كل شيء يمضي الى زوال بلعبة عبثية مكشوفة ، حتى ذلك الطريق الذي اعتاد اجتيازه بسيارته الفارهة ، رواحاً ومجيئاً ، بين بيته ومؤسسته المهمة التي يديرها .
كلما جلس الى مكتبه ، ماداً قدميه على مقربة من سلة المهملات يرتفع أنين مزدوج يصطدم بسجادة غرفته الفخمة دون أن يعرف مصدره ، فقد انشغل ، دوماً ، برأسه الذي يخطط لعمله المؤسسي .
ـ يكرس كل إهتمامه برأسه .
تقول إحدى قدميه للأخرى التي ترد :
ـ ولايعير لأنيننا إهتماماً .. لمَ لا وهو لايُترَك مثلنا قرب هذه القمامة يومياً ؟!!
ـ ألا يكفي أنه يحشرنا في حذاء بينما يتمتع رأسه بظلال قبعة أنيقة .
ـ حريّ به أن يجلسنا في القبعة ، ويرمي فردتي حذائه فوق رأسه . هذا أقل مايستحق .. ليس صحيحاً أننا لانوازي رأسه عبقريةً .
ـ عبقرية رأسه تحجبها تلك القبعة التي لايخلعها مطلقاً .
تقرر القدمان الإطاحة برأسه .. هما ذكيتان اكتسبتا عقلاً بالعدوى من عشرات المقترحات المرفوضة والملقاة في سلة المهملات .
تتسمر عقارب الساعة عند موعد انتهاء الدوام . يغادر الرجل مكتبه حاملاً حقيبته الجلدية السوداء المتخمة بقرارات و .. إخفاقات شتى ، وكلها سرية .
يبدأ بنزول السلم المؤدي الى خارج المبنى . تقوم قدماه بحركة خبيثة تفقده توازنه ، فيتدحرج الى أسفل السلم حيث يسقط على رأسه . تتزحلق الحقيبة من يده الى خارج المؤسسة ، وتتطاير منها الأوراق السرية . يلتقطها صغار ، ليصنعوا منها طائرات ورقية . تنظر القدمان من فوق الى الرأس باشمئزاز واحتقار . تتحرران من فردتي الحذاء الضيقتين ، وتشتركان باحتلال القبعة .
لقد بدأت تواً مسرحية تبادل الأدوار .
*****
هذه القصة القصيرة من مجموعتي القصصية (نحو الحلم) الصادرة في عام 1999