كيف يمكن ان يعثر المرء على سبب دوافعه للكتابة فيما يبدو وكأنه عملية أخرى من عمليات تنفس الهواء، اجتراع هواء الحرية بما يكفي لرفد الدهاء برغبة العيش، وانتفاضة الامل رغم المستحيلات؟ أيمكن ان نتجه بسؤالنا لأي كاتب في الوقت الذي يعرف فيه نفسه بكتابته اكثر من خطوط بصمات أصابعه، "نوع شعره ولون عينيه؟
أكتب لانه من المستحيل على من كانت مثلي مصابة بالتحسس من الغبار والرطوبة ولقاح الازهار التنفس الحر في معظم فصول السنة، فكيف لو كانت محاطة بفيض من أوضاع اجتماعية صعبة حولها، وظروف سياسية تفت الحديد او الحجر، فكيف يبني الانسان؟
أكتب لانني امرأة تعاني اضطهادا مسبقا لمجرد فكرة وجودها، سيما وان امي التي كان يطلق عليها "ملكة جمال البلاد" ماتت اكتئابا لان احدا لم يكلف خاطره بالالتفات الى ذكائها وقدراتها المتكاملة، بل وان انجابها لخمس فتيات صغيرات عفيات وذكيات حسب اعتقادها اكسبها بغض المجتمع متوجا بلقب "ام البنات".
أكتب لانني كنت سعيدة في بيت أهلي حين كنت في السنة الثانية الابتدائية. لكنني لم أعد الى بيتنا ابدا منذ تواصل مكوث أبي في السجن السياسي، وكان قبلها نزيلا متقطعا له، كم كان لذيذا العودة الى أحضان الوالدين كلما استغرقتني غفوة دافئة اثنا0احدى سهراتهما في بيوت الاصدقاء، وذلك الشعور بالاستسلام بين أيدي الكبار وهم يحطونني الى الفراش وأنا اخفي رفرفة الجفنين كيلا يعرفونا اني قد صحوت وأنا التي لا أريدهم ان يعرفوا ذلك.
أكتب لانني نلت ما يكفي من الخناقات مع أمي ومع الاقارب من حولي على عدم فهمي والتزامي بما يتحتم على أية صبية طيبة الالتزام به، لذلك ضجرت واردت ان أضع لنفسي جناحي حورية من ذهب، اطير وقتما أريد، واحط متى وددت. وارسم وحدي مع أهل الحكاية خطط الرجوع او الذهاب او التحليق فوق. بعيدا الى الأعلى، او الى اسفل الجحيم ذاته.
وقد كتبت قصتي القصيرة الاول لكي تكون مبردا للتداول مع الشاب الاول الذي زينت فتنة وسامته حياتي المراهقة آنذاك، ولكنه أفلتها من يده بابتسامة تفهم لحماقتي، ولم يعد أبدا الى طرق أي موضوع يتعلق بكتابتي مرة اخرى.
ومع هذا فقد كنت أذكر قبلها نبوءة غامضة لآمي من مبصرة استانبولية قابلتها في شهر عسلها، وأخبرتها بان ابنة لها سوف تحكي عنها كثيرا من خلال كتاباتها المنشورة والتي سوف تحصل على شهرة كبيرة في المستقبل.
وربما أكتب لانفي لا اجيد شيئا آخر عدا الحلم بعينين مفتوحتين حسب اعتقادي بحيث لا استطيع ان أقنع أحدا حول بثقل وجودي بما يتجاوز صفحات كتاب أو رواية. ولم لا؟ مادمت أعيش وسط شعب يقكن يوميا من أرضه مه اشجار الزيتون الرومانية المعمرة لكي يرضي نهم الشركات الاستيطانية الاستعمارية التي تهدي بلادنا شبرا شبرا لمهاجرين فقدوا اتصالهم بالوطن، ولا يجدون حرجا في مواصلة التهام أرضنا واضطهادنا، وتدمير حياتنا بحجة أن غيرنا اضطهدهم ودمر حياتهم قبل أكثر هن خمسين عاما.
لهذا كتبت عن الحروب، وعن القلق، وعن ضرورة اكتشاف المرء لموقعه في عالم تتضارب فيه القيم، وتباع فيه الاشياء حسب براعة وكلا0الدعاية ومديري التسويق، عالم يحاول ازالتنا من الوجود كشعب حر يحتفظ بقيمه وثقا فته، ليرضي عقدة الذنب الاوروبية واطماع الدول الكبرى في استمرار الكولونيالية على أرضنا.
حين كتبت رواية "بوصلة من اجل عباد الشمس" كنت أريد التأقلم مع عالم فقد طراوته ويناعته بسبب من الحروب المتواصلة في منطقتنا. تلك الحروب التي بدأت عام 1948. حين جرى طرد الفلسطينيين من أرضهم. وتم استبدالهم بالعنف والابادة. جرى في فلسطين منذ تلك الايام ما يجري في كوسوفا اليوم، لكن أجهزة التصوير التليفزيوني والكاميرات لم تتوافر في تلك الايام لتشهد العالم على ما ارتكب بحقنا. الأدب هو الشهادة الحية لما عاشه الناس، ولما عانوه في فلسطين، ليس فقط أثناء النكبة، وانما في حروب أخرى فيما بعد.
أحكي في "بوصلة من أجل عباد الشمس" عن المعاناة الشخصية التي عشتها خلال حرب 1967، حين وجدت نفسي مع اهلي على قارعة الطريق بين أريحا وعمان في طريق بلا عودة، والطائرات الاسرائيلية المغيرة تسقط خزانات النابالم فوق رؤوسنا. ذلك اليوم الذي ماتت فيه ابنة صفي "هند" متفحمة مع عائلتها في سيارة مدنية عادية. وفي الرواية أتأمل الحروب المتواصلة التي وقع فيها الفلسطينيون أسرى وضحايا لها بسبب من هجرتهم المأساوية عام 1948، وأحاول تأمل موضوع النضال وعامية معنى الارهاب، لكي نميز الفرق بين اتجاهات البوصلة، وفعل المقاومة الحقيقي دون شعارات مسبقة تبرر ما لا نريده.
لهذا كتبت رواياتي "عين المرآة" و "نجوم اريحا" و "بوصلة من أجل عباد الشمس"، ولهذا ولدت بقية كتبي من مجموعات قصصية او شعر، لكي تعمق الاسئلة الوجودية التي تحيطني، أكتبها بحثا عن أجوبة للاشياء المستحيلة التي أواجهها كامرأة تنتمي الى شعب مطحون بالهجرة والابادة، لكن نهاية كل عمل ترسم مرحلة لا أكثر، ففي بوصلة من أجل عباد الشمس قلق البدايات لحركة التحرر والمقاومة للفلسطينيين، وأسئلة حول نهج الاستعداد الذاتي لمن يحاولون فهم نهج البطولة. وفي "عين المرأة" سؤال وجودنا الحائر أمام المجازر المتواصلة التي نتعرض لها بدءا من تل الزعتر الى صبرا وشاتيلا، وفي "نجوم اريحا" تساؤل القلق الذي اثارته حرب الخليج الأليمة ومحاولة استعادة متخيلة للوطن عبر نجوم أريحا التي هي ذاتها نجوم بيت لحم. أما في "شرفة علي الفاكهاني" التي كتبتها على شكل مجموعة من القصص الطويلة. "نوفيللا" فهناك أسئلة فرح حياتنا الاعتيادية حين تدمرها قنابل الطائرات المغيرة دون ان تتكلف أجهزة الرادار عناء تقصي اعداد البشر العاديين والأطفال وطيور الكناري التي تتناثر أقفاصها مع خمل الشعر الآدمي الأثاث الممزق بعد الغارات.
لهذا أيضا كتبت عديدة هما كتبت للاطفال قصصا تحمل كل منها أصواتا لبشر وموسيقى وأفراحا او احزانا عرفت فيها خصوصية الأوضاع الفلسطينية التي تعيش دوما على حواف المنفى والهجرة او الابادة.
وكل ذلك، وكل ما يمكن أن أكتبه فيما بعد، ليس الا أسئلة تتمحور حول الهوية والذاكرة. فيتهيأ لي بأننا لن يمكننا استرداد هويتنا التي مزقتها المنافي والحروب الا باعادة صياغة العلاقة الحيوية مع الذاكرة، وقبل كل شيء.
وربما لهذا السبب أحاول التفتيش في كتاباتي عن معنى كوني امرأة، وفلسطينية، في عصر فقد معنى الانصاف.
أكتب لانه من المستحيل على من كانت مثلي مصابة بالتحسس من الغبار والرطوبة ولقاح الازهار التنفس الحر في معظم فصول السنة، فكيف لو كانت محاطة بفيض من أوضاع اجتماعية صعبة حولها، وظروف سياسية تفت الحديد او الحجر، فكيف يبني الانسان؟
أكتب لانني امرأة تعاني اضطهادا مسبقا لمجرد فكرة وجودها، سيما وان امي التي كان يطلق عليها "ملكة جمال البلاد" ماتت اكتئابا لان احدا لم يكلف خاطره بالالتفات الى ذكائها وقدراتها المتكاملة، بل وان انجابها لخمس فتيات صغيرات عفيات وذكيات حسب اعتقادها اكسبها بغض المجتمع متوجا بلقب "ام البنات".
أكتب لانني كنت سعيدة في بيت أهلي حين كنت في السنة الثانية الابتدائية. لكنني لم أعد الى بيتنا ابدا منذ تواصل مكوث أبي في السجن السياسي، وكان قبلها نزيلا متقطعا له، كم كان لذيذا العودة الى أحضان الوالدين كلما استغرقتني غفوة دافئة اثنا0احدى سهراتهما في بيوت الاصدقاء، وذلك الشعور بالاستسلام بين أيدي الكبار وهم يحطونني الى الفراش وأنا اخفي رفرفة الجفنين كيلا يعرفونا اني قد صحوت وأنا التي لا أريدهم ان يعرفوا ذلك.
أكتب لانني نلت ما يكفي من الخناقات مع أمي ومع الاقارب من حولي على عدم فهمي والتزامي بما يتحتم على أية صبية طيبة الالتزام به، لذلك ضجرت واردت ان أضع لنفسي جناحي حورية من ذهب، اطير وقتما أريد، واحط متى وددت. وارسم وحدي مع أهل الحكاية خطط الرجوع او الذهاب او التحليق فوق. بعيدا الى الأعلى، او الى اسفل الجحيم ذاته.
وقد كتبت قصتي القصيرة الاول لكي تكون مبردا للتداول مع الشاب الاول الذي زينت فتنة وسامته حياتي المراهقة آنذاك، ولكنه أفلتها من يده بابتسامة تفهم لحماقتي، ولم يعد أبدا الى طرق أي موضوع يتعلق بكتابتي مرة اخرى.
ومع هذا فقد كنت أذكر قبلها نبوءة غامضة لآمي من مبصرة استانبولية قابلتها في شهر عسلها، وأخبرتها بان ابنة لها سوف تحكي عنها كثيرا من خلال كتاباتها المنشورة والتي سوف تحصل على شهرة كبيرة في المستقبل.
وربما أكتب لانفي لا اجيد شيئا آخر عدا الحلم بعينين مفتوحتين حسب اعتقادي بحيث لا استطيع ان أقنع أحدا حول بثقل وجودي بما يتجاوز صفحات كتاب أو رواية. ولم لا؟ مادمت أعيش وسط شعب يقكن يوميا من أرضه مه اشجار الزيتون الرومانية المعمرة لكي يرضي نهم الشركات الاستيطانية الاستعمارية التي تهدي بلادنا شبرا شبرا لمهاجرين فقدوا اتصالهم بالوطن، ولا يجدون حرجا في مواصلة التهام أرضنا واضطهادنا، وتدمير حياتنا بحجة أن غيرنا اضطهدهم ودمر حياتهم قبل أكثر هن خمسين عاما.
لهذا كتبت عن الحروب، وعن القلق، وعن ضرورة اكتشاف المرء لموقعه في عالم تتضارب فيه القيم، وتباع فيه الاشياء حسب براعة وكلا0الدعاية ومديري التسويق، عالم يحاول ازالتنا من الوجود كشعب حر يحتفظ بقيمه وثقا فته، ليرضي عقدة الذنب الاوروبية واطماع الدول الكبرى في استمرار الكولونيالية على أرضنا.
حين كتبت رواية "بوصلة من اجل عباد الشمس" كنت أريد التأقلم مع عالم فقد طراوته ويناعته بسبب من الحروب المتواصلة في منطقتنا. تلك الحروب التي بدأت عام 1948. حين جرى طرد الفلسطينيين من أرضهم. وتم استبدالهم بالعنف والابادة. جرى في فلسطين منذ تلك الايام ما يجري في كوسوفا اليوم، لكن أجهزة التصوير التليفزيوني والكاميرات لم تتوافر في تلك الايام لتشهد العالم على ما ارتكب بحقنا. الأدب هو الشهادة الحية لما عاشه الناس، ولما عانوه في فلسطين، ليس فقط أثناء النكبة، وانما في حروب أخرى فيما بعد.
أحكي في "بوصلة من أجل عباد الشمس" عن المعاناة الشخصية التي عشتها خلال حرب 1967، حين وجدت نفسي مع اهلي على قارعة الطريق بين أريحا وعمان في طريق بلا عودة، والطائرات الاسرائيلية المغيرة تسقط خزانات النابالم فوق رؤوسنا. ذلك اليوم الذي ماتت فيه ابنة صفي "هند" متفحمة مع عائلتها في سيارة مدنية عادية. وفي الرواية أتأمل الحروب المتواصلة التي وقع فيها الفلسطينيون أسرى وضحايا لها بسبب من هجرتهم المأساوية عام 1948، وأحاول تأمل موضوع النضال وعامية معنى الارهاب، لكي نميز الفرق بين اتجاهات البوصلة، وفعل المقاومة الحقيقي دون شعارات مسبقة تبرر ما لا نريده.
لهذا كتبت رواياتي "عين المرآة" و "نجوم اريحا" و "بوصلة من أجل عباد الشمس"، ولهذا ولدت بقية كتبي من مجموعات قصصية او شعر، لكي تعمق الاسئلة الوجودية التي تحيطني، أكتبها بحثا عن أجوبة للاشياء المستحيلة التي أواجهها كامرأة تنتمي الى شعب مطحون بالهجرة والابادة، لكن نهاية كل عمل ترسم مرحلة لا أكثر، ففي بوصلة من أجل عباد الشمس قلق البدايات لحركة التحرر والمقاومة للفلسطينيين، وأسئلة حول نهج الاستعداد الذاتي لمن يحاولون فهم نهج البطولة. وفي "عين المرأة" سؤال وجودنا الحائر أمام المجازر المتواصلة التي نتعرض لها بدءا من تل الزعتر الى صبرا وشاتيلا، وفي "نجوم اريحا" تساؤل القلق الذي اثارته حرب الخليج الأليمة ومحاولة استعادة متخيلة للوطن عبر نجوم أريحا التي هي ذاتها نجوم بيت لحم. أما في "شرفة علي الفاكهاني" التي كتبتها على شكل مجموعة من القصص الطويلة. "نوفيللا" فهناك أسئلة فرح حياتنا الاعتيادية حين تدمرها قنابل الطائرات المغيرة دون ان تتكلف أجهزة الرادار عناء تقصي اعداد البشر العاديين والأطفال وطيور الكناري التي تتناثر أقفاصها مع خمل الشعر الآدمي الأثاث الممزق بعد الغارات.
لهذا أيضا كتبت عديدة هما كتبت للاطفال قصصا تحمل كل منها أصواتا لبشر وموسيقى وأفراحا او احزانا عرفت فيها خصوصية الأوضاع الفلسطينية التي تعيش دوما على حواف المنفى والهجرة او الابادة.
وكل ذلك، وكل ما يمكن أن أكتبه فيما بعد، ليس الا أسئلة تتمحور حول الهوية والذاكرة. فيتهيأ لي بأننا لن يمكننا استرداد هويتنا التي مزقتها المنافي والحروب الا باعادة صياغة العلاقة الحيوية مع الذاكرة، وقبل كل شيء.
وربما لهذا السبب أحاول التفتيش في كتاباتي عن معنى كوني امرأة، وفلسطينية، في عصر فقد معنى الانصاف.