[إلى غار الملح: مدينة القلاع]
كُنْتُ مُفْتَتِنًا بِالقِلاَعِ..
ثَلاَثُ قِلاَعٍ تُراقِبُني في صَبَاحَاتِ أفرِيلَ..
تُلْقي علَيَّ التَّحِيَّةَ مزهُوَّةً..
وتَمُدُّ أصابعَها كَيْ تُصافِحَني؛
وتُعانِقَ أَجْنِحَتي،
وَهْيَ تَكبرُ شيئًا فشيئَا،
وتَرْتَادُ بِي زَمَنًا غابِرًا لا يُسَمَّى..
○☆○
(القِلاَعُ
تُقيمُ، كذلِكَ، في رُقْعَةِ الشَّطَرَنْجِ،
وقَدْ صِرْتُ أعشقُها، لُعبةً من مجازٍ..
قلاعٌ أُحرِّكُها في مَسَاراتِها المستقيمَةِ،
مُنتصِرًا في معارِكَ صُغْرَى.. الْخَسَارَةُ
والرِّبْحُ صِنْوانِ -أعرفُ- لكنَّهَا...
لعبةٌ للتَّداوي من اليَأْسِ أيضًا،
ومِنْ شَلَلٍ فادِحٍ في الخيَالِ..!
الْقِلاَعُ على رقعَةِ الشَّطَرَنْجِ
أشدُّ ثباتًا،
وغيرُ القلاعِ الَّتِي في طَرِيقي...!)
○☆○
ومَرْسًى قَديمٌ يُجاوِرُ بيتِيَ
(بيتي الَّذي اغْتَالَهُ الإخوَةُ الطَّيِّبُونَ،
تمامًا كإخوةِ يوسُفَ..!)
مرسًى من الحجَرِ الصُّلْبِ..
أسوارُهُ شهقةٌ في الأعالي..
وأقواسُهُ وَطَنٌ لطيورِ البحَارِ..
يحدِّثني عن سفائِنَ عملاقةٍ
دخلتهُ قديمًا..
يُهَيِّئُ لي فرصةً للرَّحيلِ إلى اللاَّمَكَان..
☆○☆
وأعترِفُ الآنَ،
أنِّي خَسِرْتُ رِهانَ الكِتَابَةِ
عَنْ قَلْعَتي..!!!
○☆○
في البِدَايَةِ،
حاولتُ أنْ أسكُنَ القلعةَ الحَجَريَّةَ..
أنْ أتحسَّسَ صَخْرَ المكانِ،
وأُصْغي إلى رُوحِهِ تتنفَّسُ، كامنَةً..
طارَ قلبي،
وقد شِمْتُ فجرَ الحكايةِ
نقشًا بليغَ الدَّلالَةِ،
فوقَ رخامِ السَّواري..
وفكَّرْتُ أَنْ أكتبَ الصَّمْتَ
والصَّوْتَ والمَوْتَ..
حاولتُ مرتَعِشًا،
أن أدوِّنَ أشواقَها وجراحاتِها..
(فالأماكنُ تمتصُّ أصواتَ من سكنُوها..
الأماكنُ تَشربُ أعمارَنا،
إِذْ نعيشُ بها...!!!)
○☆○
دَخَلْتُ مِرَارًا
إِلَى مَا يُسَمَّى مَجَازًا ب"عُنْقِ الْجَمَلْ" (*)
وتوغَّلْتُ في الظُّلْمَةِ اللَّولبيَّةِ،
أحملُ قنديلَ جدِّي معي
(كانَ قنديلَ زَيْتٍ شَحيحَ الضّياءِ،
ولكنَّهُ طارِدٌ للعَفارِيتِ...!)
قُلْتُ: ألامسُ رُوحَ الضَّحيَّةِ في جَوْفِهِ
تَتَطايَرُ، رَفْرَفَةً.. وأحاوِلُ
أن أستشفَّ دمًا غامضًا
أو بَقَايَا دَمٍ في جِدَارِ المَكَان..
○☆○
في طَرِيقي إلى فِكْرَتي،
لَمْ أجدْ غيرَ نفسي..
تَعثَّرْتُ بي، هَهُنا وهناكَ..
سَقطتُ شهيدَ الرُّؤَى...!
وخرجتُ،
وروحي مبلَّلَةٌ بالحكَاياتِ..
لكنَّني (...)
ما اسْتَطَعْتُ كِتَابَتَها...!!!
_______________________________
(*) زنزانة أفعوانيّة الشّكل، داخل القلعة "اللّوطانيّة": قلعة سيّدي عليّ المكّي بمدينة "غار الملح" التّونسيّة.. سَجَن فيها المستعمرُ الفرنسيُّ المجاهدين؛ وكذا الشّأن بالنّسبة إلى الطّور البورقيبيّ، حيث اتّخذها الزّعيمُ الأوحدُ الحبيب بورقيبة "كَرَّاكَةً" وحشرَ فيها خصومَهُ السّياسيّين..
شعر/ المكّي الهمّامي.
تونس- بنزرت/ 2 نوفمبر 2018.
كُنْتُ مُفْتَتِنًا بِالقِلاَعِ..
ثَلاَثُ قِلاَعٍ تُراقِبُني في صَبَاحَاتِ أفرِيلَ..
تُلْقي علَيَّ التَّحِيَّةَ مزهُوَّةً..
وتَمُدُّ أصابعَها كَيْ تُصافِحَني؛
وتُعانِقَ أَجْنِحَتي،
وَهْيَ تَكبرُ شيئًا فشيئَا،
وتَرْتَادُ بِي زَمَنًا غابِرًا لا يُسَمَّى..
○☆○
(القِلاَعُ
تُقيمُ، كذلِكَ، في رُقْعَةِ الشَّطَرَنْجِ،
وقَدْ صِرْتُ أعشقُها، لُعبةً من مجازٍ..
قلاعٌ أُحرِّكُها في مَسَاراتِها المستقيمَةِ،
مُنتصِرًا في معارِكَ صُغْرَى.. الْخَسَارَةُ
والرِّبْحُ صِنْوانِ -أعرفُ- لكنَّهَا...
لعبةٌ للتَّداوي من اليَأْسِ أيضًا،
ومِنْ شَلَلٍ فادِحٍ في الخيَالِ..!
الْقِلاَعُ على رقعَةِ الشَّطَرَنْجِ
أشدُّ ثباتًا،
وغيرُ القلاعِ الَّتِي في طَرِيقي...!)
○☆○
ومَرْسًى قَديمٌ يُجاوِرُ بيتِيَ
(بيتي الَّذي اغْتَالَهُ الإخوَةُ الطَّيِّبُونَ،
تمامًا كإخوةِ يوسُفَ..!)
مرسًى من الحجَرِ الصُّلْبِ..
أسوارُهُ شهقةٌ في الأعالي..
وأقواسُهُ وَطَنٌ لطيورِ البحَارِ..
يحدِّثني عن سفائِنَ عملاقةٍ
دخلتهُ قديمًا..
يُهَيِّئُ لي فرصةً للرَّحيلِ إلى اللاَّمَكَان..
☆○☆
وأعترِفُ الآنَ،
أنِّي خَسِرْتُ رِهانَ الكِتَابَةِ
عَنْ قَلْعَتي..!!!
○☆○
في البِدَايَةِ،
حاولتُ أنْ أسكُنَ القلعةَ الحَجَريَّةَ..
أنْ أتحسَّسَ صَخْرَ المكانِ،
وأُصْغي إلى رُوحِهِ تتنفَّسُ، كامنَةً..
طارَ قلبي،
وقد شِمْتُ فجرَ الحكايةِ
نقشًا بليغَ الدَّلالَةِ،
فوقَ رخامِ السَّواري..
وفكَّرْتُ أَنْ أكتبَ الصَّمْتَ
والصَّوْتَ والمَوْتَ..
حاولتُ مرتَعِشًا،
أن أدوِّنَ أشواقَها وجراحاتِها..
(فالأماكنُ تمتصُّ أصواتَ من سكنُوها..
الأماكنُ تَشربُ أعمارَنا،
إِذْ نعيشُ بها...!!!)
○☆○
دَخَلْتُ مِرَارًا
إِلَى مَا يُسَمَّى مَجَازًا ب"عُنْقِ الْجَمَلْ" (*)
وتوغَّلْتُ في الظُّلْمَةِ اللَّولبيَّةِ،
أحملُ قنديلَ جدِّي معي
(كانَ قنديلَ زَيْتٍ شَحيحَ الضّياءِ،
ولكنَّهُ طارِدٌ للعَفارِيتِ...!)
قُلْتُ: ألامسُ رُوحَ الضَّحيَّةِ في جَوْفِهِ
تَتَطايَرُ، رَفْرَفَةً.. وأحاوِلُ
أن أستشفَّ دمًا غامضًا
أو بَقَايَا دَمٍ في جِدَارِ المَكَان..
○☆○
في طَرِيقي إلى فِكْرَتي،
لَمْ أجدْ غيرَ نفسي..
تَعثَّرْتُ بي، هَهُنا وهناكَ..
سَقطتُ شهيدَ الرُّؤَى...!
وخرجتُ،
وروحي مبلَّلَةٌ بالحكَاياتِ..
لكنَّني (...)
ما اسْتَطَعْتُ كِتَابَتَها...!!!
_______________________________
(*) زنزانة أفعوانيّة الشّكل، داخل القلعة "اللّوطانيّة": قلعة سيّدي عليّ المكّي بمدينة "غار الملح" التّونسيّة.. سَجَن فيها المستعمرُ الفرنسيُّ المجاهدين؛ وكذا الشّأن بالنّسبة إلى الطّور البورقيبيّ، حيث اتّخذها الزّعيمُ الأوحدُ الحبيب بورقيبة "كَرَّاكَةً" وحشرَ فيها خصومَهُ السّياسيّين..
شعر/ المكّي الهمّامي.
تونس- بنزرت/ 2 نوفمبر 2018.