(1)
الوحدة غدت وحشاً خرافياً، يتمدد في فضاء غرفتي، لا أحد ،لا هاتف،نحن في مدينة واحدة، لكن المسافات بيننا تتبعثر دون بوصلة تهدينا إلى لقاء آمن!
– هل هذا كل ما تبقى لي؟ أو أن ما تخبئه لنا الأيام أجمل؟ لتنسينا هذه الخيبات المتلاحقة ؟
أسئلة تطاردني، وتستفزني للالتصاق بجمرات الذاكرة، المزروعة على عتبة رف المكتبة العريض قبالة طاولتي. ابتسم لها، ابتسم في وحدتي لصدى صوتك بعد رحلة الجنون، وأنت تهاتفني بعدما أوصلتني إلى بيتي:
– حمدا لله على سلامتك، رغد هل كنا نحلم؟ أم أن ما حدث هو صدق القرار في تلك المغامرة؟
– هذا خيارك حبيبي؟ ويلفني الصمت من جديد تعود البرودة إلى الجهاز الصغير بين يدي،أهرب لأتدفأ بالذاكرة؛ وخشب الأبنوس والجلد الذي صنع منه تمثال فرسان ينهضان على قوائمهما الخلفية،وضعتهما متقابلين بين كتبي وأشعاري، وأكاد أتخيل صوت لهاثهما، الذي يشبهنا!!!”أليس هذا تعبيرك” ونحن نقف في محل بيع الهدايا والتحف التذكارية، في البلدة السياحية،كنت تنوي شراء هدية لتبقى تذكاراً من رحلتنا، فإذا بها تتحول إلى جمرة متوقدة في الذاكرة، كلما قابلتني على رف المكتبة.
حينما وضعهما البائع، على الطاولة نظرت بإعجاب لذوقي في الاختيار، وقلت لي وعينيك تعمق المعنى الذي قصدت:
– فرسان يلهثان، منفلتان من كل القيود، طليقان، مسافران إلى هذه البلدة.
(2)
“السفر براً” ..
أدهشك الاقتراح، وأنت لا تعلم ما أخفي من قصد وراءه، كنت أهرب من الأحزان أداويها بحضورك معي، بعيدا عن هذه المدينة التي شهدت انكساراتي، وبقيت شامتة بهزائمي، وحدك عليّ كنت مؤمناً بقدرتي على تجاوز ضعفي، المهم انك وافقت بكل سرور”
– رغد، حبيبتي انشغالاتي كثيرة، لكن نسافر معا!أنا أيضاً احتاجك معي، أخلع التزاماتي العائلية والوجوه المنافقة الملتصقة بجلدي كبراغيث المياه …حبيبتي أنتِ.
– يوم سفرنا سيصادف عيد ميلادي، أعلم أن ذاكرتك لا تتعبها بحفظ تواريخ المناسبات ..
“واركض في خطوات مجهولة معك، مخلفة ورائي تاريخ عشرة أعوام مضت على زواجي السابق وقد قرر الهروبَ من شاركني الرحلة، بعد يأسه من أن يكون أبا، الأطباء قالوا:
– لاشيء يمنعكما من الإنجاب كلاكما صحيح، ربما يحصل من شريك آخر…
استجاب لهذا الحلم، وقرر أن يبدأ من جديد مع فتاة مرت في حياته مصادفة. فهل أنام وأصحو مع الأحزان أم افتح نوافذ العمر للحب الجديد معك” ؟
(3)
كنت من أعز أصدقائنا القدامى، وبقيت الصديق الوحيد بعد الغياب، منذ شهور وأنت تناور لتعبر عن حبك الكبير لي، حب صمت لسنوات، غلى وعربد داخلك، وأنا كنت أصب عليه ماء الإخلاص فيبرد، كنت تغيب وتحضر..ولم أفهمك أبدا..الآن عرفت كم هو موجع أن نكون بحضور الحبيب ولا نلمسه.!!
على الهاتف في أمسية مرت، وأنت تطمئن علي سمعتك تهمس:
– أحبك.. أحبك رغد؟؟
– دعوة للحب؟ أم لأكمل مشوار الحياة معك، على إثم خراب مدينتك التي بنيتها مع زوجة وطفلين؟
– كلا..هل كنت أقدر على الحب، لو أن في داخلي امرأة أخرى غيرك..مُدني انهارت منذ زمن بعيد قبل أن التقي بك!!!
“تواطأت مع الدعوة، وقلت لنفسي،من ذا يقدر على اغتيال مستقبل أحلامي، التي لن تتجاوز حدود المستحيل ولا تكتفي بالممكن والواقع، أحلام أميرة فينيقية،حلمها بمساحة رقعة جلد تحولها إلى خارطة مدينة بوسع آفاقه، وأنا ليس لدي أكثر منها مدى..! ابني مدينتي فوق خرائب مدينة منهارة، على مدى اتساع الجرح في قلب عَليّ، وعلى امتداد الشرايين في قامته الطويلة، مدينة لي وحدي، فأنا لا أقبل إلا بالكل..أو لا شيء، حيث أقف على راحة كفه العريضة، فيكون له متسع من الوقت والخيار، في ضمي إلى حناياها ومن ثم ردها مبسوطة أمام شمولية النظر،وكلما ابتعدت عنه ضاقت المسافة إلى وريده..واقتربت أكثر من ذاكراته..أعشش فيها، وأطمح في دخول متاهاتها المليئة بالأسرار التي جذبتني إليه، الرجل الذي أحب يجب أن يكون غامضا يحمل لغزا عصيا لأبقى أطارده لأخر العمر اثبت جذوري في قلبه اشرش مثل سنديانة فلا يقدر أحد على انتزاعي منه.
(4)
هذا الأسبوع الثاني يمضى، بعد رحلتنا، والاتصال صار صعباً، ولم أعد اسمع سوى نغمة واحدة من هاتف البيت:” الهاتف مقفل والرجاء سداد ديونكم المستحقة” ..وأنا أرجو سداد ديون الشوق التي استحقت عليك، وربما مضى العمر بنا وأنا وأنت مازلنا نسدد ما استحق علينا من ديون لها..””والهاتف النقال استنفدت بطاقاته، في رسائل لك ودون إجابة منك، ونحن في الطريق، ويدك على المقود،كنت تحاول ابتلاع كل هذا الامتداد، تلهث بسرعة جنونية، تحاول اجتياز الحد الفاصل بين جغرافية المدينتين، التي نرحل عنها، وتلك التي تنتظرنا، قلبي يرتجف ولا أقول، حمايتك تظللني، تكسر المخاوف التي تغافلني، وأنا أتمنى كسر الزجاج، بين الحدود الفاصلة، مدينة تحصن الحب بالعو سج، وأخرى يتنفس فيها من رئة نظيفة.. تفاجئك رائحة القهوة الساخنة، التي حملتها معطرة برائحة الهيل، تبتسم، أشتهي أن أضمك إلى صدري، تطلب مني الاستماع:
– إسمعي هذه الأغنية التي أسمعتك إياها على الهاتف!
– أحبك..لأنك تعرف كيف تكون رجلاً وعاشقاً في آن؟
– أنت امرأة مجنونة وأنا رجل يهوى الجنون وهذه الرحلة دليل ..
“أسأل نفسي ما لذي أحببته فيك يا علي؟..تفاصيل كثيرة أعدها ولا أنتهي …
– الحب نتاج تفاصيل تجمله وربما من ذراتها يتسرب إلى دمائنا !
– يضحك” أنت تكتبين الشعر..أنا فقط أحبك لكن التفاصيل تتغير باختلاف نظرتنا إليها، في الحب نرى جمالها، ولو غادرها تصبح التفاصيل عذاباً آخر..
يهدئ السرعة وصوت الموسيقى..ويقول بجدية وصوت آسر:
– وصلنا نقطة تفتيش، تصنعي العبوس والجد لنتجاوز الحدود وهؤلاء الحراس ..
(5)
العاشرة ليلا،وأنا على شرفات الانتظار أذوب كشمعة، غيابك موجع هنا، وحضورك رائع هناك في البلدة السياحية، أنت هنا قريب أفتش عنك الأمكنة، ولا أجدك ترد على الهاتف:-
– حبيبتي، مشغول جدا هذه الأيام، تعلمين…
العاشرة، ارتدي ثيابي، وأقرر الاتصال من مكتب البريد ، الموظف يقسم أن هاتفك المحمول قد حفظ رقمه، وانه مازال مقفلاَ، لكنني متأكدة أنك تشتاق إليَّ، وأن الاتصال بي غير ممكن ، لكنك لا تحاول..اعترف؟!
أعود إلى غرفتي، الشعر لا يهطل مع القلق، والكتابة تغدو وجعاَ آخر، وهي عصية عليَّ، كثيراً ما احتمل، فقط كلما التقت عيناي الخيول الجامحة وهي تشرئب بأعناقها لأعلى، تحتل صدر المكتبة، فيتناهى إلي صوتك ونحن في الطريق:
– لننس تجارب الماضي،والمستقبل سيأتي حتماَ، الحاضر هو ملكنا، العبارة تقنعني، لكنها لا تلغي طموحي، أنا امرأة وحيدة، التقي الحب الكبير، بعد أن يمنحني القدر حرية أن أحيا دون ارتباط ، أجدني ابحث عن تلك القيود داخل أسواركَ… أناورك كأي فتاة شرقية، ونحن نتجاوز آخر نقطة على الحدود:
– صديقي الرسام، دعاني لنحتفل في مرسمه برفقة الشلة؟ وقال: عيد ميلادك سيكون سهرة لا تنسى، وإذا لم تأت، سنحتفل به أيضا ونضع في مكانك الشاغر شمعة!
“تبتسم بثقة والانتصار يستحوذ مشاعرك بعيدا عن الغيرة، فأدرك أن صنارتي لم تغمز صيدها بعد! تقول لي :
– رغد أنت حبيبتي ومعي أنا..!
“لكن رحلة الصيد عندي لم تنتهِ بالرمي لمرة واحدة، فأعيدها بطعم جديد.
– زميلي في القسم الثقافي والذي طلق زوجته منذ خمس سنوات، كل صباح يتغزل بأنوثتي، ويقسم أن لا حلم له سوى الارتباط بي بالأمس قال:”إن حياة المرأة الحقيقية تبدأ بعد الأربعين، حيث هناك فسحة واسعة للحب؟!
“لكنك ترفع صوت الأغنية التي نحب متجاوزا ثرثرتي،”
– اسمعي الأغنية التي تقول: إن الحب سيعوض عما فات وعن الذي لا يمكن أن يكون إلا به..رغد: المهم ليس من نتزوج بل من نسلمه القلب العاشق.
(6)
الليل يفرط ساعته، وأنا أتبعثر أشلاء من القلق، أعلم، الوقت فات ولن تأتي متوارياً في سيارة لا يعرفها أحد..وتعبث بي الأفكار ماضية إلى البداية، بعد أن تآخيت مع أحزاني وذبلت غرفتي، وفي هذا المنزل الجديد، اخترته هربا من الماضي، كان اتصالك بي كل مساء يسلي وحدتي، يرن الهاتف… أنظر إلى رقمك فأجده، قلوب متراقصة على شاشته.. أحببتك يا عليّ؟؟ لن أكذب على ذاتي، لكنك أقسمت أنك أخفيت مشاعر حبك لي سنينا طويلة حرصاَ عليّ.
وأسألك ونحن نطل على الحديقة، من شرفة الفندق، وبرد نيسان يتسرب من شقوق الثوب الشفاف:
– لماذا التقينا في منتصف العمر؟
“تبتسم، وترفع كفك إلى فمي،تسكتني، فأطبع قبلة دافئة عليها..وترد:
– هذا أول العمر، أول حب، أول رجل أنا احبك بهذا القدر، ولا أراك تجاوزت العشرين .
– عليّ، أشعر بالبرد، لم أحتط له، ملابسي خفيفة ؟
“ألمح في عينيك خوفا، تأخذ معطفك الكشمير الأخضر، تلبسني إياه وفي نظرتك زهو وإعجاب بي، كان فضفاضا وطويلاً، يتناسب مع قامتك الطويلة التي أحب..شكلي مضحك فيه وتقول:
– جميل عليك، يناسب لون عينيك..وتأخذني بين ذراعيك، وأتذكر عبارة تعني “أن المرأة لا تمنح رعشة الحب في جسدها إلا إذا عشقت، والرجل لا يهدي قلبه إلا لحبيبته..وأنا وأنت كنا جسدين بقلب واحد! أدرك تهربك من الإجابة في تلك الثواني، على سؤال يطاردني (متى يكون الزواج)؟أحياناَ يخطر في بالي أننا نتواطأ بشكل مدهش في نظرتنا لفهم الحياة..مع ذلك، دوما تسبقني بمسافة ما، فحينما أكون مستعدة لتسلق أول درجات السلم أجدك تنظر إلى قمته..وحينما أصل، أراك سبقتني، فتحتويني بشعور الحماية،فأحدث نفسي بفخر،أنا تحت أعطاف رجل قوي، يدرك العالم الواسع من حولي..”
(7)
انتهت علبة سجائري الخفيفة، وفي الليل متسع للسهر، أتذكر، في حقيبتي علبة سجائرك، التي حملتها لك ونحن في صالة “الديسكو” حيث كانت المفاجأة تنتظرنا، والتقينا “عمر” أحد معارفك الكثر، كنا نجلس على المقاعد الوثيرة في الصالة المعتمة، والتي ترش الأنوار فيها ملونة خافتة مرة، قوية مرة أخرى، ويلفنا ضباب السجائر والقلوب المشتعلة، وحيث لا يطفئ الظمأ سوى نبيذ ورقص مجنون، في تلك اللحظة شعرت بالخيبة، نحن نفر من وجه المدينة فإذا بها تتبع آثار خيولنا التي رمحت بعيداَ، لكن يدك تسللت في الظلمة، وعانقت يدي فسرى الاطمئنان إلى روحي وهمست لي: – لا لا تخشه، هذا رجل حضاري جدا يستوعب الأمور.
ورحب بنا وكأننا ضيوفه:
– أنا مقيم هنا، منذ ثلاثة أيام ،هذا الفندق غالبا ما يكون المحطة الأخيرة،، قبل عودتي من كل سفر،لقد استرعى انتباهي سيارتك في المرآب،لكن عاملة الاستقبال(صديقتي) سحبت قائمة الأسماء فتأكدت من وجودك هنا..ودخلتما في حديث ودي، كان مهذبا ولطيفا، وأدهشتنا المفاجأة التي حضرها، حيث بعد دقائق من انضمامه إلينا، جاء النادل يحمل في يده كعكة وعليها شمعة واحدة!! وتبادلنا نظرات الاستغراب معا! كنت تريد نفي التهمة عنك وأنت تعلم أنني هربت من الاحتفال بعيدا عن الذكريات، التي أحرقت أوراقها قبل أن نسافر،ويأتي عمر صديقك يقدمها:
– عيد ميلاد سعيد يا سيدتي، وتابع آسف لتطفلي، لقد قرأت تاريخ ميلادك من جواز سفرك في الاستقبال!
– ابتلعت قلقي وصار للاحتفال طقوسه، وقلت :”كم يعجبني ذوقك يا حبيبي في اختيار الأصدقاء، رقصنا وثملنا وقبلتني سراَ ملتحفاَ عتمة مفاجئة.
(8)
لا أتذكر كيف ومتى اشرق الفجر علينا، فقط أحسست دفء القبلة التي طبعتها على جبيني، وذهبنا إلى سوق البلدة السياحية، كنت أتعلق بك مثل طفلة تستشعر حماية والدها، وأنت تدللني وتشتري كل ما أشير إليه، كانت الحرية تمنحنا الانطلاق،هنا لا أحد يعرفك، فيوقفك لطلب خدمة، وأنا لست بشاعرة طفقت شهرتها أرجاء الأرض،هنا امرأة ورجل عاشقان ومناخ البلدة لا يحتمل سوى عواصف القلوب. عدت أحمل خيولي الجامحة، كنتَ تريد النوم لساعة قبل أن نقفل عائدين، بينما امضي الوقت في قراءة المجلات، وُكنتُ منسجمة تماما وأنا أحلم بتلك التصميمات للبيوت الجميلة والأثاث الرائع،وأفسح مكانا للخيول، وأين سأضعها حينما يضمنا بيتنا الدافئ، فجأة وجدتك تنهض تعانقني بشغف، وتقول:
– أيتها الفاتنة، المرأة الغاوية، تسترخي في جلستك، وهذا الروب الزهري، يزيد فتنتك وأنت تقرئين، لقد غلبتني طريقتك في الاستلقاء على الكرسي ولم اقدر على النوم، أغويتني؟! الحياة معك جميلة.ثم تنهدت.
– وفقط..؟” كنت أتمنى لو أضفت، اليوم سنتزوج وليأتِ الطوفان لن أرده. ولن ينازعني أحد فيك…في هذه اللحظة خشيت أن يهرب العمر من تحت معطف الوقت الثمين،الوقت أدركنا، وعدنا””
(9)
“هاهو الليل ينتصف”… جرس الباب، يتحرش بالهدوء القلق، انهض مسرعة،والنفس تحدثني بفرحة، علي لن يأتي !غير معقول؟! لكن الغرفة اتسعت بأشواقها،وصلت، فتحته، كان سائقه يقف قبالتي ويمد يده بمظروف:
– مساء الخير سيدتي، سيدي يقول لك إن في المظروف بطاقات للهاتف، يرجوك الاتصال به!
أغلقت خلفه الباب، والسؤال يلح من جديد، هل كان يجب الانتظار كل هذا الزمن لأعرف أنك لم تعد تحتمل الغياب والشوق؟
اسمع صوتك، أثور في وجهك أهاجمك بنزق طفلة لم تعتد رفض طلباتها، كنت اقتحم صمتك بقوة الحنين التي تغلي داخلي، تحتمل بهدوء كل غضبي، تطفئني، يأتي صوتك حنوناَ لكنه قوي النبرات:
– حبيبتي…اسمعي هذه الأغنية.؟
– “اسمع، واسمع، تحملني الموسيقى إليك،تضمني إلى صدرك،تأخذني بقوة،تسكب مياه بحرك على حمى البراكين المشتعلة منذ أيام، بصوتك يساير النغمات تغني لي، أتحول إلى قطرة ماء تسيل، تتلاشى، تندمج في محيطك الهادر، أسألك:
– حبيبي،هل سمعت بأن النار تصبح ماء؟
– يحدث حتماَ، في الحب فقط!
– ها أنت تعود إلى عادتك معي،هكذا عليًَ أحبهّ!؟
– أجل،ستنامين وتصحين على صوتي
– همست..وفقط ؟؟
(10)
فقط، أعود بين جدران غرفتي التي حاصرتني وطوقتني الوحشة فيها أياماَ.. يأتي صوت علي، يرفع السأم والوحدة القاتلة،أعود إلى فراشي،يعصيني النوم، الطاولة تناديني والأوراق تغمز لي، أثرثر معها عنه، وفرسان جموحان يغازلان الذاكرة، يستيقظان فيها جمرتان تنهضان بالأشواق ،اكتشف أنهما كانا يبتعدان عن بعضهما، أتكاسل، ولكني انهض من جديد أقرب المسافة بينهما اكثر واكثر..ضاقت …تعانقا، وشعرت أنهما غافيان، وأن جفوني تحمل ماء يطفئ هذا الجموح دائم الاشتعال داخلهما.
2002-04-16
رزان مغربي
الوحدة غدت وحشاً خرافياً، يتمدد في فضاء غرفتي، لا أحد ،لا هاتف،نحن في مدينة واحدة، لكن المسافات بيننا تتبعثر دون بوصلة تهدينا إلى لقاء آمن!
– هل هذا كل ما تبقى لي؟ أو أن ما تخبئه لنا الأيام أجمل؟ لتنسينا هذه الخيبات المتلاحقة ؟
أسئلة تطاردني، وتستفزني للالتصاق بجمرات الذاكرة، المزروعة على عتبة رف المكتبة العريض قبالة طاولتي. ابتسم لها، ابتسم في وحدتي لصدى صوتك بعد رحلة الجنون، وأنت تهاتفني بعدما أوصلتني إلى بيتي:
– حمدا لله على سلامتك، رغد هل كنا نحلم؟ أم أن ما حدث هو صدق القرار في تلك المغامرة؟
– هذا خيارك حبيبي؟ ويلفني الصمت من جديد تعود البرودة إلى الجهاز الصغير بين يدي،أهرب لأتدفأ بالذاكرة؛ وخشب الأبنوس والجلد الذي صنع منه تمثال فرسان ينهضان على قوائمهما الخلفية،وضعتهما متقابلين بين كتبي وأشعاري، وأكاد أتخيل صوت لهاثهما، الذي يشبهنا!!!”أليس هذا تعبيرك” ونحن نقف في محل بيع الهدايا والتحف التذكارية، في البلدة السياحية،كنت تنوي شراء هدية لتبقى تذكاراً من رحلتنا، فإذا بها تتحول إلى جمرة متوقدة في الذاكرة، كلما قابلتني على رف المكتبة.
حينما وضعهما البائع، على الطاولة نظرت بإعجاب لذوقي في الاختيار، وقلت لي وعينيك تعمق المعنى الذي قصدت:
– فرسان يلهثان، منفلتان من كل القيود، طليقان، مسافران إلى هذه البلدة.
(2)
“السفر براً” ..
أدهشك الاقتراح، وأنت لا تعلم ما أخفي من قصد وراءه، كنت أهرب من الأحزان أداويها بحضورك معي، بعيدا عن هذه المدينة التي شهدت انكساراتي، وبقيت شامتة بهزائمي، وحدك عليّ كنت مؤمناً بقدرتي على تجاوز ضعفي، المهم انك وافقت بكل سرور”
– رغد، حبيبتي انشغالاتي كثيرة، لكن نسافر معا!أنا أيضاً احتاجك معي، أخلع التزاماتي العائلية والوجوه المنافقة الملتصقة بجلدي كبراغيث المياه …حبيبتي أنتِ.
– يوم سفرنا سيصادف عيد ميلادي، أعلم أن ذاكرتك لا تتعبها بحفظ تواريخ المناسبات ..
“واركض في خطوات مجهولة معك، مخلفة ورائي تاريخ عشرة أعوام مضت على زواجي السابق وقد قرر الهروبَ من شاركني الرحلة، بعد يأسه من أن يكون أبا، الأطباء قالوا:
– لاشيء يمنعكما من الإنجاب كلاكما صحيح، ربما يحصل من شريك آخر…
استجاب لهذا الحلم، وقرر أن يبدأ من جديد مع فتاة مرت في حياته مصادفة. فهل أنام وأصحو مع الأحزان أم افتح نوافذ العمر للحب الجديد معك” ؟
(3)
كنت من أعز أصدقائنا القدامى، وبقيت الصديق الوحيد بعد الغياب، منذ شهور وأنت تناور لتعبر عن حبك الكبير لي، حب صمت لسنوات، غلى وعربد داخلك، وأنا كنت أصب عليه ماء الإخلاص فيبرد، كنت تغيب وتحضر..ولم أفهمك أبدا..الآن عرفت كم هو موجع أن نكون بحضور الحبيب ولا نلمسه.!!
على الهاتف في أمسية مرت، وأنت تطمئن علي سمعتك تهمس:
– أحبك.. أحبك رغد؟؟
– دعوة للحب؟ أم لأكمل مشوار الحياة معك، على إثم خراب مدينتك التي بنيتها مع زوجة وطفلين؟
– كلا..هل كنت أقدر على الحب، لو أن في داخلي امرأة أخرى غيرك..مُدني انهارت منذ زمن بعيد قبل أن التقي بك!!!
“تواطأت مع الدعوة، وقلت لنفسي،من ذا يقدر على اغتيال مستقبل أحلامي، التي لن تتجاوز حدود المستحيل ولا تكتفي بالممكن والواقع، أحلام أميرة فينيقية،حلمها بمساحة رقعة جلد تحولها إلى خارطة مدينة بوسع آفاقه، وأنا ليس لدي أكثر منها مدى..! ابني مدينتي فوق خرائب مدينة منهارة، على مدى اتساع الجرح في قلب عَليّ، وعلى امتداد الشرايين في قامته الطويلة، مدينة لي وحدي، فأنا لا أقبل إلا بالكل..أو لا شيء، حيث أقف على راحة كفه العريضة، فيكون له متسع من الوقت والخيار، في ضمي إلى حناياها ومن ثم ردها مبسوطة أمام شمولية النظر،وكلما ابتعدت عنه ضاقت المسافة إلى وريده..واقتربت أكثر من ذاكراته..أعشش فيها، وأطمح في دخول متاهاتها المليئة بالأسرار التي جذبتني إليه، الرجل الذي أحب يجب أن يكون غامضا يحمل لغزا عصيا لأبقى أطارده لأخر العمر اثبت جذوري في قلبه اشرش مثل سنديانة فلا يقدر أحد على انتزاعي منه.
(4)
هذا الأسبوع الثاني يمضى، بعد رحلتنا، والاتصال صار صعباً، ولم أعد اسمع سوى نغمة واحدة من هاتف البيت:” الهاتف مقفل والرجاء سداد ديونكم المستحقة” ..وأنا أرجو سداد ديون الشوق التي استحقت عليك، وربما مضى العمر بنا وأنا وأنت مازلنا نسدد ما استحق علينا من ديون لها..””والهاتف النقال استنفدت بطاقاته، في رسائل لك ودون إجابة منك، ونحن في الطريق، ويدك على المقود،كنت تحاول ابتلاع كل هذا الامتداد، تلهث بسرعة جنونية، تحاول اجتياز الحد الفاصل بين جغرافية المدينتين، التي نرحل عنها، وتلك التي تنتظرنا، قلبي يرتجف ولا أقول، حمايتك تظللني، تكسر المخاوف التي تغافلني، وأنا أتمنى كسر الزجاج، بين الحدود الفاصلة، مدينة تحصن الحب بالعو سج، وأخرى يتنفس فيها من رئة نظيفة.. تفاجئك رائحة القهوة الساخنة، التي حملتها معطرة برائحة الهيل، تبتسم، أشتهي أن أضمك إلى صدري، تطلب مني الاستماع:
– إسمعي هذه الأغنية التي أسمعتك إياها على الهاتف!
– أحبك..لأنك تعرف كيف تكون رجلاً وعاشقاً في آن؟
– أنت امرأة مجنونة وأنا رجل يهوى الجنون وهذه الرحلة دليل ..
“أسأل نفسي ما لذي أحببته فيك يا علي؟..تفاصيل كثيرة أعدها ولا أنتهي …
– الحب نتاج تفاصيل تجمله وربما من ذراتها يتسرب إلى دمائنا !
– يضحك” أنت تكتبين الشعر..أنا فقط أحبك لكن التفاصيل تتغير باختلاف نظرتنا إليها، في الحب نرى جمالها، ولو غادرها تصبح التفاصيل عذاباً آخر..
يهدئ السرعة وصوت الموسيقى..ويقول بجدية وصوت آسر:
– وصلنا نقطة تفتيش، تصنعي العبوس والجد لنتجاوز الحدود وهؤلاء الحراس ..
(5)
العاشرة ليلا،وأنا على شرفات الانتظار أذوب كشمعة، غيابك موجع هنا، وحضورك رائع هناك في البلدة السياحية، أنت هنا قريب أفتش عنك الأمكنة، ولا أجدك ترد على الهاتف:-
– حبيبتي، مشغول جدا هذه الأيام، تعلمين…
العاشرة، ارتدي ثيابي، وأقرر الاتصال من مكتب البريد ، الموظف يقسم أن هاتفك المحمول قد حفظ رقمه، وانه مازال مقفلاَ، لكنني متأكدة أنك تشتاق إليَّ، وأن الاتصال بي غير ممكن ، لكنك لا تحاول..اعترف؟!
أعود إلى غرفتي، الشعر لا يهطل مع القلق، والكتابة تغدو وجعاَ آخر، وهي عصية عليَّ، كثيراً ما احتمل، فقط كلما التقت عيناي الخيول الجامحة وهي تشرئب بأعناقها لأعلى، تحتل صدر المكتبة، فيتناهى إلي صوتك ونحن في الطريق:
– لننس تجارب الماضي،والمستقبل سيأتي حتماَ، الحاضر هو ملكنا، العبارة تقنعني، لكنها لا تلغي طموحي، أنا امرأة وحيدة، التقي الحب الكبير، بعد أن يمنحني القدر حرية أن أحيا دون ارتباط ، أجدني ابحث عن تلك القيود داخل أسواركَ… أناورك كأي فتاة شرقية، ونحن نتجاوز آخر نقطة على الحدود:
– صديقي الرسام، دعاني لنحتفل في مرسمه برفقة الشلة؟ وقال: عيد ميلادك سيكون سهرة لا تنسى، وإذا لم تأت، سنحتفل به أيضا ونضع في مكانك الشاغر شمعة!
“تبتسم بثقة والانتصار يستحوذ مشاعرك بعيدا عن الغيرة، فأدرك أن صنارتي لم تغمز صيدها بعد! تقول لي :
– رغد أنت حبيبتي ومعي أنا..!
“لكن رحلة الصيد عندي لم تنتهِ بالرمي لمرة واحدة، فأعيدها بطعم جديد.
– زميلي في القسم الثقافي والذي طلق زوجته منذ خمس سنوات، كل صباح يتغزل بأنوثتي، ويقسم أن لا حلم له سوى الارتباط بي بالأمس قال:”إن حياة المرأة الحقيقية تبدأ بعد الأربعين، حيث هناك فسحة واسعة للحب؟!
“لكنك ترفع صوت الأغنية التي نحب متجاوزا ثرثرتي،”
– اسمعي الأغنية التي تقول: إن الحب سيعوض عما فات وعن الذي لا يمكن أن يكون إلا به..رغد: المهم ليس من نتزوج بل من نسلمه القلب العاشق.
(6)
الليل يفرط ساعته، وأنا أتبعثر أشلاء من القلق، أعلم، الوقت فات ولن تأتي متوارياً في سيارة لا يعرفها أحد..وتعبث بي الأفكار ماضية إلى البداية، بعد أن تآخيت مع أحزاني وذبلت غرفتي، وفي هذا المنزل الجديد، اخترته هربا من الماضي، كان اتصالك بي كل مساء يسلي وحدتي، يرن الهاتف… أنظر إلى رقمك فأجده، قلوب متراقصة على شاشته.. أحببتك يا عليّ؟؟ لن أكذب على ذاتي، لكنك أقسمت أنك أخفيت مشاعر حبك لي سنينا طويلة حرصاَ عليّ.
وأسألك ونحن نطل على الحديقة، من شرفة الفندق، وبرد نيسان يتسرب من شقوق الثوب الشفاف:
– لماذا التقينا في منتصف العمر؟
“تبتسم، وترفع كفك إلى فمي،تسكتني، فأطبع قبلة دافئة عليها..وترد:
– هذا أول العمر، أول حب، أول رجل أنا احبك بهذا القدر، ولا أراك تجاوزت العشرين .
– عليّ، أشعر بالبرد، لم أحتط له، ملابسي خفيفة ؟
“ألمح في عينيك خوفا، تأخذ معطفك الكشمير الأخضر، تلبسني إياه وفي نظرتك زهو وإعجاب بي، كان فضفاضا وطويلاً، يتناسب مع قامتك الطويلة التي أحب..شكلي مضحك فيه وتقول:
– جميل عليك، يناسب لون عينيك..وتأخذني بين ذراعيك، وأتذكر عبارة تعني “أن المرأة لا تمنح رعشة الحب في جسدها إلا إذا عشقت، والرجل لا يهدي قلبه إلا لحبيبته..وأنا وأنت كنا جسدين بقلب واحد! أدرك تهربك من الإجابة في تلك الثواني، على سؤال يطاردني (متى يكون الزواج)؟أحياناَ يخطر في بالي أننا نتواطأ بشكل مدهش في نظرتنا لفهم الحياة..مع ذلك، دوما تسبقني بمسافة ما، فحينما أكون مستعدة لتسلق أول درجات السلم أجدك تنظر إلى قمته..وحينما أصل، أراك سبقتني، فتحتويني بشعور الحماية،فأحدث نفسي بفخر،أنا تحت أعطاف رجل قوي، يدرك العالم الواسع من حولي..”
(7)
انتهت علبة سجائري الخفيفة، وفي الليل متسع للسهر، أتذكر، في حقيبتي علبة سجائرك، التي حملتها لك ونحن في صالة “الديسكو” حيث كانت المفاجأة تنتظرنا، والتقينا “عمر” أحد معارفك الكثر، كنا نجلس على المقاعد الوثيرة في الصالة المعتمة، والتي ترش الأنوار فيها ملونة خافتة مرة، قوية مرة أخرى، ويلفنا ضباب السجائر والقلوب المشتعلة، وحيث لا يطفئ الظمأ سوى نبيذ ورقص مجنون، في تلك اللحظة شعرت بالخيبة، نحن نفر من وجه المدينة فإذا بها تتبع آثار خيولنا التي رمحت بعيداَ، لكن يدك تسللت في الظلمة، وعانقت يدي فسرى الاطمئنان إلى روحي وهمست لي: – لا لا تخشه، هذا رجل حضاري جدا يستوعب الأمور.
ورحب بنا وكأننا ضيوفه:
– أنا مقيم هنا، منذ ثلاثة أيام ،هذا الفندق غالبا ما يكون المحطة الأخيرة،، قبل عودتي من كل سفر،لقد استرعى انتباهي سيارتك في المرآب،لكن عاملة الاستقبال(صديقتي) سحبت قائمة الأسماء فتأكدت من وجودك هنا..ودخلتما في حديث ودي، كان مهذبا ولطيفا، وأدهشتنا المفاجأة التي حضرها، حيث بعد دقائق من انضمامه إلينا، جاء النادل يحمل في يده كعكة وعليها شمعة واحدة!! وتبادلنا نظرات الاستغراب معا! كنت تريد نفي التهمة عنك وأنت تعلم أنني هربت من الاحتفال بعيدا عن الذكريات، التي أحرقت أوراقها قبل أن نسافر،ويأتي عمر صديقك يقدمها:
– عيد ميلاد سعيد يا سيدتي، وتابع آسف لتطفلي، لقد قرأت تاريخ ميلادك من جواز سفرك في الاستقبال!
– ابتلعت قلقي وصار للاحتفال طقوسه، وقلت :”كم يعجبني ذوقك يا حبيبي في اختيار الأصدقاء، رقصنا وثملنا وقبلتني سراَ ملتحفاَ عتمة مفاجئة.
(8)
لا أتذكر كيف ومتى اشرق الفجر علينا، فقط أحسست دفء القبلة التي طبعتها على جبيني، وذهبنا إلى سوق البلدة السياحية، كنت أتعلق بك مثل طفلة تستشعر حماية والدها، وأنت تدللني وتشتري كل ما أشير إليه، كانت الحرية تمنحنا الانطلاق،هنا لا أحد يعرفك، فيوقفك لطلب خدمة، وأنا لست بشاعرة طفقت شهرتها أرجاء الأرض،هنا امرأة ورجل عاشقان ومناخ البلدة لا يحتمل سوى عواصف القلوب. عدت أحمل خيولي الجامحة، كنتَ تريد النوم لساعة قبل أن نقفل عائدين، بينما امضي الوقت في قراءة المجلات، وُكنتُ منسجمة تماما وأنا أحلم بتلك التصميمات للبيوت الجميلة والأثاث الرائع،وأفسح مكانا للخيول، وأين سأضعها حينما يضمنا بيتنا الدافئ، فجأة وجدتك تنهض تعانقني بشغف، وتقول:
– أيتها الفاتنة، المرأة الغاوية، تسترخي في جلستك، وهذا الروب الزهري، يزيد فتنتك وأنت تقرئين، لقد غلبتني طريقتك في الاستلقاء على الكرسي ولم اقدر على النوم، أغويتني؟! الحياة معك جميلة.ثم تنهدت.
– وفقط..؟” كنت أتمنى لو أضفت، اليوم سنتزوج وليأتِ الطوفان لن أرده. ولن ينازعني أحد فيك…في هذه اللحظة خشيت أن يهرب العمر من تحت معطف الوقت الثمين،الوقت أدركنا، وعدنا””
(9)
“هاهو الليل ينتصف”… جرس الباب، يتحرش بالهدوء القلق، انهض مسرعة،والنفس تحدثني بفرحة، علي لن يأتي !غير معقول؟! لكن الغرفة اتسعت بأشواقها،وصلت، فتحته، كان سائقه يقف قبالتي ويمد يده بمظروف:
– مساء الخير سيدتي، سيدي يقول لك إن في المظروف بطاقات للهاتف، يرجوك الاتصال به!
أغلقت خلفه الباب، والسؤال يلح من جديد، هل كان يجب الانتظار كل هذا الزمن لأعرف أنك لم تعد تحتمل الغياب والشوق؟
اسمع صوتك، أثور في وجهك أهاجمك بنزق طفلة لم تعتد رفض طلباتها، كنت اقتحم صمتك بقوة الحنين التي تغلي داخلي، تحتمل بهدوء كل غضبي، تطفئني، يأتي صوتك حنوناَ لكنه قوي النبرات:
– حبيبتي…اسمعي هذه الأغنية.؟
– “اسمع، واسمع، تحملني الموسيقى إليك،تضمني إلى صدرك،تأخذني بقوة،تسكب مياه بحرك على حمى البراكين المشتعلة منذ أيام، بصوتك يساير النغمات تغني لي، أتحول إلى قطرة ماء تسيل، تتلاشى، تندمج في محيطك الهادر، أسألك:
– حبيبي،هل سمعت بأن النار تصبح ماء؟
– يحدث حتماَ، في الحب فقط!
– ها أنت تعود إلى عادتك معي،هكذا عليًَ أحبهّ!؟
– أجل،ستنامين وتصحين على صوتي
– همست..وفقط ؟؟
(10)
فقط، أعود بين جدران غرفتي التي حاصرتني وطوقتني الوحشة فيها أياماَ.. يأتي صوت علي، يرفع السأم والوحدة القاتلة،أعود إلى فراشي،يعصيني النوم، الطاولة تناديني والأوراق تغمز لي، أثرثر معها عنه، وفرسان جموحان يغازلان الذاكرة، يستيقظان فيها جمرتان تنهضان بالأشواق ،اكتشف أنهما كانا يبتعدان عن بعضهما، أتكاسل، ولكني انهض من جديد أقرب المسافة بينهما اكثر واكثر..ضاقت …تعانقا، وشعرت أنهما غافيان، وأن جفوني تحمل ماء يطفئ هذا الجموح دائم الاشتعال داخلهما.
2002-04-16
رزان مغربي