فوزية ضيف الله - روح هاربة في ليلة من ليالي الحجر الصحي

في هذه الليلة العاصفة من ليالي الحجر الصحي، ونحن في زمن الكورونا، سقطت نفسي وتهاوت. ثم أرادت أن تعود إلى مكانها لكنها ارتخت غاضبة وقررت أن تتحرر قليلا من جسد حبس حركتها في شقة واحدة منذ زمن طويل. تراءى لها أن تسقط. بحث عنها جسدي،،لم يراها ولم يجدها. قلب الغرفة الأولى الثانية...لا بد أنها ترتدي ثيابها التنكرية تستعد للخروج عن طاعته. سارع بالبحث عنها مرة أخرى..تعثّر في جسمه الميت بلا روح، لكنه أعاد الكرة...مُتسائلا كيف يُصبح في هذه الليلة باحثا. وهو لم يُجرّب في حياته إلا دور المبحوث عنه. يبدو أن نفسه ملّت غروره وخشونة لمساته، فقررت نفسه أن تهاجر وترحل بعيداعنه. لقد أفزعها تعنّته وغضبه وجلوسه الطويل وأكله الكثير. فلما أبصرت باب الشرفة مفتوحا..تسلّقت مشابك الحديد ونزلت إلى الشارع...ولكن طيفها ظل مشدودا في شكل نجوم مضيئة إلى الجسد الغاضب والمنهار. قدم لها الحلوى لتعود، قطع الشوكولاتة السوداء والحمراء ولكنها غادرت...وتركته يرقب حركتها السريعة في الشوارع..تمر على هيئة ملاك لامرئي...يتحرك دون أن ترى منه غير عباءة مضيئة تهرول ولا تسقط. تحلق ولا تطير...ظل جسدي.عاريا بلا نفسه..مختنقا من تراكم عضلاته وسكون أطرافه..ثم..أبصرها تعود منتشية كطفل يحنّ إلى حضن أمه...أمسكت بتلابيب نفسها وعادت منهارة من خشونة الطرقات. تحمل حذائها في يديها..وتشدو بجميل الغناء، نظر إليها جسدي متسائلا محملقا...أتذهبين وتتركينني حبيس جسد لحمي...وهل سيتحرك لحمي بدون نفسك المضيء...أ تهجرينني...في غياهب الظلمة وتتركينني أعتصر وحدتي...قلبت عنك طيّات الكتب الصفراء، فتحت الثلاجة آلاف المرات وفرن المطبخ..وسكبت كل ألوانك المائية والزيتية...ولم أرى كيف تسللت من بين جنبات ضلوعي..وتهربين..لكن نفسي المنتشية كانت تسمع ولا ترد.

ارتدته وارتداها...كان لها الثياب والمتاع. وحدثّته قائلة: " أرواح الكورونا في كل مكان..تنتظر الصف الطويل لتنقضّ على نفس من النفوس...رأيتها تمسك ملفا من الأسماء المدونة تختار الاسماء كما نختار نحن قطع الحلوى أيام العيد. أزعجني بطشها وكفرها ولغوها..تتكلم لغات كثيرة أخرى لم أفهمها وترسل شرارة من النقمة على بني البشر..وقد تنكّرت في ملابس مختلفة تُغازل الأماكن الرطبة والخشنة وتركب أفخر السيارات. حتى أنني رأيتها تنتظر دورها أمام مخبزة الحيّ بعد أن جاعت بطنها وانسدت السبل امام غذائها." اندهش جسدي ولم يكن يريد أن يضيف إلى كلام النفس شيئا...اغلق باب الشرفة وأخفى مفاتيح نفسه عن نفسه. ونام أما النفس فقد أطبقت عينيها..تحاول أن تطرد من تاريخ جسدها لعنة من لعناته، التي تحوّلها إلى أكوام من الأشياء الجامدة على كرسي. أو على سرير يعجّ بالنوم ، أو أن ينساها شاردة فلا يذكّرها أن موعد استنشاق الحرية قد حان،....!

فوزية ضيف الله تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى