محمد مزيد - لوحة الصياد الضاحك

أهدى بعض الفنانين لوحاتهم الزيتية الى " السيد الرئيس " ، كانت معظمها تعبر عن لقطات اخذت له في الهور ، وفي خنادق الحرب ، وبين " الماجدات " عرضت اللوحات ليطلع عليها في باحة كبيرة في القصر الجمهوري ، كان يمشي مثل الطاووس في ممر طويل ينظر بمتعة وغرور الى صوره الشخصية المرسومة ببراعة ، وفي منتصف جولته اخذ يسرع بالمشي لانه مل من رؤية وجهه وحركات جسده على اللوحات، فما عادت تثير نهمه وشهيته .. حتى وقف فجأة امام لوحة، لصياد سمك داخل الهور يرفع شبوطا وهو واقف في بطن مشحوفه ، ركز الفنان على ضحكة الصياد البريئة الجميلة ، لكن الرئيس عندما ينظر اليه تختفي الضحكة، ليحل محلها الوجوم والتجهم ، شعر الرئيس ان سحرا في الامر، وهو يخاف السحر ، التفت الى المرافقين من الوزراء والحرس فوجدهم يبتسمون له بتصنع، ثم عاد ينظر الى اللوحة فوجد الصياد متجهما وقد اختفت ضحكته ، سأل اقرب رجل حماية له " هل ترى هذه اللوحة ؟ فقال " نعم سيدي انه صياد سمك يضحك من اهالي الجنوب " سأله ثانية " هل تراه ضاحكا ام متجهما ؟ استغرب رجل الحماية من هذا السؤال المفاجئ ، وضع يديه خلفه وتحسس عجيزته، ثم قال للرئيس " سيدي ماذا تراه انت ؟ " فقال الرئيس " انني اراه متجهما .. لا يضحك" فقال رجل الحماية " نعم انه متجهم لايضحك " بينما يرى رجل الحماية الصياد في اللوحة ضاحكا، ثم اكد له " نعم سيدي انه متجهم كما ترى سيادتك " علم الرئيس انه منافق لايقول الحقيقة.
طلب منهم كرسيا فجلبوه له بسرعة البرق وجلس الرئيس امام اللوحة ، واشعلت له سيجارة كوبية بطول 25 سنتمتر ، وسأل وزيرا كان يقف الى يمينه" فلان .. كيف تنظر الى هذه اللوحة ؟ هل الصياد ضاحك ام مكفهر ؟ " لايعرف الوزير من اين اتت بعوضه فقرصته ما بين فخذيه ، ولما أراد أن يحكك عضوه ارجئ ذلك ، وقال له راجفا " ماذا يرى سيادتكم اللوحة ؟ فقال له أنني أراه متجهماً، فماذا تراه أنت ؟ " نظر الوزير بتمعّن الى ضحكة الصياد ، لكنه قال للرئيس " انه متجهم لا يضحك، كما تراه سيادتكم " لايريد الوزير أن يخسر وظيفته، أو رقبته في هذه الظهيرة، كما أيده العديد من المرافقين ، بقي الرئيس جالسا في مكانه ، فهو حين يصرف النظر عن اللوحة ، يعود الصياد ضاحكا، وعندما ينظر اليه يتجهم وجهه، امتص نفسا عميقا من السيجار وأطلق دخانها بحركة رافعا رأسه الى السقف المرمري، ثم وضع ساقا فوق الاخرى، لايستطيع أن يغضب الآن على الكل، فيطردهم شر طرده ، لكنه قال ،"أريد أن تجلبوا رسام هذه اللوحة فورا " .
أُصيب الحماية والوزراء بالهلع والذعر ، وركضوا في كل الاتجاهات، وما هي الا دقائق، حتى جُلِب الرسام ووقف أمام "السيد الرئيس " مذعورا تصطك اسنانه من الخوف والهلع وهو يتحسس رقبته التي ستقطع بعد هذه المقابلة، سأل الرئيس عن معنى رؤيته لتجهم الصياد، وهو في الحقيقة ضاحك حسب ما يشاهده الاخرون ؟ لا يعرف الرسام من أين أتته الجرأة ليطلب من الرئيس أن يبتعد كل المرافقين عنه، كي يتحدث براحته، يشعر الرسام انه في اية لحظة سيبول على نفسه، فابتعدوا ثم جلبوا له كرسيا، وجلس بجانب الرئيس وهمس الرسام باذنه " هل ترى سيادتكم أن الصياد متجهم الان ؟ فقال الرئيس " نعم ، بينما الكل يرونه ضاحكا " فقال الرسام " حسب نوع الطعام " فلم يفهم الرئيس ما قاله الرسام ، التفت الى الحاشية فوجدهم يقفون بالاستعداد بعيدا عنه فلا احد منهم يتحرك ، كان يريد أن يسخر ويتضاحك مع احدهم، على عقل هذا الرسام الخرب، غير انه كان لوحده مع هذا المعتوه ، فسأله الرئيس " ماذا تقصد ؟ فأكد الرسام" أن نوع الطعام الذي تناوله سيادتكم يؤثر على طريقة الرؤية الى اللوحة " وقال في نفسه " هي موته واحدة، فلأقل ما اشاء وليحصل ما يحصل ، ثم سأل الرسام الرئيس بصوت خافت راجف " ماذا اكلت سيادتكم في وجبة الغداء "؟فقال له " غزال " فسأله " اي جزء من الغزال ؟ فقال الرئيس " الفخذ كله " هنا وقف الرسام، عدل بنطاله ثم جلس ، فقال " دعهم يجلبوا لسيادتكم الان دجاج الخضيري، وسترى كيف يمكن ان تتبدل رؤيتكم الى اللوحة "، أمر الرئيس باصطياد كل دجاج الخضيري في كل الاهوار وطبخت له واحدة بسرعة ". في كل أمر يطلقه الرئيس، يتوقف الزمن، فجلبت له دجاجة خضيري خلال دقيقة، تناولها الرئيس بشراهة ، ثم تجشأ ومسح الدسم الذي بين أصابعه ببدلة أحد رجال الحماية، الذي يقف بقربه،ثم دخن السيجار، ولما نظر الى اللوحة، وجد الصياد مازال متجهما . جن جنون الرئيس ، طلب منهم أن يأتوا بكل علماء النفس في البلاد واساتذة الرسم وعلوم الحيوان، توقف الزمن، وما هي الا دقيقة حتى جُلب الجميع، ليقفوا امام الرئيس، ليشرحوا له قصة هذه اللوحة التي يرى الرئيس تجهم الصياد فيها بينما يرونه هم ضاحكا .. كل الذي قاله الاساتذة لم يقنع الرئيس بصحة نظرياتهم وفلسفتهم ، الا استاذا واحدا قال له " سيادة الرئيس ، تتغير اللوحة، ليس بسبب نوع الطعام، بل بسبب نوع المرأة التي واقعتها" كان قولا جريئا لم يستوعب ىالحاضرون كيف واتت الشجاعة هذا الاستاذ ليقوله ! ضحك الرئيس وهز كتفيه، فضحك الجميغ مثله ولكن بحذر وخوف فليس من الجائز أن يضحك الرئيس ولا احد بجامله ، فالتفت الى القائل " وما علاقة المرأة باللوحة ؟ شرح له الاستاذ" عن نوعية المواد الكيمياوية التي تفرزها الغدد عندما يواقع الرجل المرأة، وكيف تتخندق تلك المواد في المداميك الرؤيوية" وحتى لايبدو الرئيس جاهلا اما عبقرية هذا الاستاذ ، سأله وما الحل ؟ قال له الاستاذ : يجب ان تأتي المرأة التي واقعتها الى هنا، ثم تنظر الى اللوحة معك، فينقل كهرباء حضورها الى روح سيادتكم "، أقتنع الرئيس بالفكرة ، لكنه لايتذكر المرأة التي واقعها قبل ساعة ، اهي الحبشية السوداء ام الاوكرانية ام السلفادورية ، ام .. لا يتذكر ، قال لهم احضروهن جميعا، وتوقف الزمن، وخلال دقيقة احضرت كل النساء والمحظيات في القصر ، كن بالعشرات ، ضاجات باصواتهن الجميلة الحبيبة الى القلوب وضحكاتهن ذات الموسيقى الانثوية المثيرة، وقفن حول الرئيس، ثم سألهن : اسمعن يا حلوات، هذا الصياد ضاحك ام متجهم ؟ فقلن جميعا، انه يضحك يا حبيبنا ، وضحكن جميعا، ألتفت الرئيس الى الاستاذ صاحب الفكرة وقال لهم : "هذا الاستاذ اعدموه فورا ما اريد اشوفه" ، فذعر الاستاذ وتوسل وقبل قدمي الرئيس واستنجد ، فقال له : قبل ان يعدموني، أطلب من سيادتكم أن تحضر زوجتك لترى معك الصورة" ، وبالرغم من أن الاقتراح فيه غصة على قلب الرئيس، لكنه أستجاب له، فتوقف الزمن قليلا ، وارسل على الزوجة فدخلت بجلاجلها وعربدتها وشعرها الاشعث واصباغ وجهها الملونة ، وقفت بجانب زوجها فنظر الرئيس الى اللوحة ، فضحك وفرح مثل الاطفال ، الآن هو يرى الصياد ضاحكا .. أمسك الرئيس بيد زوجته، وخرجا من القاعة، تتبعه النساء المحظيات وبعدهن رجال الحماية، ثم الوزراء وهم يغنون للرئيس بصوت جماعي هادر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى