فوزية ضيف الله - مجنون وباري (جزء 3)

حبست أحلام نفسها في غرفتها لأيام، امتلأت حزنا وغبنا. تكتض غرفتها بأشكال من الفوضى العارمة، ضاقت بها الدنيا وانسدت أمامها السبل. كانت تحس أنها أصبحت تمثل حملا ثقيلا على جدتها التي تتكفّل بمصاريفها. وهاهي اليوم لم تُوفّق في بيع لوحاتها. لم تعد تروق لها فكرة تعليم الرسم وخاصة للكهول. كانت تستقبل من حين لآخر أطفال الحي تعلمهم بعض مراحل الرسم وتدفع بهم نحو تجربة اكتشاف الألوان. فتنسى مع الأطفال حزنها على حبّها الضائع، وتخرج من دائرة اليومي التي حصرت حياتها في ضرورة الموافقة على أحد الذين تقدموا لخطبتها. ركلت باب غرفتها بقوة، وصاحت صيحة كبرى. ثم تناولت احدى لوحاتها وأخذت تتلفها وتنهي حياتها. التفتت صوب النافذة، يُداهمها شعور قوي بالاختناق، ورغبة قوية في الانتحار، بعد أن انسدّت أمامها السبل. سكبت الألوان في القاعة، وتمرغت عليها كهرة غاضبة، كانت جدتها تدق الباب بقوة، ولكن أحلام كانت تنصت للصراخ الذي ملأ صدرها. ظلت تصرخ الى أن خارت قواها، ونامت في مستنقع الألوان المتوهجة.

في ذلك اليوم، كان سعد، في مغارته، ينام ولا يصحى، تنتابه اللوعة، فينتفض كالمسعور، لا يفكر في الحياة، وانما يفكر أن يصبح قطعة من قطع الطبيعة التي يسكنها وتسكنه. ينزل كل مساء للمدينة، كلما حل الليل، يرقب ما تبقى من أخباره الرائجة، ويجلب معه ما جادت به القمامات، يرقع به بطنه الجائع، ويرقع به فنه الخاسر وعلمه الذي ضاع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى