الثلجُ رئةُ الموتِ أنفاسُ الغريقِ ومرأةٌ تشكو تساقطَ شَعرِها لا لونَ فيهِ ولا بياضَ خديعةٌ باتتْ مناسبةً لأولِ فَقْمَةٍ تصحو على صوتِ الهوا والخرشناتِ هو الذي لم يختلفْ عن صورةٍ فيها وجوهٌ لم تعدْ موجودةً في الثلجِ ما زالَ الجنودُ يمارسونَ غيابَهمْ هم لن يفيقوا كي يموتوا مرةً أخرى وينتظرُ الرذاذُ الباردُ الطيرَ المهاجرَ من وراءِ صنوبراتِ الغيمِ كي تأتي بلونِ الشمسِ والماءُ الذي في الماءِ يشبهُ فكرةً في الرأسِ لم تنفعْ لتُحْدِثَ ثورةً⓪︎في الثلجِ أدركتِ الفراشةُ أنَّ رائحةً تهبُّ من الحديقةِ كان ذلكَ ما تخلَّفَ من مشاغبةِ السناجبِ بين أكياسِ القمامةِ آهِ كم كان المكانُ مُكَرَّرًا ومُحَمَّلًا بكآبةٍ ممزوجةٍ بالدفءِ ترتفعُ المداخنُ في فراغٍ مثل رائحةِ العجينِ ومن بعيدٍ لا ترى إلا شوارعَ قد تعرَّتْ بابتذالٍ غيرَ أنَّ سناجبَ الحيِّ الصغيرةَ غالبًا تقتصُّ من هذا السكونِ على خطوطِ الكهرباءِ وعتْبةِ البابِ الذي في الخلفْ①︎ لا بدَّ أنَّ الثلجَ يخفي تحته نصفَ الحياةِ وعشبةً خضراءَ سوسنةً وآخر خطوةٍ كانتْ لطفلٍ لم يصلْ للبيتِ واتسَخَتْ حوافُّ السلمِ الخشبيِّ من فِعْلِ الدخانِ وعادمِ الباصِ الكثيفِ وأجمَعُ العَفْصَ الصغيرَ لمِجْمَرٍ أشوي عليهِ الكستناءَ وهكذا في الليلِ تجتمعُ التفاصيلُ الثقيلةُ ثم ترغمني على تبريرِ ترجمةِ الأغاني في قصاصاتٍ وأحرقُها بُعَيْدَ سماعِ ما تعنيهِ (كارمينا بورانا)هكذا تبدو ليالي البردْ②︎نيوبي ربةَ الثلجِ استعيدي ما استطعتِ بَنِيكِ من هذا الجفافِ الأبيضِ الممتدِّ هل مَنْ ماتَ يُصبحُ نُدفَةً تأتي مع الريحِ الخفيفةِ في الشتاءِ وكلما مات الرفاقُ يزيدُ بردُ الليلِ نشعرُ كم علينا أنَّ نُفَتِّحَ للهواءِ نوافذَ الصبحِ البليلةَ إننا ماءُ الخرافةِ والتفاسيرُ القديمةُ في حكايا النسوةِ اللائي يَنَمْنَ كما يُرِدْنَ كما البدايةُ عارياتٍ تحتَ أغطيةٍ وعندَ النهرْ③︎لا دفءَ في هذا المكانِ سوى هنا والثلجُ قد عزلَ البيوتَ ونحنُ ننظرُ من زجاجِ الغرفةِ البيضاءِ نسمعُ بالعيونِ شفاهَنا نتبادلُ الرشفاتِ وهي تذوبُ نكهاتٍ وقهوتُنا تباغِتُنا كرائحةِ الوسادةِ نقتربْ أو هكذا قالتْ أصابعُنا وما زالتْ تقولُ وقد تركنا ما تبقى من روايتِنا الأخيرةِ فوقَ مِنشفةٍ على طرفِ السريرِ ونقتربْ حتى إذا صمتَ الهواءُ ترنحتْ أنفاسُنا وتشابكتْ آهاتُنا والثلجُ مَرَّرَ مفرداتِ الحبِّ في عينيكِ أوضحَ مرتينْ ④︎ دفءٌ بدفءٍ فلندوِّنْ رغبةً للبحرِ أخرى في حقائبنا الأخيرةِ حيثُ تنتظرُ المحطةُ أنْ يذوبَ الثلجُ شيئًا عن مقاعدِنا بعيدًا صافراتُ الحبِّ تُسْمِعُنا مصيرَ اللوزِ هبَّاتِ الهواءِ و وشوشاتِ عنادلِ الشجرِ البريئةِ كيفَ نهربُ من يدينا لا نعانقُ عطرَنا بعناقِنا فقطِ السكونُ ونحنُ والنبضُ الذي نادى البعيدَ من السَّفَرْ⑤︎في الثلجِ حين نكونُ ملتصقينِ يدركُنا المغيبُ الفوضويُّ وصُفْرَةٌ في الغيمِ نغرقُ في سكونٍ ذابلٍ وتحيطنا من كل صوبٍ رغبةٌ في أنْ نجازفَ بالبقاءِ هناكَ تحتَ الليلِ منتهكينِ ناموسَ المكانِ مكَلَّفَيْنِ بفكِّ شفراتِ الهوى والمغرياتُ قليلةٌ والواسعاتُ من الظنونِ تقولِ إنَّ الحبَّ جَرَّ الخائفينَ إلى هنا حتى إذا اختنقَ المكانُ بصمتهِ ذابتْ عن الشجرِ التعاويذُ الرقيقةُ واختفى قلقُ العيونِ الواجفةْ⑥︎أشياءُ تُجبرُنا على تقسيمِ وقتِ النومِ منها الثلجُ والأحلامُ والقلقُ الذي لا يكتفي بمساحةٍ بيضاءَ تنقذُنا لنبدأَ مرةً أخرى وما الدنيا سوى هذي البداياتِ التي بتنا نكررها وتتصلُ القلوبُ ببعضها لا شيءَ يكشفُ ما علينا أن نقومَ بهِ تجاهَ النفسِ حتى النفسُ أبعدُ ما تكونُ عن الحقيقةِ باردٌ ثلجُ المساءِ وأنتِ قهوتُكِ اكتفتْ بالإمتنانِ لما ارتشفتِ تركتِ من شفتيكِ طعمًا دافئًا وإليكِ من قلبي الكثيرُ ⑦︎تَرَيْنَ أنَّا نصنعُ العبثَ المهذَّبَ ثمَّ نجعلهُ طريقًا واسعًا لا الصيفُ يمنعُنا ولا هذا الصقيعُ ولا البروجُ العالياتُ من التظاهرِ بالرِّضا والإعتقادِ بأنَّنا بُرَءاءُ من هذي الرعونةِ كيف يبدو الثلجُ صورةَ عاشقَيْنِ ورغبةً في الحبِّ أحلامًا مطرزةً بألوانِ الخريفِ ولا نفكرُ فيهِ كيف يكونُ وقتَ الإنهيارِ تموتُ تحتَ ركامهِ نصفُ القبيلةِ والطيورُ ومنْ يمرُّ مسالمًا أوَ ليسَ في شفتيكِ ما أرجوه من عبثٍ نغيبُ بهِ بعيدًا في زوايا الليلِ بين يديكِ في هذا العناقِ المشتعلْ⑧︎لا بدَّ أنكِ تعرفينَ متى اللقاءُ هناكَ بردٌ ما ثلوجٌ في الطريقِ وكوخُنا غطَّتهُ أغصانُ الصنوبرِ والمكانُ الآن َ أبعدُ من مسافاتِ الحنينِ وليسَ في الثلجِ المزيدُ من التوددِ جائعونَ هناكَ في بلدٍ وراءَ الماءِ يقتسمونَ آلامَ البقاءِ وشهوةَ النومِ التي ذابتْ على وجهِ الرصيفِ وسافرتْ بل غادرتْ أحلامُ مَنْ تعبوا وراحوا أيها الثلجُ اختصرْ ما أنتَ تقصدهُ ودعنا نختلي في الدفءِ في بيتٍ لنا والحبُّ وعدٌ موجِعٌ⑨︎نتأملُ الدنيا معًا أنتِ البعيدةُ أم أنا لم أقتربْ أستعجلُ الأشياءَ أمْ للشوقِ وقتٌ يُسْتَحَبُّ الإهتمامُ بهِ وصوتُكِ رعشةٌ وَتَريَّةٌ حمَلَتْ ترانيمَ الذي في القلبِ هل نهداكِ توقيتُ التحوُّلِ مِنْ عشيقٍ دافىءٍ لمغامرٍ يخفي ملامحَهُ وراءَ الوردةِ البيضاءِ في القصصِ القديمةِ كلُّ ما كتبوهُ من حزنٍ وخوفٍ كانَ زمنَ الثلجِ لا أدري لِمَ اختارَ الرواةُ الحبَّ دومًا من ضحايا الليلِ واللغةِ التي بعدَ الفواصلِ تنطفىءْ⑩︎سيذوبُ بعضُ الثلجِ ثم يعودُ كي ننسى ملاحقةَ الطيورِ لنا ونهدأَ في غيابٍ أبيضِ الغيماتِ مختنقٍ كرائحةِ الشراشفِ والملاءاتِ التي اقتسمَتْ شقوقَ الليلِ كيف تفسرينَ حنينَكِ الآنيَّ قلبَكِ حين يخفقُ فجأةً رعشاتِ جلدِكِ تحت ماءٍ ساخنٍ عند الصباحِ وتنظرينَ إلى مفاتنِكِ الطريةِ في مرايا غير منكرةٍ لما قالتهُ لي عيناكِ في صوَرٍ من الماضي ويبقى الثلجُ مُتَّهمًا بما يكفي ⑪︎ ألا تتوسدينَ الريشَ أو صوفَ الخيالاتِ المُجَدَّلَ تُسْتباحُ الآنَ رائحةُ الهدوءِ على شفوفٍ تلبسينَ وتُغمضينَ على طيوفٍ غير آمنةٍ وآتي من وراءِ اللونِ أهمسُ في شفاهكِ قبلةً موشومةً بعبارتينِ وفُلةٍ بيضاءَ ثمَّ أغادرُ الوقتَ الذي أكلَ العقاربَ باشتهاءٍ مُقلِقٍ والشمسُ دافئةٌ على عتباتِ بيتِكِ أو زجاجِ النافذةْ⑫︎ والقلبُ من فوضى ويبدو الثلجُ أيضًا ناشفًا كالحلقِ بعد الإنتعاظِ وللمدينةِ ما يبررُ نومَها حتى الظهيرةِ ما النوارسُ والبطاريقُ الصغيرةُ بالتي تخشى هواءً باردًا وأنا رأيتُ سماءَها والعشبَ كيف يكونُ في آذارَ ليتكِ كنتِ ترتشفينَ قهوتَكِ الغنيةَ بالكلامِ معي ونحنُ نلونُ الأفقَ السريعَ بما نريدُ وصرتِ لي أملًا طفوليَّ الملامحِ رغبةً أخرى وحبّاً نتقي ببياضهِ ثلجَ المدينةِ والقلقْ⑬︎
الثلاثاء ٩/٦/٢٠٢٠
واجهات
الثلاثاء ٩/٦/٢٠٢٠
واجهات