في اليومين الأول و الثاني، يدخل (هنّاوي ) باب العمل متهيّبا.
وإذ يعتاد المعترك ــ من أصغر باب ــ يألف مسؤوليته، فيؤنسه إحساسه بأنه رجل .
يحس بأن أباه يبعث في جسده الصغير. و يرضى بموقعه ، كمعيل لأمه و أخويه.
لكنه ، بدلا من بيع مفردات السكاير، يسعده أن يحظى بعربة يدوية . وقتذاك، سيعود معه رغيف الخبز منقاداً. وإذ يضج فناء الدار ، بصرير عجلاتها المعدنية ، مكللة بتاج من الدقيق الأبلج، فأن الابتسامة تحل على البيت ضيفا طال غيابه. وتحط في فناء رحب.. وكان لرحيل مقتنيات البيت فضلا، حين هاجرت كأسراب البط البري فحظيت العربة بمساحة واسعة لا يعترضها عارض مهما أسرع الأطفال بدفعها بأقصى سرعتها .
في اليوم الثالث ، جرى خلف عربته : نحو حشود المتبضِّعين. كانت المنافسة أشد.
و تدافع مع أقرانه بالمناكب . واكتشف ــ حينها ــ سياطا من الضرب و السباب.
في اليومين الماضيين ، لم يحدث له ذلك . وعند إياب صرير العجلات ،هبّت العائلة لملاقاته.
حينها كانت جبهته متورمة، وعيناه مخضلّتان. اختلطت دموعه برشح أنفه. و اختلط هذا كلّه بلقمته.
كانت صرّة النقود ، لم تزل ، تتدلّى من ياقة ثوبه الممزق.
راقبت أمه شروده بأسى ، لكن وجهَهَا توشّح بضلال ابتسامةٍ مواسية . ابتسامة مسحت عتمة الخيبة و الوحدة .
الوقت مبكّر و الليل يدنو بهدوئه. ملقياً فوقه بشاله المخملي . جسده المتعب يئن، من تعب النهار و العراك . و الكدمة تؤلمه و تضايقه.
مدد ساقيه و اكتنفه الشرود ، و أثقل جفنيه الكرى و استسلم ..
لاحت له الكدمة تنتفخ . و عبثا حاول محاصرتها . لم يعد بمقدوره أن يحد من نموّها . أمعنت حتى لم تعد تتناسب مع ضيق جبهته .
تضخمت ثم انفجرت ماءا متدفقا . و انغمرت المدينة و اجتاحها سيل عارم .
باستماتة تشبّث ( هنّاوي ) بالعربة الصغيرة و تدحرج وسط الفيض . فقط كانت سيّارات الشحن ، و الرافعات العملاقة ،تتحدّى الاجتياح و تمضي باتجاهه المعاكس.
كانت العربات التي تجرها الخيول،بالكاد تصمد في مواجهة السيـــــــــــــــــــــــــــل .
انغمر فم ( هنّاوي ) بالماء المر ، وكذلك أُذناه ، إلاّ أنه يسمع الضجيج، المنبعث من آلات الرفع ، وسيارات الشحن الضخمة .
ثمة عويل .. و صراخ . وصهيل الخيول المعذبة من صعوبة المقاومة.و ارتطام الكتل الحديدية و الصناديق الخشبية الهائلة.وشجار مستمر.و سباب و استغاثات.ثم هدير كل شيء يتصافع واحد بآخر.
يتداخل ، في اشتباك، في اندماج بحيث يصعب عليه أن يفرز شيئا من هذا الالتحام الغريب. بل لم يعد نحيبه مسموعا .
بالكاد حاول ( هنّاوي ) ، عبر صوته الأبحّ المسحوق، أن يستغيث.
حطّم ضرس رافعة واجهة العربة .لكن ( هنّاوي ) تشبث بها مستميتا . بات شبه عارٍ. و أيقن أن نقوده قد انجرفت مع أوصال ثوبه. ثم .. استقرّا على راحة لسان رافعة و ارتفعا وسط الصرير . و عوضا من أن تعلو استغاثته، إنهدّ بوله .
لكنه ــ و هو يتدلّى من فوق المدينة الغريقة ــ استمر متشبثا ،ثم انقذف بعيدا.
حين استيقظ ، مرر يده المعروقة على جبهته . واستغرب .. أن الكدمة لما تزل صغيرة. ولم يكن هناك انفجار .. سوى .. حبيبات من عرق متفصد. ووشالة بول تحت قفاه .
وإذ يعتاد المعترك ــ من أصغر باب ــ يألف مسؤوليته، فيؤنسه إحساسه بأنه رجل .
يحس بأن أباه يبعث في جسده الصغير. و يرضى بموقعه ، كمعيل لأمه و أخويه.
لكنه ، بدلا من بيع مفردات السكاير، يسعده أن يحظى بعربة يدوية . وقتذاك، سيعود معه رغيف الخبز منقاداً. وإذ يضج فناء الدار ، بصرير عجلاتها المعدنية ، مكللة بتاج من الدقيق الأبلج، فأن الابتسامة تحل على البيت ضيفا طال غيابه. وتحط في فناء رحب.. وكان لرحيل مقتنيات البيت فضلا، حين هاجرت كأسراب البط البري فحظيت العربة بمساحة واسعة لا يعترضها عارض مهما أسرع الأطفال بدفعها بأقصى سرعتها .
في اليوم الثالث ، جرى خلف عربته : نحو حشود المتبضِّعين. كانت المنافسة أشد.
و تدافع مع أقرانه بالمناكب . واكتشف ــ حينها ــ سياطا من الضرب و السباب.
في اليومين الماضيين ، لم يحدث له ذلك . وعند إياب صرير العجلات ،هبّت العائلة لملاقاته.
حينها كانت جبهته متورمة، وعيناه مخضلّتان. اختلطت دموعه برشح أنفه. و اختلط هذا كلّه بلقمته.
كانت صرّة النقود ، لم تزل ، تتدلّى من ياقة ثوبه الممزق.
راقبت أمه شروده بأسى ، لكن وجهَهَا توشّح بضلال ابتسامةٍ مواسية . ابتسامة مسحت عتمة الخيبة و الوحدة .
الوقت مبكّر و الليل يدنو بهدوئه. ملقياً فوقه بشاله المخملي . جسده المتعب يئن، من تعب النهار و العراك . و الكدمة تؤلمه و تضايقه.
مدد ساقيه و اكتنفه الشرود ، و أثقل جفنيه الكرى و استسلم ..
لاحت له الكدمة تنتفخ . و عبثا حاول محاصرتها . لم يعد بمقدوره أن يحد من نموّها . أمعنت حتى لم تعد تتناسب مع ضيق جبهته .
تضخمت ثم انفجرت ماءا متدفقا . و انغمرت المدينة و اجتاحها سيل عارم .
باستماتة تشبّث ( هنّاوي ) بالعربة الصغيرة و تدحرج وسط الفيض . فقط كانت سيّارات الشحن ، و الرافعات العملاقة ،تتحدّى الاجتياح و تمضي باتجاهه المعاكس.
كانت العربات التي تجرها الخيول،بالكاد تصمد في مواجهة السيـــــــــــــــــــــــــــل .
انغمر فم ( هنّاوي ) بالماء المر ، وكذلك أُذناه ، إلاّ أنه يسمع الضجيج، المنبعث من آلات الرفع ، وسيارات الشحن الضخمة .
ثمة عويل .. و صراخ . وصهيل الخيول المعذبة من صعوبة المقاومة.و ارتطام الكتل الحديدية و الصناديق الخشبية الهائلة.وشجار مستمر.و سباب و استغاثات.ثم هدير كل شيء يتصافع واحد بآخر.
يتداخل ، في اشتباك، في اندماج بحيث يصعب عليه أن يفرز شيئا من هذا الالتحام الغريب. بل لم يعد نحيبه مسموعا .
بالكاد حاول ( هنّاوي ) ، عبر صوته الأبحّ المسحوق، أن يستغيث.
حطّم ضرس رافعة واجهة العربة .لكن ( هنّاوي ) تشبث بها مستميتا . بات شبه عارٍ. و أيقن أن نقوده قد انجرفت مع أوصال ثوبه. ثم .. استقرّا على راحة لسان رافعة و ارتفعا وسط الصرير . و عوضا من أن تعلو استغاثته، إنهدّ بوله .
لكنه ــ و هو يتدلّى من فوق المدينة الغريقة ــ استمر متشبثا ،ثم انقذف بعيدا.
حين استيقظ ، مرر يده المعروقة على جبهته . واستغرب .. أن الكدمة لما تزل صغيرة. ولم يكن هناك انفجار .. سوى .. حبيبات من عرق متفصد. ووشالة بول تحت قفاه .