المستشار بهاء المري - إشكالية تفتيش الهاتف المحمول.. في حال القبض على صاحبه

- أساس المشكلة:
أرست المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية – وكذلك أحكام النقض المضطردة - قاعدة قانونية مؤداها (أنه إذا جاز القبض، جاز التفتيش القضائي، أي ليس الوقائي فحسب). فهل طبقا لهذه القاعدة يجوز تفتيش الهاتف المحمول للشخص المقبوض عليه نفاذا لأمر قضائي أو لحكم واجب التنفيذ، أو لحكم غيابي صادر في جناية وهو من الأحكام واجبة التنفيذ.
فقد نصت المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "في الأحوال التي يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه.
وإذا كان المتهم أنثى، وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى يندبها لذلك مأمور الضبط القضائي".
ونصت المادة 34 إجراءات جنائية على أنه: "لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو بالجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه".
ومن ثم فإن الجريمة إذا كانت متلبسا بها جاز لمأمور الضبط القضائي تفتيش المتهم تفتيشا قضائيا وليس وقائيا، أي البحث في كل متعلقاته وفض ما يرى فضه منها حتى لو كانت حافظة نقوده أو لفافة ورقية صغير ولو كانت الجريمة المتلبس بها إحراز سلاح ناري.
وكذلك الحال إذا صدر أمر من النيابة العامة بضبط وإحضار شخص بمناسبة تحقيق قضائي كان متهما فيه بارتكاب جريمة، أو كان القبض تنفيذا لحكم قضائي واجب التنفيذ.
إن المدقق في أحكام محكمة النقض، يجد أنها لم تشترط في هذا التفتيش الذي يستند إلى المادة 46 إجراءات جنائية وجود صلة بين الجريمة المرتكبة أو المتلبس بها وبين التفتيش، أو حتى في جريمة لا تقتضي البحث عن دليل كما لو كان قد صدر أمر بضبط وإحضار متهم في جريمة سب أو قذف.
ولما كان التليفون المحمول من أغراض المقبوض عليه شأنه، شأن حافظة نقوده أو حقيبة يحملها، فإنه أخذا بهذه القاعدة يجوز تفتيشه حتى ولو لم يكن التليفون قد استخدم في ارتكاب الجريمة.
واستخدام تعبير "الهاتف المحمول" دالا في أغلب الحالات على أغلب صور الأجهزة المحمولة، ومن أمثلة هذه الأجهزة الهاتف المحمول، والهاتف المزود بكاميرا، وأجهزة الكومبيوتر المكتبي أو اللوحي، وأجهزة التليفزيون الذكية، والكاميرات الذكية، وأجهزة الراديو، والألعاب الإلكترونية، والأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء مثل النظارات والساعات والأساور الرقمية، والسماعات الملحقة بالهواف وغيرها من الأجهزة، سواء كانت هذه السماعات لاسلكية أم سلكية، ومن ناحية ثانية فإن أغلب الأجهزة الرقمية المحمولة تتضمن وسيلة من وسائل الاتصال، فأجهزة الكومبيوتر اللوحي يمكن أن تتضمن شريحة للهاتف المحمول أو شريحة للبيانات، أو إمكانية الاتصال بالإنترنت وإجراء محادثات هاتفية من خلال برامج التواصل الاجتماعي، ولذلك فإن تعبير "الهاتف المحمول" يصدق عليها كذلك.
وقد جرى العمل القضائي على تفتيش مأموري الضبط القضائي للهواتف النقالة للمتهمين المقبوض عليهم لا سيما في جرائم إحراز المخدرات، والتحفظ عليها وتحريزها على ذمة القضية، كما أن عضو النيابة المحقق غالبا ما يَفض حرز التليفون ويطلع على ما فيه بغرض الوقوف على آخر اتصالاته وتوقيتها؛ إذا ما كان مأمور الضبط القضائي قد أثبت في محضره أن المتهم يتصل من خلال تليفونه بزبائنه من متعاطي المخدرات.
وقد استقر قضاء النقض على "صحة التفتيش مادام القبض صحيحا أيا كان سببه أو الغرض منه، وأن مخالفة ذلك خطأ في القانون. فقضت بأنه: لما كان قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة في المادة 46 منه على أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه، اعتبارا بأنه كلما كان القبض صحيحا كان التفتيش الذي يجريه من خُوِّل إجراؤه على المقبوض عليه صحيحا أيا كان سبب القبض أو الغرض منه/ وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص، ولما كانت المحكمة قد جانبت هذه الوجوه من النظر، فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون. "الطعن رقم 12862 لسنة 63 جلسة 14 / 5 / 2001 س 52 صـ"489.
حتى أن محكمة النقض أجازت تفتيش متهم مقبوض عليه بمناسبة سرقة سيارة وتم ضبطها، وقد أسفر التفتيش عن إحراز هذا المتهم - سارق السيارة - مستندات مزورة.
ونُعى على الحكم المطعون فيه - الذي أقر بصحة تفتيشه - أنه إذ دانه بجريمتي تزوير محررين رسميين وتقليد خاتمين لجهتين رسميتين، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه عَول ضمن ما عول عليه في قضائه ذاك، على الدليل المستمد من تفتيشه، وهو تفتيش باطل لعدم صدور إذن من النيابة العامة به ولعدم الجدوى من إجرائه في جريمة سرقة السيارة بعد ضبطها، واعترافه بمحضر الضبط بسرقتها وسبق معرفة رئيس المباحث له، والتفت الحكم عن دفعه ببطلان القبض.
وكانت محكمة الموضوع قد عرضت للدفع ببطلان التفتيش بقولها: "أنه عن الدفع ببطلان القبض وما تلاه من إجراءات، فإن الثابت أن المتهم كان مطلوبا ضبطه بمناسبة اتهامه بسرقة سيارة في المحضر رقم 99 سنة 2 أحوال القسم سنة 1983، وأنه يحق لمأمور الضبط القضائي إجراء تفتيش وقائي للمتهم عند ضبطه، ويكون تفتيشه سليما وصحيحا، ومن ثم يتعين اطراح هذا الدفع".
وردَّت محكمة النقض - رافضة طعن المتهم – بقولها: لما كان الطاعن لا يماري في أنه عند تفتيشه كان مطلوبا ضبطه بمناسبة اتهامه في جريمة سرقة، فإن الحكم إذ انتهى الى رفض الدفع، يكون قد اقترن بالصواب، ويكون منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد، على غير سند، ذلك أن من حق مأمور الضبط الذي قام بضبط الطاعن، أن يجري تفتيشه، بمقتضي المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تجيز لمأمور الضبط القضائي في الأحوال التي يجوز فيها القبض قانونا على المتهم، أن يفتشه، هذا إلى أن التفتيش في صورة الدعوى - على السياق الذي أوردته المحكمة في معرض ردها على الدفع ببطلان التفتيش - أمر لازم تستوجبه وسائل التوقي والتحوط من شر المقبوض عليه، إذا ما سولت له نفسه التماسا للفرار أن يعتدي على من أجرى ضبطه، بما عساه قد يكون محرزا له من سلاح أو نحوه. "راجع الطعن رقم 5506 لسنة 55 جلسة 29 / 1 / 1986 س 37 صـ 163".
وفي حكم آخر لم تكن ظروف الدعوى تتطلب تفتيش المتهم؛ ومع ذلك فقد أقرت ذات المبدأ، وذلك في جريمة زنا قضت فيها محكمة الموضوع ببراءة المتهمة وشريكها على سند من عدم حصول الوطء وبطلان تفتيش الشريك الذي أسفر عن ضبط عوازل طبية ومناديل عليها آثار منوية، فطعن المدعي بالحق المدني، فألغت محكمة النقض الحكم وأقرت صحة التفتيش. قائلة: أن حكم محكمة أول دراجة قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، إذ الثابت من المضبوطات وقوعه مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وأضافت: بأنه لما كان من المقرر أن المادة 276 من قانون العقوبات وإن نصت على أن التلبس بفعل الزنا كدليل من أدلة الإثبات على المتهم بالزنا مع المرأة المتزوجة إلا أنه لا يشترط في التلبس بهذه الجريمة أن يكون المتهم قد شوهد حال ارتكابه الزنا بالفعل بل يكفي أن يكون قد شوهد في ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك في أن جريمة الزنا قد وقعت فعلاً، كما أنه من المقرر أن إثبات زنا المرأة يصح بطرق الإثبات كافة وفقاً للقواعد العامة. وكان قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة في المادة 46 منه على أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه اعتباراً بأنه كلما كان القبض صحيحاً كان التفتيش الذي يجريه من خول إجراؤه على المقبوض عليه صحيحاً أياً كان سبب القبض أو الغرض منه وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص، ولما كانت المحكمة قد جانبت هذه الوجوه من النظر فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون. "راجع الطعن رقم 12862 لسنة 63 جلسة 14 / 5 / 2001 س 52 صـ 489".
وفي واقعة أخرى تعدى فيها سائق سيارة على مأمور ضبط قضائي فألقى القبض عليه وقام بتفتيشه وتفتيش سيارته فعثر معه على نبات حشيش (بانجو) أقرت محكمة النقض صحة هذا التفتيش.
وكان مما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة حيازة نبات الحشيش المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن المدافع عنه دفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس إلا أن الحكم أطرح هذا الدفع بما لا يسوغ به إطراحه.
فقالت محكمة النقض: لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "أنه حال تواجد النقيب ... الضابط بالإدارة العامة لمباحث القاهرة بالكمين الثابت بشبرا، ولدى استيقاف السيارة الأجرة التي تحمل لوحات معدنية رقم ... أجرة القاهرة قيادة المتهم الأول .... والذي تظاهر بالامتثال للأمر الصادر له بالوقوف ثم استمر في السير بسيارته محاولاً الفرار، إلا أن القوة المرافقة له قامت بغلق الطريق أمامه باستخدام المتاريس الحديدية فتوقف على الفور، وبطلب تراخيص السيارة طلب الخروج من السيارة لوجودها بالجيب الخلفي لبنطاله، ثم دفع الضابط وحاول الفرار مرة أخرى، إلا أن الضابط تمكن من السيطرة عليه وتبين عدم حمله لتراخيص السيارة، وأثناء ذلك شاهد الضابط حقيبة سوداء بالمقعد الخلفي للسيارة، فطلب منه فتحها حيث وجد بداخلها ست لفافات كبيرة الحجم ملفوفة بورق لاصق بني اللون، وبفتحها تبين أن بداخل كل منها نبات الحشيش المخدر، وبمواجهته أقر بحيازته تلك الكمية والتي وزنت عشرة كيلو جرامات وسبعمائة وخمسون جراماً في غير الأحوال المصرح بها قانوناً" وكان ما أورده الحكم - فيما تقدم - تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان البين من واقعة الدعوى - على النحو المار بيانه - أن الإجراءات التي اتخذها ضابط الواقعة قبل الطاعن من استيقاف وما تلاه من قبض وتفتيش للحقيبة قد تمت وفق صحيح القانون، لما هو مقرر من أن القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما تنصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون ما دامت هي في حيازة أصحابها، أما السيارات المعدة للإيجار - كالسيارة التي كان يقودها الطاعن - فإن من حق مأموري الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها في الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور، وكان من المقرر كذلك أن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة في سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف، وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراً في موضع الريب والظن على نحو ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري وللكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه، كما أن حالة التلبس على ما يبين من نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وأن حالة التلبس بالجنح بصفة عامة إذا كان القانون يعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر تبيح لمأمور الضبط القضائي - طبقاً للمادتين 34، 46 من قانون الإجراءات الجنائية - أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وأن يفتشه، وتقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحت التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع - وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها. لما كان ذلك، وكان ما قام به ضابط الواقعة من طلبه إيقاف السيارة الأجرة التي كان يقودها الطاعن بعد استيقاف مشروع للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور ثم إن الطاعن وضع نفسه موضع الريبة مرة أخرى إثر محاولة للهرب بالسيارة عند مشاهدته لكمين الشرطة، فإن ما انتاب ضابط الواقعة من ريب وظن بشأن تصرف الطاعن تبيح له استيقافه للمرة الثانية ومنعه من السير بالسيارة قيادته للتحري والكشف عن حقيقة هذا الوضع، وبعد أن توافرت مبررات الاستيقاف ارتكب الطاعن جنحة التعدي على أحد رجال الضبط أثناء تأدية وظيفته وبسببها وذلك عندما دفع ضابط الواقعة محاولاً الفرار بعد نزوله من السيارة بحجة إخراج تراخيص السيارة من جيب بنطاله الخلفي كما حصلها الحكم سلفاً وهي الجنحة المنصوص عليها في المادة 136 من قانون العقوبات ورصد لها القانون عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة التي لا تتجاوز مائتي جنيه وهي جريمة في حالة تلبس، وأن تلك الحالة تبيح لضابط الواقعة القبض على الطاعن وتفتيشه وتفتيش السيارة قيادته - سواء كانت مملوكة أو مؤجرة له - لأن حرمتها مستمدة من اتصالها بشخص حائزها، ومن ثم فإن النعي ببطلان القبض والتفتيش لعدم توافر حالة التلبس يكون في غير محله، ولا يغير من ذلك ما تردى فيه الحكم المطعون فيه من تقرير قانوني خاطئ حين اعتبر جريمة عدم حمل رخصة تسيير للسيارة من الجرائم التي تبيح القبض على الطاعن ما دامت الواقعة كما حصلها الحكم تنطوي على جريمة أخرى متلبس بها وقعت قبل القبض المدعي ببطلانه، وتبيح إجراء هذا القبض. "راجع الطعن رقم 26364 لسنة 72 جلسة 24 / 12 / 2007".
الخلاصة: فإنه أخذا بهذه النصوص والمبادئ يكون تفتيش التليفون المحمول الخاص بالمتهم المقبوض عليه بسبب قانوني إجراء مشروعا، ويكون الدليل المستمد من هذا التفتيش دليلا صحيحا يجوز للقاضي الأخذ به.
بيد أن بعض الفقه له رأي آخر، فيرى أنه يُستخلص من الاتجاه المستقر للقضاء المصري أنه لم يتطلب توافر صلة ما بين التفتيش وبين الجريمة التي تحقق القبض فيها، فلا يشترط أن يكون غرض التفتيش هو ضبط الأدلة في هذه الجريمة، فمجرد القبض الصحيح يجيز في نظر القضاء التفتيش أيا كان موضوعه أو نطاقه أو غرضه، وأن تطبيق القواعد سالفة الذكر يؤدي إلى اتساع نطاق التفتيش وامتداده إلى الهاتف المحمول لمجرد ارتكاب جريمة مرورية يجوز القبض فيها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى