ثروت الهادي - في انتظار الفرج.. قصة قصيرة

انها ساعة الذروة ، تقترب الاجساد من بعضها البعض حد الالتصاق ، يترافسون في تناغم شديد غير مبالين بتوجيهات التباعد الاجتماعي رامين بانفسهم الى جحيم العدوى، كل يتوق للالتحاق بركب المغادرين للخروج من زحام السوق والهروب من شبح المواصلات، يظهر عليهم التعب جلياََ تكاد الشمس تحرق ما تبقى من سمرة بشرتهم.
تأتي حاجة بتول لتلحق بالركب ولكن في هدوء تام تجلس بالقرب من الوحوش المتصارعة ، فهي صاحبة باع طويل مع ازدحام المواصلات كيف لا وهي التي أفنت عمرها ما بين الخدمة في المكاتب وبيع الشاي في أزقة السوق العربي، تكاد خريطة السوق ترتسم على ملامحها الفاترة المنهكة من ويلات الزمن، تقترب الحافلة وتبدأ مبارزة الوحوش جلية ففي هذه اللحظة لا فرق بين ذكر وأنثى، فحتى النسوة يرمين بأطفالهن الى نوافذ الحافلة لكسب مقعد دون المخاطرة في السباق، ما من خاسر في هذا السباق سوى الفتيات اللائي يخسرن طنا من المكياج الرخيص الذي يذوب على وجوههن من اثر الحر، عكس اللائي يتبرجن ويسترخين على مقاعد السيارات ويشعرن بالبرد من المكيف.
يظهر الفتور على البعض ويبدو السخط على البعض وتبدأ المحادثات الجانبية عن الحكومة وعن فترة الحكم السابق وتبرز مسامع حاجة بتول من الذي يمدح خناقه ومن الذي يمجد حكامه ومن الذي يتهم الحكام بسرقة الثورة دون ان تشارك ، فهي حالها حال الطالب القابع في الصف الاخير من احدى الفصول التي تحوي بداخلها عشرات الطلاب حاملة فوق طاقتها مهدية إياهم كل شيء عدا التعليم.
ترمق بنظراتها الفاترة بعض الصبية المغيبين من اثر (السيلس) مترقبين لحظة وصول الحافلة ليحظو ببعض المرح المحرم عليهم فهيئتهم لا تؤهلهم للوقف و مبارزة الوحوش واللحاق بالركب المغادر فحياتهم تقتصر على جمع القارورات الفارغة و توزيعها بالتساوي على بائعات الخمور البلدية ويلقون المقابل بقماشة دمورية مبتلة بشيء من ملمع الاحذية التي يلبسها السادة.
يضيق الوقت بالبعض فيقرر الدخول في مشروع تشاركي و استئجار امجاد تاخذهم بعيداََ عن جحيم الإنتظار لساعات تاركين خلفهم ارتالاَََ من الكادحين الذين اذا ما ركبو هايس اعتبروه شيئاََ من الرفاهية العالية، وتبقى حاجة بتول على جلستها الاولى في انتظار الفرج.

ثروت الهادي علي
5.سبتمبر 2020




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى