاجُ أربعةَ نواقيسٍ
و خُصلتين من الشّعرِ
و الكثيرُ من التناقضِ
*** *** ***
انفصامٌ فضوليٌّ

وعيي باِكتشافِ الحيواتِ
والحقائقِ
يقتربُ إليَّ
أراهُ الآنَ بوضوحٍ
كُتِبَ في أعلاه:
"أنا لا أعرفُ شيئاً"
*** *** ***
السحابة الرابعة

قيامةٌ مشروعةٌ

أنْ تحيا على قيدِ الموتِ
تأتيكَ سلسلةً خلفها قيدٌ و لا جدوى
وعيُكَ قيامةٌ ثانيةٌ
والمصيرُ قبرٌ
نحنُ للزمنِ محطةٌ مُهمَلةٌ
نحنُ دميةٌ تتطفلُ على المكانِ
فسلامٌ لنا على كوكبِ الضّياعِ
طوبى لقيامةٍ مشروعةٌ للكونِ
مدفوعةُ الشعرِ
و العدمْ.
*** *** ***
قيامةٌ شعبيةٌ

أنْ تَفنى أنتَ و ليلُكَ و حلمُكَ
وعائلتُكَ وبلدُكَ
أنْ تفنَوا كظلامٍ ينحسرُ من نافذةٍ في سجنٍ قديمٍ
ليكونَ الأملَ ضوءاً اِسطوانياً مائلاً
يدخلُ أرواحَنا الخائفةَ
يقضمُ السّجانَ أحلامَ اليقظةِ بخطواتِهِ طبلاً يُسْمِعُنا وَقْعَ آمالٍ سابقةٍ
وهي تَحتضرُ
خوفٌ مزروعٌ في زوايا الذاكرةِ
حنينٌ إلى حبٍّ
أو ألمٍ.
*** *** ***
قيامةٌ كبرى

بحجمِ كلِّ شيءٍ و كل الّلا شيءِ
وكلِّ المشاعرِ التي فاضَ بِها قلبي
على أيامِكِ
وكنتِ صحراءَ الجحيمِ
إلى جهنمَ و بِئسَ المصيرِ
قيامةٌ كبرى في أحشائي
المرضُ شُخِّصَ: "وجعُ الوجودِ"
و الأعراضُ حنينٌ أبديٌّ أليمٌ
وسعالٌ في الذاكرةِ
طفحٌ قلبيٌّ صغيرٌ بشكلِ قصائدٍ سُمْرٍ.
وأخيراً موتٌ ناعمٌ في خلايا الذاكرةِ
و وداعْ.
*** *** ***
قيامةٌ ميتةٌ

تناقضٌ مِثْلي
ينتقدَني
هنا أولدُ و يورثوني الألمَ
يورثوني الصمتَ
يطعنوني بوجودي
وما الذّنبْ؟!!
*** *** ***
السحابةُ الخامسةٌ

انتحارٌ علنيٌّ

كُلُها باهتةٌ
العدمُ صافي
كقلبِ الأمِّ
لا يلونُ نَفسَهُ بالشيءِ
ولا بالزمنِ
كيْ لا يصادفَ اللا جدوى .
*** *** ***
انتحار الوقت

غياب الوقت
تحدي للموجودات باستقلاليتها
إذا افترضنا في لحظة غاب الزمان
فبأي مقياس أقيس منطقي
جنون كهذه الأفكار تراود كل الأصحاء ..
*** *** ***
انتحار مفروض

عن الظروف القاهرة و الحل المتاح
يميلون عليك حتى يسقطوك بذنوبهم
يقترفون باسمك كل معاصيهم
يذلونك و يشلعون كيانك منك
يبعثرون تاريخك الإنساني
ثم ينصبوك : "مواطنا"
_الكاهن الحقيقي للمواطن المعاصر هو الشاعر
*** *** ***
انتحار الوجود

الوله الصادق هو انقضاء الوجود عن نفسه للحبيب
هو رسيس الليل للظلام صفةً و قالباً
فتونٌ على نفس الايقاع
الوجود له نقاط ضعف أخرى : كسلام داخلي عنيف
يخرجه من نفسه ليصبح عبدا للوجود أينما وُجِدْ
أو قديساً
قيل " الوجود مقدس
وأنتم أصدقائي آلهة "
*** *** ***
سباق انتحار
من وإلى الليل
نعود عبيداً
من و إلى التراب
نعود رفع عتب
من وإلى الله
نحتار
من نفسك ابدأ
وإلى نفسك عُدْ
*** *** ***
السحابة السادسة

فريسة رخيصة

في كل مفصل من التاريخ تطالب الشعوب بالمزيد
_حقيقة:
كشعوب ..على مائدة الحقيقة
ليس لنا طبق.
*** *** ***
فريسة بلهاء

في حديثنا عن غباء الفرائس
تخيل شعبا لا يفتح الأعين بالفطرة
أو أمة لها ذيل لا ينقطع
يبث الخرافات في كيانها
ركام و دمار و دخان
صخب وهرع
صكيك أسنان
ألم عظيم
هوية مختبئة في حذاء
عجب عجب .. وطن عجب
*** *** ***
فريسة بلا مفترس

الجميع يتبنى مفهوم الضحية
الضحية المجهولة كمستقبل وطن ضائع بلا مُرشِدٍ
الواقع يختبر بطقوسه فرائسه و ضحاياه
لا ضحايا على هذه الأرض
كلنا سفلة
*** *** ***
الوقت كفريسة

آلام قليلة تفصلني عن موعد لقائي بذاتي
علمني الأمل:
"صنبور الحقيقة لا يُغلق"
حيرتي بتفهم العناوين الرئيسية في واقعي
غير مُدركة
كرسول أخطأ الوجهة
أحيك الأكاذيب
أشير إلى تفاصيل يومي مستهجنا
أنا أقبح من ذلك بقليل
أسير إليّ
رافعا العتب و اللوم
قدرتي على صنع الأوهام تزداد
ليست كل الكلمات معرفة
فبعض العبارات قبر
وبعض النصوص مجزرة
والكثير من الكتب هاوية
سنواتي قليلة كي أعرف لكن سأحاول
لا وجع ينخر فضولي
سوى الوقت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى