د. مصطفى الضبع - شمالا جهـة الغـرب.. قصة قصيرة

عربة سمراء اللون وأجساد لزجة من طول السفر .. خبط المحصل على لوحة التذاكر وهو يلعن الهاربين من الدفع .. تأوهت المرأة الحامل وهى تحتمى من الزحام ..صرخ طفل صغير يحمل كتبه وراح عجوز يثرثر عن أيام مضت وعندما تسلل صوته إلى السائق زجره بكلمات حادة فتطاير غبار الكلمات على شفتى العجوز وقرر أن ينام .. توقفت العربة عند المبنى العالى هبط المحصل متجها للمبنى ، حاول الباعة الجائلون الصعود لكن السائق زجرهم .. همهمت الأصوات تعلن استنكارها لمدة الوقوف .. اتجهت الأنظار للسائق الذى وقف ودون أن ينظر لأحد مد يده ليمسح اللوحة المكتوب فوقها ( ممنوع التحدث مع السائق ) نظر كل واحد للذى يجاوره .. دقت ساعة الميدان دقاتها الرتيبة همهم التلميذ النحيف معلنا خوفه من التأخير فالمشوار مازال طويلا والليل يقترب .. أدار السائق المذياع فانسابت أصوات مارشات عسكرية ..فتح العجوز عينه وتمتم بأشياء غير مسموعة ..تأوهت الحامل ضاغطة بطنها .. استدار السائق فطالعنا وجهه للمرة الأولى جامد الملامح تبدو على وجهه ملامح الإعياء حملق فى الوجوه وهبط مترنحا والعيون تستحلفه ألا يغيب طويلا .. غرق الجميع فى صمت أليم وبعد وقت غير قصير انتبهوا ليجدوا العربة قد بدأت فى المسير فى طرق ملتوية وقد ازدادت سرعتها نحو الشمال وعندما شعروا أن اتجاه المسير قد تغير لم يعلقوا ، كان السائق لا يتوقف كثيرا فى المحطات والصمت بدأ ينزاح بصعود الباعة معلنين عن بضاعتهم ممتزجة أصواتهم ( السكر النبات يشفى العيان يشجع الجبان .. يجوز البنات .. ينور الستات .. يغيظ الحموات )..( ساعة يابانى إلكتروني بخمسة جنية ) ..( تبرعوا لبناء مساكن الإيواء ) .

عندما بدأ الليل يفرد أجنحته انتشر ضوء باهت فغلف الوجوه بغلالة من الألوان الشاحبة تلألأت أضواء مدن بعيدة وغزت رائحة رمال الصحراء الأنوف .وظهر القمر مستديرا لامعا راح السائق يتحدث من خلال الميكرفون فبدا صوته غريبا .. بدا لهم أنه يريد التسرية عنهم لكنه بدأ يخاطب أشخاصا بعينهم فى نهاية العربة فاضحا ما يفعلون ..اقترب المحصل من السائق وهمس فى أذنه بكلمات ذادت من ثورة السائق فراح يكيل السباب للجميع متحديا .. تقززت المرأة الحامل .. وضع الجميع أصابعهم فى آذانهم .. ولما لم ينقطع سباب السائق تقدموا نحوه أوقف العربة لكنهم واصلوا تقدمهم وانقضوا عليه وألقوا به خارج العربة .. أطلقت المرأة الحامل صرخة .. جذب المخاض الحواس .. تسلل المحصل إلى عجلة القيادة وواصل السير فى نفس الاتجاه والقمر يختفى خلف الجبل الأسود انحرف السائق نحو الغرب أغمض الجميع عيونهم على دم المخاض ثم حملقوا فى المرأة وهى تترك طفلها وتزحف للبحر الذى بدأ يقترب وعندما ألقت بجسدها فيه بدأت المياه تأخذ لون دماء المخاض والعربة تأخذ طريقها نحو القمر المختفى .
  • Like
التفاعلات: مها اللافي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى