أحد المساءات الربيعية .. في تلك اللحظة التي يكون فيها قرص الشمس في متناول كفَّيك ..! اللحظة التي تتوهَّج فيها التنانير .. وتنعقد حُزَم الدخان فوق الوادي .. كانت القِطَّة تتمدَّد في تجويفٍ تحت الصخرة .. غائبة عن الوعي .. بلغ الألم مُنتهاه .. حتى تلاشى الإحساس بالألم ..! أفاقت .. استدارت .. غمرها إحساس جارف بالأُمومة .. هذه أول مرَّة تعرف طعم هذا الإحساس ..! تأمَّلت أُسرتها .. خمس قُطيطات .. أربعٌ بِيض .. وواحدٌ أسود . تشمَّمتْهم .. ـ البياض لي .. والسواد له .. تُرى أين هو الآن ..؟ لا هَمَّ له سوى النزول من فوق قِطَّة .. واعتلاء أُخرى .. ثُمَّ يتلهَّى ويصطاد .. وكأنه لا علاقة له بالأمر ..! إنه لا يعرف حتى مذاق الألم .. ولكن .. لا بأس .. دعونا نتذوَّق اللحظة الراهنة . لحستْهم .. واحداً واحداً .. ثُمَّ استلقت من جديد .. ومنحتْهم أثداءها الطافحة بالحليب . ( 2 ) في الصباح .. ألْقتْ نظرةً على صغارها العُميان .. لقد ارتوتْ .. وهي الآن مستغرِقة في نومٍ عميق .. وكل واحد يدسُّ رأسه في حضن الآخر . خرجت لاصطياد ما يمكن اصطياده .. تطلَّعت حولها .. إنها في مأمنٍ من شقاوة الأولاد .. فقد اختارت هذا التجويف الصخري البعيد .. حتى لا تكون هدفاً للمقاليع . الْتفتت إلى بيتها .. ـ ولكن ماذا لو تسلَّلت إحدى الأفاعي ..؟ ارتعشت وهي تتصوّر ذلك . أخذت تُضيِّق الفتحة .. كوَّمت التراب في المدخل .. ثُمَّ … ـ ماذا يفعل هذا الثعلب الملعون هنا ..؟ إنه يتشمَّم كل شيء .. لا يجب أن يراني . عادت .. حشرت صغارها في أعماق التجويف .. وأخذت موقف الدفاع .. فكَّرت : ـ إننا قريبون من المدخل .. في متناول المخالب . شرعت تحفر إلى الداخل .. تحفر .. حتى توغَّلت .. ولم تعُد ترى صغارها . عادت .. أخذت تلتقطهم من أعناقهم .. يتأرجحون بين فكَّي الأُمومة ..! ـ والآن أصبحتم في مأمن . مكثتْ قليلاً .. تلتقط أنفاسها .. ثُمَّ أطلعت رأسها من الفتحة .. ـ اختفى الثعلب .. لكنَّ رائحته لا تزال قوية . رفعت أنفها في كل الاتجاهات .. ـ آه .. المخادع يترصَّد من خلف الصخرة .. يظنُّ أنه يخدعني .. صغاري لن يكونوا لُقمة سهلةً لأحد . … وبقيت تسدُّ المدخل .. … في المساء .. حطَّت بُومة على الخَرُّوبة