جلست كعادتها تغزل الصوف بعد أن أدت صلاة المغرب… أتأملها.. نظرة قاسية.. وجه عبوس.. أعرف عن تجربة أنه قناع لقلب ناصع البياض…ترملها وهي في مرحلة الشباب ألغى كل أثر للأنوثة.. لا كحل .. لاحناء. ولا انشغال بملابس أو غيرها مما تتوق إليه النساء..
لا احد يكاد يحادثها من أهل بيتنا…تتخذ من غزل الصوف عملا يشغلها طول النهار.. ثم تأخذ الخيوط إلى الدرازين في المدينة القديمة . يبتاعونها منها أحيانا.. وأحيانا أخرى يعتذرون لكثرة العرض وقلة الطلب..
اقتربت منها عند عودتي من المدرسة حييتها .. لم ترد تحيتي.. واصلت العمل. عيناها لا تفارقان المغزل. سألتها:
_ كيف حالك جدتي..؟
لم تجبني نظرت إلي طويلا… خيل لحظة أني ألمح شبه ابتسامة على محياها الشاحب ..
عادت تمرر الخيط الأبيض بين اصابعها .
ابتسمت لها وقلت:
_لم لا تبتسمين يا جدتي؟
قالت:
_ومن أين للابتسام أن يعرف طريقه إلي.. يا ابنتي أنا حكاية الزمن.. عبرة للاخرين..
ركزت نظري عليها وهي تحول الخيوط الرقيقة إلى كرات متساوية الأحجام… تردد أذكارا بصوت خافت… ترمق باب المطبخ بين الحين والآخر .. حيث كانت والدتي تعد طعام العشاء..
أراها ترشق جدتي بنظرات شزراء من نافذة المطبخ… تهمهم بكلمات….
_أنت تتعبين عينيك يا مسكينة .. لن يشتري منك أحد هذه الخيوط..
أمي تومئ إلي أن أقوم من مكاني. ..فهمت أن لوقت قد حان لأنجز تماريني المدرسية.
أبي العائد من رحلة صيد فاشلة يرتاح في الغرفة المجاورة منتظرا الطعام. ليخلد إلى النوم باكرا.. غدا ينتظره يوم طويل يكدح فيه وراء مكتبه في مكتب البريد..
أتحاشى الاقتراب منه . اعرف أن قلة حظه هذا اليوم ستجعله سريع الغضب.. متصيدا اخطاءنا..
رشقني بنظرة نارية قبل ان يصرخ في وجهي…
_هل حفظت دروسك كلها.؟.
رددت عليه وانا ارتجف.:
_نعم يا ابي حفظت كل شيء..
تفرس في وجهي بعينين ملتهبتين. وقال متكئا على كل حرف..
_هل انت متاكدة؟
أومأت براسي اي نعم. ثم مرقت من الباب بسرعة.. عدت الى مجلسي قرب جدتي…
..تتابع ايماءات والدتي .. نظراتها تتوعدني اكثر..
مائدة العشاء جاهزة الآن.. جدتي غارقة في شرودها.. تجمدت يداها على المغزل.. لمحت دمعتين تسيلان على خديها دون أن تفعل شيئا لإيقافهما..
أنافي المطبخ .أوصالي ترتجف .. أتحاشى الاقتراب من مكان أبي . أمي تضع الأطباق والملاعق بعنف على المائدة… سمعتها تمتم:
_تبا للحياة إن كانت بهذا الشكل..
يجلس أبي أولا . يأمرنا جميعل بالبسملة قبل الشروع في الأكل.
يتخذ الجميع مجلسه المعتاد.. الصمت يملأ المكان… يلح أبي على النطق بالبسملة . نشرع في الأكل… تقف اللقمة في حلقي…
"لا أحد يتذكرك يا جدتي."…
لا أستطيع أن أبتلع شيئا..
أقوم من مكاني..
أسمع أبي يناديني..
_الي اين انت ذاهبة.؟
لم أجبه..قصدت غرفة جدتي.. كانت غارقة في الظلام.. ناديتها:
_لماذا يا جدتي لم توقدي المصباح.؟. لقد جن الليل منذ حين..
دخلت الغرفةالمظلمة . تراءى لي المغزل في مكانه.. جدتي نائمة…اقترب منها.. أناديها… لا تجيب.. أهز كتفها برفق… تميل على الحائط… لا تجيب.. نائمة اكيد.. الظلام والدموع يحجبانها عني . أناديها … استغرب كيف يمكن لأحد أن ينام.. بأعين مفتوحة…
لا احد يكاد يحادثها من أهل بيتنا…تتخذ من غزل الصوف عملا يشغلها طول النهار.. ثم تأخذ الخيوط إلى الدرازين في المدينة القديمة . يبتاعونها منها أحيانا.. وأحيانا أخرى يعتذرون لكثرة العرض وقلة الطلب..
اقتربت منها عند عودتي من المدرسة حييتها .. لم ترد تحيتي.. واصلت العمل. عيناها لا تفارقان المغزل. سألتها:
_ كيف حالك جدتي..؟
لم تجبني نظرت إلي طويلا… خيل لحظة أني ألمح شبه ابتسامة على محياها الشاحب ..
عادت تمرر الخيط الأبيض بين اصابعها .
ابتسمت لها وقلت:
_لم لا تبتسمين يا جدتي؟
قالت:
_ومن أين للابتسام أن يعرف طريقه إلي.. يا ابنتي أنا حكاية الزمن.. عبرة للاخرين..
ركزت نظري عليها وهي تحول الخيوط الرقيقة إلى كرات متساوية الأحجام… تردد أذكارا بصوت خافت… ترمق باب المطبخ بين الحين والآخر .. حيث كانت والدتي تعد طعام العشاء..
أراها ترشق جدتي بنظرات شزراء من نافذة المطبخ… تهمهم بكلمات….
_أنت تتعبين عينيك يا مسكينة .. لن يشتري منك أحد هذه الخيوط..
أمي تومئ إلي أن أقوم من مكاني. ..فهمت أن لوقت قد حان لأنجز تماريني المدرسية.
أبي العائد من رحلة صيد فاشلة يرتاح في الغرفة المجاورة منتظرا الطعام. ليخلد إلى النوم باكرا.. غدا ينتظره يوم طويل يكدح فيه وراء مكتبه في مكتب البريد..
أتحاشى الاقتراب منه . اعرف أن قلة حظه هذا اليوم ستجعله سريع الغضب.. متصيدا اخطاءنا..
رشقني بنظرة نارية قبل ان يصرخ في وجهي…
_هل حفظت دروسك كلها.؟.
رددت عليه وانا ارتجف.:
_نعم يا ابي حفظت كل شيء..
تفرس في وجهي بعينين ملتهبتين. وقال متكئا على كل حرف..
_هل انت متاكدة؟
أومأت براسي اي نعم. ثم مرقت من الباب بسرعة.. عدت الى مجلسي قرب جدتي…
..تتابع ايماءات والدتي .. نظراتها تتوعدني اكثر..
مائدة العشاء جاهزة الآن.. جدتي غارقة في شرودها.. تجمدت يداها على المغزل.. لمحت دمعتين تسيلان على خديها دون أن تفعل شيئا لإيقافهما..
أنافي المطبخ .أوصالي ترتجف .. أتحاشى الاقتراب من مكان أبي . أمي تضع الأطباق والملاعق بعنف على المائدة… سمعتها تمتم:
_تبا للحياة إن كانت بهذا الشكل..
يجلس أبي أولا . يأمرنا جميعل بالبسملة قبل الشروع في الأكل.
يتخذ الجميع مجلسه المعتاد.. الصمت يملأ المكان… يلح أبي على النطق بالبسملة . نشرع في الأكل… تقف اللقمة في حلقي…
"لا أحد يتذكرك يا جدتي."…
لا أستطيع أن أبتلع شيئا..
أقوم من مكاني..
أسمع أبي يناديني..
_الي اين انت ذاهبة.؟
لم أجبه..قصدت غرفة جدتي.. كانت غارقة في الظلام.. ناديتها:
_لماذا يا جدتي لم توقدي المصباح.؟. لقد جن الليل منذ حين..
دخلت الغرفةالمظلمة . تراءى لي المغزل في مكانه.. جدتي نائمة…اقترب منها.. أناديها… لا تجيب.. أهز كتفها برفق… تميل على الحائط… لا تجيب.. نائمة اكيد.. الظلام والدموع يحجبانها عني . أناديها … استغرب كيف يمكن لأحد أن ينام.. بأعين مفتوحة…