من أقوال الحكماء:" ثق بقدراتك فالطير على الشجرة، لا يَخاف أن ينكسر الغصن، لأنه لا يثق بالغصن بل يثق بأجنحته. ستتعلم الكثير من دروس الحياة، إذا لاحظت أن رجال الإطفاء لا يكافحون النار بالنار. لا يحزنك أنك فشلت ما دُمت تحاول الوقوف على قدميك من جديد"
النص:
تكورت بت الحقار في وسط الحوش ، مستلقية على عنقريبها المخرتة المتين الأركان يتعاظم في داخلها الشعور بالعظمة المستنيرة والاحساس الملوكي والملائكي ،والتقدير العالي للذات ....بعد أن كانت حلم الشباب في زمانها حولها اللحم المكتنز إلى شيء أشبه ما يكون بفرس البحر أو الخرتيت "وحيد القرن" ، جلست تتأمل حركة من يشاركونها السكن بخيت القرد ...وهو مقيد بجنزير رقيق في قعر شجرة النبق الضخمة التي تثمر سنويا نبقا من طراز خاص وطعم خاص... مما يغري صبية الحي بالتلصص عليه عندما يسمعون شخير بت حقار ...واستغفال بخيت القرد فيسطون على النبق....وعلى قفص في ركن قصي من الحوش مجموعة من الدجاج والديوك والارانب البرية وجيوش من النمل النشيط ...وتحت العنقريب عدد من القطط ...هذا عالمها التي تحبه حتى الثمالة فهو الوجود ووهج الوجدان ..كانت بت حقار في هذا الجو تتقمص حياة الملوك ..كيف لا ؟وهي كما يقول الرواة من أهل الحي أنها تنحدر من أسرة سلطان من غرب إفريقيا... وتحديدا في ضاحية من تمبكتو ...وما زالت حياة الترف والعز تدغدغ خيالها ،وتسري في داخلها كانها الآن ...ولكن بت حقار غادرت مرافئ النعيم ..تركت ذلك الرغد والعز ...يوم أن هاجرت تاركة ديارها ...وفاء لنبضات قلبها وهتاف الحب حيث أحبت صيادي الأفاعي وخاصة الأصلة ذات الالوان الزاهية ... كان محبوبها رجل فيه قليل من الوسامة وكثير من الشجاعة ..مما استجذب قلب بت حقار،وأوقعها في شباك حبه..الحب يخترق القلوب عنوة دون استئذان كما الموت تماما ..وعندما تأكدت وتيقنت من إصرار أهلها في الحيلولة دون تحقق حلمها ..فكرت مليا ...وهربت ..من سجن العرف والتقاليد والاستعلاء الطبقي والاثني والمهنى ...ضحت بحياتها في كنف السلطنة ...وقدمت روحها قربانا لاختيارها .واختارت الدرب الوعر.....شقت مسافات وقطعت مفازات حتى استقر بها المطاف في تلك المدينة ...تلبست السلطنة حالة من الذعر المجهول الممزوج برائحة العار ......وبدأت رحلة البحث من قبل رجالات السلطان ومخبريه ....فلم تفلح فرق البحث في العثور عليها ..وباءت الحملات بالفشل ... صدر القرار بإهدار دمها وقتلها لأنها ارتكبت خطيئة كبيرة ...فقط لأنها تصالحت منع نفسها و لم تفعل ما يجلب العار ....وعلمت بت حقارمن هدهد ما بالحكم من...بكت وسكبت الدموع السواجم لكنها لم تنهار ...برغم تلاشي الأمل في تحقيق حلمها بلقاء حبيب القلب صياد الأفاعي .. حاولت التكيف مع واقعها الجديد ...كانت تسير في الطرقات تحمل في يدها عصا غليظة من الأبنوس ...تتجول في الطرقات ..في خطوات ثقيلة الإيقاع .....يركض خلفها كلبها الوفي والقطة المدللة .. وسلة السعف تتراقص بين أصابعها المتضخمة ...وبينما هي في طريقها الى السوق للتبضع وشراء بعض ما تحتاج ... فإذا بصوت مانقو الملقب بالسفاح ...يصيح بأعلى صوته السفاح بسكروا و عم دنقس بى بقروا ...ويا رب طاحونة ومرة مجنونة !!!...وهو في قمة النشوة ....فردت عليه في لغة واثقة ..هوي انا بت حقار السيف البتار ..هذيان الولد ما بخوفني !!!وبعد برهة تصطدم بابراهيت وهي اثيوبية تسللت عبر الحدود ..واستقرت بالمنطقة تبحث عن شيئ ما... لم تجده في مسقط رأسها .ما ارخص الانسان في هذه الناحية من العالم ....فتفهم بت حقار الرسالة وتفك الشفرة وتأخذها لتنضم لبقية أفراد الدار ...وتنطلق زغرودة من مستورة بت عوض معلنة قدوم حسناء جديدة ..وتأخذ العضوة الجديدة ...تطوف بها في أرجاء الحوش وتعطيها نبذة عن نظام دار بت حقار ..تهز رأسها في طاعة....وتمر الأيام ...وعوامل الزمن تمارس فعلها في بت حقار ...تساقط الشعر ضمور العظام ...وتختلط المشاعر المتناقضة بين الانتماء والاغتراب ....وتدور أفكار وصور مشحونة بالأسى في مخيلة الست التي غادرت مرتع صباها ولكنها في كل مناسبة ...أو لمة نسوان تذكر طفولتها والدلال ومديدة الدخن ومريسة العيش ...وتقول جهرا "غايتو الحمدلله لكن كان الله مد في العمر ...لازم نسافر الى هناك" ...وفجاءة يشق الصمت والهدوء صوت مانقو ...مرة أخرى ولكنه ...هذه المرة يعلن قدوم سيدنا الفكي يونس من دار غرب حاملا حقيبة من صفيح ..القادم من نار القران والحافظ لكتاب الله ...فيتجمع أهل القرية التي طالما اشتاقت واحتاجت لمن يحيل بؤسها الروحي وانفصامها الذاتي الى حالات سوية ..لعل مقدم الفكي يونس كان بارقة الأمل المنتظر للخروج من قمقم الانسداد الشعوري والملل ..فرحت القرية وتصالحت مع روحها ...ولما كان الفكي مزواجا فقد اقترن بابراهيت بعد أن أدخلها في الاسلام ..ورقصت بت حقار في عرس الفكي رقصا عنيفا كأنما تستعيد ايامها الخوالي .
.وتعمقت اللحمة بين أفراد القرية وتمكنت العلاقة الوجودية الزاهية ...ورويدا تحولت حياتهم إلى نوع آخر ...وفي ذات العام الذي كانت بت حقار قد قررت فيه الهجرة إلى مكة للحج ...لم يسعفها العمر ...وماتت بت حقار بعد أن أرست بحسها العفوي الصادق نموذجا للتعايش السلمي بين ألوان الطيف الاثني والاجتماعي ...ودعتها القرية في جنازة مشهودة ...أما مانقو فقد ترك معاقرة الكأس واعتزل البرية مختليا في الفلوات يناجي عالم الملك والملكوت ...وهكذا انطوت صفحة من تاريخ قرية مفعمة بالتناقضات وبرغم البؤس وشظف الحياة كانت القرية تنبض بالجمال والخير والحق والمعاني الانسانية
النص:
تكورت بت الحقار في وسط الحوش ، مستلقية على عنقريبها المخرتة المتين الأركان يتعاظم في داخلها الشعور بالعظمة المستنيرة والاحساس الملوكي والملائكي ،والتقدير العالي للذات ....بعد أن كانت حلم الشباب في زمانها حولها اللحم المكتنز إلى شيء أشبه ما يكون بفرس البحر أو الخرتيت "وحيد القرن" ، جلست تتأمل حركة من يشاركونها السكن بخيت القرد ...وهو مقيد بجنزير رقيق في قعر شجرة النبق الضخمة التي تثمر سنويا نبقا من طراز خاص وطعم خاص... مما يغري صبية الحي بالتلصص عليه عندما يسمعون شخير بت حقار ...واستغفال بخيت القرد فيسطون على النبق....وعلى قفص في ركن قصي من الحوش مجموعة من الدجاج والديوك والارانب البرية وجيوش من النمل النشيط ...وتحت العنقريب عدد من القطط ...هذا عالمها التي تحبه حتى الثمالة فهو الوجود ووهج الوجدان ..كانت بت حقار في هذا الجو تتقمص حياة الملوك ..كيف لا ؟وهي كما يقول الرواة من أهل الحي أنها تنحدر من أسرة سلطان من غرب إفريقيا... وتحديدا في ضاحية من تمبكتو ...وما زالت حياة الترف والعز تدغدغ خيالها ،وتسري في داخلها كانها الآن ...ولكن بت حقار غادرت مرافئ النعيم ..تركت ذلك الرغد والعز ...يوم أن هاجرت تاركة ديارها ...وفاء لنبضات قلبها وهتاف الحب حيث أحبت صيادي الأفاعي وخاصة الأصلة ذات الالوان الزاهية ... كان محبوبها رجل فيه قليل من الوسامة وكثير من الشجاعة ..مما استجذب قلب بت حقار،وأوقعها في شباك حبه..الحب يخترق القلوب عنوة دون استئذان كما الموت تماما ..وعندما تأكدت وتيقنت من إصرار أهلها في الحيلولة دون تحقق حلمها ..فكرت مليا ...وهربت ..من سجن العرف والتقاليد والاستعلاء الطبقي والاثني والمهنى ...ضحت بحياتها في كنف السلطنة ...وقدمت روحها قربانا لاختيارها .واختارت الدرب الوعر.....شقت مسافات وقطعت مفازات حتى استقر بها المطاف في تلك المدينة ...تلبست السلطنة حالة من الذعر المجهول الممزوج برائحة العار ......وبدأت رحلة البحث من قبل رجالات السلطان ومخبريه ....فلم تفلح فرق البحث في العثور عليها ..وباءت الحملات بالفشل ... صدر القرار بإهدار دمها وقتلها لأنها ارتكبت خطيئة كبيرة ...فقط لأنها تصالحت منع نفسها و لم تفعل ما يجلب العار ....وعلمت بت حقارمن هدهد ما بالحكم من...بكت وسكبت الدموع السواجم لكنها لم تنهار ...برغم تلاشي الأمل في تحقيق حلمها بلقاء حبيب القلب صياد الأفاعي .. حاولت التكيف مع واقعها الجديد ...كانت تسير في الطرقات تحمل في يدها عصا غليظة من الأبنوس ...تتجول في الطرقات ..في خطوات ثقيلة الإيقاع .....يركض خلفها كلبها الوفي والقطة المدللة .. وسلة السعف تتراقص بين أصابعها المتضخمة ...وبينما هي في طريقها الى السوق للتبضع وشراء بعض ما تحتاج ... فإذا بصوت مانقو الملقب بالسفاح ...يصيح بأعلى صوته السفاح بسكروا و عم دنقس بى بقروا ...ويا رب طاحونة ومرة مجنونة !!!...وهو في قمة النشوة ....فردت عليه في لغة واثقة ..هوي انا بت حقار السيف البتار ..هذيان الولد ما بخوفني !!!وبعد برهة تصطدم بابراهيت وهي اثيوبية تسللت عبر الحدود ..واستقرت بالمنطقة تبحث عن شيئ ما... لم تجده في مسقط رأسها .ما ارخص الانسان في هذه الناحية من العالم ....فتفهم بت حقار الرسالة وتفك الشفرة وتأخذها لتنضم لبقية أفراد الدار ...وتنطلق زغرودة من مستورة بت عوض معلنة قدوم حسناء جديدة ..وتأخذ العضوة الجديدة ...تطوف بها في أرجاء الحوش وتعطيها نبذة عن نظام دار بت حقار ..تهز رأسها في طاعة....وتمر الأيام ...وعوامل الزمن تمارس فعلها في بت حقار ...تساقط الشعر ضمور العظام ...وتختلط المشاعر المتناقضة بين الانتماء والاغتراب ....وتدور أفكار وصور مشحونة بالأسى في مخيلة الست التي غادرت مرتع صباها ولكنها في كل مناسبة ...أو لمة نسوان تذكر طفولتها والدلال ومديدة الدخن ومريسة العيش ...وتقول جهرا "غايتو الحمدلله لكن كان الله مد في العمر ...لازم نسافر الى هناك" ...وفجاءة يشق الصمت والهدوء صوت مانقو ...مرة أخرى ولكنه ...هذه المرة يعلن قدوم سيدنا الفكي يونس من دار غرب حاملا حقيبة من صفيح ..القادم من نار القران والحافظ لكتاب الله ...فيتجمع أهل القرية التي طالما اشتاقت واحتاجت لمن يحيل بؤسها الروحي وانفصامها الذاتي الى حالات سوية ..لعل مقدم الفكي يونس كان بارقة الأمل المنتظر للخروج من قمقم الانسداد الشعوري والملل ..فرحت القرية وتصالحت مع روحها ...ولما كان الفكي مزواجا فقد اقترن بابراهيت بعد أن أدخلها في الاسلام ..ورقصت بت حقار في عرس الفكي رقصا عنيفا كأنما تستعيد ايامها الخوالي .
.وتعمقت اللحمة بين أفراد القرية وتمكنت العلاقة الوجودية الزاهية ...ورويدا تحولت حياتهم إلى نوع آخر ...وفي ذات العام الذي كانت بت حقار قد قررت فيه الهجرة إلى مكة للحج ...لم يسعفها العمر ...وماتت بت حقار بعد أن أرست بحسها العفوي الصادق نموذجا للتعايش السلمي بين ألوان الطيف الاثني والاجتماعي ...ودعتها القرية في جنازة مشهودة ...أما مانقو فقد ترك معاقرة الكأس واعتزل البرية مختليا في الفلوات يناجي عالم الملك والملكوت ...وهكذا انطوت صفحة من تاريخ قرية مفعمة بالتناقضات وبرغم البؤس وشظف الحياة كانت القرية تنبض بالجمال والخير والحق والمعاني الانسانية