مع الأديب و الإعلامي الجزائري محمد زتيلي..قضايا و مواقف

(طفولة جيلنا قاسية جدا لدرجة أننا ولدنا فيها كبارا بشلاغم الجوع)

استعرض الأديب محمد زتيلي تجربته الإبداعية معلنا عزمه على كتابة "مذكراته" يدوّن فيها مسيرته النضالية في مجال الإعلام و الكتابة و كيف سعى إلى خلق ثقافة جزائرية أصيلة، و دعا محمد زتيلي الوزارة و دور النشر إلى طبع الأعمال الجزائرية من مسرحيات و روايات لاسيما أعمال الأديب مصطفى نطور التي قال أنها لم تنل القدر الكافي من الترويج و أعمال شعراء من جيله على غرار مسعود حديبي، ارزقي ديداني، الطيب طواهرية، و محمد زتيلي كما قال عنه محمد ثلجي مدير الاتصال والبحث بالمكتبة الوطنية الجزائرية له مواقفه جريئة سيسجلها له التاريخ، حيث لم تؤثر فيه المسؤوليات الإدارية الثقافية على منتوجه الأدبي والفني، وهو بذلك يستحق ان يحمل صفة المثقف المناضل

97601031_1347082915495006_3653723537631346688_n.jpg
يكشف الكاتب و الإعلامي محمد زتيلي في ندوة افتراضية نظمتها مكتبة المطالعة العمومية ببلدية عين فكرون ولاية أم البواقي الكثير من الأسرار و المواقف، حيث سلط الضوء على مشاكل الثقافة في الجزائر، و ماهي الأسباب التي أدت إلى تراجع الفعل الثقافي، مكسرا في ذلك كل ما هو "طابو" إذ يري أن الثقافة مفهوم واسع و لا تنحصر في الشعر والرواية والمسرح والفن التشكيلي و ما إلى ذلك، أي ألوان إبداعية مفصولة بعضها عن بعض، بل هي كلٌّ متكامل، لكن المؤسف له كما يضيف هو أن فعل القراءة والكتابة لم توفر لهما الشروط المهنية اللازمة و كذلك الفنون التي توجد ورشاتها في دور الثقافة ولكن دون تجهيزات و وسائل وتكوين حديث بما في ذلك ورشات اللغات الحية، لهذا نجد المسؤولين يعانون بين واجب أداء الورشات وبين انعدام الوسائل، أما الأنشطة الثقافية فما زلنا لم نبتكر طرقا جديدة لأدائها، فمثلا ندعو شاعر موهوبا ونطلب منه الصعود الي المنصة ليقرأ هكذا المسكين أعزل من كل سلاح في مواجهة المستمعين، سلاحه الوحيد صوته، وهذا خطأ مازلنا نعمل كأننا في سوق عكاظ، ونفس الشييء بالنسبة للمحاضر وغيرهما، فهي فنون إلقاء متداخة تحتاج إلى إدخال تقنيات سمعية بصرية موسيقية تشويقية.

من هو محمد زتيلي؟

هو شاعر و روائي و كاتب و إعلامي بارز ، من مواليد جانفي 1952 بمدينة العنصر دائرة الميلية ولاية جيجل ، تربى على حفظ القرآن على يد والده الشيخ صالح في القرية ثم في قسنطينة، و كما يقول هو نشأ نشأة كلاسيكية ، انتسب لجمعية الاصلاح الأخلاقي ليتدرب و يصبح من الوعاظ والمرشدين والأئمة كان ذلك بين 1966و1970، عرف بكتاباته الجريئة، و منها سلط الضوء على القضايا المتعلقة بالتحرر و الحداثة و حرية الرأي و التعبير، فعرف بالمثقف المناضل، وقد مكنته تجربته الواسعة في إدارة المؤسسات الثقافية من أن يحتجز له مكانا خاصا في الساحة الإبداعية ، حيث شغل عدو مناصب منها عضو في اتحاد الكتاب الجزائريين و مسؤول المكتب الجهوي لآتحاد الكتاب والصحفيين من 1981 إلى 1990، إلى عضو منتخب في المجلس الأعلى للإعلام من 2001 إلى 2005، ثم عضو هيئة تحرير مجلة أمال لوزارة الثقافة .

كصحافي يعتبر محمد زتيلي من مؤسسي أول جريدة مستقلة في الجزائر رفقة الكاتب و الصحفي مصطفى نطور، صدرت في أكتوبر 1990، عين مدير تحرير جهوي على مستوي الشرق لجريدة الخبر، كما تولى مسؤوليات عديدة منها: عضو مؤسس مهرجان محمد العيد آل خليفة 1981 ببسكرة، عضو مؤسس في عدة ملتقيات، كما أسس نادي فكر وفن بقسنطينة قبل أن ينقل إلى سطيف، أحيا نادي المزهر الذي أسسه الشهيد أحمد رضا حوحو عام 1946 ، أما إداريا تاٍس محمد زتيلي عدة مديريات الثقافة لولايات الشرق ، ثم مستشارا لوزيرة الثقافة من ماي 2013 إلى ماي 2017 ليعين مديرا لمسرح قسنظينة الجهوي و منه تم الإنقلاب عليه عندما أطلق اسم محمد الطاهر الفرقاني على مسرح قسنطينة و أبدى موقفه رفقة فنانين و ممثلين مسرحيين، من أعماله: الأكواخ تحترق رواية صدرت في طبعتين، فصول الحب والتحول، الضفدعة والمطر قصة للأطفال، فواصل في الحركة الأدبية والفكرية الجزائرية - عودة حمار الحكيم و هو يدخل في باب الكتابات الساخرة، إضافة إلى الأعمال الشعرية صدرت له منها 04 مجموعات ، وله تحت الطبع كتب عديدة منها قصص للأطفال.

من قارئ لطه حسين الي نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم

يتحدث محمد زتيلي عن نفسه، و لأول مرة يستعمل اللغة الذاتية ( لغة الأنا) بأنه ينتمي إلى جيل لم يكن فيه الكتاب متوفرا بالشكل الذي نراه اليوم و لم تكن توجد مكتبات، كماهو الحال في الثمانينيات أو كما هو اليوم وحتي الكتاب الذي كان في السوق كان ثمنه مرتفعا أمام ظروف المعيشة الصعبة ساد فيها الفقر، كان والده محبا للقراءة ، فأراد أن يزرع في قلب ابنه هذا الحب ، يذكر أن حصل له عام 1966/1967 على كتب لطه حسين و هو حديث الأربعاء بالكريدي أي بالتقسيط ومعهم ديوان الشنفري الذي فرض على الطلبة في المرحلة الإكمالية بمعهد عبد الحميد بن باديس بنهج طاطاش بلقاسم، ويذكر ان الشاعر مدير الثقافة الحالي لولاية عنابة كان تلميذا بنفس الاكمالية، وقد أرسل له رسالة يقول له مذ رأيت في يدك ديوان الشنفري أحسست بأنه لابد أن نكون أصدقاء، الملاحظ أن محمد زتيلي فتح ذهنه على قراءة كتابات المشارقة كجبران خليل جبران والمنفلوطي وأدباء النهضة في مصر ولبنان والعراق وكل المشرق وكذلك محمد بلقاسم خمار والسائحي الأخضر ومفدي زكريا ومحمد العيد وفيما بعد ترجمات مالك حداد ، و في المرحلة الجامعية خرج الي الكتابات والكتاب المعاصرين ، يكشف محمد زتيلي أنه في عام 1970 وجد صعوبة كبيرة في قراءة نجيب محفوظ و يوضح أنه ليس سهلا أن تنتقل من طه حسين الي نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.

سأله الأديب إدريس بوديبة عن تجربته الإبداعية التي ساهمت في تشكيل وعيه الفكري والفني، والمتون الأساسية التي صنعت هذا المثقف المتشبع بالقراءات المتعددة قديمها وحديثها والمتماسك في تكوينه ومواقفه ورؤيته للعالم، فكان رده كالتالي: لقد عشنا في قسنطينة طفولتنا البائسة المؤثثة بالفقر وكان أول عنصر لعب دوره كما أظن في تشكيل وعي جيلنا هو البؤس والفقر والحرمان والضياع، أنت تعرف ياصديقي عمق هذه الكلمات التي قد تعني اليوم دلالات أخري غير دلالة الحاجة إلي الأكل والخبز، هذه الوضعية التي كان عليها أغلبية الجزائريين عشية طرد الاستعمار ، ولهذا كانت "طفولة جيلنا قاسية الي الدرجة التي جعلتنا نولد كبارا بشلاغم الجوع " وقد قلت في جملة في قصيدة منشورة : "يعذبني الإنتماء لقائمة الفقراء" اما المؤثرات الأخري وهي أيضا مشتركة لدى جيلنا و تتمثل في التكوين الديني .

و في رده على سؤال علي بوزوالغ مدير الثقافة بام البواقي حول مدينة قسنطينة يقول محمد زتيلي أن لغته الشاعرية فجرت بأعماقه خزانا من العواطف والأحاسيس التي يحب أن يقاسمها معه و من خلاله الي المثقفين و الكتاب المبدعين ، فعندما عرض عليه منصب مدير مركزي للاداب والفنون بداية 2003 رفض لأسباب شخصية، بشهور قبل أن يكون مديرا للثقافة لولاية قسنطينة، كانت له وقفة مع الذات ليصف المدينة كيف كانت و كيف أمست و هو يقف على الأطلال بدءًا من الحي الذي تربى فيه و هو حي الأربعين شريفا وفيه تقع مدرسة التربية والتعليم التي أقام فيها الشيخ ابن باديس بعد خروجه عن العائلة و مدرسة النهضة التي درس فيها المرحلة الابتدائية، و مطبعة بوشمال التي تطبع فيها مجلات وصحف الجمعية ، منازل متراكمة حجارتها ودكاكين خرساء ومدارس انهارت يضيف أن قسنطينة اليوم في الواقع لم تعد سوي في الذاكرة .

وبخصوص الجدلية الجديدة القديمة حول من الأجدر بتولي مسؤولية تسيير الهياكل الثقافية، المثقف أم الأداري، يرى محمد زتيلي في رده على سؤال محمد ثلجي مدير الاتصال والبحث بالمكتبة الوطنية الجزائرية أن هناك نوعين من المسيّرين في قطاع الثقافة: النوع الاول الاداري الذي لا يربطه بالثقافة سوي المرتب والمكتب أو المنصب، و قد يعاديها، والنوع الثاني هو الشاعر او الفنان او القاص أو الموسيقي أو مهندس الترميم الذي لا علاقة له بالمكاتب ولغة الإدارة وفنيات وقوانين التسيير، وهذا النوع لا يفيد إلا قليلا ، لأنه يريد أن يحرك الأمور ولا يعرف إدارتها أي تسييرها وفق القانون والمحيط، ولهذا وجب ان يكون مسير الثقافة يتمتع بشخصية خاصة تتمتع بالمعرفة الادارية والمواهب المختلفة والعلاقات الانسانية والبشرية السلسلة والمؤثرة ‘ وهذا النوع لا يكتشف سوي بالتكوين والمرافقة والترقية والدعم.

و حول تراجع الفعل الثقافي في الجزائر عموما و بالخصوص في ولاية قسنطينة ، يقول الأستاذ محمد زتيلي في رده على سؤالنا إن الفعل الثقافي كان و مازال مرتبطا بالسياسة ونظرة السلطة الي الممارسة الثقافية ،لكن هناك ملاحظة وهي أن الممارسات الثقافية للمؤسسات ليست متشابهة حسب الاشخاص، إذ هناك من يتقرب من السلطة علي حساب المضمون، وهؤلاء ظلوا عالة في الماضي والحاضر والسلطة تشجعهم وترقيهم لانها وسيلتها في تنفيذ مشروعها، أما دور الثقافة فليست متشابهة ففي الولايات الأخري هناك مبادرات وارادة ، ثم أن المحيط العام يتابع ويراقب ويرسل تقارير الي السلطات مما يجعل الموظفين غير نائمين كما في الولايات التي سلمت مفاتيح الثقافة للمجهول، و اشار بالقول أن المؤسسات منذ الحراك الشعبي ستعرف ثورة لولا أن ظاهرة الوباء (كوفيد19) عطلت الامور وسوف لن يبقى كسول جاهل متواطىء دخيل.

متابعة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى