رياض الصالح الحسين - جرثومة النبغ.. شعر

و الآن تعالوا لنحتسي قليلاً من الدهشة
و الآن تعالوا لنمزّق خطانا المترددة
و نلفّ أوجاعنا بورق السجائر الرقيق و ندخنها باطمئنان
فالمرأة و الرجل
الصحاري و البحر و أشجار الصفصاف
الدموع و معامل الإسمنت و الحيوانات
كلها الآن مغلفة بالكرتون و الخشب الافريقي الراقص
تنتظر على السفينة الكروية الصلدة
و بعد قليل ستتقدم البذلة الأنيقة
التي تحتوي رجلاً لامعًا
لتقدم الهدية إلى وحش رؤوسه بعدد
القارات و المدن و القرى
وحش لا يملك أوصاف داريكولا
فأنيابه مهذبة للغاية
و لديه امرأة جميلة و لطيفة
تأكل قلوب الأطفال ببراعة لاعب شطرنج ماهر
و أما هو فيحبّ الويسكي المثلج
و قزقزة الحبال الصوتية للبلابل
و أنا
'تعرفون أن أنا هو أنتم'
-هكذا يقول شاعر شحيح من بلاد القبعات الواسعة
و المسدسات السريعة الطلقات
..أنا أحتفي بقدوم المآسي
و لديّ قدرة مذهلة على هضم الأوجاع و الصفعات الرتيبة التي تأتيني كل صباح مع فاتورة استهلاكي للأوكسيجين من المنتزهات العامة
أحبّ صبيّة بعيون و أضراس و أنف و قدمين
صغيرتين مقشّرتين بمساحيق غسل الثياب
و في إحدى زوايا غرفتي قميص و بنطال و حذاء
للرقص زائد عن الحاجة
أوقاتي مقطعة
و مساحات عمري بتضاريس تجريدية
و أما جسدي فوكر للفئران
و أما جسدي فمصيدة للفراشات الهاربة
و كم أودّ لو يأتي يوم
لا يكون فيه السندويتش بثمن
و القبلة بثمن
و القبر بثمن
فعندما يمرض النبع
و تضع زهرة المشمش السمّ في فنجان القهوة الصباحي
لزهرة البرتقال
سيتساقط الليل بغزارة
و الزجاج بغزارة
و الفقراء بغزارة
و الرصاص بغزارة
و المدن بغزارة
و عندما نحب بعضنا تمامًا
و تقول لي البلاد كل سنة أن جواربها
العشبية قد تمزقت بحمّى الفرح
فسأزرع أمام كل بيت دمية للطفل المشاكس
و أعطي صبيّة لكل فتى كئيب من بلدان العالم الثالث
و قيدًا للقنابل النيترونية الخرقاء
و زجاجة عطر لأمي في عيد ميلادها
و لحبيبتي جسدي
و الراتب القليل الذي أحصل عليه
لقاء قراءة المراثي على قبور أصدقائي
انظروا.. انظروا
أنا لصّ الأزقة الخرساء
أحمل بيدي مفاتيح العالم
مفاتيح دور سينما ملّ روّادها الحالمون
النظر إلى مسدس الشريف و القبلات
الهوائية
مفاتيح بنوك متخمة بالمعاملات و الموظفين
و الشرطة
مفاتيح قرى تلملم نساؤها روث الحيوانات
من الحقول ليخبزن عليه فطائر
الزعتر الشهية
مفاتيح لمخترعي الأسلحة الذين يصنعون كعك
الموت لأقاربهم و أطفالهم الأعزاء
مفاتيح بيضًا للسلام
مفاتيح حمرًا للثوار
مفاتيح زرقًا للعشاق
و لكن -و أقولها بأسف شديد
إن المفتاح الزيتي الصغير الذي كان تحت وسادتي
يوم الخميس قد سرقه أحد الأغبياء
و ها أنذا أقضم أظافري و أفكر بحزن
فليلة السبت لن أستطيع أن أنسلّ إلى بيت
حبيبتي لألعب معها بالورق
و لذا قررت أن أموت لمرة واحدة
بدلاً من الموت سبع مرات في الأسبوع
و بما أنني لا أملك تابوتًا و لا قبرًا و لا كفنًا
فلقد قررت أن أحيا بعدد الموتى
و أفتح دكانًا لتوزيع الحب عليكم من خلال هذه القصيدة


رياض الصالح حسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى