كانت الألوان تهطل دون توقف ، أطفئت المصابيح ، ونهضت الشمس باكراً ، عندما تصحو الشمس يتغير كل شيء فهي تبدو كطفلة عابثة ، مشاكسة ، مغرمة بإرسال الرسائل الملونة ، و عندما تنام الشمس تنام وتحت وسادتها قلم ملون .
في مكانٍ ما من وجه الأرض ثمة بناء أسس على أحدث طراز إلكتروني ، تحفه أشجار السرو والسنديان وأشجار الورد البريّ ، أجتهد بناؤه على أن يكون تحفة جمالية نادرة ، يربض خلفه جبل شاهق الارتفاع ، تتسلل الشمس إليه ، تخترق نوافذه لتسكب ألوانها ، تتسلل الشمس باكراً تداعب أزهار شرفات القصر المنيع ، تشاكس الأغصان التي بللها الندى فتتباين ألوانها ويتجدد النسغ في الأوراق واللحاء وتبدأ دورة الحياة من جديد طافحة بالألوان .
هكذا كانت الشمس عابثة دوماً ، تشع خفة ، دفئاً وجمالاً ، تتسلل ، تتجسس ، تنبهر ، تندهش ، يسمح لها بولوج أي ركن في الكون دون حرج .
شمس متمردة تبدوا طاغية عند الظهيرة تبدأ في ممارسة عبثها ومشاكسة أحدى العناكب التي تشرع في نسج خيوطها الواهية بمهارة فائقة الوصف ، كانت العنكبوت محتمية بإحدى الأشجار البرية المتشابكة ، مختبئة خلف أغصان كثيرة تبدأ في تمرير خيوطها السيالة التي ما إن تلامسها نسمات ندية وتغازلها رسالة عشق من الشمس حتى تتجمد ، هذه العنكبوت مهووسة بمراقبة الشمس وهي تقوم بنبش حاجيات الكون ، وفي ضوء النهار هيأت العنكبوت نسيجها المسمى بالمأوى فضلاً عن خطوط الحماية والفخاخ الحلزونية وكذلك أكياس الغوص والأنشوطات ، تقوم بكل هذا في مهارة ودقة في انتظار اقتراب أي فريسة سهلة الوقوع في الشرك المنصوب .
تقترب الشمس ، وبأسلوب مميز تتوسط السماء وتنقش حروفاً من الضوء فوق حواف حشرة ضئيلة عجيبة التكوين ، تأخذ الحشرة في الاقتراب من بيت العنكبوت التي تخرج متحفزة من أجل اقتناص الضئيلة الغافلة ، لكن الضئيلة عجيبة التكوين الغافلة تطير مبتعدة بمسافة ما عن الفخ .
أخيراً تنام الشمس ، ترسل رسالتها الأخيرة مذيلة بإمضاء رشيق ، تدس قلمها الرائع الملون تحت وسادتها فيما تبدأ تضاء أنوار المصابيح الكهربائية الكئيبة في كل مكان
، نومها أعاد للكون مظهره الحزين الموحش .
داخل المبنى الأبيض الجميل كالقصر المحصن بالأنظمة الإلكترونية وعبر الممر الطويل المؤدي إلى غرفته كان يسير على أطراف أصابعه ، وبهدوء وحذر شديدين يدخل شريحة صغيرة في شق إلكتروني ، يضغط على أرقاماً إلكترونية معينة ، يدير المفاتيح التي تمثل أرقام الولوج ببطء ، وشيئاً فشيئاً يأخذ الباب الأوتوماتيكي في الارتفاع ، يدفع ستارة الغرفة الباردة ويدخل وبمثل الهدوء والحذر الشديد يهبط الباب خلفه ، يتحسس زر الكهرباء ، يضغط عليه ، ينتشر نور المصابيح الكثيرة التي تزين الثريات المعلقة التي تتدلى من سقف الغرفة الواسعة .
يطلق الرجل زفرة طويلة ، يتنهد في ارتياح وعمق ثم يجلس مطرقاً إلى الأرض مفكراً بعد أن يبسط ورقة متوسطة الحجم كانت معه ، يتناول قلم رصاص ، يكتب ، يرسم خطوطاً ، يستغرق في الكتابة ، أخيراً يرسم رموزاً غامضة وخطوطاً باهتة ، ما إن ينتهي من عمله حتى ترتسم ابتسامة كبيرة وواسعة تكشف عن أسنانه الكريهة التي نخر معظمها السوس ، فيما تبرق عيناه منبهراً بوميض غريب يمتزج فيهما الغموض بالقسوة والقبح .
يتجه الرجل صوب جهاز حاسوب صغير ، يضغط على زر التشغيل ، يلقي بتحية عسكرية خاصة إلى الجهاز الدقيق بعد أن يضغط بأصابعه الثلاث على مفاتيح معينة ، يئز الجهاز الرائع بصوته المألوف رداً على تحية المشغل ، وبمهارة فائقة ودقة منقطعة النظير يبدأ الرجل في تغذيته بالبيانات المشفرة التي كانت تملأ الورقة الصغيرة ، يضغط الرجل على مفتاح أعلى لوحة المفاتيح الصغيرة ، يغمض عينيه ثم يفتحهما فيما يشرع الجهاز في إصدار رسالة إلكترونية تؤكد أن الخطة العسكرية المشفرة التي رسمها الرجل على الورقة تعطي نتائج باهرة ثم يصدر الجهاز رسالة هي عبارة عن تحية خاصة جداً إلى العبقرية الفذة التي رسمت خطة التشفير مصحوبة بنغمات رائعة لقطع موسيقية عالمية مشهورة كانت تُعزف في صيغة ساحرة ، يأخذ الرجل في الرقص والدوران طرباً مأخوذاً بالنغمات الصادرة وبحركة آلية خالية من أي شعور يؤدي تحية عسكرية يرسلها إلى الجهاز ويخرج .
طيلة الليل يعمل فريقاً محترفاً من قراصنة المعلومات على اختراق رسالة الخطة العسكرية المشفرة والسطو عليها والعبث بمحتوياتها ومعرفة الموقع المستهدف للتفجير.
في الصباح تقترب الحشرة الضئيلة من الشرك المنصوب ، لها ، تخرج العنكبوت متحفزة من جديد لاقتناص الفريسة التي تسقط أخيراً في الفخ ، تأخذ العنكبوت في الرقص والدوران حول الفريسة الضئيلة ، تبحث الشمس عن قلمها الملون فتجده مكسوراً بفعل عاصفة هوجاء بدأت تثور من دون سابق إنذار .
بالقرب من المبنى الكبير المحصن بالأنظمة الإلكترونية كانت أشجار الورد تنحني ظلالها بفعل غبار القنابل …
12 -8-2017 م
*أديبة ليبية
* منقول عن المجلة الثقافية الجزائرية
في مكانٍ ما من وجه الأرض ثمة بناء أسس على أحدث طراز إلكتروني ، تحفه أشجار السرو والسنديان وأشجار الورد البريّ ، أجتهد بناؤه على أن يكون تحفة جمالية نادرة ، يربض خلفه جبل شاهق الارتفاع ، تتسلل الشمس إليه ، تخترق نوافذه لتسكب ألوانها ، تتسلل الشمس باكراً تداعب أزهار شرفات القصر المنيع ، تشاكس الأغصان التي بللها الندى فتتباين ألوانها ويتجدد النسغ في الأوراق واللحاء وتبدأ دورة الحياة من جديد طافحة بالألوان .
هكذا كانت الشمس عابثة دوماً ، تشع خفة ، دفئاً وجمالاً ، تتسلل ، تتجسس ، تنبهر ، تندهش ، يسمح لها بولوج أي ركن في الكون دون حرج .
شمس متمردة تبدوا طاغية عند الظهيرة تبدأ في ممارسة عبثها ومشاكسة أحدى العناكب التي تشرع في نسج خيوطها الواهية بمهارة فائقة الوصف ، كانت العنكبوت محتمية بإحدى الأشجار البرية المتشابكة ، مختبئة خلف أغصان كثيرة تبدأ في تمرير خيوطها السيالة التي ما إن تلامسها نسمات ندية وتغازلها رسالة عشق من الشمس حتى تتجمد ، هذه العنكبوت مهووسة بمراقبة الشمس وهي تقوم بنبش حاجيات الكون ، وفي ضوء النهار هيأت العنكبوت نسيجها المسمى بالمأوى فضلاً عن خطوط الحماية والفخاخ الحلزونية وكذلك أكياس الغوص والأنشوطات ، تقوم بكل هذا في مهارة ودقة في انتظار اقتراب أي فريسة سهلة الوقوع في الشرك المنصوب .
تقترب الشمس ، وبأسلوب مميز تتوسط السماء وتنقش حروفاً من الضوء فوق حواف حشرة ضئيلة عجيبة التكوين ، تأخذ الحشرة في الاقتراب من بيت العنكبوت التي تخرج متحفزة من أجل اقتناص الضئيلة الغافلة ، لكن الضئيلة عجيبة التكوين الغافلة تطير مبتعدة بمسافة ما عن الفخ .
أخيراً تنام الشمس ، ترسل رسالتها الأخيرة مذيلة بإمضاء رشيق ، تدس قلمها الرائع الملون تحت وسادتها فيما تبدأ تضاء أنوار المصابيح الكهربائية الكئيبة في كل مكان
، نومها أعاد للكون مظهره الحزين الموحش .
داخل المبنى الأبيض الجميل كالقصر المحصن بالأنظمة الإلكترونية وعبر الممر الطويل المؤدي إلى غرفته كان يسير على أطراف أصابعه ، وبهدوء وحذر شديدين يدخل شريحة صغيرة في شق إلكتروني ، يضغط على أرقاماً إلكترونية معينة ، يدير المفاتيح التي تمثل أرقام الولوج ببطء ، وشيئاً فشيئاً يأخذ الباب الأوتوماتيكي في الارتفاع ، يدفع ستارة الغرفة الباردة ويدخل وبمثل الهدوء والحذر الشديد يهبط الباب خلفه ، يتحسس زر الكهرباء ، يضغط عليه ، ينتشر نور المصابيح الكثيرة التي تزين الثريات المعلقة التي تتدلى من سقف الغرفة الواسعة .
يطلق الرجل زفرة طويلة ، يتنهد في ارتياح وعمق ثم يجلس مطرقاً إلى الأرض مفكراً بعد أن يبسط ورقة متوسطة الحجم كانت معه ، يتناول قلم رصاص ، يكتب ، يرسم خطوطاً ، يستغرق في الكتابة ، أخيراً يرسم رموزاً غامضة وخطوطاً باهتة ، ما إن ينتهي من عمله حتى ترتسم ابتسامة كبيرة وواسعة تكشف عن أسنانه الكريهة التي نخر معظمها السوس ، فيما تبرق عيناه منبهراً بوميض غريب يمتزج فيهما الغموض بالقسوة والقبح .
يتجه الرجل صوب جهاز حاسوب صغير ، يضغط على زر التشغيل ، يلقي بتحية عسكرية خاصة إلى الجهاز الدقيق بعد أن يضغط بأصابعه الثلاث على مفاتيح معينة ، يئز الجهاز الرائع بصوته المألوف رداً على تحية المشغل ، وبمهارة فائقة ودقة منقطعة النظير يبدأ الرجل في تغذيته بالبيانات المشفرة التي كانت تملأ الورقة الصغيرة ، يضغط الرجل على مفتاح أعلى لوحة المفاتيح الصغيرة ، يغمض عينيه ثم يفتحهما فيما يشرع الجهاز في إصدار رسالة إلكترونية تؤكد أن الخطة العسكرية المشفرة التي رسمها الرجل على الورقة تعطي نتائج باهرة ثم يصدر الجهاز رسالة هي عبارة عن تحية خاصة جداً إلى العبقرية الفذة التي رسمت خطة التشفير مصحوبة بنغمات رائعة لقطع موسيقية عالمية مشهورة كانت تُعزف في صيغة ساحرة ، يأخذ الرجل في الرقص والدوران طرباً مأخوذاً بالنغمات الصادرة وبحركة آلية خالية من أي شعور يؤدي تحية عسكرية يرسلها إلى الجهاز ويخرج .
طيلة الليل يعمل فريقاً محترفاً من قراصنة المعلومات على اختراق رسالة الخطة العسكرية المشفرة والسطو عليها والعبث بمحتوياتها ومعرفة الموقع المستهدف للتفجير.
في الصباح تقترب الحشرة الضئيلة من الشرك المنصوب ، لها ، تخرج العنكبوت متحفزة من جديد لاقتناص الفريسة التي تسقط أخيراً في الفخ ، تأخذ العنكبوت في الرقص والدوران حول الفريسة الضئيلة ، تبحث الشمس عن قلمها الملون فتجده مكسوراً بفعل عاصفة هوجاء بدأت تثور من دون سابق إنذار .
بالقرب من المبنى الكبير المحصن بالأنظمة الإلكترونية كانت أشجار الورد تنحني ظلالها بفعل غبار القنابل …
12 -8-2017 م
*أديبة ليبية
* منقول عن المجلة الثقافية الجزائرية