عمار حميد مهدي - عن المكان الهامش في السرد

هو ذلك المنزوي الذي تنتفض شرارته قليلا عند السرد ثم تخبو بعدما كان بعيدا جدا عن المسار العام للحدَث في النص السردي ، وهو يشكل بمجموعه الأمكنة الهامشية التي تقع خارج اطار النظر التخيلي او حلم اليقظة اثناء القراءة ، أمكنة مثل زاوية الملابس ، المنطقة المظلمة أسفل درجات السُلّم ، حارة ضيقة في طريق فرعي ، العلّية او القبو ... الخ.

ان وظيفة المكانات الهامشية تتمثل في أنها توقظ المخبوء في ذاكرة العقل الانساني او ما يعبر عنها الفيلسوف الفرنسي (غاستون باشلار) في كتابه (جماليات المكان) بـ(الألفة) وينطبق عليها ايضا ما يقوله الناقد العراقي (ياسين النصير) في كتابه (الرواية والمكان) ، انها دلالة تحاكي شيئا ما في ذات الكاتب او في الذات الاجتماعية ، فتثير قراءة المكان الهامش من خلال السرد تفاعلات معينة في خيالات القارئ وخفايا ماضي الطفولة عبر الذاكرة ، فهذه الأمكنة قد تعرفت عليها النفس في مراحل الطفولة خصوصا في المنزل حيث كان حجم الجسم الصغير وفضول الطفولة يسمح لنا بالوصول لهذه الأمكنة التي سرعان ما يتم نسيان التواصل معها واهمالها ، يذكر (غاستون باشلار) ايضا (ان الكثير من ذكرياتنا محفوظة بفضل المنزل . واذا كان البيت اكثر تعقيدا ، اي له قبو وعلّية واركان منعزلة ودهاليز وأروقة فأن احلامنا تكون اكثر تحديدا ، نعود اليها دوما في احلام يقظتنا) والتي يعتبر السرد احد عوامل اثارة هذه الاحلام.

ولكن على الرغم من ذلك فأن تأثير المكان الهامش في جانب السرد يعتبر آنياً او لحظياً ، فما ان يتفاعل معه المتلقي قليلا حتى يعود للتفاعل الأكبر مع الاحداث التي يحملها السرد وينزوي المكان الهامش الى حيث صفته وهو يحافظ على هذه الصفة حتى لو كان يشكل مفتاحا رئيسيا واساسيا في صنع احداث سردية تبدأ عن طريقه هذه الاحداث بالدخول الى المتن والحبكة الرئيسية ، فمثلا في رواية (قارئ الطين) للكاتب العراقي (حسن فالح) نرى ذلك التأثير الوقتي للمكان الهامش حين يعثر احد شخوص الرواية المحورية على باب لا يتجاوز طوله مترا واحدا في احدى الغرف المهملة بعدما كان مختفيا خلف اكوام من الآثاث المهمل والقديم وعند دخوله هذا الباب تبدأ الاحداث الرئيسية في الرواية ، لذلك نرى ان الباب كان عنصرا مكانيا هامشيا ولكن الاحداث المهمة في الرواية تبدأ عند اجتياز ذلك الباب.

وللمكان الهامش عنصر مميز اضافة لهامشيته البارزة وهو انه عندما يكون مقدمة للانتقال السريع الى حدث آخر فغالبا ما يكون هذا الحدث (ضمن المكان الهامش) متسماً بعنصر التحول الى الدهشة او المفاجأة.

نرى ذلك واضحا في قصة (القط الاسود) للكاتب الامريكي (ادغار الن بو) حين تعثر الشرطة على جثة الزوجة القتيلة ضمن فتحة جدار قبو المنزل حيث يظهر القط من خلال فتحة الجدار واقفا يموء فوق جثة الزوجة المغدورة.

يعالج الناقد (ياسين النصير) مكانا هامشيا ضمن كتابه (الرواية والمكان) وهو الممر الموصل بين باب الباحة الداخلية للمنزل والباب التي تطل على العالم الخارجي فعندما تطرق الباب الخارجية يصف اشياء البيت الداخلية بأنها تتهيأ وتُستفز المشاعر وتقف الاقدام وتحلق الأعين فتدب حركة ما فالممر هو الحبل السُرّي الذي يربط العالمين.

ان الناقد ياسين النصير يريد ان يعطي من خلال صيغة الدال والمدلول لهذه الأمكنة على ان المكان الهامش هو من الأهمية في انه يكون مفتاحا او مقدمة للدخول للأحداث الكبرى في السرد ، مصباح صغير يومض لوقت قصير معلنا اشارة البداية لفضاء سردي جديد آخر ينغمس فيه القارئ ولا يعلق في ذاكرته الا لبعض الوقت.

عمار حميد مهدي-العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى