حسام نعمان - في الثلاثينَ منْ عمرِكَ..

في الثلاثينَ منْ عمرِكَ
وحيداً تصارعُ الوقتَ بعنفٍ
وتضعُ في جبينِ الأمسِ
اسمَكَ
وحيداً تقاتلُ الآتي
والأشباحُ الّتي همسَتْ ...نُحبّكَ
وحيداً تجرُّ ظلَّكَ منْ أرضِ المعاركِ
وتَبني في خيالِكَ بيتاً من كلامٍ
وحيداً يمرُّ على وجهِكَ
كلُّ الغبارِ الهاربِ من أرضِ القتالِ
وحيداً تقطفُ من ثدي السحابِ
ماءَ القصيدةِ
قبلَ اختلافِ النُّحاةِ في لغةِ العطشِ
وحيداً تهرولُ نحوَ السّماءِ
تكسرُ زمنَ اليقينِ
ثمَّ تهوي في ضياعِك
ترقصُ ثم ترقصُ
لتتجاوزَ بشكلٍ ملحميٍّ
هولَ الحزنِ في هذا المكانِ
أنتَ ...
أيّها الرجلُ المقامرُ
تلعبُ على وقتِ الرّصاصةِ.
والنّردُ في يمينِ اللهِ
يبحثُ عن سلامٍ
في الثلاثينَ من عمرِكَ
تتوزّعُ الأيّامُ على مساحةِ شاسعةٍ من الحزنِ
تنمو في قلبِكَ بعضُ المشانقِ
تشنقُ ماتريدُ ومن تريدُ
كأنْ تشنق صفعةَ الأستاذِ في المدرسةِ
أو تشنقُ كلَّ الأغاني الحماسيّةِ البليدةِ
وقد يكونُ منَ الجميلِ أن تشنقَ رسالتَكَ الّتي لم تصلْ
تفاهةَ حبِّكَ الأوّلِ
سخافةَ حبِّكَ الثّاني
حماقتَكَ وأنتَ تراقبُ حبّكَ الثّالثَ
ومنَ الجميلِ أنْ تشنقَ من ذكرياتِ الطّفولةِ
الحذاءَ المهترئَ
الثيابَ القديمةَ
الطابورَ على الفرنِ
حقيبة َالمدرسةِ الثقيلةَ
الجلسةَ الصحيّة َ
والألعابَ الّتي شاهدْتَها في منامِك
في الثلاثينَ من عمرِك
ينضج ُ فيك الكائنُ البشريّ
الّذي لايلبثُ أن يُصبحَ
على قلبِك طاغيةً
أنتَ في الثلاثينَ
تعاشرُ أحقرَ النّساءِ
امرأةً رماديّةً
طويلةً جداً
لها وجهٌ فظيعٌ
شكلُ حوضِها يوحي بالخصوبةِ
تحبلُ من الماضي
وتلدُ أيّامَكَ في كلِّ فجرٍ
امرأةً رماديةً تعيشُ على أحلامِكَ
وتشربُ من كلّ العيونِ الباكيةِ
امرأةً رماديّةً
لاتُكتبُ.. ولاتُفسّرُها المعاني
عاهرةً صنعْناها من تقديسِنا الموتَ
امرأةً من رمادٍ
رُغمَ ضجيجِها
لا تحبُّ الثرثرةَ
امرأةً رماديّةً
تتعدّدُ أسماؤُها على شكلِ الصّفةِ
... هي الحربُ
والحربُ مؤنثُها ..الثكالى
والحربُ مذكّرُها.. الدّمارُ
والحربُ امرأةٌ رماديّةٌ
لايناسبُها الوضوحُ
ولايغريها التموضعُ في صفِّ المجازِ
سوداءُ حينَ نسلبُها المبرّرُ
بيضاءُ حينَ نعطيها المعاني
والحربُ رومانسيّةُ العقائديين
سرياليّةُ الحالمينَ
والتجريدُ في كلِّ المقابرِ
وأنتَ في الثلاثينَ
لم يحالفْكَ الحظُّ لتخوضَ حربَكَ الخاصّةَ
تلوي ذراعَ بؤسِك بالحبِّ
تكتبُ بالدمِ
وبما يمتلكُ قلبَك من أسلحة ٍ
في الثلاثينَ
تعربشُ كلُّ الشفاهُ على جسدِك
ويحتكُّ جلدُك بأيّ امرأةٍ لاتحبّها ولاتحبّك
ولاتريدُ منك سوى الكذبَ الشهيَّ
تمرُّ على لسانِك
مثلَ اللّسعةِ في سجائرِك الرّديئةِ
وتكتفي أن تتركَ لك الذكرى
سعالاً...
في الثلاثينَ
أنت َوحيدٌ جدّاً
لاتبحثُ سوى عن روحِك الّتي تبدّدت
وأنتَ تحاول ُ التّغلبَ على الفوضى في هذا المكانِ

حسام نعمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى