كانت هناك مزرعة صغيرة تتوسط حينا بمنطقة (الصابرى).. وكانت ملكا لأحد وجهاء الحى.. كان يطلق على تلك المزرعة أسم مزرعة (القرود).. لوجود قطيع صغير من القردة داخلها.. وكانت تلك القرود جزء مما يميز وجود تلك المزرعة وشهرتها.
كنا ونحن صغار من حين لآخر نتزاور المزرعة ويجرنا الفضول لمشاهدة تلك القردة.. وكان على رأس ذلك القطيع قرد ضخم.. كان الفضول يجرنا لمشاهدة تحركات تلك القرود من حين لآخر.. من كثرة التزاور أصبحنا مولعين وجزء من المزرعة.. وظهر لنا أن ذلك القرد الضخم يبسط سلطانه على القطيع.. وهو قائد على القطيع على ما يبدو.. ويظهر أن القردة من حوله تخشى من ذلك الكبير..
كنا من حين لآخر نلقى بفتات الطعام للقطيع ولكن ما نلاحظه أن القرد الكبير يستولى على الطعام ويكومه في جانبه ويمنع الأخرين من الحصول حتى ولو على جزء من الطعام.. كان ذلك المشهد يثير فينا الغضب على ذلك الكبير..
كنا نبصر بقية تلك القردة من حوله تحاول الحصول على بعض الفتات خلسة منه.. ولكن عندما يفطن بالحركة يغرس أنيابه الحادة في أجسادهن.. وتظل تلك القردة مهدئات لا يقوون على فعل أي شيء تجاهه..
كان صاحب المزرعة ذا وجاهة وسط الحى.. وكان يظهر استعلاء واضحا على الآخرين من عمال المزرعة.. لم نراه قط يتحدث لهم.. وكأن عمال المزرعة ملك له مثلهم مثل ذلك القطيع.. و لم يعرهم أي اهتمام يذكر.. وكذلك أبناء صاحب المزرعة هم أيضا لا يولون أدنى اهتمام لأولئك العمال.. كنا ننظر اليهم عندما يقوم زائر من علية القوم يظهرون لهم اهتماما كبيرا.. ويجاذبونهم الحديث.. كان السخط يعلو وجوه العمال تجاه هذا الموقف.. كنت أتساءل لماذا هذه التفرقة في المعاملة.. بين غنى وفقير.. بين نكرة ومعرفة.. في بلادنا الفقير ليس مرحب به.. فهو دائما مغبون.. ومقصي عن حركة الناس..
كان أولئك العمال يحاولون نيل الحظوة من صاحب المزرعة وأولاده ولكن كانوا يلاقون الصد.. كان الموقف لا يختلف عن تلك القردة التي كانت تستجدى ولو قليلا من الانتباه نحوها.. وكان عمال تلك المزرعة يعيشون في غربة في تلك المزرعة.. حتى عملهم داخل المزرعة لم يعولوا عليه لأن ما كان ينتجونه يظل غريبا عنهم.. لا شيء يتغير في محيطهم فسوف يعيشون عمالا ويموتون عمالا أجراء.. وكل منتوجه لهم لا تتحقق فيها ذواتهم فهم لا ينتجون لأنفسهم بل للغير..
لقد تحول المشهد من حوله عندما كان اجيرا للدولة وتحول اجيرا لصدقة صندوق الضمان بعد التقاعد وينتظر الفتات الذى يلقى له شهريا.. لقد أيقن بشكل مطلق أن الضمان الحقيقي هو ما تصنعه يديه وليس ما يمن به الغير من عطاء..
ذات يوم مر ركب رئيس الدولة من باب حينا ورأينا جمعا من الناس تتزاحم حول ركبه تريد أن تلحق بالركب وتشدهم عاطفة قوية وهم يهرولون نحو الركب يريدون الأسماك به وقد علا صياحهم بالهتاف للزعيم.. كانوا في الواقع ذاته يشعرون وهم ملتصقون بالركب أنهم نالوا حظوة من الزعيم وشعروا بأن الجماهير تهتف لهم وليس للزعيم فقط؟؟ وتصوروا أنهم قادة المكان.. لقد سرى شعور بالأنا يلفهم بأنهم في موضع الرئيس وأحسوا بأنهم جالسون في مقعده وهو يلقون التحايا للجماهير من خلال الركب.. وشعر بأن الموقف يقترب كثيرا من تلك الصورة التي قفزت أمامه أن هناك توافق بين سلوك الأنسان وسلوك الحيوان.. فكلاهما ينزع لتحقيق ذاته وسط جموعه.. فعمال المزرعة يظهرون ولاء لصاحبها، لكنه كان ولاء موهوما لتحقيق الذات.. ذات الشيء فهم يرون ذواتهم في صورة ذلك الزعيم التي تغربت عنهم.. وسط جموعهم..
النفس البشرية
كنا ونحن صغار من حين لآخر نتزاور المزرعة ويجرنا الفضول لمشاهدة تلك القردة.. وكان على رأس ذلك القطيع قرد ضخم.. كان الفضول يجرنا لمشاهدة تحركات تلك القرود من حين لآخر.. من كثرة التزاور أصبحنا مولعين وجزء من المزرعة.. وظهر لنا أن ذلك القرد الضخم يبسط سلطانه على القطيع.. وهو قائد على القطيع على ما يبدو.. ويظهر أن القردة من حوله تخشى من ذلك الكبير..
كنا من حين لآخر نلقى بفتات الطعام للقطيع ولكن ما نلاحظه أن القرد الكبير يستولى على الطعام ويكومه في جانبه ويمنع الأخرين من الحصول حتى ولو على جزء من الطعام.. كان ذلك المشهد يثير فينا الغضب على ذلك الكبير..
كنا نبصر بقية تلك القردة من حوله تحاول الحصول على بعض الفتات خلسة منه.. ولكن عندما يفطن بالحركة يغرس أنيابه الحادة في أجسادهن.. وتظل تلك القردة مهدئات لا يقوون على فعل أي شيء تجاهه..
كان صاحب المزرعة ذا وجاهة وسط الحى.. وكان يظهر استعلاء واضحا على الآخرين من عمال المزرعة.. لم نراه قط يتحدث لهم.. وكأن عمال المزرعة ملك له مثلهم مثل ذلك القطيع.. و لم يعرهم أي اهتمام يذكر.. وكذلك أبناء صاحب المزرعة هم أيضا لا يولون أدنى اهتمام لأولئك العمال.. كنا ننظر اليهم عندما يقوم زائر من علية القوم يظهرون لهم اهتماما كبيرا.. ويجاذبونهم الحديث.. كان السخط يعلو وجوه العمال تجاه هذا الموقف.. كنت أتساءل لماذا هذه التفرقة في المعاملة.. بين غنى وفقير.. بين نكرة ومعرفة.. في بلادنا الفقير ليس مرحب به.. فهو دائما مغبون.. ومقصي عن حركة الناس..
كان أولئك العمال يحاولون نيل الحظوة من صاحب المزرعة وأولاده ولكن كانوا يلاقون الصد.. كان الموقف لا يختلف عن تلك القردة التي كانت تستجدى ولو قليلا من الانتباه نحوها.. وكان عمال تلك المزرعة يعيشون في غربة في تلك المزرعة.. حتى عملهم داخل المزرعة لم يعولوا عليه لأن ما كان ينتجونه يظل غريبا عنهم.. لا شيء يتغير في محيطهم فسوف يعيشون عمالا ويموتون عمالا أجراء.. وكل منتوجه لهم لا تتحقق فيها ذواتهم فهم لا ينتجون لأنفسهم بل للغير..
لقد تحول المشهد من حوله عندما كان اجيرا للدولة وتحول اجيرا لصدقة صندوق الضمان بعد التقاعد وينتظر الفتات الذى يلقى له شهريا.. لقد أيقن بشكل مطلق أن الضمان الحقيقي هو ما تصنعه يديه وليس ما يمن به الغير من عطاء..
ذات يوم مر ركب رئيس الدولة من باب حينا ورأينا جمعا من الناس تتزاحم حول ركبه تريد أن تلحق بالركب وتشدهم عاطفة قوية وهم يهرولون نحو الركب يريدون الأسماك به وقد علا صياحهم بالهتاف للزعيم.. كانوا في الواقع ذاته يشعرون وهم ملتصقون بالركب أنهم نالوا حظوة من الزعيم وشعروا بأن الجماهير تهتف لهم وليس للزعيم فقط؟؟ وتصوروا أنهم قادة المكان.. لقد سرى شعور بالأنا يلفهم بأنهم في موضع الرئيس وأحسوا بأنهم جالسون في مقعده وهو يلقون التحايا للجماهير من خلال الركب.. وشعر بأن الموقف يقترب كثيرا من تلك الصورة التي قفزت أمامه أن هناك توافق بين سلوك الأنسان وسلوك الحيوان.. فكلاهما ينزع لتحقيق ذاته وسط جموعه.. فعمال المزرعة يظهرون ولاء لصاحبها، لكنه كان ولاء موهوما لتحقيق الذات.. ذات الشيء فهم يرون ذواتهم في صورة ذلك الزعيم التي تغربت عنهم.. وسط جموعهم..
النفس البشرية