اليوم شره مستطير، السماء متجهمة، والرياح تلفح كل الوجوه ، الوجوه عابسة ، الأعين مشدوهة إلى ذاك الأفق المغبر البعيد ... البحر يزأر يهدد فيتوعد ، الأمواج تكر فتتلاشى فتجمع قواها فتزحف بأشد مما كانت عليه ...الناس حيرى خائفون يفكرون يتساءلون :ما بال المياه تعبث بالسفينة الصغيرة وتفتك خيراتها فتعيدها طعما للحيتان ؟
وصابرالمسكين ممسك بحطام مركبه يصارع الموج يسعى أن يعصم نفسه من الغرق...وسكينة تلبّستها رعدة وأشكل عليها أن ترى زوجها يقارع الموت ، فسعت تدعو أهل القرية أن هبوا أنقذوا أبا سلمى فمن أحيا نفسا فكأنما احيا الناس جميعا .
عسعس الليل ، فغيض الماء وأقلعت الأمواج ، ولم يعد البحارة يخشون أن يأخذ البحر كل سفينة غصبا ، وإذا صابر ملقى على الصخور، منخراه ينزان بدم قان ، أطرافه متجمدة فعجزت عن الحراك ، بصره شاخص ... تجمع حوله الناس ، فما أحد مدرك ما يفعل له وجاء زوجه كمن نفخت فيه الروح يسعى قالت: يا بحر كم بيوت خربت ، ومهج مزقت ، ونفوس تقطعت حسرات ، وزوجات صيادين رملت ... يا بحر أنت الشر والكفر ...أنت الحرب والعدم .. ثم انعطفت على صابر لوما وتقريعا ...ما جزاء من اراد البحر رزقا إلا أن تعذب أسرته أو يكون من المقعدين . ما كان لنا أن نعيش هذا اليوم لوكنت أمنت ، بدا صوت سكينة يطفو على كل الأصوات ، في تلك الأثناء نادى مناد أن هبوا أنقذوا صابر ففيه بقية حياة..
.يحمل صابر إلى الإسعاف وسط جلبة أهل القرية ودعوات سكينة ...أخذ التعافي مجراه إلى صابر ...وبدا حنينه إلى البحر كحنين النيب إلى فصالها
وقال كمن يخاطب نفسه : هو البحر يحذرنا دائما أن نكون من المسلمين ولكن اغلب الناس لا يدرون ...نفسي ترنو إليك يا بحر ، تدعوني ولا مناص من تلبية الدعوة ...
ارتعدت سكينة فرائصها وولولت : يا أسفا أتفتأ تذكر البحر حتى نكون حرضا أو نكون من الهالكين ؟
لعمرك إنك لفي سفاهة وجنون ، هل علمت ما فعل بك البحر أمس ؟
قال صابر : البحر مني وأنا منه ، البحر سخرة ، سخر لكم البحر لتأكلوا لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ...
قالت سكينة : اينما تول فثم الرزق ، فلم تعلق رزقك على البحر دائما ؟
دخلت سلمى وقالت : يا أبت لا تقرب هذا البحر فتهلك فنشقى فنصلى نارا تلظى ،
رد صابر : إنما نما جسدك هذا من البحر ، هو قبلتنا وشرعتنا ، يريدنا ونريده ، عظيم أنا حين آوي إليه أشق عبابه وأقارع أمواجه وأفتك من ثروته ، وأنا ممسك بدفة مركبي أسيره كما اريد
قالت سكينة : بحق حب من الأزل ، بحق ما لدينا من ذكرى كانت بالأمس خاسئة على كلينا بحق صيحات فتتت قلوب الأمهات والبنين ، دع عنك البحر ولتكتف بالارض فنهنأ ونطمئن
قال صابر : قدري هو قدري وأنا هو انا ، معاذ الله أن أهدأ فأستكين ، تأبى نفسي إلا أن تجدف ، ذريني وأهوال البحر أفانها، فأهواله العظمى تصنع الرجل العظيم ، ألم تعلمي أن المحيد عنه كفر ، أستكين فأكون كافرا ، اتراخى فتدوسني دواسة الضعف ، لا ، لا ، لن أهدأ فتسوقني عوامل الفناء، بيني وبين البحر كر وفر ، لا تقولي إن البحر قد جمع لك فاخشه، سأعد له ما استطعت ، سأكفر بكل الآلهة والنساء ، وامضي إلى حيث لا ألين ولا أعطف ، موعدنا الصبح أليس الصبح ببعيد .
أمضت سكينة ليلتها تشكو بثها وحزنها إلى الله وتفكر في بعض رقية أو تعويذة تعيد إلى حليلها بعض صوابه . ولما انبلج الصبح ، كان الهواء لافحا ،والسماء صحوا ، وإذا صابر يحدق في اتجاه البحر ، عيناه حالمتان ، شفتاه تتمتمان ، ثم ها هو قاصد البحر ...وإذا سكينة تناديه ان ثب إلى رشدك ، ثم هي واقفة ، فناظرة ، فراثية لفكره ، فخاسيء بصرها ، فصائحة : جن صابر ...كفر صابر ... البحارة هلكى إلا من آمن ...
مطار اللافي
وصابرالمسكين ممسك بحطام مركبه يصارع الموج يسعى أن يعصم نفسه من الغرق...وسكينة تلبّستها رعدة وأشكل عليها أن ترى زوجها يقارع الموت ، فسعت تدعو أهل القرية أن هبوا أنقذوا أبا سلمى فمن أحيا نفسا فكأنما احيا الناس جميعا .
عسعس الليل ، فغيض الماء وأقلعت الأمواج ، ولم يعد البحارة يخشون أن يأخذ البحر كل سفينة غصبا ، وإذا صابر ملقى على الصخور، منخراه ينزان بدم قان ، أطرافه متجمدة فعجزت عن الحراك ، بصره شاخص ... تجمع حوله الناس ، فما أحد مدرك ما يفعل له وجاء زوجه كمن نفخت فيه الروح يسعى قالت: يا بحر كم بيوت خربت ، ومهج مزقت ، ونفوس تقطعت حسرات ، وزوجات صيادين رملت ... يا بحر أنت الشر والكفر ...أنت الحرب والعدم .. ثم انعطفت على صابر لوما وتقريعا ...ما جزاء من اراد البحر رزقا إلا أن تعذب أسرته أو يكون من المقعدين . ما كان لنا أن نعيش هذا اليوم لوكنت أمنت ، بدا صوت سكينة يطفو على كل الأصوات ، في تلك الأثناء نادى مناد أن هبوا أنقذوا صابر ففيه بقية حياة..
.يحمل صابر إلى الإسعاف وسط جلبة أهل القرية ودعوات سكينة ...أخذ التعافي مجراه إلى صابر ...وبدا حنينه إلى البحر كحنين النيب إلى فصالها
وقال كمن يخاطب نفسه : هو البحر يحذرنا دائما أن نكون من المسلمين ولكن اغلب الناس لا يدرون ...نفسي ترنو إليك يا بحر ، تدعوني ولا مناص من تلبية الدعوة ...
ارتعدت سكينة فرائصها وولولت : يا أسفا أتفتأ تذكر البحر حتى نكون حرضا أو نكون من الهالكين ؟
لعمرك إنك لفي سفاهة وجنون ، هل علمت ما فعل بك البحر أمس ؟
قال صابر : البحر مني وأنا منه ، البحر سخرة ، سخر لكم البحر لتأكلوا لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ...
قالت سكينة : اينما تول فثم الرزق ، فلم تعلق رزقك على البحر دائما ؟
دخلت سلمى وقالت : يا أبت لا تقرب هذا البحر فتهلك فنشقى فنصلى نارا تلظى ،
رد صابر : إنما نما جسدك هذا من البحر ، هو قبلتنا وشرعتنا ، يريدنا ونريده ، عظيم أنا حين آوي إليه أشق عبابه وأقارع أمواجه وأفتك من ثروته ، وأنا ممسك بدفة مركبي أسيره كما اريد
قالت سكينة : بحق حب من الأزل ، بحق ما لدينا من ذكرى كانت بالأمس خاسئة على كلينا بحق صيحات فتتت قلوب الأمهات والبنين ، دع عنك البحر ولتكتف بالارض فنهنأ ونطمئن
قال صابر : قدري هو قدري وأنا هو انا ، معاذ الله أن أهدأ فأستكين ، تأبى نفسي إلا أن تجدف ، ذريني وأهوال البحر أفانها، فأهواله العظمى تصنع الرجل العظيم ، ألم تعلمي أن المحيد عنه كفر ، أستكين فأكون كافرا ، اتراخى فتدوسني دواسة الضعف ، لا ، لا ، لن أهدأ فتسوقني عوامل الفناء، بيني وبين البحر كر وفر ، لا تقولي إن البحر قد جمع لك فاخشه، سأعد له ما استطعت ، سأكفر بكل الآلهة والنساء ، وامضي إلى حيث لا ألين ولا أعطف ، موعدنا الصبح أليس الصبح ببعيد .
أمضت سكينة ليلتها تشكو بثها وحزنها إلى الله وتفكر في بعض رقية أو تعويذة تعيد إلى حليلها بعض صوابه . ولما انبلج الصبح ، كان الهواء لافحا ،والسماء صحوا ، وإذا صابر يحدق في اتجاه البحر ، عيناه حالمتان ، شفتاه تتمتمان ، ثم ها هو قاصد البحر ...وإذا سكينة تناديه ان ثب إلى رشدك ، ثم هي واقفة ، فناظرة ، فراثية لفكره ، فخاسيء بصرها ، فصائحة : جن صابر ...كفر صابر ... البحارة هلكى إلا من آمن ...
مطار اللافي