الرائحة العطنة في الممر الطويل تزداد كلما توغلنا. لم يكن هناك غير ثلاثتنا والرجل الذي يدفع الكرسي. الجدار الأيمن على المحارة. في آخر الممر، على اليسار، باب معدني متهالك لمصعد. ترك الرجل العجوز الكرسي، وراح يدق على الباب براحة يده. بعد فترة انفتح بأزيز عال وصدى غير محدود. في الداخل رجل آخر متلفح بشال بني يخفي معظم وجهه. مد يده يعبث بشيء ما عند حَلق الباب، وجذبه فانغلق. خرجنا من باب آخر غير الذي دخلنا منه.
رقبة حسين من الخلف مسنودة على حافة ظهر الكرسي، رأسه مطوح إلى الوراء، عين مغمضة وعين مفتوحة، لحية قطنية، وفم مفتوح خال من الأسنان تقريباً.
كانت الممرضة تغير فرش السرير، عندما هُيّئ لي أن رقبته قد استطالت وباتت خالية من الفقرات. لم أعرف كيف راح رأسه يتأرجح بين اليمين واليسار، كأنه يهزها مع أنغام نشيد صوفي لا يسمعه أحد غيره.
عندما حملوه للسرير وتعرّت ساقاه، بان نحولهما، كان شديداً للغاية، لكنهما متناسقتان مع قلة حجمه في شكل عام في هذه الحالة. فكرت في كيفية أن يذهب عنه كرشه الكبير بسبب الإعياء، ثم يظل بطنه من دون ترهلات تذكر.
على السرير المقابل، أحد المرضى يؤنّب الممرض الذي أعاد شكّه بالسرنجة لسحب الدم، بعد فشل المحاولة الأولى، قال إن لحظة واحدة بين محاولة فاشلة وأخرى، تسمح بدخول الهواء إلى جسده فيموت على الفور. لم أفهم. خرجت من الغرفة إلى مكان للتدخين. أطفأت السيجارة، وغفوت.
رأيت شارع الوحدة خالياً من الناس. زينب تنزل من السيارة، حسين معها بقامة ممتلئة ووجه مستدير مضيء، وبعدهما أمي. دخلوا مبنى مظلماً إلا من نور خفيف عند الباب. بعد قليل، خرجوا، وزينب تحمل «إبراهيم» رضيعاً، بوجهه الحالي. اندهشت من أن ملامحه لم تتغير.
ثم رأيتني أجلس على حافة السرير، بساق عارية مدلاّة وأخرى مثنية من تحتي، أمسك بعصا رفيعة صغيرة، لها انحناءة خفيفة، أمدّها فوق «قصرية»، وأتخيل أسماكاً تسبح في مياه البول الراكد فيها.
عندما ينفتح باب الشقة، أتراجع مسرعاً الى الوراء. تقول أمي: متخافش. وتضحك. قلت: أنا مش خايف، أنا وسَّعت عشان باب الشقة ميخبطش في السنارة.
أفقت على صوت إبراهيم يقول «أبي فيه شيء لله». وجدوا له سريراً خالياً، البعض ينتظر بالثلاثة أيام. وذهب يبحث عن حامل ليعلق كيس المحلول، الذي تركته الممرضة.
الرائحة العطنة في الممر الطويل، لا تداهم زوار النهار، والمحارة التي عليها الجدار الأيمن، لا تحمل قتامة الليل. في آخر الممر، على اليسار، وقف بعضهم أمام باب معدني متهالك لمصعد. ينفتح ويدخل من يلحق. يمتلئ، ويغلق آخرهم الباب من خلفه. الباقون في الخارج ينتظرون دورهم، بينما زنّة مكتومة تعلن عن رحلة الصعود. وعلى اليمين، طُرقة قصيرة، تنتهي بباب خشبي اصفرَّ طلاؤه. دخل إبراهيم من دون تردد، وبقيت في الخارج، أنظر الى وجوه الزائرين، يتحركون في الطرقة رواحاً ومجيئاً.
أدرتُ وجهي متحاشياً النظر عبر الباب الذي تركه موارباً. لكن أذني التقطت كركبة خفيفة، يتخللها صوت الماء وهو ينسكب فيرتطم بالبلاط، ولم أستطع سد أنفي عن رائحة الكولونيا المختلطة بالصابون.
رقبة حسين من الخلف مسنودة على حافة ظهر الكرسي، رأسه مطوح إلى الوراء، عين مغمضة وعين مفتوحة، لحية قطنية، وفم مفتوح خال من الأسنان تقريباً.
كانت الممرضة تغير فرش السرير، عندما هُيّئ لي أن رقبته قد استطالت وباتت خالية من الفقرات. لم أعرف كيف راح رأسه يتأرجح بين اليمين واليسار، كأنه يهزها مع أنغام نشيد صوفي لا يسمعه أحد غيره.
عندما حملوه للسرير وتعرّت ساقاه، بان نحولهما، كان شديداً للغاية، لكنهما متناسقتان مع قلة حجمه في شكل عام في هذه الحالة. فكرت في كيفية أن يذهب عنه كرشه الكبير بسبب الإعياء، ثم يظل بطنه من دون ترهلات تذكر.
على السرير المقابل، أحد المرضى يؤنّب الممرض الذي أعاد شكّه بالسرنجة لسحب الدم، بعد فشل المحاولة الأولى، قال إن لحظة واحدة بين محاولة فاشلة وأخرى، تسمح بدخول الهواء إلى جسده فيموت على الفور. لم أفهم. خرجت من الغرفة إلى مكان للتدخين. أطفأت السيجارة، وغفوت.
رأيت شارع الوحدة خالياً من الناس. زينب تنزل من السيارة، حسين معها بقامة ممتلئة ووجه مستدير مضيء، وبعدهما أمي. دخلوا مبنى مظلماً إلا من نور خفيف عند الباب. بعد قليل، خرجوا، وزينب تحمل «إبراهيم» رضيعاً، بوجهه الحالي. اندهشت من أن ملامحه لم تتغير.
ثم رأيتني أجلس على حافة السرير، بساق عارية مدلاّة وأخرى مثنية من تحتي، أمسك بعصا رفيعة صغيرة، لها انحناءة خفيفة، أمدّها فوق «قصرية»، وأتخيل أسماكاً تسبح في مياه البول الراكد فيها.
عندما ينفتح باب الشقة، أتراجع مسرعاً الى الوراء. تقول أمي: متخافش. وتضحك. قلت: أنا مش خايف، أنا وسَّعت عشان باب الشقة ميخبطش في السنارة.
أفقت على صوت إبراهيم يقول «أبي فيه شيء لله». وجدوا له سريراً خالياً، البعض ينتظر بالثلاثة أيام. وذهب يبحث عن حامل ليعلق كيس المحلول، الذي تركته الممرضة.
الرائحة العطنة في الممر الطويل، لا تداهم زوار النهار، والمحارة التي عليها الجدار الأيمن، لا تحمل قتامة الليل. في آخر الممر، على اليسار، وقف بعضهم أمام باب معدني متهالك لمصعد. ينفتح ويدخل من يلحق. يمتلئ، ويغلق آخرهم الباب من خلفه. الباقون في الخارج ينتظرون دورهم، بينما زنّة مكتومة تعلن عن رحلة الصعود. وعلى اليمين، طُرقة قصيرة، تنتهي بباب خشبي اصفرَّ طلاؤه. دخل إبراهيم من دون تردد، وبقيت في الخارج، أنظر الى وجوه الزائرين، يتحركون في الطرقة رواحاً ومجيئاً.
أدرتُ وجهي متحاشياً النظر عبر الباب الذي تركه موارباً. لكن أذني التقطت كركبة خفيفة، يتخللها صوت الماء وهو ينسكب فيرتطم بالبلاط، ولم أستطع سد أنفي عن رائحة الكولونيا المختلطة بالصابون.