لا تَحْزَنْ مثلى
يَا مولايْ
لا تَحْزَنْ
مِنْ صَحراءِ التِّيهِ
وجورِ السلُطْان!
اِضْرِبْ بعصاكَ اللْحظَةَ
جوفَ البحرِ...
خُذْنا مُقْتَدِرًا
كالبرقِ الخاطفِ
نحوَ الشطآن...
خَبِّئْنا بينَ النَّهرِ
وبينَ الوَرْدِ
وغاباتِ الرَّيْحانْ!
حينَ أتاكَ الليلُ
بناحيةِ العتْمورْ،
زَحَف النِّيلُ
وسار الجمعُ
وسِرْنا نحوَك
تسبِقُنا الخُطُواتْ...
وبلِيلٍ يُخْفى أسرارًا
تحتَ خُدُودِ النَّجماتْ،
كُنْتَ بقلبِ العصرِ
وحيدًا و شهيدًا
تُوفى الكيلَ
وتُقْرِي الضَيْفَ
ولا يُظْلَمُ أحدٌ
عندكَ يا مولاي
آهٍ لوْ ألقاكَ وحيدًا
تَقتُلُني الكلماتْ!
ما ضَرُّك يا مولاي
إذْ مَا أقبلْتَ علينا
ذاتَ صباحٍ
مؤتلقَ الوجْهِ،
سليمَ الخاطرِ،
مُتّسِقَ الوجدانْ
وطفقْتَ تُغنِّى للخُرطوم
تَتَغَزَّلُ في الفاتنة أُمدرمانْ!
ودَلفتَ بليلِكَ هذا
مُنْطَلِقًـا كالسَّهمِ النُّوبيِّ
قُبَّالةَ كَرْمَةَ،
كُنْتَ تُشِعُّ ضياءً تُومِضُ بَرْقًا
وتهَارقَا يدعوكَ الليلةَ
بنخبِ نبيذٍ نوبيٍّ
بالقصرِ الملكيِّ الكائِن،ِ
بينَ طَلُولِ العصرِ
وفوقَ قِبابِ الأزمانْ!
وبليلِكَ هذا أسْرجتَ الخَيْلَ لِعَبْرِي
تِلك الحَسْناءِ المَلأَى بالأسرارْ
ولُقْمانُ العَبْريُّ الخَالِصُ،
كان يوزِّعُ حِكمتَه
مِثْلَ حكيمٍ نوبيٍّ آخرَ،
يَرتَشِفُ العَرَقَ الأبيضَ مُنْتَشِيًا
ويُغَنِّى للفجرِ الحالِمِ بالَطَّمْبُورْ !
ما ضَرُّكَ يا مولاي
إذْ مَا أقْبَلَ شَرْقٌ نحوكَ بالدُّفِّ
وبيسُراه السَّيفُ، ويُمناه سواكنْ
يَرْتَشِفُ القهوةَ بالهيلْ،
مَمْشُوقَ القامَةِ طارَ إليك،
تَحْكِي مَشْيَتُه دِقْنَةَ عثمانْ!
كَأنَّ القادِمَ
في ظُلَلِ غَمَامٍ،
كصلاةِ الفجرِ،
بهاءً وحُضُورْ!
كالقاشِ الصّاخبِ
حينَ تَجِفَّ الوديانْ
كجبالِ التَّاكا
وسواقي توتيلْ،
كالمارِدِ طُوكَرْ،
حينَ تغازِلُها الرِّيحْ،
كجبينِ الشَيْخِ
الخَتمِ الصُّوفِيِّ،
كأنَّ القادِمَ
نحوَك يمضي
لِيَشُقَّ تلالَ الشَرْقِ
بسيفٍ قُرَشِيّ!
ما ضَرُّكَ يا مولايَ
إنْ جاءتْ مَِلِّيطُ تُغَنِّي
خَرَجَتْ من تحت
عَباءَتِها أُنْثَى
تَنْتَقِشُ الحِنَّاءَ بيُمْناها
وبِيُسْراها تُخْفِي
قلبَ حبيبْ،
إذْ سَاَفَرَ عصرًا
كالشَّفَقِ الأَحْمَرِ
نحوَ بلادٍ لا تعَرفُها،
ومدائِنَ أخْرى
غَارقةٍ في الأحْزَانْ!
ما ضَرُّكَ يا مَوْلايْ
لو كانَ العُمْرُ فَسيحًا
في مِحْرابِكَ،
أو كُنَّا بالحَضْرَةِ
مُنْقَسِمينَ على
الذَّاتِ ومجذوبينْ،
وبَعثْتَ بهُدْهُدِكَ
العَارفِ بالبُلدانْ،
ليُنَقِّبَ عن ذاكَ العاشِقَِ،
يُحْضِرَه مَخْفُورًا
ليُقَبِّلَ عينَ المحبوبْ،
ويَسْقِيهَا خمرةَ (باخوسْ)
لأنَّك يا مولاي
ترومُ الحبَّ
وتهفو للإحْسَانْ !
هلْ جاءكَ بعضُ حديثي
عن طِفْلٍ تُورِقُ عيناه بروقـا
وقفَ نحيلاً في مِحرابِكَ
يَشكو من رَعْدِ الأيَّام
و شُحِّ الدُّنْيَا
فَقْرَ الخاطِرِ يَشْكُو
وضُمُورَ الوِجْدَانْ
وبِخَصْرِ الأيَّامِ تَعلَّقَ
يحكِي دومًا سِيرَتَهُ
فَيُبَّكي الغُرَبَاءَ،
ولا نَبْكي
يَبْكِي ظُلْمَ ذوِي القَُْربى،
يَفْتَرِشُ الأحزانْ!
مِنْ بينِ ثنايا
الكوخِ المَهْجُورْ،
يَخْرُجُ بَرْقٌ مِنْ دارفورْ،
زلزلَ عَرْشَ الدُّنْيَا،
تبدأُ ثَوْرَتُنا من عِنْدِ
سلاطِينِ الفَوْرْ،
الثورةُ ضِدَّ الظُلْمِ
ضِدَّ القَهْرْ،
الثورةُ ضِدَّ
فَسادِ السُّلطانْ!
ما ضَرُّكَ يا مولايْ
لوْ أَنَّ العَيْنَ تُكَحِّلُهَا
من لونِ (الأَبَنوسِ)
( ورائحةِ )الأنانَاسْ
إذْ كُنْتَ تُهِيمُ
بتركاكا وتُغَنِّي:
“من نَخلاتِكِ يا حلفا
للغَاباتْ ورا تِركاَكا”
ودَلَفْتَ تُحَدِّقُ
في الوادي الأخضَرِ مُنْتشِيًا
لحقولِ الباباي ولِلْبَفْرةْ!
مَا ضَرَُّكَ يا مَوْلايْ
لوْ أنَّ العُمْرَ طويلٌ
فى مَلَكَالْ
لَوَهبتُ قطيعَ الثّيرانِ
مُهُورًا للفاتنةِ السَّمراءْ
وكَسَوْتُ الغابَةَ باللؤْلُؤِ
ونفيسِ المُرْجَانْ!
يا وطَني الشامخَ
مِثلَ جبينِ الشَّمْسْ،
لِمحرابِك آتي كالدَّرويشْ،
تركُلُنِي الأرجُلُ بالطُّرقاتْ،
بالطُّرقاتِ أُؤذِّنُ
مِثْلَ بِلالَ
وأُردِّدُ في سِرِّي
مَا قالَ الحَلاَّجْ :
“مَا في هذي الجُبَّةِ غَيْرُ الله”
أفْنِي ذاتي
في ذاتِكَ،
في ذاتِ الله !
وحينَ تَوَّحدَ عِشقي
في ذاتِك
رأيتُ نبيَّ اللهْ؛
ورَشَفْتُ القَهْوَةَ
في حَضْرَتِهِ
خَلَعْتُ رِدَاءَ العَصْرْ،
وتَوشَّحْتُ ثِيابَ العِزَّةِ،
ثم لَبِسْتُ
حَريرَ العِـرْفانْ!
عبدالاله زمراوي
يَا مولايْ
لا تَحْزَنْ
مِنْ صَحراءِ التِّيهِ
وجورِ السلُطْان!
اِضْرِبْ بعصاكَ اللْحظَةَ
جوفَ البحرِ...
خُذْنا مُقْتَدِرًا
كالبرقِ الخاطفِ
نحوَ الشطآن...
خَبِّئْنا بينَ النَّهرِ
وبينَ الوَرْدِ
وغاباتِ الرَّيْحانْ!
حينَ أتاكَ الليلُ
بناحيةِ العتْمورْ،
زَحَف النِّيلُ
وسار الجمعُ
وسِرْنا نحوَك
تسبِقُنا الخُطُواتْ...
وبلِيلٍ يُخْفى أسرارًا
تحتَ خُدُودِ النَّجماتْ،
كُنْتَ بقلبِ العصرِ
وحيدًا و شهيدًا
تُوفى الكيلَ
وتُقْرِي الضَيْفَ
ولا يُظْلَمُ أحدٌ
عندكَ يا مولاي
آهٍ لوْ ألقاكَ وحيدًا
تَقتُلُني الكلماتْ!
ما ضَرُّك يا مولاي
إذْ مَا أقبلْتَ علينا
ذاتَ صباحٍ
مؤتلقَ الوجْهِ،
سليمَ الخاطرِ،
مُتّسِقَ الوجدانْ
وطفقْتَ تُغنِّى للخُرطوم
تَتَغَزَّلُ في الفاتنة أُمدرمانْ!
ودَلفتَ بليلِكَ هذا
مُنْطَلِقًـا كالسَّهمِ النُّوبيِّ
قُبَّالةَ كَرْمَةَ،
كُنْتَ تُشِعُّ ضياءً تُومِضُ بَرْقًا
وتهَارقَا يدعوكَ الليلةَ
بنخبِ نبيذٍ نوبيٍّ
بالقصرِ الملكيِّ الكائِن،ِ
بينَ طَلُولِ العصرِ
وفوقَ قِبابِ الأزمانْ!
وبليلِكَ هذا أسْرجتَ الخَيْلَ لِعَبْرِي
تِلك الحَسْناءِ المَلأَى بالأسرارْ
ولُقْمانُ العَبْريُّ الخَالِصُ،
كان يوزِّعُ حِكمتَه
مِثْلَ حكيمٍ نوبيٍّ آخرَ،
يَرتَشِفُ العَرَقَ الأبيضَ مُنْتَشِيًا
ويُغَنِّى للفجرِ الحالِمِ بالَطَّمْبُورْ !
ما ضَرُّكَ يا مولاي
إذْ مَا أقْبَلَ شَرْقٌ نحوكَ بالدُّفِّ
وبيسُراه السَّيفُ، ويُمناه سواكنْ
يَرْتَشِفُ القهوةَ بالهيلْ،
مَمْشُوقَ القامَةِ طارَ إليك،
تَحْكِي مَشْيَتُه دِقْنَةَ عثمانْ!
كَأنَّ القادِمَ
في ظُلَلِ غَمَامٍ،
كصلاةِ الفجرِ،
بهاءً وحُضُورْ!
كالقاشِ الصّاخبِ
حينَ تَجِفَّ الوديانْ
كجبالِ التَّاكا
وسواقي توتيلْ،
كالمارِدِ طُوكَرْ،
حينَ تغازِلُها الرِّيحْ،
كجبينِ الشَيْخِ
الخَتمِ الصُّوفِيِّ،
كأنَّ القادِمَ
نحوَك يمضي
لِيَشُقَّ تلالَ الشَرْقِ
بسيفٍ قُرَشِيّ!
ما ضَرُّكَ يا مولايَ
إنْ جاءتْ مَِلِّيطُ تُغَنِّي
خَرَجَتْ من تحت
عَباءَتِها أُنْثَى
تَنْتَقِشُ الحِنَّاءَ بيُمْناها
وبِيُسْراها تُخْفِي
قلبَ حبيبْ،
إذْ سَاَفَرَ عصرًا
كالشَّفَقِ الأَحْمَرِ
نحوَ بلادٍ لا تعَرفُها،
ومدائِنَ أخْرى
غَارقةٍ في الأحْزَانْ!
ما ضَرُّكَ يا مَوْلايْ
لو كانَ العُمْرُ فَسيحًا
في مِحْرابِكَ،
أو كُنَّا بالحَضْرَةِ
مُنْقَسِمينَ على
الذَّاتِ ومجذوبينْ،
وبَعثْتَ بهُدْهُدِكَ
العَارفِ بالبُلدانْ،
ليُنَقِّبَ عن ذاكَ العاشِقَِ،
يُحْضِرَه مَخْفُورًا
ليُقَبِّلَ عينَ المحبوبْ،
ويَسْقِيهَا خمرةَ (باخوسْ)
لأنَّك يا مولاي
ترومُ الحبَّ
وتهفو للإحْسَانْ !
هلْ جاءكَ بعضُ حديثي
عن طِفْلٍ تُورِقُ عيناه بروقـا
وقفَ نحيلاً في مِحرابِكَ
يَشكو من رَعْدِ الأيَّام
و شُحِّ الدُّنْيَا
فَقْرَ الخاطِرِ يَشْكُو
وضُمُورَ الوِجْدَانْ
وبِخَصْرِ الأيَّامِ تَعلَّقَ
يحكِي دومًا سِيرَتَهُ
فَيُبَّكي الغُرَبَاءَ،
ولا نَبْكي
يَبْكِي ظُلْمَ ذوِي القَُْربى،
يَفْتَرِشُ الأحزانْ!
مِنْ بينِ ثنايا
الكوخِ المَهْجُورْ،
يَخْرُجُ بَرْقٌ مِنْ دارفورْ،
زلزلَ عَرْشَ الدُّنْيَا،
تبدأُ ثَوْرَتُنا من عِنْدِ
سلاطِينِ الفَوْرْ،
الثورةُ ضِدَّ الظُلْمِ
ضِدَّ القَهْرْ،
الثورةُ ضِدَّ
فَسادِ السُّلطانْ!
ما ضَرُّكَ يا مولايْ
لوْ أَنَّ العَيْنَ تُكَحِّلُهَا
من لونِ (الأَبَنوسِ)
( ورائحةِ )الأنانَاسْ
إذْ كُنْتَ تُهِيمُ
بتركاكا وتُغَنِّي:
“من نَخلاتِكِ يا حلفا
للغَاباتْ ورا تِركاَكا”
ودَلَفْتَ تُحَدِّقُ
في الوادي الأخضَرِ مُنْتشِيًا
لحقولِ الباباي ولِلْبَفْرةْ!
مَا ضَرَُّكَ يا مَوْلايْ
لوْ أنَّ العُمْرَ طويلٌ
فى مَلَكَالْ
لَوَهبتُ قطيعَ الثّيرانِ
مُهُورًا للفاتنةِ السَّمراءْ
وكَسَوْتُ الغابَةَ باللؤْلُؤِ
ونفيسِ المُرْجَانْ!
يا وطَني الشامخَ
مِثلَ جبينِ الشَّمْسْ،
لِمحرابِك آتي كالدَّرويشْ،
تركُلُنِي الأرجُلُ بالطُّرقاتْ،
بالطُّرقاتِ أُؤذِّنُ
مِثْلَ بِلالَ
وأُردِّدُ في سِرِّي
مَا قالَ الحَلاَّجْ :
“مَا في هذي الجُبَّةِ غَيْرُ الله”
أفْنِي ذاتي
في ذاتِكَ،
في ذاتِ الله !
وحينَ تَوَّحدَ عِشقي
في ذاتِك
رأيتُ نبيَّ اللهْ؛
ورَشَفْتُ القَهْوَةَ
في حَضْرَتِهِ
خَلَعْتُ رِدَاءَ العَصْرْ،
وتَوشَّحْتُ ثِيابَ العِزَّةِ،
ثم لَبِسْتُ
حَريرَ العِـرْفانْ!
عبدالاله زمراوي