عبدالله قاسم دامي - عمامة الإمام.. قصة قصيرة

إنها السابعة صباحا، تواصل الشمس زحفها البطيء لكي تُضيء هذه المدينة السخيفة، المدمّرة. أصوات مزعجة وضوضاء بلا معنى، صيحات وشجارات وطلقات من الرصاص الحي، إنه حيّ سيغالي المكتظ بالنازحين. هُنا كل شيء يبدو غريبا يا سادة. الأطفال يلعبون فوق دبابة مهترئة وعلى بعد أمتار يتقاسم بضع رجال من قطاع الطرق ما سلبوه من المارّة. يُسرع الإمام خطواته خارجا من المسجد، يخاف من قُطاع الطرق، وبما أنهم كانوا يحترمون رجال الدّين جدا، إلا أن البارحة نهب أحدهم من الإمام عمامة بيضاء ثمنها عشرون ألف شلن. هنا الشلن الواحد لا يعادل شيئا، وكذالك مئات الشلن، تحتاج إلى ألفين شلن كي تشرب كوبا من شاي السادة. ولذالك يمكنني أن أؤكِّد لكم يا سادة بأن الذي نهب عمامة الإمام ذهب إلى مطعم صغير مجاور من مكان الحادثة فأكل طلبا من الأُرز الجافّ بثمانية عشر ألف شلن، اما الألفان الباقيان فقد اشتراهما بثلاثة سجائر من نوع متدني، إنها الفوضى يا سادتي وغياب النظام حيث ليس بمقدورك أن تضع اللوم على أحد هنا، حتى على الناهب نفسه.
في اليوم التالي، صادفت يوم الجمعة، صعد الإمام المنبر ليقرأ الخطبة، كان غاضبا جدا، كعب المزاج. كان المصلّون يتساءلون بأصوات منخفضة "إنه بلا عمامة، ماذا يجري، يبدو أنه فقد عقله". العمامة التي ورثها من جَدّه الشيخ نورين بن نورين كانت تتميز بالإحترام والتقدير والبركات وفي بعض الأحيان كانت تستخدم للرقية والعلاج بوضعها فوق أجساد المرضى، ولسوء الحظ فقد استبدلها الناهبُ بالُأرز الجاف وثلاثة سجائر، أه، يا لسوء حظ الإمام، بل يا لسوء حظ المرضى، لقد أصبحوا بلا مستشفى.
بدأ الإمام خطبته بنبرة قوية "أيها الناس، أيها الجبّانون الحاقدون، أيتها الحثالة، أه كم أنتم قذرون، كم أكره عقولكم المنتهية الصلاحية، لماذا لا تقومون بالثورة، الثورة ضد قطاع الطرق، ضد هؤلاء الشياطين" ثم صمت قليلا .... نظر إلى الصف الخلفي فرأى زعيم قطاع الطرق يجلس هناك وبجانبه حارسان، إحداهما نفس الرجل الذي نهب عمامته. كان الزعيم يلفُّ شواربه الكثيفة المتداخلة، كان يبتسم بطريقة سخرية، لم يأت إلى هنا للصلاة بل ليراقب أجواء المسجد، بعد حادثة العمامة. ارتجفت يدا الإمام وكاد أن يغرق من شدة العرق، بدأ يتمتم بصوت منخفض "أه، هؤلاء الملاعين، سوف يقتلونني غدا". وفجأة غيّر موضوع الخطبة ماسحا وجهه من العرق "أحبابي، أنا أسف جدا، يحدث في السنة مرّة واحدة أفقد فيها عقلي .... والأن، كانت خطبتنا في الأسبوع الفات عن الحيض، واليوم سنتحدث عن أحكام النفاس ...".
بعد أداء الصلاة مباشرة، كان الزعيم واقفا خارج المسجد، يستند على الحائط، ومعه الحارسان. وعندما خرج الأمام، الذي طال في أداء النافلة، توجه نحوه ضاحكا "يا إمامي الصغير، أه يا أيها الفأر المخيف، انظر إلى جضومك، كم هي ممتلئة بالشحوم ... بدأ يمسك رقبة الإمام ... أنا أتفهم بمكانة تلك العمامة المباركة وسنردُها إليك، لا تغضب يا صغيري، ولكن إياك أن تتفوّه بمثل هذه الحماقات مرّة أخرى". هَزّ الإمام رأسه كالقطّة المطيعة، خائفا على نفسه، ثم غادر فورا.
فارح، ذالك الصبي ذو الرابعة عشر من عمره، كان يتابع الحكاية بعناية، ركض نحو البيت كي يُخبر جدّه بما حدث. كان جدّه جامع، عجوزا ضريرا في العقد التاسع من عمره إلا أن ذاكرته كانت قوية. حكى له فارح بما حدث في المسجد قائلا "يا جدّي، لقد رجف الإمام رجفة شديدة، لقد قاموا بتهديده".
ردّ العجوز "إنها اللعنة يا حفيدي الصغير، تنزل فوق هذه الأرض، اذهب بعيدا يا ولدي، لودَدّتُ أن تبقى موجودا إلى جانبي، حتى أوضع قبري ولكن لا جدوى من ذالك، ياصغيري، اذهب وغادر، اهجر بعيدا عن هذه البلاد".


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى