✍ *_ في تلك المدينة شبه القروية التي تتوسط الصحراء.. تزوج الرجل الضخم المدعو بالأعسر.. صانع الأزيار والقلل الفخارية.. لم يشاهد الفتاة لأن أباها لم يمهله كثيراً ، فحينما انتهى من الصلاة عرض على الأعسر الزواج بابنته التي لم تبلغ العشرين بعد ، وإثر موافقة خجلى انتهز الأب الفرصة وتم عقد القران على مهر هو شاة.
الأعسر الضخم استقبل زوجة صغيرة مضطربة العقل بصمت..
كان يعود من عمله فترتمي على حجره وهي تقول:
- أريد دمية جديدة...
كانت تحتفظ بدمى كثيرة من القماش وتلعب بها..
تقول له:
- إنها تشعر بالبرد...
فيمسح شعرها ويبدأ في خياطة ملابس للدمية...
وفي معرضه الصغير تشتري النسوة القُلل وغالبا ما لا يدفعن مقدماً ، ثم يعبر أمامه القشيري الرجل النحيل القصير ذو النظرات المكيرة ، فيصيح:
- قالوا أنك تزوجت...؟
- نعم...
- مبروك...
ثم تأتي الشَفَّه ذات الثديين الضخمين المتدليين على بطن كبيرة ، وتقول:
- عاوزة قلة.. انكسرت قلتي يا الأعسر...
يشير لها إلى كومة من القلل على اليسار فتأخذ واحدة وتقول:
- باكر سآتيك بالمال..
فيهز رأسه بصمت..
وحين يعود قبل الإفطار لإطعام زوجته..ترتمي في أحضانه:
- لماذا دميتي حزينة؟
فيأتي بقلم ويرسم ابتسامة على وجه الدمية الخالي إلا من نقطتين تمثل العينين...
يطعمها ويقفل عائداً إلى معرضه البدائي...
اختفى والد الزوجة ، حتى أنه ترك الصلاة في الزاوية وكأنما كان خائفاً من إعادة الفتاة إليه.
الأعسر الرجل الصامت كان يسعد بحديث صديقه الخضرجي الذي لا يكف عن الكلام..
كان الخضرجي يقول:
- تزوجت تسعة نساء...أطلق واتزوج وأجدد شبابي...
يبصق ويستمر:
- إلا أن الأولى لا زالت في عصمتي.. فهي الحب الأول.. ولولا أنها لم تنجب لما بنيت فوقها...
والمدينة شبه القروية مترامية الأطراف لكنها تنتهي في الصحراء..ومنزل الأعسر على الطرف الشرقي... ليس بعيدا كثيراً عن الصحراء... ولذلك فالسماء فوق منزله الطيني كانت دائماً زرقاء مشرقة وصامتة مثله... والنسور تحلق عالية كنقاط سوداء فوق السماء... لذلك فما أن يأتي العصر برياحه الشمالية الشرقية الباردة حتى تراه يُخرج سريرين للحوش. ثم يذهب ويحمم زوجته ويلبسها ملابسها ثم يتسامر معها في الحوش حول الموضوع الأساسي:
- دميتي ... زعلانة مني..
يجيبها:
- لماذا؟
- لم تشرب ماء..
ينظر إلى الأفق..ويقول:
-ستبتل لو شربت..
تقول بغضب:
- لن تبتل..
- حسنٌ..هل تحبينها..
- نعم..
- وأنا كذلك..
يسألها:
- كم عمرك؟
فتنظر إليه ببله..يهمس:
- تسعة عشر...
تردد خلفه:
- تسعة عشر..
تنام على صدره حتى الصباح..حيث يخرج بعدها قاطعاً الأرض الترابية بدراجته الهوائية القديمة والتي تبدو بالنسبة لحجمه الضخم كدراجة للأطفال.
وبيدين مشعرتين ضخمتين يشكل الطين ثم يضعه في الفرن... ويستمع لصديقه الخضرجي:
- كنت أذهب للمدرسة ومعي مال خلافاً لباقي الأطفال..لم أحصل يوماً على مال من والدي.. بعد المدرسة أبيع السجائر والكبريت ماعدا أيام الامتحانات..الصباح أبيع الخضار متجاهلا الحصة الأولى ماعدا حصة الجغرافيا...آه من الجغرافيا..لا تذكرني بها... كنت أطوف العالم في تلك الحصة.. ربما لأن الأستاذ حببها لنا فقد كان يسردها بطريقة مسرحية طريفة ومضحكة.. فنحن تارة نركب السفينة لنتجه نحو إسبانيا وتارة نركب القطار لنصل إلى زيمبابوي ..
قطع حديث صديقه حين تذكر أنه لم يطعم زوجته.. دار بقدميه بسرعة على دافعتي العجلات مسرعاً إلى منزله..كانت الظهيرة في مقدمتها تستفتح على رأسه بأشعة الشمس الحارة فعجَّل بالحركة. وحين بلغ الباب جرَّ السلك وانفتح الباب فدخل. سمع صوت صغيرته يتأوه:
- أريد دميتي...أريد دميتي...
أدرك أنها جائعة لكنه ما أن دخل الغرفة حتى وجد القشير عارياً وهي كذلك.. كانت تلطمه في وجهه وهو يحاول تقبيلها... قال الأعسر بصوت خفيض:
- قم من فوقها...
التفت القشير القصير النحيل بذعر فشعر بمغبة العاقبة..أخذ يرتعش:
- أقسم لك...أقسم لك...
كانت صغيرته متكورة على طرف السرير ونقاط دم قصيرة على ملابسها... ضاقت عينا الأعسر ونظر إليها فهرولت نحوه باكية ، احتضنها بصمت ، ارتدى القشير سرواله وجلبابه وخرج بعينين مذعورتين.
قال الأعسر:
- يجب أن أحممك...بعدها سأخيط لك دمية جديدة..
قالت من بين دموعها:
- حقاً؟
قال:
- حقاً.....
دخلا الحمام فغسل جسدها وشعرها ودفأها بمنشفة واسعة...
ثم بعد أشهر تلقى أوَّل ولد له بصمت ...
كانت تقول:
- دميتي...؟
فيرد:
- نعم يا صغيرتي.. دمية تأكل وتشرب.. يجب أن تعتني بها جيداً..
تأخذ طفلها بين ذراعيها بحذر وتهمس:
- سوف أعتني بها...
ينظر هو نحوهما بصمت... بصمته الأبدي..
(تمت)
الأعسر الضخم استقبل زوجة صغيرة مضطربة العقل بصمت..
كان يعود من عمله فترتمي على حجره وهي تقول:
- أريد دمية جديدة...
كانت تحتفظ بدمى كثيرة من القماش وتلعب بها..
تقول له:
- إنها تشعر بالبرد...
فيمسح شعرها ويبدأ في خياطة ملابس للدمية...
وفي معرضه الصغير تشتري النسوة القُلل وغالبا ما لا يدفعن مقدماً ، ثم يعبر أمامه القشيري الرجل النحيل القصير ذو النظرات المكيرة ، فيصيح:
- قالوا أنك تزوجت...؟
- نعم...
- مبروك...
ثم تأتي الشَفَّه ذات الثديين الضخمين المتدليين على بطن كبيرة ، وتقول:
- عاوزة قلة.. انكسرت قلتي يا الأعسر...
يشير لها إلى كومة من القلل على اليسار فتأخذ واحدة وتقول:
- باكر سآتيك بالمال..
فيهز رأسه بصمت..
وحين يعود قبل الإفطار لإطعام زوجته..ترتمي في أحضانه:
- لماذا دميتي حزينة؟
فيأتي بقلم ويرسم ابتسامة على وجه الدمية الخالي إلا من نقطتين تمثل العينين...
يطعمها ويقفل عائداً إلى معرضه البدائي...
اختفى والد الزوجة ، حتى أنه ترك الصلاة في الزاوية وكأنما كان خائفاً من إعادة الفتاة إليه.
الأعسر الرجل الصامت كان يسعد بحديث صديقه الخضرجي الذي لا يكف عن الكلام..
كان الخضرجي يقول:
- تزوجت تسعة نساء...أطلق واتزوج وأجدد شبابي...
يبصق ويستمر:
- إلا أن الأولى لا زالت في عصمتي.. فهي الحب الأول.. ولولا أنها لم تنجب لما بنيت فوقها...
والمدينة شبه القروية مترامية الأطراف لكنها تنتهي في الصحراء..ومنزل الأعسر على الطرف الشرقي... ليس بعيدا كثيراً عن الصحراء... ولذلك فالسماء فوق منزله الطيني كانت دائماً زرقاء مشرقة وصامتة مثله... والنسور تحلق عالية كنقاط سوداء فوق السماء... لذلك فما أن يأتي العصر برياحه الشمالية الشرقية الباردة حتى تراه يُخرج سريرين للحوش. ثم يذهب ويحمم زوجته ويلبسها ملابسها ثم يتسامر معها في الحوش حول الموضوع الأساسي:
- دميتي ... زعلانة مني..
يجيبها:
- لماذا؟
- لم تشرب ماء..
ينظر إلى الأفق..ويقول:
-ستبتل لو شربت..
تقول بغضب:
- لن تبتل..
- حسنٌ..هل تحبينها..
- نعم..
- وأنا كذلك..
يسألها:
- كم عمرك؟
فتنظر إليه ببله..يهمس:
- تسعة عشر...
تردد خلفه:
- تسعة عشر..
تنام على صدره حتى الصباح..حيث يخرج بعدها قاطعاً الأرض الترابية بدراجته الهوائية القديمة والتي تبدو بالنسبة لحجمه الضخم كدراجة للأطفال.
وبيدين مشعرتين ضخمتين يشكل الطين ثم يضعه في الفرن... ويستمع لصديقه الخضرجي:
- كنت أذهب للمدرسة ومعي مال خلافاً لباقي الأطفال..لم أحصل يوماً على مال من والدي.. بعد المدرسة أبيع السجائر والكبريت ماعدا أيام الامتحانات..الصباح أبيع الخضار متجاهلا الحصة الأولى ماعدا حصة الجغرافيا...آه من الجغرافيا..لا تذكرني بها... كنت أطوف العالم في تلك الحصة.. ربما لأن الأستاذ حببها لنا فقد كان يسردها بطريقة مسرحية طريفة ومضحكة.. فنحن تارة نركب السفينة لنتجه نحو إسبانيا وتارة نركب القطار لنصل إلى زيمبابوي ..
قطع حديث صديقه حين تذكر أنه لم يطعم زوجته.. دار بقدميه بسرعة على دافعتي العجلات مسرعاً إلى منزله..كانت الظهيرة في مقدمتها تستفتح على رأسه بأشعة الشمس الحارة فعجَّل بالحركة. وحين بلغ الباب جرَّ السلك وانفتح الباب فدخل. سمع صوت صغيرته يتأوه:
- أريد دميتي...أريد دميتي...
أدرك أنها جائعة لكنه ما أن دخل الغرفة حتى وجد القشير عارياً وهي كذلك.. كانت تلطمه في وجهه وهو يحاول تقبيلها... قال الأعسر بصوت خفيض:
- قم من فوقها...
التفت القشير القصير النحيل بذعر فشعر بمغبة العاقبة..أخذ يرتعش:
- أقسم لك...أقسم لك...
كانت صغيرته متكورة على طرف السرير ونقاط دم قصيرة على ملابسها... ضاقت عينا الأعسر ونظر إليها فهرولت نحوه باكية ، احتضنها بصمت ، ارتدى القشير سرواله وجلبابه وخرج بعينين مذعورتين.
قال الأعسر:
- يجب أن أحممك...بعدها سأخيط لك دمية جديدة..
قالت من بين دموعها:
- حقاً؟
قال:
- حقاً.....
دخلا الحمام فغسل جسدها وشعرها ودفأها بمنشفة واسعة...
ثم بعد أشهر تلقى أوَّل ولد له بصمت ...
كانت تقول:
- دميتي...؟
فيرد:
- نعم يا صغيرتي.. دمية تأكل وتشرب.. يجب أن تعتني بها جيداً..
تأخذ طفلها بين ذراعيها بحذر وتهمس:
- سوف أعتني بها...
ينظر هو نحوهما بصمت... بصمته الأبدي..
(تمت)