فجأة إنخرطت الفتاة الصغيرة في البكاء. كان أهلها قد احتفلوا بعيد ميلادها العاشر قبل أيّام قليلة. وكان لها شعر فاحم قصير، وعينان سوداوان تلمعان بفرح دائم ،وخدّان ورديّان يكاد الدّم ينفجر منهما ،وشامة على الرقبة كأنها حبّة زيتون في عزّ نضجها، ولها بهجة الطيور في أوّل الربيع. وهي دائمة الهدوء والمرح. فلا تغضب ولا تبكي أبدا. حتى حين نزلت من بطن أمها، لم تطلق أي صراخ .وأهل القرية البحريّة، مسقط رأسها عجبوا لأمرها. وقال البعض منهم إن الله قد يكون بارك قدومها الى العالم أكثر من غيرها.وربما سيكون لها شأن عندما تكبر!...
وكانت البنت الصغيرة تحبّ البحر، وطيور النّورس، والقمر في ليالي الصيف، وشحوب الخريف على الأشجار، والشتاء حين يحتدم غاضبا، والربيع حين يهبّ أخضر من بين الصخور. وكانت تعشق أغاني الرعاة في الوهاد السحيقة، وخوار البقر في المساءات البنفسجيّة، والأمواج وهي تداعب الرمل الأملس، والبحّارة حين يعودون بمحصولهم عند الغروب مطلقين الأغاني التي تمجّد صراعهم مع البحر في العواصف الشديدة. وكانت البنت الصغيرة، واسمها مريم، تغنّي أحيانا أغاني بديعة يطرب لها الصغار والكبار.أحيانا أخرى تصمت ،وتظلّ ساهمة لأيّام طويلة. وقد تفاجئ أهلها بإثارة مسائل لا تتناسب مع سنها، بل ولا تتناسب حتى مع الذين تجاوزواا سنّ البلوغ. وكان والداها يتحدثان عنها وكأنها هديّة من ملائكة السماء، ولا يأتيان بأيّ شيء يمكن أن يعكّر صفوها...
لكن في ذلك اليوم، والدنيا خريف، إنخرطت البنت الصغيرة في البكاء. اندهشت ألأم فسارعت بإعطائها لعبا وحلوى. إلاّ أن مريم الصغيرة رفضتها كلّها، وظلّت تبكي، وتبكي بلوعة لا مثيل لها حتى أن ألأمّ المسكينة كادت تفقد صوابها. عند المساء،عاد الأب متعبا من عمله. حين وجد إبنته العزيزة على قلبه تبكي بحرقة لا تضاهيها حرقة، ذهل ذهولا شديدا.ولمّا حاول إستفسارها عن سبب بكائها، إغتاضت وعلا صوتها بالبكاء أكثر من ذي قبل ليملأ الليل، ويقضّ مضاجع النائمين!
صبيحة الغد، حمل ألأب إبنته الى الطبيب. بعد فحص دقيق قال الطبيب بإن الصبيّة الجميلة في صحّة جيّدة، وأن بكاءها نوبة عابرة سوف تزول بزوال ضجر الخريف وطقسه المتقلب. وعندما بلّغت الأمّ بذلك،ت ضرّعت الى الله أن يدحر الخريف في أقرب وقت ممكن...
مرّت الأيّام والليالي، ورحل الخريف، وجاء الشتاء عاصفا ممطرا إلاّ أن البنت الصغيرة ظلّت مسترسلة في البكاء، رافضة الأكل،والشرب، والنوم.إحتار الوالدان في أمرها، ،و شرعا هما أيضا يبكيان من شدّة الغمّ .وعملا بنصيحة الأتقياء من أهل القرية، طافا بابنتهما الصغيرة حول ضريح وليّ صالح، مردّدين آيات الكرسي. في نهاية الطواف ذبحا ديكا أسود عند العتبة ، وأطعما الفقراء والمساكين، غير أن كلّ ذلك لم يأت لا بنفع ولا بشفاء. وظلت البنت الصغيرة تبكي مع عواصف الشتاء وهدير البحر الهائج...
ذات ليلة كثر فيها الطشّ والرشّّ، وعلا صخب الأمواج ،أغفى الوالدان في قاعة الجلوس،قرب المدفأة. حين استيقظا، فاجأهما صمت غريب لم يتعودا عليه منذ أشهر طويلة. وتقول الحكاية بإن الوالدين طافا بعد ذلك في جميع أرجاء البيت، وفي القرية، وضواحيها، وفي الحقول، والبساتين، من دون أن يعثرا على أيّ أثر لمريم الصغيرة.
مساء اليوم التالي، وجد أحد البحّارة قميصها ملطّخا بالدم على صخرة من صخور الشاطئ.وكان ذلك ما خلّفته البنت الصغيرة قبل أن تختفي إلى الأبد!...
وكانت البنت الصغيرة تحبّ البحر، وطيور النّورس، والقمر في ليالي الصيف، وشحوب الخريف على الأشجار، والشتاء حين يحتدم غاضبا، والربيع حين يهبّ أخضر من بين الصخور. وكانت تعشق أغاني الرعاة في الوهاد السحيقة، وخوار البقر في المساءات البنفسجيّة، والأمواج وهي تداعب الرمل الأملس، والبحّارة حين يعودون بمحصولهم عند الغروب مطلقين الأغاني التي تمجّد صراعهم مع البحر في العواصف الشديدة. وكانت البنت الصغيرة، واسمها مريم، تغنّي أحيانا أغاني بديعة يطرب لها الصغار والكبار.أحيانا أخرى تصمت ،وتظلّ ساهمة لأيّام طويلة. وقد تفاجئ أهلها بإثارة مسائل لا تتناسب مع سنها، بل ولا تتناسب حتى مع الذين تجاوزواا سنّ البلوغ. وكان والداها يتحدثان عنها وكأنها هديّة من ملائكة السماء، ولا يأتيان بأيّ شيء يمكن أن يعكّر صفوها...
لكن في ذلك اليوم، والدنيا خريف، إنخرطت البنت الصغيرة في البكاء. اندهشت ألأم فسارعت بإعطائها لعبا وحلوى. إلاّ أن مريم الصغيرة رفضتها كلّها، وظلّت تبكي، وتبكي بلوعة لا مثيل لها حتى أن ألأمّ المسكينة كادت تفقد صوابها. عند المساء،عاد الأب متعبا من عمله. حين وجد إبنته العزيزة على قلبه تبكي بحرقة لا تضاهيها حرقة، ذهل ذهولا شديدا.ولمّا حاول إستفسارها عن سبب بكائها، إغتاضت وعلا صوتها بالبكاء أكثر من ذي قبل ليملأ الليل، ويقضّ مضاجع النائمين!
صبيحة الغد، حمل ألأب إبنته الى الطبيب. بعد فحص دقيق قال الطبيب بإن الصبيّة الجميلة في صحّة جيّدة، وأن بكاءها نوبة عابرة سوف تزول بزوال ضجر الخريف وطقسه المتقلب. وعندما بلّغت الأمّ بذلك،ت ضرّعت الى الله أن يدحر الخريف في أقرب وقت ممكن...
مرّت الأيّام والليالي، ورحل الخريف، وجاء الشتاء عاصفا ممطرا إلاّ أن البنت الصغيرة ظلّت مسترسلة في البكاء، رافضة الأكل،والشرب، والنوم.إحتار الوالدان في أمرها، ،و شرعا هما أيضا يبكيان من شدّة الغمّ .وعملا بنصيحة الأتقياء من أهل القرية، طافا بابنتهما الصغيرة حول ضريح وليّ صالح، مردّدين آيات الكرسي. في نهاية الطواف ذبحا ديكا أسود عند العتبة ، وأطعما الفقراء والمساكين، غير أن كلّ ذلك لم يأت لا بنفع ولا بشفاء. وظلت البنت الصغيرة تبكي مع عواصف الشتاء وهدير البحر الهائج...
ذات ليلة كثر فيها الطشّ والرشّّ، وعلا صخب الأمواج ،أغفى الوالدان في قاعة الجلوس،قرب المدفأة. حين استيقظا، فاجأهما صمت غريب لم يتعودا عليه منذ أشهر طويلة. وتقول الحكاية بإن الوالدين طافا بعد ذلك في جميع أرجاء البيت، وفي القرية، وضواحيها، وفي الحقول، والبساتين، من دون أن يعثرا على أيّ أثر لمريم الصغيرة.
مساء اليوم التالي، وجد أحد البحّارة قميصها ملطّخا بالدم على صخرة من صخور الشاطئ.وكان ذلك ما خلّفته البنت الصغيرة قبل أن تختفي إلى الأبد!...