المكّي الهمّامي - سيّدي الحاج مبارك (*)

حَلَّقْتُ في أَسْمَائِهِ؛
ولَقِيتُهُ، فَرْدَيْنِ..
قِنْديلٌ مِنَ الأَشْواقِ قامَتُهُ..
وخاتَمُهُ الدَّليلُ،
كَنَجْمَةٍ في لَيْلَةٍ دَكْنَاءَ..
[كانَ فَراشَةَ عاشِقٍ صَفْراءَ،
تَلْمَعُ دُونَ خَوْفٍ،
في امْتِدَادِ الرُّوحِ..!]

قُرْبَ مَقامِهِ، الأَشْجارُ ناطِقَةٌ..
وشاهِقَةٌ مَنازِلُها..
كَأَنَّ الأَرْضَ سِفْرٌ؛ والشِّعابَ
سُطُورُهُ السَّكْرَى؛ وصَخْرَ الدَّرْبِ
مُنْتَثِرًا نِقاطٌ للوُقوفِ هُنَيْهَةً،
في رِحْلَةٍ لا تَنْتَهي..!
وأَنا [المُريدُ، هَوًى]
أَمامَ مَقامِهِ السَّامي، أَفُكُّ رُموزَهُ،
مُتَأَوِّلاً ما اعْتَاصَ مِنْها، باحِثًا فيها
عَنِ المَغْزَى المُجَوْهَرَ ..

كانَ طَيْرُ البَحْرِ
يَسْبَحُ في أَعاليهِ،
يُسَبِّحُ بِاسْمِ باريهِ..
وكانَ الأُفْقُ قَوْسًا باهِرَ الأَنْوارِ،
مُلْتَبِسَ الدَّلالَةِ، إذْ يُلامِسُ
زُرْقَةَ الأَمْواجِ مُلْتَحِفًا بفِتْنَتِها..!

وَقَفْتُ إِزاءَهُ،
فَرْدَيْنِ؛ أُبْصِرُهُ مَلِيَّا،
كَيْ أَرَى رُؤْياهُ،
كَيْ أَرْقَى مَرَاقِيهِ البَعيدَةَ
[رُبَّما..!]
وأَكُونَ فَجْرًا لي،
ومِشْكاةَ الهُدَى في غُرْبَتي..

مُسْتَوْحِدًا بضِيائِهِ الأتْقَى،
مَضَيْتُ، مُحدِّقًا في هالَةِ الأَسْرَارِ
تَحْرُسُهُ، وتَمْنَحُهُ النَّقَا..
وسَأَلْتُهُ المَعْنَى،
وقَدْ عَشِيْتْ رُؤايَ مِنَ البَهاءِ..
وكِدْتُ أَنْ أَكْبو مِنَ التَّرْحالِ،
[في ما فِيهِ]، بَحْثًا عَنْ خَلاصي
[والوُجودُ مَتاهَةُ الصَّحْراءِ..!]

قُلْتُ: أُريدُ مِنْ لَهَبِ النُّبُوَّةِ
جَمْرَةً، يا سَيِّدي..
وأُريدُ نايًا للطَّريقِ،
يَقودُني صَوْبَ الحَقيقَةِ..
قُلْتُ: ضاقَ الأَهْلُ بي،
يا سَيِّدي..!

لَمْ يَلْتَفِتْ،
إِذْ دارَ دَوْرَتَهُ؛
وغابَ..!
ولَوَّحَتْ، مِنْ خَلْفِ بُرْدَتِهِ،
يَدٌ بَيْضاءُ: كُنْ ما شِئْتَ، يا وَلَدي..
ولا تَيْأَسْ مِنَ الأَحْلامِ،
في زَمَنِ الظَّلام..!


شعر/ المكّي الهمّامي
(منزل جميل/ 2 ماي 2020)


------------------
(*) وليّ صالح، مقامه في منتهى جبل النّاظور بمدينة "غار الملح" التّونسيّة، مسقط رأسي ومرتع صباي.. غلب عليه مقام الوليّ الشّهير "سيّدي عليّ المكّي"، فغفل عنه النّاس، وأهملوه.. اقترن مقامه، عندي، طوال فترة الطّفولة، بأقصى درجات العزلة والغموض..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى