علاء نعيم الغول - الغرفة الثانية

كازابلانكا مكانٌ لستُ أعرفُ
لم أزرْهُ وكان قلبي وقتها متصدِّعًا مما
سمعتُ من القذائفِ فوقَ قريتِنا المتاحةِ
للفتوحاتِ الصغيرةِ وانتصاراتٍ من الوهمِ
الملونِ فوقَ أسوارِ البيوتِ وما تبقى من بناياتٍ
تهاوى بعضها ليلًا
كازابلانكا البعيدةُ أضمرتْ في قلبها
حبَّا ونارًا أقنعتني أنني متورطٌ في فهمِ ما
يجري لهذا أيقظتني في المساءِ على نداءٍ
من وراءِ الأطلسِ المكسوِّ بالغيمِ الطريِّ
وبهجةِ الآرغانْ على صوتِ الأمازيغيةِ
السمراءِ وهي تحيطني بالسِّحْرِ والتعويذةِ
الملأى بأعشابٍ من الأقسونِ والبَسْباسِ
بالدابوقِ واليازولِ أصعدُ في تسابيحِ
الكرى متوسلًا ألا يكونَ الليلُ ممنْ يسأمونَ
مبكرِّا وأفيقُ في صحراءَ تحملُ قافلاتِ البردِ
تسقطُ في وهادِ الريحِ تسقيها السماءُ
سماءَها ليلًا وفي وضحِ النهارِ تموتُ آلافُ
القبائلِ بالخواءِ ونشوةِ البرقِ الذي شقَّ
الطريقَ أمام من رحلوا وإنَّ الحبَّ مرتَحَلٌ ولقيا
قلعةٌ مفتوحةٌ للموتِ
يا تتريتُ يا شفقَ الغيابِ وشهوةَ
الدوريِّ في أنْ يقطعَ الأحلامَ في يومينِ
يكسرَ نافذاتِ الصمتِ فيما جوقةُ التفكيرِ
تصدحُ بالنحاسياتِ في رأسي
كازابلانكا انتحارُ الماردِ المهجورِ في هذا
اليبابِ تنازلاتُ الملحِ عن طعمِ الحياةِ وعن بداياتِ
البحيرةِ مالحٌ جوفُ الفقاعةِ وهي تدفعُ جلدَها
ليعيدَ ترتيبَ النسيجِ على هواءٍ سوف
يفقأها ليعبرَ في متاهاتِ الشهيقِ وفي زفيرِ
سنونواتٍ يجتمعنَ على بقايا ظلِّيَ المكسورِ
كالبوصِ الرقيقِ وكالمُرانِ يعيثُ في وادي أريكا
مثلما العرعارُ يبتلعُ السماءَ
توقَّعي مني القضاءَ على خيوطِ الإنبهارِ
بما أراهُ وما تريْنَ تلاعبي بالماءِ بالوروارِ
واتخذي طريقَ البيلسانِ طريقَكِ المحفورَ
في لبِّ البياضِ هي الحياةُ كما المرايا
لا تواجهنا بما نخفيهِ تعرفُ أننا بسطاءُ
في أحلامنا ومآلنا للموتِ والغرفِ التي لا تعتني
بالحبِّ والماضي ولا تأسى على ما فاتَ من أعمارِنا
أنا لحظةٌ مسكوبةٌ في دورقِ الرمانِ
في ماءِ الورودِ ونكهةِ الليمونِ
كم من مرةٍ سأعودُ من موتي لأقرأَ ما تغيرَ
في شفاهِ الوردِ أسمعَ ما تبدلَ في أناشيدِ
الوداعِ وأشهدَ الوقتَ الذي لا تعتريهِ تحولاتُ
النارِ في جسدِ الغزالةِ
يا كازابلانكا الفتيةُ حينَ صغتُ تحولاتي
في حروفكِ صرتُ أعلمُ بالحكاياتِ التي جلبتْ
لكِ التيفيناغَ بالصورِ المليئةِ بالنقوشِ
عشقتُ في عينيكِ طفلي الغامقَ المخبوءَ
في التوسمانِ في حوضِ القرنفلِ في ابتسامتكِ
الغنيةِ بالتسابيحِ الطليقةِ بين قلبيْنا
أنا في غزةَ الأولى وفي هذا المكانِ على شفيرِ
البحرِ أسمعُ عنكِ في صدفِ الرمالِ وأستشيرُ
العشبَ في حفْرِ الغمامِ لكي تمرَّ القاطراتُ
مع الشتاءِ إليكِ تدفعها الطيورُ إلى الأمامِ
كأنها سربُ اليمامِ وفي الغريبِ من الأماكنِ
نعرفُ الفرقَ الذي بين الرتابةِ والتحولِ
بينَ آلامِ البقاءِ مع الحروبِ وفتحِ أروقةِ الهروبِ
إلى الحقيقةِ لا حقيقةَ في الجمودِ ولا يصيرُ
الماءُ نهرًا إِنْ تراخى عن بلوغِ مصبِّهِ
والقلبُ يجري في عروقِ اللوزِ في لونِ الرياحينِ
التي غرقتْ بِطَلِّ الفجْرِ لن نحتاجَ ما يحتاجهُ
الموتى من الهذيانِ من أشياءَ نجهلها وبعد الموتِ
تنهمرُ الحقيقةُ من ثقوبِ الإنتظارِ أمامَ أبوابِ
العبورِ إلى النهايةِ
يا كازابلانكا افترقنا في حضورِ
الأغنياتِ وتذكرينَ معي هنا يوم اقتبسنا من تواشيحِ
الهوى دفءَ الأماني الصافياتِ كما النبيذُ الحرُّ
في الكأسِ المغطى بالحبابِ نقولُ في شغفِ المريدِ
وصبوةِ الساقي وتغريدِ الأماليدِ اللواتي
يضجعنَ على بلاطٍ باردٍ
(شمْسُ العَشِية قَدْ غَرَّبَتْ وَاسْتَعْبَرَتْ عَيْنِي مِنَ الفُرْقَا
عَلَى الشَّفَقْ سَطَّرَتْ حِينَ غُيِّبَتْ زَادَ العَشِيقْ شوقا
حَتَّى الطُّيُورْ قَدْ غَرَّدَتْ وَتَرَنَّمَتْ تَرْثِي عَلَى الوَرْقَا
جَاوَبْتُهَا بِالإشْتِهَارْ قِفْ نَعْتَبَرْ بِالله عَلَيْكِ مَهْلا
قَالَ المَلِيحْ زَيْنُ الصِّغَار فُزْ بِالنَّظَرْ كُبَّ المُدَامْ وامْلا

يَا شَمْسَ العَشِيَّا أمْهِلْ لا تَغِبْ بِاللهِّ رِفْقَا
هَيَّجْتِ مَا بِيَا حَتَّى زِدْتَنِي فِي القَلْبِ شَوْقَا
تَرَّفَقْ عَلَيَّا إنِّي فِي المَلِيحْ قَدْ زِدْتُ عِشْقَا
فِي الوَادِي المُذَهَّبْ وَوَجْهُ الملِيح مِثل الثُّرَيَّا
وَالسَّاقِي المُؤدَّبْ يَسْقِي بِالأوَانِي البُنْدُقِيَّا)***
كان صوتُكِ مُشبِعًا
تزدادُ لوعاتُ النوى في ريقهِ
أذنايَ مرهفتانِ تقتربانِ من فيضِ
السماواتِ المشعةِ بالبخورِ ترنمتْ في سُدْفَةِ
الروحِ الطيوبُ وزينَتْها لمعةُ النوارِ في أسنانكِ
البيضاءِ هل ريشُ الإوَزَّةِ ناصعٌ أيضًا
وهل نبدو جميعًا محبَطينَ وتائهينَ
تجددتْ فينا اعترافاتُ المساءِ وما أشتاقهُ
في ساعةٍ تمتدُّ ما بيني وبينكِ بالحديثِ
عن التسكعِ والغواياتِ الأنيقةِ وارتفاعِ الموجِ
حتى لا تظلَّ سفينةٌ تزهو على وجهِ الملوحةِ
وابيضاضِ الماءِ سِحْرُكِ قطَّعَ الأجرامَ أوقفها
عن الدورانِ ألقاها على البِرَكِ العميقةِ
إنما في القلبِ ذكرى في صحائفنا انبهارٌ بالقديمِ
وما الجديدُ بمُقْنِعٍ هذي البراكينُ الشريدةُ في عنانِ
الطيرِ يشبهنا انصهارُ الصخرِ فيها
نحنُ نغرقُ في الحنينِ ولا يساعدنا الودادُ
على التخلي عن شجونِ الليلِ
عن شكوى النهارِ تألمي يا نفسُ حتى تعرفي
معنى الترجِّي والبكاءِ على حدودِ اللازِوَرْدِ
تأهبي للإقترانِ بمسلكِ النورِ الذي يعلو المعابدَ
واسمعي كيف الصلاةُ تعيدُ رائحةَ الوفاقِ
وفي ابتهالاتِ البخورِ توازناتٌ أبطأتْ عملَ
الإساءاتِ التي في النفسِ ما بيني وبينكِ
شارعٌ بل لعنةُ الأقيانوسِ المفتوحِ في قلبِ
البسيطةِ فاغرًا فاهًا بحجمِ الخوفِ في آهاتِنا
وتوزعِ الأُفقِ المتاحِ لأنْ يعاني كلَّ يومٍ ألفَ أغنيةٍ
كازابلانكا حيادُ الليلِ في وجهِ الأسِرَّةِ وانكسارُ
المرمرِ المسفوحِ تحت نعالِ مَنْ مروا على
ظهرِ الحياةِ بدونِ رأيٍ هذه الدنيا
اختيارٌ واسعٌ وتوسلاتٌ تشبهُ الأناتِ حينَ نفيقُ
من غيبوبةٍ عفويةٍ ونعودُ نهذي بالذي شفناهُ
وقتَ النومِ أثناء التلاعبِ بالطيوفِ وزقزقاتِ
الطيرِ في أحلامنا البلهاءِ يا هذا الفراغُ
لِمَ اعترفتَ بأننا جوعى وحيرى قادرونَ على
اعتلاءِ السورِ من غير ادعاءٍ من يفكرُ في
الخلاصِ سينتهي بالبحثِ عن ذاتٍ تناسبهُ
ويتركُ ما تعودَ أنْ يقومَ به مرارًا مائلٌ للحبِّ
قلبُكِ ناشفٌ وجهُ الصباحِ وفي النهايةِ كلنا
سنحبُّ هذا الليلَ نطلبُ أن نعانيهُ على مهلٍ
على ضوءِ الشموعِ على غناءِ الطيرِ كوني لي
بقايا الريشِ أسورةً من الياقوتِ أحلامًا
بحجمِ الصارياتِ
أنا أحبكِ مؤمنًا بالحبِّ من غيرِ انصياعٍ
للتقاليدِ الهزيلةِ والهواءُ حبيبتي لا ينقذُ
الموتى ولا يعطي الغزالةَ فرصةً لتفرَّ
من بين الضباعِ وفي كازابلانكا التفاني
في التغاضي عن جنونِ العاشقِ المعذورِ
فيها النارُ واحدةٌ وأسماءُ الأمازيغِ الذينَ
تحلَّقوا حولَ الحكايةِ يشبهونَ قبيلتي أيامَ
كانتْ تستغيثُ بما تبقى في خوابي الوردِ
من أشياءَ ترعى الشمسَ والقمرَ المدللَ هكذا
سأظلُّ أكتبُ ما قرأتِ من البدايةِ للنهايةِ
واسألي عني هنا في حارةٍ تحتارُ في تبريرِ
معنى النومِ في تبديدِ وقتي
غير أني لا أفكرُ في الهربْ.
الثلاثاء ١٩/٢/٢٠١٩
حديثُ الغرف الأخيرة
*** أغنية من التراث المغربي الأندلسي من مجزوء الرمل في المقطوعة الأولى والرجز في الثانية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى