أمل الكردفاني - الغابة.. أقصوصة

عِش كشجرة المسكيت..تستنزف الصحراء في هدوء..
يقول العجوز وهو يدق الكانون من ركنه دقات خفيفة فيخرج الرماد القديم.
- حتى الرماد يصبح قديماً وغير مرغوب فيه...وهكذا نحن..
حشر أوراقاً وأشعلها بعد أن وضع الفحم بالأعلى..
- وإذا كان عليَّ أن أمثل دور العجوز الحكيم..فسأخبركِ بالحكمة الأهم...
قال وهو يتأمل تطاير الشرار ..
- الحكمة هو أنه لا توجد حكمة...
جمع قطع لحم الضفادع وغرز فيها شوكات خشبية ووضعها فوق النار..
- هل تقرفين؟
جمعت شعرها إلى الوراء وقالت:
- لن آكله...ومن الغريب أن الشوك الخشبي لا يحترق..
تفهم دبلوماسيتها فابتسم...
- لن تستطيعي تحمل حياة الغابة بأي حال...غداً صباحاً ستغادرين..
همست:
- هذا صحيح...
كانت تجلس على حجر كبير، وحقيبتها على حِجرها، ففتحتها وأخرجت حقيبة أخرى أسطوانية..فتحت مقدمتها وأخرجت فلوتات متنوعة وقالت:
- هذا صول، وهذا باص أما هذا فبيكولو...
نظر إلى الفلوتات وقال:
- تجيدين العزف؟
أجابته بأن رفعت فلوتاً بين شفتيها وأخذت تنشر لحنا حزينا، حينها أمسك الفلوت بقبضته الخشنة وقال:
- نحن في الغابة..
نهض وجاء بقرعة كبيرة،
تبادلت معه النظرات...ثم ابتسمت وعادت لتعزف لحنا سريعاً وهو يقرع إيقاعاً موازياً، فشكلا فريقاً جيداً..
ومن خيمهم الصغيرة خرج فريق التصوير وبدوا في التقاط فيديو للعازفَين... بضعة أبقار وحشية توقفت ورفعت قرونها لأعلى...تشممت الهواء وتحركت ببطء وسلام....
.. اطلقت السيارة رباعية الدفع عجلاتها ناثرة التراب من تحتها كوحش، ..مغادرة الغابة...
كان كلاً من الفتاة والعجوز يعيدان التفكير في خياراتهما في الحياة....
لكن العجوز توصل لنتيجته أسرع منها، فبعد أن ابتعدت سيارتها، مدد ظهره ونظر لأغصان الأشجار وقال:
- من قال أن هناك خيارات في الحياة؟..نحن كشجرة المسكيت..نستنزف الصحراء في هدوء...

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى