جميلة بلطي عطوي - بين يديك..

اليوم على غير عادة قرّرتُ أن أغيّر عادتي ، أن لا أستقلّ وسائل التّنقّل العاديّة وقلت في نفسي : ماذا يحدث لو ركبتُ سرعة الضّوء وعدّلت البوصلة نحو العالم الخارجي . قرار بدا مجنونا في البداية غير أنّي أعجبتُ باللّعبة . قلتُ في نفسي هل أستعير جناحي نسر أم جناحي نورس وأطير لكنّ صوتا بداخلي همس: حذار أن تكون نهايتك كنهاية عبّاس بن فرناس أو كنهاية الفراشة المولعة بالضّوء .
تردّدتُ قليلا غير أنّ الرّغبة كانت جامحة . أغمضتُ عينيّ لأفكّر وإذا بصوت يوشوش : تفضّلي سيّدتي المحفّة بين يديك ، امتطي الصّهوة الحالمة ، لا تخافي ثمّ استشرتْ حركة كدبيب النّمل تسري في جسدي تشتدّ رويدا حتّى أحسستُني ريشة أو أكاد . حاولتُ فتح عينيّ لكنّني لم أستطع . كنت تحت تأثير مخدّر غريب لا أنا نائمة كلّيا ولا صاحية فقط فكرة الطّيران كانت تتلبّس بذهني حدّ الجنون وما كان منّي إلّا أن استرخيتُ وأطلقتُ العنان لمخيّلتي وإذا بي أنتقل عبر الجبال والسّهول والبحار، وأزاحم الطّيور الكاسرة بل أتفوّق عليها.
فجأة حدثتْ رجّة عنيفة فوجدتني أعلو وأعلو لأتربّع بين النّجوم وأكتشف جمال الفضاء الخارجي . فضاء لا تدركه ظلمة ولا تطوله ريح أو صاعقة . هناك نزلتُ بل مشيتُ على بساط قُدّ من قوارير ليّنة كلّما حرّكت قدميّ تلوّنتْ وأضاءتْ.
ظللتُ أمشي لكنّ الطّريق لا نهاية لها فقط كانت بين الحين والآخر ترتفع أو تنخفض فأحسّ رجّة خفيفة ويعود دبيب النّمل إلى جسدي من جديد . لا أدري كمْ استغرقتْ هذه الرّحلة لكنّني استفقتُ على صوت المنبّه يعلن أنّ وقت العمل قد أزف.

تونس - 23 / 4 / 2019
جميلة بلطي عطوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى