من أول نظرة، عرفت أنني لن أكون محايدا تجاه وجه الرجل الذي يجلس بجواري في الأتوبيس. مع ذلك حاولت أن أنساه، وتركت رأسي يغفو فوق صدري. لم أتمكن؛ لأن الوجه اقتحمني في غفوتي بمجرد أن أغمضتُ عينيّ. رفعت رأسي نحوه من جديد: الشَّنَب! شَنب ملفوف ومستقوي.. عَمَّر سنوات طويلة، حتى انفتلَ بتلك الهيئة، وذلك البياض المهيب، نازلا فوق الشفة العليا، وطامسا إياها بشكل كامل. لن أتجمل وأخفي أنني في غفوتي اللحظية؛ رأيتني مُتعلقا بأحد طرفيه، تتأرجح ساقاي بحرية!
باستثناء الشنب، ليس في الوجه، تحت الطاقية البُنيّة المستطيلة، ما يتميز به. إنه جغرافيا غير خاضعة لمُسمَّيات مؤكدة، تخص سطحها المتآكل ومناطق ارتفاعها وانخفاضها. ربما تجدر ملاحظة مستعمرات من شعر الذقن المُهمَل بسوء التوزيع. لم يكن يعنيني كل ذلك.. يشغلني الشنب قبل أي شيء: فيه شعرات نافرة في كل الاتجاهات، وبعضها يصل لطول نصف إصبع! يا الله، يزداد التنميل في كفي. أضغط أصابعي وأُحكم قبضتي بلا فائدة. ينفلت إصبعاي، الأوسط والسبابة، ويسرحان لوحدهما. يبتعدان ويلتقيان في خبطات متسارعة. المقص أصبح جاهزا للشغل، لكن المهم اتخاذ قرار البدء. وما هذا؟ لقد رأيت ما جعل كف يدي تنقبض كلها: من أنفه تمتد شعرات طويلة، وتتوه مُندسة في أحراش الغابة الكبرى. رجل غبي.. لو مدّ يده، فسيسحب ذلك الصرصار النائم في قلب أنفه، والتارك شنباته تلعب في الخارج بأمان تام. ارتعش إبهامي وسبابتي، والتقى رأساهما. قويت الذبذبة في الملقاط، واستعدَ تماما للخطفة الحادة المباغتة، التي ستنزع شنب الصرصار من العمق. انتظرتُ اللحظة ودق قلبي بسرعة..
يدي تأكلني بشكل لا يوصف. بدأت في عمل بروفة. مررتُ بذراعي أمام وجهه، وسحبت الزجاج قليلا لإدخال الهواء. تعمدت أن أقترب من شنبه، وشعرت بملمسه الخشن لباطن إصبعي. غيظي بلغ مداه، حين لم يأخذ باله. ما زال مُبحلقا في الزجاج ينظر في اللاشيء. مددتُ يدي، وتركتها أمامه على مسند الكرسي، فيما يتحرك إصبعاي كمقص حقيقي بلا توقف. اقتربتُ من وجهه، وأنا أكز على أسناني:
– عم الحاج؟
– أيوا..
– أنت سايب شنبك كدا ليه؟
– كدا ليه إزاي؟ أنت عاوز إيه؟!
– أبدا والله، طيب بس استنى..
بانت على وجهه ملامح شر مفاجئ. طمأنته وقلت له إن المسألة بسيطة، هكذا.. وفي لمحة كانت شعرة طويلة من عمق أنفه مستقرة بين أظافري! اتسعت عينا الرجل، وتحولَ إلى كتلة من الذهول. لم أتركه ليأخذ نفسه.. عاجلته بانتزاع شعرة نافرة من شنبه. رأيته يقف مبهوتا، ويُوجّه قبضته في اتجاهي، لكنّ خِفتي أنقذتني وتفاديتُ الضربة. تطوعت أذرع وانفعلت ألسنة بغرض التهدئة. شتمني بقلة أدبي، واستمر على حاله حتى ازرقَّ وجهه من الزعيق، طالبا أن يُبعِدوا عنه ذلك المجنون. توتّرَ الجو وارتبك السائق، إلى أن قمتُ، وقعدت مكان رجل تدخَّلَ وأخلى كرسيه لي.
باستثناء الشنب، ليس في الوجه، تحت الطاقية البُنيّة المستطيلة، ما يتميز به. إنه جغرافيا غير خاضعة لمُسمَّيات مؤكدة، تخص سطحها المتآكل ومناطق ارتفاعها وانخفاضها. ربما تجدر ملاحظة مستعمرات من شعر الذقن المُهمَل بسوء التوزيع. لم يكن يعنيني كل ذلك.. يشغلني الشنب قبل أي شيء: فيه شعرات نافرة في كل الاتجاهات، وبعضها يصل لطول نصف إصبع! يا الله، يزداد التنميل في كفي. أضغط أصابعي وأُحكم قبضتي بلا فائدة. ينفلت إصبعاي، الأوسط والسبابة، ويسرحان لوحدهما. يبتعدان ويلتقيان في خبطات متسارعة. المقص أصبح جاهزا للشغل، لكن المهم اتخاذ قرار البدء. وما هذا؟ لقد رأيت ما جعل كف يدي تنقبض كلها: من أنفه تمتد شعرات طويلة، وتتوه مُندسة في أحراش الغابة الكبرى. رجل غبي.. لو مدّ يده، فسيسحب ذلك الصرصار النائم في قلب أنفه، والتارك شنباته تلعب في الخارج بأمان تام. ارتعش إبهامي وسبابتي، والتقى رأساهما. قويت الذبذبة في الملقاط، واستعدَ تماما للخطفة الحادة المباغتة، التي ستنزع شنب الصرصار من العمق. انتظرتُ اللحظة ودق قلبي بسرعة..
يدي تأكلني بشكل لا يوصف. بدأت في عمل بروفة. مررتُ بذراعي أمام وجهه، وسحبت الزجاج قليلا لإدخال الهواء. تعمدت أن أقترب من شنبه، وشعرت بملمسه الخشن لباطن إصبعي. غيظي بلغ مداه، حين لم يأخذ باله. ما زال مُبحلقا في الزجاج ينظر في اللاشيء. مددتُ يدي، وتركتها أمامه على مسند الكرسي، فيما يتحرك إصبعاي كمقص حقيقي بلا توقف. اقتربتُ من وجهه، وأنا أكز على أسناني:
– عم الحاج؟
– أيوا..
– أنت سايب شنبك كدا ليه؟
– كدا ليه إزاي؟ أنت عاوز إيه؟!
– أبدا والله، طيب بس استنى..
بانت على وجهه ملامح شر مفاجئ. طمأنته وقلت له إن المسألة بسيطة، هكذا.. وفي لمحة كانت شعرة طويلة من عمق أنفه مستقرة بين أظافري! اتسعت عينا الرجل، وتحولَ إلى كتلة من الذهول. لم أتركه ليأخذ نفسه.. عاجلته بانتزاع شعرة نافرة من شنبه. رأيته يقف مبهوتا، ويُوجّه قبضته في اتجاهي، لكنّ خِفتي أنقذتني وتفاديتُ الضربة. تطوعت أذرع وانفعلت ألسنة بغرض التهدئة. شتمني بقلة أدبي، واستمر على حاله حتى ازرقَّ وجهه من الزعيق، طالبا أن يُبعِدوا عنه ذلك المجنون. توتّرَ الجو وارتبك السائق، إلى أن قمتُ، وقعدت مكان رجل تدخَّلَ وأخلى كرسيه لي.