محمد العرجوني -2- زيارة مدينة لييج البلجيكية

بدعوة من جمعية ببروكسيل لتوقيع إحدى رواياتي المكتوبة باللغة الفرنسية، قررت الذهاب إلى بلجيكا، وكانت بالنسبة إلي فرصة للهروب من الأجواء المكهربة بباريس جراء ذلك الحدث الإرهابي الذي ذهب ضحيته عدة أشخاص في يناير 2015.
حينما قرأ الإعلان أحد تلامذتي الساكن بمدينة لييج، على صفحة الفيس بوك، وجه إلي الدعوة لزيارته أياما قبل تاريخ حفل التوقيع، و وعدني بمرافقتي مع بعض الأصدقاء إلى بروكسيل يوم الحفل. لم أتردد، فقبلت الدعوة. سعدت بهذه الزيارة لانني التقيت بعدة أصدقاء وأغلبهم كانوا تلامذتي. والبعض منهم من عائلتي. الصديق الذي جعل شقة له رهن إشارتي، كان من بين تلامذتي النجباء في مادة الفرنسية. وأصبح مدرسا لهذه المادة بمدينة لييج. لم تمر سوى يومين أو ثلاثة أيام على تواجدي بلييج، حتى ذاع خبر عمل إرهابي آخر ليس بعيدا عن مدينة لييج. فأصبحت الأجواء مشحونة كما كانت بباريس. لم أكن محظوظا إذن. زيارتي لأروبا لم تكن فكرة جيدة في هذه الظروف. خاصة وأن الفصل أيضا فصل شتاء وثلوج. لكن رغم ذلك، كان تواجد الأصدقاء يخفف من هذا الإحساس الذي تبعني من باريس. وكنت أحس بدفء إنساني ينسيني تلك الأجواء المكهربة التي يخلقها سياسيو العالم الغربي بايعاز من اللوبي المالي العالمي. صديقي كان لاعبا ماهرا في الشطرنج. وقد بدأ هذه اللعبة بجمعية كنت ساهمت في تأسيسها وترأستها لمدة، بمسقط رأسي. وكنت أنا أيضا من هواة اللعبة. لهذا دعاني كي احضر رفقته لقاء في الشطرنج وتعرفت على بعض رجال التعليم البلجيكيين الذين يشتغلون معه. لم أجد صعوبة في الاندماج معهم والدردشة حول لعبة الشطرنج. فلم تفتني الفرصة كي اشرح لهم ما كنا نردده عن صواب أو عن خطأ بأن عبارة échec et mat هي ترجمة من العربية : "الشيخ مات". فضحكنا وتذكرنا المرحوم القذافي الذي كان يحلو له أن يعرب بعض الاسماء العالمية كالمسرحي الإنجليزي شكسبير الذي أصبح عنده "الشيخ الزبير". و تحدثنا عن مبتكر اللعبة الذي طلب منه الملك، حينما أهداه اياها، أن يطلب ما يشاء كاعتراف له بهذا الابتكار. فطلب منه المبتكر أن يعطيه حبات قمح تتضاعف من الخانة الأولى إلى آخر خانة في الرقعة. على أن يبدأ بحبة واحدة في الخانة الأولى ثم اثنان في الثانية الخ... وهكذا يكون عدد الحبات حسب المتتالية الهندسية. فضحك الملك من طلبه ولم يتردد في قبول تلبية رغبته، معتقدا أنه طلب بسيط. فطلب من المسؤول عن تخزين الحبوب أن يتكلف بذلك. لكن بعد أن حاول المكلف إرضاء مولاه، اتضح له أن الأمر مستحيل وكل الحبوب المخزونة لا تكفي. ضحكنا عن مكائد أصحاب العقول وبلادة أغلب الحاكمين. ومن غير قصد دخلنا في نقاش حول اللوبي المالي الذي يتحكم في العالم عبر تحكمه في الأبناك والشركات المتعددة التي تعبر العالم. فتحدثنا عن المؤسسة الفكرية العالمية المعروفة ب think tank، والتي تجمع أمثال مبتكر الشطرنج لينظروا ويخططوا لصالح أصحاب المال الذين لا يترددون في استغلال كل شيء لصالح أرباحهم والانتفاع المادي بغض النظر عن الأخلاق الإنسانية، وربما ما يحدث من مؤامرات تسخر فيها الدواعش تدخل في هذا الإطار، خاصة حينما يتعلق الأمر بما يحدث من زلزال كبير بالشرق الأوسط والأحداث الدامية التي يعرفها الجميع بتزامنه مع نهاية معاهدة سايكس/بيكو التي تم التوقيع عليها سنة 1916 بعد تفكيك "الرجل المريض" حينها وتوزيع المنطقة حسب المصالح الغربية. وبطبيعة الحال تطرقنا إلى الألاعيب الاستخباراتية التي تستغل "متأسلمين" أو "مسلمين" متطرفين من إنتاج الوهابية والمخابرات للقيام بهذه الأعمال الدنيئة. كانت الأجواء يغلب عليها طابع الصداقة والزمالة. وحضيت باهتمام خاص من قبل الجميع بفضل صديقي الذي لم يترك فرصة تمر إلا وكان يثني علي. في تلك الأيام سقطت الثلوج، فأصبحت الطريق الرابطة بين لييج و بروكسيل صعبة المسلك، لهذا اعتذرت لمنظمي حفل التوقيع. انتظرت يومين، تحسن الجو، فامتطيت، رفقة صديق آخر من تلامذتي القدماء الذي زارني آتيا من بروكسيل إلى لييج، القطار نحو بروكسيل. عند وصولي طلب مني أن نأخذ الغذاء سويا قبل أن أغادر بروكسيل وفي نفس الوقت قام بمرافقتي لزيارة بعض الأماكن المعروفة ببروكسيل.

(يتبع)

.../...

محمد العرجوني


L’image contient peut-être : ciel, nuage et plein air



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى