رشا الفوال - من فتنة النَص إلى التأثير في المتلقي

يقول " أفلاطون": " على المرء لكي يكون قادرًا علىَّ الخطابة أن يعرف ما للنفوس من أنواع"، ويقول تلميذه " أرسطو": أن " هناك علاقة بين الموضوع والكاتب والجمهور؛ فلكل جمهور حالته الخاصة على حسب الموضوع وعلى حسب حالة الكاتب"، المعيار النفسي هُنا له جانبان: الأول يتعلق بشخصية المبدع، الذي يراه "فرويد" إنسانًا عصابيًا يقى نفسه من الإنهيار عن طريق التسامي، وبهذا التسامي يكتسب الأدب شرعية اجتماعية، والثاني يتعلق بعواطف وانفعالات المتلقي، وهو الجانب الذي يتفق مع رأى" يونج" الذي اعتبر النَص الأدبي كاشفًا لمنطقة اللاوعى ومكبوتات الإنسان، يعني ذلك أن الكتابة الأدبية تعتمد على خبرات الكاتب وتاريخه وتأثره بالجماعة السيكولوجية، تلك الخبرات والموروثات أطلق عليها(النماذج العليا الموروثة في الأذهان)، يتفق ذلك أيضًا مع رأى " آدلر" الذي اعتبر دلائل النَص تُفصح عن صاحبه وتدل على طبعه وميوله ومفاتيح شخصيته، الإبداع يرتكز إذن على ما اختزنه المبدع في اللاوعى، وليس للعقل الواعي سيطرة عليه إلا عند ( الإستدعاء)، فيبدأ المبدع في تنظيمه وتنسيقه، نحن هُنا أمام فكرة ( التضمين) التي يستخلص منها المتلقي(إسقاطًا ما) في العمل الإبداعي، و" فكرة التضمين ماهى إلا وسيلة تعبيرية ذات علاقة بجانبين: أولهما هو الجانب اللغوي حيث استخدام اللغة والعبارات القادرة على إيصال المعنىَّ المستهدف والفكرة المعنية إلى المتلقي من أكثر الطرق تأثيرًا فيه، وثانيهما متعلق بالجانب النفسي لهذة اللغة"(1)، وفي ذلك يقول" جاك لاكان" الذي كان ضد الإتجاه الفردي في دراسة الأدب "أن اللغة شرط أساسي للوعى الذاتي، وأن الإنسان بحاجة إلى وسيط بينه وبين الاشياء، وبينه وبين العالم، وبينه وبين ذاته، وكل ذلك يتم عبر اللغة"، وهو الأمر الذي يتفق أيضًا مع قول"سارتر" عن أن الأثر المكتوب يعد واقعًا اجتماعيًا، ولابد للكاتب أن يكون مقتنعًا به، وأن يكون شاعرًا بمدىَّ مسؤوليته عن الحرية ومصائر المجتمعات، أى أن العلاقة بين المبدع وبيئته وجمهوره في غاية الأهمية؛ إذ لايكتمل إدراك الفن إلا من خلال الآخرين، فالمبدع"يعتمد على المجتمع ويأخذ طابعه وإيقاعه"(2)؛ ذلك أن تفضيل الكاتب لأن يكتب قصة أو رواية أو شِعر أو مسرحية قد يكون معبرًا عن أسلوبه المعرفي في الحصول على المعلومات من العالم وكيفية إدراكه لها، ومن ثم قيامه بتحويلها داخليًا، وإعادة إنتاجها في عمل فني خاص، وتعتبر هذة الترابطات المدخل الذي يلج منه الكاتب إلى عوالم الخيال، إلا أن شكل الصور العقلية ومحتواها يعتمد كما قلنا سابقًا على الخبرات الحياتية التي مر بها المبدع وميوله واهتماماته، الصور العقلية هُنا تُعد مصدرًا من مصادر الإلهام، يقوم الكاتب بتعديلها واختيار مايحقق منها استبصارات ومعرفة أكبر لدىَّ المتلقي، إلا أن التعامل مع ضغوط العمل الإبداعي يحتاج إلى كفاءة نفسية؛ فكل مبدع لابد أن يدفع ثمنًا بسبب مايتطلبه العمل الإبداعي من تحديات ومنافسه، وعزلة ومثابرة طويلة المدىَّ، فالإبداع في حد ذاته لايجلب الراحة(3)؛ فقد يواجه الكاتب الرفض الإجتماعي وصراع الأدوار الذي يحدث عندما يوجد فرق واضح بين ما يتوقعه المتلقي من المبدع، ومايتوقعه المبدع من نفسه، هنا تتجلىَّ أهمية مهارات الحسم وتأكيد الذات بحيث لايصبح الكاتب ضحية لحماقات الجمهور، فهناك علاقة قوية بين اعتماد الكاتب على تقدير الآخرين والقلق كاستجابة تبادلية، فكلما استجاب المتلقي للمضمون الخفي المتنكر في الإبداع الأدبي، كلما تحرر الكاتب لاشعوريًا وعبر عن تجليات وإشباعات رمزية لرغباته عبر النواتج الإبداعية

الهوامش:
*********
1_ حسن المودن(2019)، " الأدب والتحليل النفسي"، منشورات كتاب الدوحة الأدبي
2_ فاطمة الزهراء عبد الغفار(2008)، "الإسقاط النفسي والسياسي في كتاب البخلاء للجاحظ"، مجلة فكر وإبداع، رابطة الأدب الحديث، مج 47
3_ شاكر عبد الحميد(1987)، "العملية الإبداعية في فن التصوير"، سلسلة عالم المعرفة، الكويت
4_ عبد الستار ابراهيم(2002)، "الحكمة الضائعة:الإبداع والاضطراب النفسي والمجتمع"، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع280


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى