الأب.
تنظر الى الإبل بغبطة كبيرة....ثلاثمائة ناقة وبعير.....تحصيها في اليوم الواحد مرتين..
..وخمسة رعاة يقومون على خدمتك وخدمتها..
لماذا خلق الله الرعاة؟...لخدمة هذه الحيوانات النبيلة..
لو جاء الغزاة وسلبوك كل شيء...سوف تستعيدة خلال وقت قصير ..
أما الرعاة أو الرعاع...فسيبقون كما هم فقراء..يخدمونك من جديد..
هذه حكمة الرب الأعلى ...أسياد وعبيد...أنت تؤمن بهذه القسمة !..
وإلا فكيف سيسير الكون؟ ...أنت سيد منذ الجد السابع...رحمة الله...
يقول الرواة : أنه هزم جيشا عرمرما بمفرده !..وحافظ أحفاده على ملكه...
.وأنت منهم...مكانك في مجلس شيخ القبيلة دائما في الصدر..لأنك غني...أنت عثمانه !..
تترجل عن ظهر الفرس وأنت تنظر الى النوق ...كم يؤلمك بأنك ستفارقها لعدة أيام..
يقترب فصل الشتاء..الذي سيجبرك على الرحيل الى عمق الصحراء..بحثا عن الماء والكلآ..
ولكن أبنائك بحاجة الى التمر..الذي سيأكلونه مع حليب نوقك..
يجب أن تذهب لقرية الجوف لإحضار التمر...الأغنياء مثلك يرسلون غيرهم لجلبه..
ولكنك تصر على الذهاب بنفسك...أنت لا تثق بالحضر !..
يستغلون بداوتك وجهلك لبيعك تمرا قديما..أو يغشون في الوزن...
أنت ذكي !..لا يستغفلك أحد..يأتي أحد الرعاه وهو يقود الناقة التي جهزت لتأخذك الى الجوف..
لقد ظهر عليها كبر السن ولكنها ما تزال تحتفظ بنبلها...تتذكر قصة أحد أجدادك..
يقول الرواة: إنه عندما يغزو يقوم بركوب أكبر النوق سنا..لقرب موتها !
بالرغم أنه يملك الكثير..ولكن في أحد الغزوات هزم قومه...فهرب الجميع لأن نوقهم فتيه..
أما هو فالناقة العجوز لم تستطع الفرار..فلحق به الأعداء وقتلوه !
ولكنك الأن لا تخاف الغزاة..تشكر عبد العزيز !..تعطي رسن الفرس للراعي وتمتطي الناقة متجها ناحية الجنوب...
إن الله لم يطلب مطلقا منك أن تؤدي له خدمه...ليته يفعل !
ماذا بإمكانك أن تعطي لمن يملك كل شيء؟..أنت تصلي..وتصل الرحم..
صحيح بأنك لا تحفظ من القرأن سوى الفاتحه..ولكن كل رجال القبيلة مثلك..
لقد وعدكم الشيخ مرارا بإحضار مطوع من المدينة..ولكن كلما قدم أحدهم..
هرب بعد أيام من قسوة الصحراء...لماذا لاتمضي بعض الوقت في الجوف لحفظ قليل من القرأن؟
لا..لا..لقد أرسلت أكبر أبنائك الى المدرسة..عندما يعود في الصيف..سيعلمك بعضا من القرأن والحديث..
عليك أن تعود لإبلك بسرعة..ربما يهطل المطر وترحل القبيلة..وتختفي في الصحراء..
بعد سفر نهارين وبيات ليلتين..تصل الجوف..
تتجه مباشرة الى السوق...بعد ساعتين من تفحص أنواع التمر..وتذوقها حتى شبعت !
تختار نوعا من تمر الحلوه التي تشتهر بها الجوف ..
- مائة كيلو ...تقول للبائع...بينما تتجه الى مكان أخر في السوق لشراء عدلا ( خيشه) تحفظ بها التمر..
يساعدك البائع بنقل خيشة التمر بالقرب من الراحله...تفكر كيف سيتم توازن الحمولة على ظهر الناقة؟
تعود الى السوق...تشتري خيشة أخرى...تملأها بالرمل !..تضع خيشة التمر على الجانب الأيمن من الناقة وخيشة الرمل على الجانب الأخر..تربطهما بحبل..يتم التوازن !..تركب الراحلة..متجها ناحية الشمال..
بعد خروجك من القرية بحوالي ساعتين..تشاهد رجلا في أحد الأودية..وهو يسير على قدميه..تحاول تجاهله وأنت تضع يدك على المسدس..ولكن الرجل يقترب منك ويبادرك بالتحية..يتم التعارف بينكم ويطلب الرجل مرافقتك لأن قبيلته في إتجاه مسيرك..يقول لك إنه يحمل خبزا..ولكنه لا يريد منك سوى الماء...تبعد قبيلتة عن موقعكم مسيرة يوم واحد..توافق على طلبه..وأنت تنظر إليه..لقد كان يرتدي عباءة ممزقة وكان يسير حافيا..كان مظهره يدل على أنه صعلوكا..ولكن عندما بدأ الرجل بالحديث..تغيرت نظرتك له..كان يعرف كل شيء..يحفظ أشعار العرب..وقصصهم..يعرف الكثير من البلاد..وزار الكثير منها..لقد وصل حتى فلسطين ومصر !..كان يحدثك وهو يسير بجانب الراحلة..وأنت تطلب المزيد...ولكنة فجأة سألك لماذا تبدو الراحلة بطيئه في مسيرها؟ ماهو الحمل الذي وضعته عليها؟...تخبره بأنك إشتريت مائة كيلو من التمر ..وعادلته بمائة كيلو من الرمل ليتم التوازن...يغرق الرجل بضحك متواصل ثم يقول: ولماذا لم تقسم التمر بين الخيشتين وتتخلص من نصف الحمولة؟...تستغرب من ذكاء الرجل !..وتطلب منه أن يساعدك بالقيام بذلك..
تنيخ الراحله...تتخلص من الرمل..تقسم التمر ..تركب الراحله..التي خف حملها وبدت سعيدة بذلك..
تكملون سيركم بإتجاه الشمال.
تسأله : رجل مثل ذكاءك لا بد أن يملك الكثير من المال؟..يجيبك قائلا: والله أنني لا أملك سوى هذه العباءة التي على ظهري !...تستغرب من ذلك كثيرا..أنت وغبائك تملك ثلاثماثة بعير وهذا العبقري لا يملك شيئا..
سبحان الله...سبحان الله...في هذه اللحظة كانت الشمس قد ذهبت لقبرها خلف الأفق...وحان موعد صلاة المغرب...تنيخ الراحله مرة أخرى...وتقوم بالتيمم بالتراب...ويفعل الصعلوك مثلك..الماء القليل الذي تحمله لا يسمح لك بالوضوء...تشير للصعلوك بأن يقف الى يمينك لتقيم الصلاة...ولكنك تتذكر بأنه يجب الجهر في صلاة المغرب...تقول للصعلوك: أنا لا أحفظ سوى الفاتحه...يجيبك: أنا أحفظ القرأن كله..فدعني أكون إماما..ولكنك ترفض قائلا: أنا أكبر منك سنا..وأغنى !..حسنا...أنا سأقيم الصلاة وأنت تقوم بالتلاوه...يجيب الصعلوك: ولكن هذا لا يجوز !...تبتعد عنه..تقيم صلاتك وحيدا !..
أصابك التطير من فقره !..عندما أنهيت صلاتك..تتجه ناحية الراحله...تعيد نصف التمر لمكانه الأول ...
تملا الخيشه الفارغه بالرمل..تعيد الوضع السابق..تركب الراحله وأنت تعطيه بعض الماء قائلا: لقد إقتربت من أهلك فلا خوف عليك الأن...إبتعد عني ! ودع فهمك وذكائك ينفعك...دع فهمك ينفعك !
-------------
الإبن......
..ذهبت الى فراشك خائفا متوجسا وكأنك مساق الى القبر !
هل ستكون ليلة أخرى من الأرق والمعاناة؟..ترى ماذا سيكون موضوع هذيانك اليلة؟
في الستينات إخترعوا حبوبا للهلوسه ولكن لماذا تهذي بدون حبوب؟
ضع رأسك بين وسادتين...قالوا لك: سيساعدك ذلك في التغلب على الأرق..
الأرق؟...لقد إعتده..أصبح أنت ..لم تترك وسيلة إلا وجربتها...الأرق سببه الروتين..
صدقتهم...أخت تغير مواعيد وجبات الطعام...إحذر الإمساك !...تذهب الى العمل بطريقة
مختلفه كل يوم....وذات مرة..لقد مللت ...أصبحت محاولاتك للتخلص من الروتين
روتينا هي الأخرى...
أووووه !..لا فائدة...لتجرب طريقة أخرى...
طريقة تركيز النظر...إختر نقطة ما في سقف الغرفة وإفتح عينيك بأقصى ما تستطيع..
ستتعب أعصاب العين ثم يصيبك النعاس...ماذا عن أعصاب الرأس؟..لعن الله أمريكا !
أوصلت الإنسان لسطح القمر وإخترعت ألاف المفاتيح...ولم تخترع مفتاحا للنوم !
ربما ساهمت أمريكا بقلقك..ألم تصبح بغلا...بسبب أمريكا؟..ألم تفقد بداوتك بسبب شركة نفط أمريكية؟
تدير مفتاح جهاز التلفزيون الموجود في غرفة نومك...تلغي الصوت ! الصوره وحدها تكفي.
ممثل أمرد طويل ولكن بعين واحده..عين زرقاء..أنت تحب عيون الصقر..عينان سوداوان
..مستديرتان..كعيني أميرة صحراوية..تنظران إليك بتوجس وحذر حتى ولو عاشراك الدهر
كله.
لماذا لا تستدعي النعاس بالقراءة؟..ولكن ماذا ستقرأ؟..أنت بحاجة لكتاب كل صفحاته بيضاء !
ولكن يجب أن تكون مرقمه !..أو تكتب ؟..أنت يا غبي تكتب أحيانا كلام لا يفهمه غيرك..
وفي معظم الأحيان لا يقراءة أحد..
يظهر الأن على الشاشه دعاية لمعجون أسنان..ترى من أسماه عصر الدعاية؟..لقد قمت بتغيير معجون الأسنان
عشرات المرات..وأمواس الحلاقة...لو صنع هؤلاء الرأسماليون نوعا واحدا من كل شيء؟
ما أعظم هذا ! لو حدث لخفف عليك الكثير من القرارات ..أنت تكره إتخاذ القرارات ..ياربي مأكثرها؟!
كم قرارا إتخذ والدك في حياته الطويلة؟..كان أسؤأها قرار إنجابك !..لو لم تهرب الى المدرسة؟..
لو بقيت ترعى الإبل في الصحراء؟..ألا تحسد كل هؤلاء...القادرين دائما على الشخير؟..الذين
مايزالون يشربون القهوة العربية المرة المخلوطة بالهيل وكأن شيئا ما لم يحدث.
هل الغباء نعمه؟
أنت تكره هذا الوقت من العام في الرياض...أحب الأوقات إليك أشهر الصيف الملتهبة كجهنم...
حيث يختلط صوت مكيف الهواء بضجيج أحلامك...
عندما تبرد ستحلم بدفء الحبيب..وفي أوقات الحر ستحلم بالموت لكي تستعجل الجنة !
بما أنك سعودي..فيجب عليك عبادة الله كثيرا...لأنه من المؤلم أن تعيش جهنمين...
تفكر...ألا يتمنى الإسكيمو عندما يشتد عليهم برد الشتاء القارص دفء جهنم؟
أطفأت جهاز التلفزيون وتكورت في الفراش..ولكن فجأة تذكرت ما وصلت له أسعار اليترول
في اليوم السابق..يا أبناء الـ**** !..عشرة دولارات فقط للبرميل الواحد..هذا أرخص من النبيذ
الذي تشربونه...الصينيون يقترب تعدادهم من المليار ونصف ...تمنيت لو يتحول نصف هؤلاء
الذين يستعملون الدراجات الهوائيه الى السيارة..هل ستنهض من فراشك لتحصي كم برميلا
من النفط سيبلغ ذلك؟..لا ..لا...ستفعل ذلك في الصباح..أندونوسيا ونيجيريا لديهم غابات..
فما هي حاجتهم للنفط؟...النفط يجب أن يكون حكرا على بني يعرب...بني نفط !
عندما خرجوا من الجزيرة العربية إتبعوا إبلهم التي قادتهم الى صحراء أخرى...غابة
الأرز في لبنان كانت غلطه..فلم تدخلها الإبل..فالإبل مثلك تحب الصحراء لأنها مثلك تماما
تعشق العطش !..هل تذكر ذلك البروفسور الإنكليزي الذي عرض عليك مبادلة حديقة الهايد
بارك بقطعة من صحراءك؟...ربما الصحراء التي حول حقل الغوار للنفط قالها مازحا...
فأجبته بأنك لا تستطيع مقايضة الصحراء يأي قطعة من الأرض لأنها ملك للأنبياء..
أنت لا تحب الإنكليز...ولكن ماذا عن صديقك مستر هولمز الذي أضعت الكثير من الوقت
وأنت تبحث عن صورته لتعلقها بجدار غرفتك؟..لقد كان والدك يقود إبله بالقرب من حفارة النفط
التي أقامها مستر هولمز وهو يدعو الله أن يجد هذا الكافر ماء بدل ذلك الشيء الأسود ذو الرائحة
الكريهه !...لو كان هولمز مسلما لنحرت له أضحية !..هل يجوز نحر أضحية لمسيحي؟ سوف تسأل
شيخ المسجد في الغد...
ترفع الغطاء عن رأسك ...ستذهب الى العمل بلا نوم...
عندما نزلت للدور الأرضي وجدت إبنتك تتناول الإفطار إستعدادا للذهاب الى الجامعة..
سألتك: والدي كيف تحولت الجمهورية الرومانية الى إمبراطورية...ولماذا؟
تشرح لها كيف أن مجلس الشيوخ الروماني أعطى صلاحيات واسعة لأحد قادة الجيوش
العظام ( يوليوس سيزر )...مما جعله يظن نفسه إمبراطورا....نعم لقد قاموا بقتله بعد ذلك..
ولكنه وضع سابقة لمن أتى من بعده...وهكذا فقدت أول جمهورية في التاريخ...تقول إبنتك:
عندما نعود في المساء أريد منك أن تشرح لي المزيد عن ذلك....هي تدرس الأدب الإنكليزي
ولكنها تعتمد عليك في شرح التاريخ وصراع الحضارات والأديان..مما يجعلك سعيدا..
في المكتب لا يسألك أحد..
.عندما دخلت المكتب يقول لك السكرتير أن رئيس الشركة
يسأل عنك...هو رجل كبير السن ..يقترب من السبعين...شبه أمي...يعرف يوقع فقط!
لديه منزل في باريس...وأخر في لندن..ويملك ربع الرياض !... وتقول الإشاعه أنه
عندما طلق كبرى زوجاته...فقد منحها المنطقة الشرقية !
تدخل عليه وأنت تقول : صباح الخير..خيرا إنشاء الله؟
يجيبك: أنا الحق يقع علي فقط...ألم تقل لي بأن أوظف الأخوة العرب المهاجرين
عندما أزور أوروبا ليساعدوني في الترجمة؟..أنظر ماذا فعل أحدهم؟ قالت لي أم العيال
عندما كنا في باريس بأنها بحاجة لمائة ألف فرنك فرنسي...أنا لدي حسابين في باريس..
واحد بالدولار وأخر بالفرنك...لقد جعلني أوقع على شيك من حساب الدولار بدلا من
الفرنك..بعد ساعة من غيابه عاد الينا يحمل المائة ألف فرنك...ولكن اليوم إتصل مدير
حساباتي في الرياض ليخبرني بما حدث...يجب أن تفعل شيئا...
تقوم بتهدئة العجوز محاولا إقناعة بأنها زكاة عن أمواله..لا يوجد طريقة لإسترجاع المال..
فأنتم لا تعرفون إسم المهاجر كاملا..ثم تحاول أن تقنعه بأن ما أخذ المهاجر..ماهو إلا حصته من
النفط !..مادام عربيا...فقد خرج من الجزيرة...هذه حصة أجدادة !
يبتسم المليونير العجوز: على فكرة...الطبيب الذي أرسلتني أليه في الأمس لفحص عيوني
كان يسخر مني...تسأله كيف؟...يجيب أنه بعد أن إنتهى من الإشارات التي على الجدار..يمين..
يسار...فوق..تحت...تناول قلم من جيبه وسألني: ما لون هذا القلم؟ فقلت له: أحمر..ثم أخرج قلما أخر
وقال: وهذا فقلت له: أخضر...ثم قال الطبيب: إذهب الى بيتك فإن نظرك سليم...
تشرح للعجوز بأن هنالك مرض شائع يطلق عليه: عمى الألوان..يضحك العجوز من قلبه
وهو يقول: والله ظننته يمزح معي..تذهب الى مكتبك..وأنت تسمع صوت العجوز وهو يقول:
دع فهمك ينفعك....دع فهمك ينفعك !
كان يقولها وهو يقهقه بأعلى صوته.....
.
تنظر الى الإبل بغبطة كبيرة....ثلاثمائة ناقة وبعير.....تحصيها في اليوم الواحد مرتين..
..وخمسة رعاة يقومون على خدمتك وخدمتها..
لماذا خلق الله الرعاة؟...لخدمة هذه الحيوانات النبيلة..
لو جاء الغزاة وسلبوك كل شيء...سوف تستعيدة خلال وقت قصير ..
أما الرعاة أو الرعاع...فسيبقون كما هم فقراء..يخدمونك من جديد..
هذه حكمة الرب الأعلى ...أسياد وعبيد...أنت تؤمن بهذه القسمة !..
وإلا فكيف سيسير الكون؟ ...أنت سيد منذ الجد السابع...رحمة الله...
يقول الرواة : أنه هزم جيشا عرمرما بمفرده !..وحافظ أحفاده على ملكه...
.وأنت منهم...مكانك في مجلس شيخ القبيلة دائما في الصدر..لأنك غني...أنت عثمانه !..
تترجل عن ظهر الفرس وأنت تنظر الى النوق ...كم يؤلمك بأنك ستفارقها لعدة أيام..
يقترب فصل الشتاء..الذي سيجبرك على الرحيل الى عمق الصحراء..بحثا عن الماء والكلآ..
ولكن أبنائك بحاجة الى التمر..الذي سيأكلونه مع حليب نوقك..
يجب أن تذهب لقرية الجوف لإحضار التمر...الأغنياء مثلك يرسلون غيرهم لجلبه..
ولكنك تصر على الذهاب بنفسك...أنت لا تثق بالحضر !..
يستغلون بداوتك وجهلك لبيعك تمرا قديما..أو يغشون في الوزن...
أنت ذكي !..لا يستغفلك أحد..يأتي أحد الرعاه وهو يقود الناقة التي جهزت لتأخذك الى الجوف..
لقد ظهر عليها كبر السن ولكنها ما تزال تحتفظ بنبلها...تتذكر قصة أحد أجدادك..
يقول الرواة: إنه عندما يغزو يقوم بركوب أكبر النوق سنا..لقرب موتها !
بالرغم أنه يملك الكثير..ولكن في أحد الغزوات هزم قومه...فهرب الجميع لأن نوقهم فتيه..
أما هو فالناقة العجوز لم تستطع الفرار..فلحق به الأعداء وقتلوه !
ولكنك الأن لا تخاف الغزاة..تشكر عبد العزيز !..تعطي رسن الفرس للراعي وتمتطي الناقة متجها ناحية الجنوب...
إن الله لم يطلب مطلقا منك أن تؤدي له خدمه...ليته يفعل !
ماذا بإمكانك أن تعطي لمن يملك كل شيء؟..أنت تصلي..وتصل الرحم..
صحيح بأنك لا تحفظ من القرأن سوى الفاتحه..ولكن كل رجال القبيلة مثلك..
لقد وعدكم الشيخ مرارا بإحضار مطوع من المدينة..ولكن كلما قدم أحدهم..
هرب بعد أيام من قسوة الصحراء...لماذا لاتمضي بعض الوقت في الجوف لحفظ قليل من القرأن؟
لا..لا..لقد أرسلت أكبر أبنائك الى المدرسة..عندما يعود في الصيف..سيعلمك بعضا من القرأن والحديث..
عليك أن تعود لإبلك بسرعة..ربما يهطل المطر وترحل القبيلة..وتختفي في الصحراء..
بعد سفر نهارين وبيات ليلتين..تصل الجوف..
تتجه مباشرة الى السوق...بعد ساعتين من تفحص أنواع التمر..وتذوقها حتى شبعت !
تختار نوعا من تمر الحلوه التي تشتهر بها الجوف ..
- مائة كيلو ...تقول للبائع...بينما تتجه الى مكان أخر في السوق لشراء عدلا ( خيشه) تحفظ بها التمر..
يساعدك البائع بنقل خيشة التمر بالقرب من الراحله...تفكر كيف سيتم توازن الحمولة على ظهر الناقة؟
تعود الى السوق...تشتري خيشة أخرى...تملأها بالرمل !..تضع خيشة التمر على الجانب الأيمن من الناقة وخيشة الرمل على الجانب الأخر..تربطهما بحبل..يتم التوازن !..تركب الراحلة..متجها ناحية الشمال..
بعد خروجك من القرية بحوالي ساعتين..تشاهد رجلا في أحد الأودية..وهو يسير على قدميه..تحاول تجاهله وأنت تضع يدك على المسدس..ولكن الرجل يقترب منك ويبادرك بالتحية..يتم التعارف بينكم ويطلب الرجل مرافقتك لأن قبيلته في إتجاه مسيرك..يقول لك إنه يحمل خبزا..ولكنه لا يريد منك سوى الماء...تبعد قبيلتة عن موقعكم مسيرة يوم واحد..توافق على طلبه..وأنت تنظر إليه..لقد كان يرتدي عباءة ممزقة وكان يسير حافيا..كان مظهره يدل على أنه صعلوكا..ولكن عندما بدأ الرجل بالحديث..تغيرت نظرتك له..كان يعرف كل شيء..يحفظ أشعار العرب..وقصصهم..يعرف الكثير من البلاد..وزار الكثير منها..لقد وصل حتى فلسطين ومصر !..كان يحدثك وهو يسير بجانب الراحلة..وأنت تطلب المزيد...ولكنة فجأة سألك لماذا تبدو الراحلة بطيئه في مسيرها؟ ماهو الحمل الذي وضعته عليها؟...تخبره بأنك إشتريت مائة كيلو من التمر ..وعادلته بمائة كيلو من الرمل ليتم التوازن...يغرق الرجل بضحك متواصل ثم يقول: ولماذا لم تقسم التمر بين الخيشتين وتتخلص من نصف الحمولة؟...تستغرب من ذكاء الرجل !..وتطلب منه أن يساعدك بالقيام بذلك..
تنيخ الراحله...تتخلص من الرمل..تقسم التمر ..تركب الراحله..التي خف حملها وبدت سعيدة بذلك..
تكملون سيركم بإتجاه الشمال.
تسأله : رجل مثل ذكاءك لا بد أن يملك الكثير من المال؟..يجيبك قائلا: والله أنني لا أملك سوى هذه العباءة التي على ظهري !...تستغرب من ذلك كثيرا..أنت وغبائك تملك ثلاثماثة بعير وهذا العبقري لا يملك شيئا..
سبحان الله...سبحان الله...في هذه اللحظة كانت الشمس قد ذهبت لقبرها خلف الأفق...وحان موعد صلاة المغرب...تنيخ الراحله مرة أخرى...وتقوم بالتيمم بالتراب...ويفعل الصعلوك مثلك..الماء القليل الذي تحمله لا يسمح لك بالوضوء...تشير للصعلوك بأن يقف الى يمينك لتقيم الصلاة...ولكنك تتذكر بأنه يجب الجهر في صلاة المغرب...تقول للصعلوك: أنا لا أحفظ سوى الفاتحه...يجيبك: أنا أحفظ القرأن كله..فدعني أكون إماما..ولكنك ترفض قائلا: أنا أكبر منك سنا..وأغنى !..حسنا...أنا سأقيم الصلاة وأنت تقوم بالتلاوه...يجيب الصعلوك: ولكن هذا لا يجوز !...تبتعد عنه..تقيم صلاتك وحيدا !..
أصابك التطير من فقره !..عندما أنهيت صلاتك..تتجه ناحية الراحله...تعيد نصف التمر لمكانه الأول ...
تملا الخيشه الفارغه بالرمل..تعيد الوضع السابق..تركب الراحله وأنت تعطيه بعض الماء قائلا: لقد إقتربت من أهلك فلا خوف عليك الأن...إبتعد عني ! ودع فهمك وذكائك ينفعك...دع فهمك ينفعك !
-------------
الإبن......
..ذهبت الى فراشك خائفا متوجسا وكأنك مساق الى القبر !
هل ستكون ليلة أخرى من الأرق والمعاناة؟..ترى ماذا سيكون موضوع هذيانك اليلة؟
في الستينات إخترعوا حبوبا للهلوسه ولكن لماذا تهذي بدون حبوب؟
ضع رأسك بين وسادتين...قالوا لك: سيساعدك ذلك في التغلب على الأرق..
الأرق؟...لقد إعتده..أصبح أنت ..لم تترك وسيلة إلا وجربتها...الأرق سببه الروتين..
صدقتهم...أخت تغير مواعيد وجبات الطعام...إحذر الإمساك !...تذهب الى العمل بطريقة
مختلفه كل يوم....وذات مرة..لقد مللت ...أصبحت محاولاتك للتخلص من الروتين
روتينا هي الأخرى...
أووووه !..لا فائدة...لتجرب طريقة أخرى...
طريقة تركيز النظر...إختر نقطة ما في سقف الغرفة وإفتح عينيك بأقصى ما تستطيع..
ستتعب أعصاب العين ثم يصيبك النعاس...ماذا عن أعصاب الرأس؟..لعن الله أمريكا !
أوصلت الإنسان لسطح القمر وإخترعت ألاف المفاتيح...ولم تخترع مفتاحا للنوم !
ربما ساهمت أمريكا بقلقك..ألم تصبح بغلا...بسبب أمريكا؟..ألم تفقد بداوتك بسبب شركة نفط أمريكية؟
تدير مفتاح جهاز التلفزيون الموجود في غرفة نومك...تلغي الصوت ! الصوره وحدها تكفي.
ممثل أمرد طويل ولكن بعين واحده..عين زرقاء..أنت تحب عيون الصقر..عينان سوداوان
..مستديرتان..كعيني أميرة صحراوية..تنظران إليك بتوجس وحذر حتى ولو عاشراك الدهر
كله.
لماذا لا تستدعي النعاس بالقراءة؟..ولكن ماذا ستقرأ؟..أنت بحاجة لكتاب كل صفحاته بيضاء !
ولكن يجب أن تكون مرقمه !..أو تكتب ؟..أنت يا غبي تكتب أحيانا كلام لا يفهمه غيرك..
وفي معظم الأحيان لا يقراءة أحد..
يظهر الأن على الشاشه دعاية لمعجون أسنان..ترى من أسماه عصر الدعاية؟..لقد قمت بتغيير معجون الأسنان
عشرات المرات..وأمواس الحلاقة...لو صنع هؤلاء الرأسماليون نوعا واحدا من كل شيء؟
ما أعظم هذا ! لو حدث لخفف عليك الكثير من القرارات ..أنت تكره إتخاذ القرارات ..ياربي مأكثرها؟!
كم قرارا إتخذ والدك في حياته الطويلة؟..كان أسؤأها قرار إنجابك !..لو لم تهرب الى المدرسة؟..
لو بقيت ترعى الإبل في الصحراء؟..ألا تحسد كل هؤلاء...القادرين دائما على الشخير؟..الذين
مايزالون يشربون القهوة العربية المرة المخلوطة بالهيل وكأن شيئا ما لم يحدث.
هل الغباء نعمه؟
أنت تكره هذا الوقت من العام في الرياض...أحب الأوقات إليك أشهر الصيف الملتهبة كجهنم...
حيث يختلط صوت مكيف الهواء بضجيج أحلامك...
عندما تبرد ستحلم بدفء الحبيب..وفي أوقات الحر ستحلم بالموت لكي تستعجل الجنة !
بما أنك سعودي..فيجب عليك عبادة الله كثيرا...لأنه من المؤلم أن تعيش جهنمين...
تفكر...ألا يتمنى الإسكيمو عندما يشتد عليهم برد الشتاء القارص دفء جهنم؟
أطفأت جهاز التلفزيون وتكورت في الفراش..ولكن فجأة تذكرت ما وصلت له أسعار اليترول
في اليوم السابق..يا أبناء الـ**** !..عشرة دولارات فقط للبرميل الواحد..هذا أرخص من النبيذ
الذي تشربونه...الصينيون يقترب تعدادهم من المليار ونصف ...تمنيت لو يتحول نصف هؤلاء
الذين يستعملون الدراجات الهوائيه الى السيارة..هل ستنهض من فراشك لتحصي كم برميلا
من النفط سيبلغ ذلك؟..لا ..لا...ستفعل ذلك في الصباح..أندونوسيا ونيجيريا لديهم غابات..
فما هي حاجتهم للنفط؟...النفط يجب أن يكون حكرا على بني يعرب...بني نفط !
عندما خرجوا من الجزيرة العربية إتبعوا إبلهم التي قادتهم الى صحراء أخرى...غابة
الأرز في لبنان كانت غلطه..فلم تدخلها الإبل..فالإبل مثلك تحب الصحراء لأنها مثلك تماما
تعشق العطش !..هل تذكر ذلك البروفسور الإنكليزي الذي عرض عليك مبادلة حديقة الهايد
بارك بقطعة من صحراءك؟...ربما الصحراء التي حول حقل الغوار للنفط قالها مازحا...
فأجبته بأنك لا تستطيع مقايضة الصحراء يأي قطعة من الأرض لأنها ملك للأنبياء..
أنت لا تحب الإنكليز...ولكن ماذا عن صديقك مستر هولمز الذي أضعت الكثير من الوقت
وأنت تبحث عن صورته لتعلقها بجدار غرفتك؟..لقد كان والدك يقود إبله بالقرب من حفارة النفط
التي أقامها مستر هولمز وهو يدعو الله أن يجد هذا الكافر ماء بدل ذلك الشيء الأسود ذو الرائحة
الكريهه !...لو كان هولمز مسلما لنحرت له أضحية !..هل يجوز نحر أضحية لمسيحي؟ سوف تسأل
شيخ المسجد في الغد...
ترفع الغطاء عن رأسك ...ستذهب الى العمل بلا نوم...
عندما نزلت للدور الأرضي وجدت إبنتك تتناول الإفطار إستعدادا للذهاب الى الجامعة..
سألتك: والدي كيف تحولت الجمهورية الرومانية الى إمبراطورية...ولماذا؟
تشرح لها كيف أن مجلس الشيوخ الروماني أعطى صلاحيات واسعة لأحد قادة الجيوش
العظام ( يوليوس سيزر )...مما جعله يظن نفسه إمبراطورا....نعم لقد قاموا بقتله بعد ذلك..
ولكنه وضع سابقة لمن أتى من بعده...وهكذا فقدت أول جمهورية في التاريخ...تقول إبنتك:
عندما نعود في المساء أريد منك أن تشرح لي المزيد عن ذلك....هي تدرس الأدب الإنكليزي
ولكنها تعتمد عليك في شرح التاريخ وصراع الحضارات والأديان..مما يجعلك سعيدا..
في المكتب لا يسألك أحد..
.عندما دخلت المكتب يقول لك السكرتير أن رئيس الشركة
يسأل عنك...هو رجل كبير السن ..يقترب من السبعين...شبه أمي...يعرف يوقع فقط!
لديه منزل في باريس...وأخر في لندن..ويملك ربع الرياض !... وتقول الإشاعه أنه
عندما طلق كبرى زوجاته...فقد منحها المنطقة الشرقية !
تدخل عليه وأنت تقول : صباح الخير..خيرا إنشاء الله؟
يجيبك: أنا الحق يقع علي فقط...ألم تقل لي بأن أوظف الأخوة العرب المهاجرين
عندما أزور أوروبا ليساعدوني في الترجمة؟..أنظر ماذا فعل أحدهم؟ قالت لي أم العيال
عندما كنا في باريس بأنها بحاجة لمائة ألف فرنك فرنسي...أنا لدي حسابين في باريس..
واحد بالدولار وأخر بالفرنك...لقد جعلني أوقع على شيك من حساب الدولار بدلا من
الفرنك..بعد ساعة من غيابه عاد الينا يحمل المائة ألف فرنك...ولكن اليوم إتصل مدير
حساباتي في الرياض ليخبرني بما حدث...يجب أن تفعل شيئا...
تقوم بتهدئة العجوز محاولا إقناعة بأنها زكاة عن أمواله..لا يوجد طريقة لإسترجاع المال..
فأنتم لا تعرفون إسم المهاجر كاملا..ثم تحاول أن تقنعه بأن ما أخذ المهاجر..ماهو إلا حصته من
النفط !..مادام عربيا...فقد خرج من الجزيرة...هذه حصة أجدادة !
يبتسم المليونير العجوز: على فكرة...الطبيب الذي أرسلتني أليه في الأمس لفحص عيوني
كان يسخر مني...تسأله كيف؟...يجيب أنه بعد أن إنتهى من الإشارات التي على الجدار..يمين..
يسار...فوق..تحت...تناول قلم من جيبه وسألني: ما لون هذا القلم؟ فقلت له: أحمر..ثم أخرج قلما أخر
وقال: وهذا فقلت له: أخضر...ثم قال الطبيب: إذهب الى بيتك فإن نظرك سليم...
تشرح للعجوز بأن هنالك مرض شائع يطلق عليه: عمى الألوان..يضحك العجوز من قلبه
وهو يقول: والله ظننته يمزح معي..تذهب الى مكتبك..وأنت تسمع صوت العجوز وهو يقول:
دع فهمك ينفعك....دع فهمك ينفعك !
كان يقولها وهو يقهقه بأعلى صوته.....
.