وقف أمام المرآة ليمشط شعر رأسه الناعم المنسدل، وأخذ ينظر لانعكاس صورته بالمرآة، فبرزت على شفتيه ابتسامة رضا شديد عما حباه الله به من جمال. فهو دوماً، ذاك الشاب ذو الطلعة البهية، والجمال الأرستقراطي الذي يعود لحقبة الخمسينات. أقصى أحلامه، أن يحظى بأقصى قدر من الإعجاب، والتقدير من الجميع. وبالتأكيد، أن يجمع حوله أكبرقدر من المعجبات؛ فثراءه يؤهله أن يفعل ما يريد. وبالنظر لعلاقته بالآخرين، هو يفضلها سطحية؛ لأنه قد يستغنى عنهم، في أي لحظة يرغبها. الآخرين بالنسبة له، مجرد قطع شطرنج ذوي أدوار محددة، وهو الوحيد من يملك القدرة على تحريكهم، أو الاستغناء عنهم، وقتما شاء.
بهذه الأفكار التي يشحذ بها عقله ووجدانه، خرج من منزله، يفيض بالغرور والخيلاء. على الدرج، قابل إحدى جاراته المتزوجات، ورمقها بنظرة حانية، ثم تبادلا ابتسامة ذات مغزى، بعدها واصلت الجارة صعودها لمسكنها، وأما هو فأخذ يهبط الدرج بتثاقل، وهو يتذكر كل ما حدث بينهما، في ماضي لا يهم إن كان بعيد أو قريب؛ حيث أنه لا يأبه بتأريخ الأحداث، والمحطات الهامة في حياته، فالأهم هو تذكر أحلى الأوقات، وأمتع اللحظات.
خرج من باب العمارة، راضياً تماماً عن هندامه الأنيق، ومظهره، بوجه عام؛ وخاصةً بعد أن رمق انعكاس صورته في المرآة المثبتة في مدخل العمارة. فلقد خرج اليوم كالعادة ليحظى بمزيد من الإعجاب، وكذلك، لاقتناص صيد ثمين. وزاد من خيلاءه عندما ألقى التحية عليه الكثيرين ممن يقابلهم بصورة شبه يوميه، وكان يزيد من ثقته بنفسه، ما يمدحونه به من عبارات مجاملة لم يقاوموا فيها إخفاء إمارات إعجابهم الشديد بشخصه الكريم. بهذه الروح الجذلة انصرف عابراً بوابة النادي القريب من المنزل.
على الطرف الواقع خلف الطاولة التي جلس عليها، وقفت فتاتان شابتان بهيتان الطلعة، وإن دل مظهرهما على رقة الحال. رمقته إحداهما باشمئزاز واضح، وند من شفتاها: “الراجل العجوز ده إمتى هيحترم سنه! عايش في أحلام وردية، انتهت من أكثر من أربعين سنة. مش عارفة إزاي مش شايف شعره الأبيض، وملابسه القديمة، وفلوسه اللي ضاعت، وأصحابه اللي هجروه بسبب سوء أخلاقه، ووضعه المالي. أكتر ما بيثر اشمئزازي منه، إنه فاكر نفسه سيد الغلابة المطاع”.
لكن نهرتها صديقتها وهي تذكر إياها أنهما لن يحاولا رؤيته مجدداً بعد هذه المرة، فأهم شيء، هو اقتناص مبلغ جيد من نقود من ذاك العجوز المقزز بضحكة، وابتسامة؛ لتسديد جزء كبير من مديونية الإيجار الذي تراكم لعدة شهور، وإلا لسوف يتم طردهما من شقتهما المتواضعة. ثم ذكرتها بأنه غير مستحب أن تواتيها نوبات من تأنيب الضمير؛ فهو يستحق ذلك.
بهذه الأفكار التي يشحذ بها عقله ووجدانه، خرج من منزله، يفيض بالغرور والخيلاء. على الدرج، قابل إحدى جاراته المتزوجات، ورمقها بنظرة حانية، ثم تبادلا ابتسامة ذات مغزى، بعدها واصلت الجارة صعودها لمسكنها، وأما هو فأخذ يهبط الدرج بتثاقل، وهو يتذكر كل ما حدث بينهما، في ماضي لا يهم إن كان بعيد أو قريب؛ حيث أنه لا يأبه بتأريخ الأحداث، والمحطات الهامة في حياته، فالأهم هو تذكر أحلى الأوقات، وأمتع اللحظات.
خرج من باب العمارة، راضياً تماماً عن هندامه الأنيق، ومظهره، بوجه عام؛ وخاصةً بعد أن رمق انعكاس صورته في المرآة المثبتة في مدخل العمارة. فلقد خرج اليوم كالعادة ليحظى بمزيد من الإعجاب، وكذلك، لاقتناص صيد ثمين. وزاد من خيلاءه عندما ألقى التحية عليه الكثيرين ممن يقابلهم بصورة شبه يوميه، وكان يزيد من ثقته بنفسه، ما يمدحونه به من عبارات مجاملة لم يقاوموا فيها إخفاء إمارات إعجابهم الشديد بشخصه الكريم. بهذه الروح الجذلة انصرف عابراً بوابة النادي القريب من المنزل.
على الطرف الواقع خلف الطاولة التي جلس عليها، وقفت فتاتان شابتان بهيتان الطلعة، وإن دل مظهرهما على رقة الحال. رمقته إحداهما باشمئزاز واضح، وند من شفتاها: “الراجل العجوز ده إمتى هيحترم سنه! عايش في أحلام وردية، انتهت من أكثر من أربعين سنة. مش عارفة إزاي مش شايف شعره الأبيض، وملابسه القديمة، وفلوسه اللي ضاعت، وأصحابه اللي هجروه بسبب سوء أخلاقه، ووضعه المالي. أكتر ما بيثر اشمئزازي منه، إنه فاكر نفسه سيد الغلابة المطاع”.
لكن نهرتها صديقتها وهي تذكر إياها أنهما لن يحاولا رؤيته مجدداً بعد هذه المرة، فأهم شيء، هو اقتناص مبلغ جيد من نقود من ذاك العجوز المقزز بضحكة، وابتسامة؛ لتسديد جزء كبير من مديونية الإيجار الذي تراكم لعدة شهور، وإلا لسوف يتم طردهما من شقتهما المتواضعة. ثم ذكرتها بأنه غير مستحب أن تواتيها نوبات من تأنيب الضمير؛ فهو يستحق ذلك.