تامر الهلالي - يتسع الناي على فمه

الكاميرا تراقب قدميه
خطواته ملت قسوة احلامه عليها
منذ اربعين خريفاً تتساقط أنسجته
على مذابح خيول رؤاه
منذ اربعين قصة حب فاشلة
يشرب كؤوس وحدته
منذ حليب أمه يتسع الناي على فمه
وفي كل نوبة من نوبات حنينه الكافر للحب
يفيض النهر على الروح والجسد
يغرق حقل قمحه
الكاميرا تقطع على مطعم و مقهى
تقدم له كوب قهوة و شطيرة
و صديق سفر
سيتحدث معه
سينصحه
سيقنعه
أن يحاول ان يكون مثل باقي البشر
عادياً
ليس سيئاً أبداً أن تمنح نفسك
إجازة قصيرة
من الأحلام الكبيرة
و قصص الحب الفاشلة
ربما عليك أن تأخذ هدنة
لتدخل حرباً عبثية جديدة و انت قوي
و ربما يعجبك الأمر
و تطيل الهدنة
حتى يأتي إليك حلم مريح نسبياً
***********

يرسم نهراً
____________________

الكادر مظلم و موبوء
وهو في الكواليس يرسم شمس غد
يتلعثم أمام الكاميرا
ينسى سطوره عن عمد
او دون وعيٍ
يعتذر عن استئناف الموت
يخرج لأقرب متجر يبيع قلماً وورقة
تقترب الكاميرا من يده اليمنى
و بياض الورقة
شريط الصوت يرسم نبضاً خفاقاً بالحب
يرسم صخراً
يتفجر
ن
ه
ر
اً
************

تعالي نرتجل مشهداً
لا وجود فيه لنص الموت
كوني مقهاي أثناء حظر تجول
كوني قهوتي الساخنة أبداً
في ابدية طرفيها الافتراضيين شفتاك
و انا بيتك الذي لا تخرجين منه
جسدي حقول قمح
و حبي لك
كوكب ابتكر دواء للوباء
رقصتنا سيمفونية من خلود النور
و سريرنا قُدَّ
من غابات لم تروى بمطر الموت
نهداك جبلان يعصمان من الطوفان
و يدي فلك يعبر بحر النهايات
إلى شواطيء بدايات
لا يأخذها الزمن
إلى منطق الردى
*****************
طير وديع و افعى جائعة
________________________________

في يسار الكادر هو
و هي في يمين كادر حلمه
كلما جاعت اقتلع لها جذر حنين من روحه
لتزرعه غابات حنان
كلما عطشت وتاهت في صحاري حيرتها
تحول إلى واحة مفاتيحها معها وحدها

كلما صرخ جنونه
تحولت إلى غيمة سكينة
كلما تلى مزامير عشقه
رقص جسدها كطيرً وديع و أفعى جائعة
في قنينة نبيذ
يلتقيان فيها
على مهد من حرير و نار
في نقطة لا يراها أحد
في منتصف كادر يجمعهما في زمن روائهما
بعد جفاف
كانا يظناه أبدياً
***************

غرفة الماكياج_ قبل مشهد رومانسي
____________________

قبل مشهد رومانسي
يحول حياة البطل إلى حياة تستحق العيش
كان عليه ان يجعل مرآته تكذب
لتظهره مستعداً لسعادة غير متوقعة
ظل يدغدغ المرآة بمساحيق مستوردة غالية للتلميع
اشترى أجهزة لشفط الغبار من الغرفة
جعلها تشاهد اناس يبدون سعداء: لاعبوا كرة و نجوم و نجمات سينما لامعات
لم يفلح أي شيء

أجل المشهد مرات عدة
ثم قرر بعد شهور
أن يذيب فصوص ذاكرته
التي كفرت بالحب
عليه أن يسبح في هذا البحر مجدداً
قرر أن يجعل الحياة تستحق العيش
مهما كان الحب مؤلماً
و ألا يطلب من المرايا
أن تكذب مجدداً
_____________________

يطلق الكاميرا
على خاصية الدوران العشوائي
يفعل أيضاً خاصية البحث والتقاط صور لكل ارجاء الكادر
كي يجد مربعاً واحداً
ذهب إلى كوكب نسيان
و عاد بشعاع واحد
من حب لا تصفده ذاكرة
و امرأة لا تستطيع الأيام جمع شعرها
في ضفائر
امرأة تطهو العشق
دون ملح العقل
تبني في فمي مدناً بقبلة
ثم تهدمها بعناق
ثم تزرع جذوري في غيوم لهفتها
امرأة لا يستطيع كادر
ان يلملم نورها
بين أربعة حواف
*****************-**-
الكاميرا تتجول في المكان
تحاول أن ترشده
تظل تدور و في كل مرة تتوقف عند عينيها

تدفعه ان يمسك الورقة و القلم
فيكتب: هذا ما أحتاجه
الأفكار والذكريات تجرفني كشلالات
اختزنت كبت قرون
تاريخي يدفعني إلى إحراق ما تبقى لدي من حب
المطر توقف عن المرور بغيماتك
والجلادون يحدقون في شرفة المنزل
يمنعون القمر من الغناء
الحل الوحيد هناك :
في تلك العينين أرصفة نبيذ
تكفي لنسيان
كل شوارع العمر التي نسيت الرحمة
**************

الكاميرا لا تراه الآن
يطفيء كل الأنوار
عيناه تحول الضوء أحياناً إلى حجر
حين تستعصي الكلمات المتقاطعة للقدر على عقله
حين تقوده قوانين الشطرنج إلى الاستسلام لخدر الظلمة
المربعات موجودة لكن الحركة مخنوقة وتتكرر

الكاميرا لا تراه
لكن القمر يضيء و يتلألأ في قلبه
يملك نوراً واحداً رقيقاً
يدخره لمثل تلك الأوقات:
نور لهفة عينيها
حين تراه وحيداً شارداً
فتزرع عينيها له واحة
و تتركه يشعل ضلوعها ناراً
**************
في يسار الكادر
كل شيء في ضميره يتحول لفيضان من غثاء
الحقائق صارت جبال وهم
تتحول ببساطة وخفة لحبال تخنق انفاس الحلم

الخيال وحوش تنشب انيابها في الرؤية
وهو لا يملك سوى الدخان
يدخن ما تبقى من عمره بشراهة
و لا يبارح سرير عرش الزبد

يفكر
يبحث كفأر جائع في فلاة
عن شيء واحد يتحرك إليه
شيء واحد بطعم خلود
يرسله إلى يمين الكادر

يجد نفسه يكتب أنه يحبها
يوقن رغم سكناه في باطن الشك المسعور
أنه رغم ان العمر يشيخ
كانت هي الحكيمة الصبية
كانت كما مقدس
لا ينازع في قدسيته حتى من كفر بلا رجعة

حضنها كان وافراً رغم الزمان البخيل
عيناها كانت رغم استشراء الجدب
نسيم متصل من غناء يبلسم صدر اللحظة

صوتها و هي تتلو شعره
كان يشبه النيل حين كان عفياً طليقاً
كان حزيناً صوتها
و رغم حزنه كان يحفر في روحه آبار مواويل

حقيقة واحدة يستطيع دوماً السفر إليها في الكادر
يحبها يحبها يحبها
يبرق يقينه و يقسم
رغم محيطات شكه و قلقه و حزنه الموتور
ورغم جفاف الحبر
و سماء المدينة الرمادية و اثداءها الجافة من الشعر والموسيقى
يستطيع دائماً أن يرسم قلبها قيثارة
و يغني للحياة والحب
و يحتمل مرارة الزبد
*******************

كادر مقلوب
___________________________

الكاميرا في كادر مقلوب له
هو يرى أنه لابد أن يصير كذلك
ربما يلتقط الأشياء قبل أن تتحول إلى اضدادها
الخير قبل ان يتحول إلى بله
الحب قبل أن يتحول إلى صك ملكية تستعبده
الشر قبل أن يصير ماء العصر

عيناه لا تستقر في نقطة
في الكادر تتحول كل عين
إلى الف بؤبؤ لا يكف عن الحراك
الكل يمر عليه
و يضحك
رغم ان صدره لا يكف عن الانشقاق بصوت مسموع
رغم سماءه التي صارت ارضاً

في النهاية الكل يراه
مقلوباً
يمارس جنوناً مضحكاً
و هو لا يلتقط شيئاً
ولا يعرف الطريق للنقاط
التي تتحول عندها الأشياء
*******************
قبل المشهد
يقول للماكيير: افعل أي شيء كي لا تظهر تلك التجاعيد
بعد انتهاء التصوير
يبتسم امام المرآة
يشكر التجاعيد التي يخبيء فيها غضبه من وجهه
ذلك الوجه الذي لم ير الشيطان حين كان الجميع يرونه
لم يدرك أن عيون الحبيبة قد تكون موتاً
وان الحلم قد يهيل غباراً كثيفاً
على ما يظنها حقائق
وهي محض سرابات
****************

في ليل داخلي وحيد
من أعلى
الكاميرا تحصي ما يسقط من جسده
اثناء حمام نهاية اليوم
كل يوم يسقط حب
حلمان
أفكار لقصائد لم و لن تكتب
مشاهد له وهو يركض للحاق بأشياء كثيرة
ولا يصل
و قبل ان يغلق صنبور الماء
تستقر على المرآة المليئة بالبخار
علامات استفهام
لا تكف عن التناسل
عارية
****************

الكاميرا تجري وراءه
تريد أن تعرف لماذا يركض هكذا
المشهد ليس مكتوباً في السيناريو
يكتشف المصور انه يكلم نفسه طوال ركضه
كان يصرخ: سأنقذك
في النهاية عرف المصور أنه كان يحلم
ذلك الحلم المتكرر الذي يعرفه المقربون منه :
يرى نفسه يغرق
بسبب ثقوب غياب في روحه
و ينتهي الركض عادة
بالجلوس على اقرب رصيف
عندما يخونه صدره و ساقاه
ثم يبكي قليلاً
و يعتذر في اليوم التالي
و يكمل دوره
******************

يبدو الكادر فارغاً
______________________________________

في ليل داخلي
بعد ان يكتب نصاً
عن هزيمته أمام جيوش الليلة الماضية
يقف في منتصف الكادر
مزهواً باستسلام اللغة له

في نهار خارجي/ داخلي
ياتي اليوم إليه
عليه أن يترك الورقة التي يفترشها
ليكتب كل شيء على روحه و جسده نصوصاً
المترو والحافلة و الشارع و الزملاء والأصدقاء و نشرة الأخبار و الجريدة
يتحرك من يسار الكادر إلى المنتصف ثم يعود طوال اليوم

في ليل داخلي آخر
بجلس إلى طاولة الكتابة
الورقة البيضاء
تطفئ الكاميرا
ثم تخرج لسانها
و تبتلعه
لا يتبقى منه سوى اسئلة
و صرخات بيضاء
مصلوبة في هواء الغرفة
و يبدو الكادر فراغاً
رغم امتلائه بالكامل
**********************

هو في اقصى يسار الكادر
يحاول ان يخرج
من كل موجات الضوء والصوت المشوشة لروحه
و.يسأل ما اقصى حد من الحب يسمح به باقي الكادر
ليهديه لحبيبته
لو تخطى خط منتصف العمر

الخط ملغم بكل شكوك اربعين عاماً
اقسى الشكوك و أكثرها بشاعة
كانت تلك التي تسقط شمس الحب في حفر الواقع
ثمة ايضاً موجات متدافعة لا تكف عن التلاطم
و المد القوي المتجه من اليمين إليه
بسرعة كبيرة
مقابل جزر يتظاهر بالوجود
ثم يتكاسل عن عمد
فتتكدس الذكريات لدى سيقانه

بعد تفكير طويل
و غياب في دوامات لا تكف عن الدوران به
دون ان يخطو للأمام
لتتحرك الكاميرا التي تنتظر منذ أعوام قرار الخطوة
يرسم لافتة بحجم الكادر كله
يكتب فيها :
سامحيني
و يرسم زهرة بيضاء
تحاول ان تتفتح
رغم الإضاءة المفتتة
************************
في منتصف الكادر
يحاول المثقل بالخسارات آخر محاولات النسيان
ليس لديه مال ليشتري ما يساعد على ذلك

في عمق الكادر ثمة دفتر و قلم أسود
الأسود لون لا يصلح لهذه المهمة
ظل يفكر في لون مناسب
الازرق يصلح لكل شيء
ظل يبحث والكاميرا تتبعه
وجد أخيراً قلماً ازرق
بدأ يكتب قصصه
بدأ تنازلياً بأثقل خذلان
اثناء الكتابة تظهر لافتة مكتوب فيها: بعد خمسة اعوام

في الكادر التالي
تحول الدفتر إلى محيط كبير
ابتلع رأسه
ثم ابتلع قلبه
ثم اغرق روحه
لكنه مات مبتسماً لاختياره اللون المناسب:
مصادفة كان الازرق اللون الملائم الوحيد
للغرق
********************
تامر الهلالي- 23 مارس 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى