جعفر الديري - الروائية سمر يزبك: أستمتع بالاسثناء الذي وجدت نفسي من خلاله وهو الخلق.. سيرة ذاتية

كتب - جعفر الديري

أكدت الروائية السورية سمر يزيك أن السعادة والمتعة التي تحتضن قلبها كانت ولاتزال الدافع الدائم لها كي تمارس فعل الكتابة نفسه، وحينها كان الشعور حياديا وكانت تستمتع بالاسثناء الذي وجدت نفسها من خلاله وهو الخلق.
وأضافت يزبك خلال حديثها عن تجربتها الروائية، في مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في العاصمة المنامة: عندما بدأت الحلم بالكلمات وأنا طفلة كنت أراقب أصابعي وأتخيل أني جنية ساحرة تمسك بعصاها النجوم وكانت تروق لي فكرة النجوم التي تخلفها أصابعي على شكل كلمات فوق الورق الأبيض. آنذاك لم أعرف أن تلك العصا السحرية والنجوم هي الوجه الآخر للحياة والخلق. وعندما كبرت قليلا اكتشفت أن الكلمات والقصص الصغيرة قد حولتني الى زهرة صغيرة أصنع الحياة بقلمي وكانت غواية فعل الخلق قد لوثت حياتي، مضيفة: ان المتعة في الشعور بذلك الشعور وذلك الارتجاف المصاحب لعملية الكتابة يشبه متعة السعادة، المتعة التي لا تضاهيها متع الدنيا كلها، وأنا لا أعرف أنها كانت تنبعث من الفعل نفسه لكن السعادة والمتعة التي تحتضن القلب كانت ولاتزال الدافع الدائم لي لكي أمارس فعل الكتابة نفسه، وحينها كان الشعور حياديا وكنت أستمتع بالاسثناء الذي وجدت نفسي من خلاله وهو الخلق. هذا من دون معرفتي في أي زمن أعيش وفي أي مكان والأهم من ذلك كله قبل ادراكي أنني خلقت أنثى في مجتمع ينتصر لقيم الذكورة بالضرورة.
وتابعت صاحبة رواية طفلة السماء: كل هذه الأمور حولت فعل الكتابة الى كينونة شخصية قائمة بذاتها وبدلت متعة الخلق وبدلت حياتي الى جحيم لا ينتهي. فلأن أكون كاتبة قي مجتمعات لا تحترم فعل الكتابة وتجد في النتاج الثقافي ترفا لا مبرر له أمرا ليس باليسير فذلك يعني أن يكون المبدع على الهوامش وان أراد البقاء فعليه أن يصبح بوقا يردد السائد ولا يخرج عن نطاق المألوف والمتعارف عليه، والأهم من ذلك أن لا يقارب بأطروحاته وكتاباته المأثورات التي من شأنها خلخلة النظام السياسي والاجتماعي أو أن يختار بقعة مظلمة يركن روحه اليها بل الأفضل من ذك كله أن يضع قدمه جانبا، هذا في أفضل الأحوال ان كان رجلا فكيف الحال مع امراة كاتبة؟!.

الطفولة والصبا

وحول ذكريات الطفولة وعلاقتها الأولى بالقراءة، قالت يزيك: لا أذكر في طفولتي أن أحدا من أفراد أسرتي جاءني بكتاب، ولا أذكر حتى أن القراءة كانت من العادات التي يجب أن تتبعها البنات بل على العكس تماما كانت أمي تطلب مني أن لا أكثر من القراءة وكانت تقول لي حين تراني منهمكة في القراءة لساعات أن البنات خلقن للزواج فقط وعندما كنت أقول لاخوتي أنني ساصبح كاتبة كانوا يتندرون علي ويعتبرونني بنتا مدللة وكان يخفون عني الكتب، وكان أبي يناقشني في أن هذه الكتب الكثيرة ستضر بي وأني بنت وعلي أن أتعلم في الجامعة لأكون مهيئة لاعداد أسرة وتربية أولاد وتعليمهم وكان يقول لي - على رغم أنه رجل مثقف- أن قدرة المرأة على الخلق تتمثل فقط في انتاج الأبناء وأن عقلها محدود ولا يملك الأفكار الكبيرة وكنت ألتزم بالصمت حيال ما يقوله أبي وفي سري أضحك لأن الجميع لم يكن يعرفون أن في داخل قلبي الهة صغيرة، اذ لم تكن لي كعادة الكتاب جدة تروي لي الحكايات قبل النوم وكانت جدتي امراة تحب الكلام وتدخن كثيرا وتضحك بصوت عال وتغني بالفرنسية أغان حزينة لم أفهمها ابدا، لكن الجدة الحقيقية التي حلت محلها كانت كتاب ألف ليلة وليلة وهو الذي تنشقت من خلاله السعادة المقبلة.
ومتحدثة عن أثر كتاب "ألف ليلة وليلة" في عقلها وتوجهها للكتابة أضافت الكاتبة السورية: ان كتاب ألف ليلة وليلة حول حياتي الى فضاء أكثر رحابة وقد حلمت أن أكون سيدة الحكاية شهرزاد الجميلة. وتلك الحكايات المدورة التي ما ان تبدأ حتى تنتهي وما أن تنتهي حتى تبدأ جعلتي أحلم أن احل محل شهرزاد وأجلس على بساط الريح وأروي الحكايا وأخلق بشرا من غيوم وفضه وأنهار من رشفات الحروف، وكانت شهرزاد هي التي علمتني كيف يتحرر البشر من محدودية وجودهم ودلتني بذلك على طريق الخلاص. وكنت حتى ذلك الوقت أكتب القصص القصيرة وأخفيها. فكنت خجولة جدا وأخشى أن يرى أحد ما أكتبه، وكنت أواصل قراءة "تشيكوف" "موباسان" و"ادجار الان نو" و قد قرأت "كافكا وتأثرت به وما زلت أداوم على قراءته وأتأثر به وحتى الآن أجده أكثر من تركني في عالم من الغرابة، كما أنني أغرمت بحياة الشاعر الفرنسي "رامبو" وكنت أقراه كثيرا، ولم ألتفت الى أن أغلب قراءاتي كانت من الأدب المترجم ولم أنتبه الى المكتبة التي استعنت بها رغما عني كانت تخص الأخ الأكبر لأمي والذي اهتم بالأدب العربي أكثر من اهتمامه بالأدب العربي".

مشروع سحر

ومشيرة الى فترة الثمانينات والتي شهدت اهتمامها الكبير بالأدب العربي أضافت يزبك: في تلك الفترة كانت كل كلمة أكتبها هي مشروع سحر يطير بي بعيدا عن مكاني المغلق عن المكان الواقع في أسر الحياة الرتيبة والعادات والتقاليد التي تحول كل شيء الى متشابكات بدأ من أصغر الدوائر الاجتماعية وانتهاء بأعلى هيئة سلطوية لكن العالم كان يتغير آنذاك، اذ أنه في أواخر الثمانينات وعندما التحقت بكلية الآداب بقسم اللغة العربية كان العالم يسير في طريق واحد يقوده الجنون والدمار، وكانت الدول الاشتراكية في أوروبا عدا عن الشرقية على أهبة السقوط لذلك وفي تلك الحقبة أقبلت على الأدب العربي وغرقت فيه كردة فعل، اذ كنت أشعر أن كل شيء خارج الهوية العربية باطل، كان ذلك في أيام مضت كنت خلالها لا أزال أحلم بوطن عربي واحد ورغم هزالة الأحلام تلك الا أنها أرشدتني الى "أبي الطبيب المتنبي"، "طرفة بن العبد" "الجاحظ" "ابن المقفع" والسهروردي"، اذ كنت أدرس الأدب العربي في الجامعة وكنت مهووسة بأشعار المتنبي. وكان شخصية أخاذة بالنسبة لي لأنني وجدت في فكرته عن نفسه فكرة تقارب فكرة الخلق بالنسبة لي. وكل هؤلاء الذين مروا على ذاكرتي لم يغادروها وشكلوا ربما بدون دراية مني جزءا كبيرا من شخصيتي. ومنذ ذاك الزمن لم أعرف حدا للهوس اليومي بقراءة كتب الشعر والروايات، وبع ذلك تحولت القراءة عندى الى الأكسجين الذي أتنفسه من الهواء ولم يعد بامكاني مفارقة الكتب اذ كان الكتاب بوصلتي والجهة الخامسة الوحيدة التي تدلني على معاني الحياة.
وأضافت: لقد أخذت بتدوين ما أحسه وبتدوين يوميات المدرسة وكل ما هو حولي، وكلما انتابتني الرغبة في الحديث والتواصل توجهت الى أقلامي وأوراقي البيضاء اذ صارت جزءا مكملا لوجودي وباتت تشبه الرؤيا فارتبت بأنني بلا كتابة أشبه ببنت عمياء. وقد نشرت أول قصه لي في أوائل التسعينات وكانت بعنوان "صباحات ثلاث" وهي عن الأنثى التي بقيت في هاجسي، مع أني أستطيع التسليم بأن ما يتوجب علي كتابته ينبغي أن يتجاوز احساسي بالظلم الذي يقع علي وعلى بنات جنسي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى