جعفر الديري - "ملتقى الثقافة الالكترونية": القرن العشرين كان عصر النص بامتياز

كتب – جعفر الديري

أكد المنتدون في الملتقى الفكري الرابع لدول مجلس التعاون الخليجي «الثقافة الإلكترونية... الإنترنت بوصفها نصاً»، أن القرن الماضي كان عصر النص بامتياز.
وقال الناقد المغربي د. سعيد يقطين خلال وقائع المؤتمر في فندق الدبلومات، بالعاصمة المنامة ان «مفهوم النص قد اتخذ في القرن العشرين دلالات خاصة، واحتل موقعاً متميزاً في مجمل العلوم الأدبية والإنسانية إلى الحد الذي يمكننا معه اعتبار القرن العشرين عصر النص بامتياز، وكذلك التنويعات التي تحققت من خلال البحث فيه، وخصوصاً منذ السبعينات، وتشكل أحد روافده التي تم الكشف من خلالها عن خصوصياته المتنوعة، أدت إلى ظهور مفاهيم جديدة تمتح من معينه، وتترك الباب مفتوحاً للإمساك بالكثير من سماته وتجلياته في القرن الواحد والعشرين».
وأضاف "ويمكننا إجمال مختلف التنويعات التي تحققت بصدد النص تحت مفهوم واحد هو «التفاعل النصي»، أو «التناص» كما هو شائع. لكن مختلف الاجتهادات التي تحققت منذ بداية تأثير اللسانيات في البداية، والعلوم الإنسانية والحقة في مرحلة أخرى (الثمانينات)، وأوجدت مفهوماً موازياً هو «الخطاب» الذي استقطب الاهتمام المتزايد منذ الستينات".

الاقتراب من أصحاب التجربة

من جهته دعا المخرج البحريني خالد الرويعي إلى الاقتراب من أصحاب التجربة في مجال المشروعات الإنترنتية الثقافية، لأنه يرسم لنا خريطة مجتمعية معلوماتية توضح لنا مدى التطلع الإلكتروني وجدواه الذي لا مفر منه، وتبين لنا مدى الهوة التي يستطيع من خلالها المجتمع الإلكتروني العربي أن يردمها.
وأوضح «أنه من خلال تتبع عدد من المشروعات الانترنتية الثقافية (أفراد ومؤسسات) وجدت أن المشروعات الفردية بإمكاناتها المحدودة والتي تطمح لتوفير مادة معلوماتية جيدة تتفوق بشكل من الأشكال على المشروعات التي تديرها المؤسسات. فبعض المؤسسات الثقافية التي تعمل على إنشاء صفحاتها الإلكترونية لا تدرك ماهية هذه الصفحات، أو قيمة المعلومة ثمة مؤسسات قليلة تهتم بذلك، تهتم بكيفية تقديم المعلومة وهي قليلة إذا قورنت بأصحاب التجارب الفردية والمشروعات المستقلة، وهذا التفاوت هو ما يجعلنا نخاف مع تكرار تجربة الحداثة بين الأدب والمجتمع».
وأضاف «نحن نعترف هنا بأن كل الأشياء تأتي مستوردة، فالإنترنت لايزال في حيز الاختبار والتجربة على رغم بعض العلامات التي تشير إلى تحول ما، والإنترنت بقدومها أتت لتضع شكلاً آخر لسلوك مختلف وللعلاقات بشتى أنواعها، وكل ذلك أتى ليفرز مجتمعاً آخر أيضاً، وعربياً أتت معها (المايكرو استهلاك) - وهذه فرضية اقترحها للحوار بناء على تغليب النزعات الاستهلاكية في علاقاتنا الاجتماعية أيضاً - (المسج) بات ينم عن حال تجترنا إلى حال مثل حالات الاستهلاك، لم يعد للكلام معنى، فالتشابه النصي يفقد حال الصدقية، على رغم البرغماتية المكتسبة بين الآلة (السوق) والإنسان. و(المايكرو استهلاك) أيضاً، هو تفتيت القيمة التواصلية في المجتمع، فإذا كان اللهاث الشرائي يعني استهلاكاً، فإن حفظ الوصلات في (Favorites) تعد استهلاكاً آخر، إن فكرة حفظ المعلومة ليس بالأمر، ولكن السلوك الذي يستحدثها فعل الحفظ مثلاً، هو من يجعل حالاً من هذا النوع أشبه بالاستهلاك، والحال ذاتها تنطبق على فكرة الشراء الإلكتروني».
واوضح « ان المجتمع الإنترنتي، أفرز السلوك والتصرف شكلاً مقترحاً للبحث السيسيولوجي بالإمكان التحاور بشأنه ومناقشته، إذ إن الصور السيسيولوجية للمجتمع في غالبيتها تعني وضع الإنسان كنموذج تبدأ الأشياء منه وإليه تعود. وافترض هنا أن مثل هذه التقليدية في التعاطي مع المتغيرات ستبدو خاسرة أمام ما يحدث، فلا يمكن تقييم السلوك وما يتغير وفقاً لأصل معين، كأن تكون متغيرات التعلق بالفكرة الإلكترونية طارئاً ينبغي على علماء النفس والاجتماع بحثه وإرجاعه إلى أصله، إذ إننا وبهذا التصور نثبت قيمة سلوكية كأنها مرجع، وهذا لا يجدي مع المجتمع الإلكتروني، أعتقد أن بحث هذا التغير ومحاورته من دون إقصائه هو الفكرة الأجدى إذا كنا بصدد الحديث عن كل ذلك. واذا افترضنا أن التغير ونزعة الاستهلاك حاضرة بيننا، أين يكمن دور المبدع؟ فعندما جاءت الحداثة الشعرية العربية في منتصف القرن الماضي جاءت بمعزل عن حداثة المجتمعات باستثناء بعضها التي كانت على علاقة وطيدة بالجسر الغربي لظروف راهنة في تلك الفترة. لكن الحداثة الشعرية لم تستطع أن تنهض بالمجتمعات لقراءتها واقعاً غير الذي كان، إذ إنها كانت ترى المتخيل وترى المستقبل بشكل أو بآخر. ومن هنا، أعتقد أنه على المبدع أن يبدأ حداثته الشعرية الحقيقية إذا كنا بصدد الحديث عن حداثة متوازنة، ولأن التوازن من شأنه أن يخلق أجيالاً مختلفة على صعيد القراءة والتلقي في آن».

الاختراع العجيب

بينما عرض الكاتب والمترجم المغربي د. سعيد بنكراد للإنترنت بوصفها سندا أو نمطا ثقافيا، فذكر أن أفلاطون يورد في «فودر» حكاية تشير إلى البدايات الأولى للكتابة، فقد عرض الإله توت (ويسمى أيضاً هرمس) على الفرعون اختراعاً غريباً اندهش له الحاضرون. وكان الأمر يتعلق بتقنية جديدة للتواصل والحفاظ على المعرفة وتداولها أطلق عليها الكتابة. وستكون هذه الوسيلة المستحدثة رديفاً جديداً يضاف إلى الذاكرة، وربما سيحل محلها، أو على الأقل سيحد من نشاطها ودورها في تخزين ما أنتجته الخبرة الإنسانية في مسيرتها الطويلة، وكان رد الفرعون صريحاً وقوياً وعنيفاً.
لقد رفض هذه الأداة الجديدة ودعا إلى تدميرها والقضاء على آثارها. فقد كانت هذه التقنية الجديدة تشكل في نظره خطراً على مستقبل البشرية وعلى قدرتها على الاستمرار في تخزين المعارف بقوة الذاكرة نفسها. فهي من جهة تجمد الفكر وتشل حركته وتأسره في علامات خرساء لا يمكنه الخلاص منها أبداً، وستحل، من جهة ثانية، محل الذاكرة، والذاكرة هي العضو الأساس في الوجود المادي والرمزي للإنسان على حد سواء. فهي، بالإضافة إلى دورها التخزيني، تعد أداة مثلى في الحفاظ على النوع البشري ذاته، فالتذكر مدخل للوجود الرمزي وممر أساسي من أجل إنتاج الثقافة. وهي بذلك شبيهة بباقي أعضاء الجسد الإنساني، فالبدائل الاصطناعية قد تمنح الأعضاء قوة جديدة، لكنها ستضعفها وتحولها إلى مُنفذ كسول للوظائف».
وأضاف في السياق نفسه «من المستبعد أن يعيد التاريخ نفسه لا على شكل ملهاة ولا على شكل مأساة، إلا أن الموقف من الإلكترونيات عموماً ومن الإنترنت خصوصاً لا يختلف في الكثير من جوانبه عن الموقف من الكتابة كما سبق أن عبّر عن ذلك الفرعون في العهود القديمة. فالذاكرة، التي هي الآن الكتاب والمكتوب والمطبوع والمخزن في مكتبات ومستودعات للكتب، تبدو مهددة بآلة افتراضية بلا قلب ولا روح قادرة على اكتساح كل شيء في طريقها، استناداً إلى ما تقدمه الشاشة مباشرة وما تخزنه الأقراص لتسلمه للجميع بأبخس الأثمان. فبجرة (نقر) يمكن التحليق في كامل أرجاء المعمور متخطين حدود الزمان والفضاء كل الحدود. فعبر الإنترنت، ومن خلال إمكاناتها التقنية الهائلة، يمكن التزود بكل معارف الدنيا وأخبارها وعاداتها وثقافاتها.
كما تشير إلى ذلك الوصلات الإشهارية (في المغرب)، فقد أصبحت التقنية الرقمية وسيطاً مفضلاً عند الطالب والباحث والتاجر والصناعي والطبيب والطباخ والمخبر والإرهابي، والطفل الصغير، وهو كذلك أيضاً (وهو ما لا تقوله الإرساليات) عند الباحثين عن لذة افتراضية تقيهم شر الأمراض، أو عن زوج من بلاد تموت من البرد حيتانها». لقد اندثرت فجأة، ومن دون سابق إنذار، كل الأشكال القديمة للتواصل، لتحل محلها وسائط جديدة ميزتها السرعة والفعالية والانتشار الواسع والمردودية السريعة».
وعن الأشكال التواصلية قال د. بنكراد: «لم تعرف البشرية في تاريخها الطويل، بدءاً من اللحظة التي تحول فيها الصوت إلى حامل رمزي يعين ويصنف وينتج المعاني المجردة، إلى ظهور الكتابة والطباعة، وإلى تبلور كل الأسناد التعبيرية المرافقة للغة، هذا الكم الهائل من الأشكال التواصلية: هناك فائض في المعلومات والمعارف، بل هناك ما يسميه الغربيون حالياً (إفراطاً في التواصل) قد يصبح في حالات كثيرة غياباً لأي تواصل. ولا يشكل البريد الإلكتروني الآن سوى صيغة بسيطة للتواصل قياساً إلى الحالات التي يقدمها التحاور وجهاً لوجه بالصوت والصورة».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى