يبدو كائنا لزجا يضع أنفه في كل شيء، يتحاشاه كل من يتعامل معه؛ أطلقوا عليه الرجل الحرباء؛ تلك حقيقة حاول جاهدا ألا يعرفها أحد عنه؛ في الصباح يرتدي القناع المموه يقابل به زملاءه في العمل؛ يبتسم تلك الابتسامة اللزجة، بتبسط في الكلام ويتخفف من تلك الرتابة المنتشرة بين جدران العمل، يفتعل حوارا وراء آخر، يترقب ساعة الانتهاء، تل من الأوراق المكدسة أمامه؛ كثرتها على سطح مكتبه تشي بأنه جدير بالاحترام؛ في الدوائر الحكومية يقام تمثال للروتين، نعاني منه فثمة لوائح عفى عليها الزمن.
يخرج هاتفه المحمول ومن ثم يراسل كل القابعين وراء تلك اللوحات الذكية، يلوك الأخبار حول العلاوة السنوية، يتندر على تلك الزميلة التي تشاجرت مع زوجها، تضع غطاء قرمزيا على رأسها؛ تشي بها زميلتها؛ لم يمس جسدها ماء منذ ثلاثة أشهر؛ وهذا الآخر ممن يرتادون الصيدليات؛ يبتاعون الحبة الحمراء، يخادعنا بفحولته؛ تنظر إليه صاحبة الغطاء القرمزي بطرف عينيها، تسبح في عالم الأوهام؛ تند عنها آهة.
يغادر عمله الذي أرهقه، في الطريق صور وظلال، يخرج من جيبه المسبحة؛ يتمتم بأوراده اليومية، يبدو شيخا تسح التقوى من وجهه، ينعطف جهة مكان به أضواء زاعقة؛ هناك يحلو له أن يلقي بمسبحته، يدس أنفه مجددا في شأئعات مثيرة؛ مقاهي وسط البلد موطن الثرثرة اليومية؛ يزدرد كوب الشاي ويتسول الصحف اليومية؛ يرتدي في تلك الساعة نظارة اللوذعي الذي يعرف كل شيء.
يحين وقت عودته إلى حجرته المنزوية في قلعة الكبش؛ تحوطها الباعة من كل صنف؛ حين يمشي وسطهم ينتابه الزهو؛ يرتدي ثياب العمل الرسمية؛ يتأفف من أرتال الذباب التي تتبعه؛ يتهم خضرة بائعة" الكرشة" بأنها تنصب حوله شباك صيدها، تعترض طريقه؛ تتصابى وهل غيره يروي ذلك الجسد الذي يوشك أن يغادره الدلال، تغريه بتلك العين التي ترميه بها، يهفو إليها؛ لكنه يتذكر مكانته وتلال الأوراق المكدسة، جلسته في مقاهي وسط البلد؛ مثقف يخضع لبائعة كرشة!
يختلس نظرة إليها، تزدان رقبتها بسلسلة ذهبية.
في الليل يحتاج الدفء، لم يشبعه التسكع في ممرات ومقاهي المدينة
أما عني فهذه صورتي كما هي:
البرد يجمد أطرافي،الملابس التى لبستها لتساعد في بث الدفء في جسدي مهترئة،النافذة تصدر أنينا بفعل الريح العاصف كأنما هي تنعي موت نفسي،الجراء الصغيرة التى أدخلتها في كومة من قش تصيح في ذعر من ذلك المطر،الأشجار تتعارك غصونها مع جذوعها،ثمة ما يدل على أن القادم يحمل في طياته خطرا!
طرقات متتابعة على الباب ،أصابني الذعر ،هل جاءوا؟
الأقدام الغليظة والأصوات الزاعقة ما تزال أصداؤها تصك أذني،يا لقسوة الذكرى،حينما أخذوني فعلوا بي ما لا يمكن لكاتب بارع في السرد أن يصفه،لا أحب الحديث في هذا !
لقد أنفقت عمري أبكي، والآن أريد أن أسلو،اعتزلت ذلك العالم الموار بالحياة،حقا أنا مثل "تولستوي" أعيش على ما تقدمه قطعة الأرض التى كانت من نصيبي!
لكنني لست نبيلا مثله،ما أنا إلا رجل هدر ذات يوم عاصف، أخاف أن أسترجع تلك الأيام،بالفعل كانت ثمانية عشر يوما، هي كل ما أعيه من عمري الذي يقارب الخمسين،هناك ولدت من جديد ،كان الهواء حرا!
لقد نزعت ربقة الذل،استرجعت وجودي المستلب،كنت لا أكف عن الصياح،وهذا كان الخطأ الأكبر ،كان الجميع يظنون أنفسهم في " الهايد بارك"نعم هكذا قال الرجل الذي اعتمر!
كانت مثل فزعة الحرافيش ولا "عاشور الناجي" لنا
ومن يومها والدماء في شراينني تنزف كل يوم، حتى هي لم تتركني كانت معي !
لكنها الآن في العالم الآخر سبقتني إليه.
لشد ما يفزعني ألا ألقاها هناك !
حين كانت تمزح معي تقول لن أجتمع معك مرة ثانية ، تعلم أنني أحبها ولذلك تداعبني بهذا القرار الذي لا تملكه!
أشعلت التلفاز؛ فالأخبار من هولها توشك أن تقذف حمما فالريح والدمار الذي حل بعالمنا أهوال خطيرة، الفراغ الذي أمر هذه الأيام يدفعني لأن أمسك بالقلم، كانت تلك هوايتي في شرخ الصبا، والآن وجب علي أن أكتب، لكن الكلمات تتحجر بين أناملي، لقد أصابتها موجة الغلاء، الجميع يئن!
أوشك عداد الكهرباء أن ينفد رصيده، حتى قنينة الزيت صارت تصدر صوت الصدى، الآنية باردة ، هممت أن أتناول بعض لقيمات مغموسة في حساء العدس، أجلت ذلك التشهي ، ففي الغد قد لا أجده، دارت رأسي تطلب كوبا من الشاي، لا أثر للنمل في الشتاء ولن يأتي في الصيف ما عاد عندي سكر، حتى الملح صار متعذرا!
أحقا كان ذلك كابوسا مرعبا؟
يتساقط الآلاف في حلب، الدولار يواصل صعوده!
الأشياء تتقارب، الأمطار تتابع ،سقف الحجرة بدأ يصدر أنينا، النافذة هي الأخرى تعلن غضبها، أمي تنادي علي أسرعت إليها، ضمتني إلى صدرها، بكيت مثل طفل في المهد!
دثرتني بتلك البطانية التى صنعت من صوف أغنام جدي، نمت ولا أزال أغط في ذلك الخدر، لكن طيفها يداعبني، والشوق يأخذني إلى الليالي القمرية، ووعدها الذي أعلم أنها ستلقاني هناك، والثمانية عشر يوما وتلك الصيحات الهادرة، لكنه مثل غراب أسود يترقبني، وكلما رأيته أدس رأسي في الوسادة، يهزأ بي، يصدر ضحكاته الكريهة، يحرك سبابته متوعدا،يا لعطر ذلك اليوم ، ليتني كنت معها!
يخرج هاتفه المحمول ومن ثم يراسل كل القابعين وراء تلك اللوحات الذكية، يلوك الأخبار حول العلاوة السنوية، يتندر على تلك الزميلة التي تشاجرت مع زوجها، تضع غطاء قرمزيا على رأسها؛ تشي بها زميلتها؛ لم يمس جسدها ماء منذ ثلاثة أشهر؛ وهذا الآخر ممن يرتادون الصيدليات؛ يبتاعون الحبة الحمراء، يخادعنا بفحولته؛ تنظر إليه صاحبة الغطاء القرمزي بطرف عينيها، تسبح في عالم الأوهام؛ تند عنها آهة.
يغادر عمله الذي أرهقه، في الطريق صور وظلال، يخرج من جيبه المسبحة؛ يتمتم بأوراده اليومية، يبدو شيخا تسح التقوى من وجهه، ينعطف جهة مكان به أضواء زاعقة؛ هناك يحلو له أن يلقي بمسبحته، يدس أنفه مجددا في شأئعات مثيرة؛ مقاهي وسط البلد موطن الثرثرة اليومية؛ يزدرد كوب الشاي ويتسول الصحف اليومية؛ يرتدي في تلك الساعة نظارة اللوذعي الذي يعرف كل شيء.
يحين وقت عودته إلى حجرته المنزوية في قلعة الكبش؛ تحوطها الباعة من كل صنف؛ حين يمشي وسطهم ينتابه الزهو؛ يرتدي ثياب العمل الرسمية؛ يتأفف من أرتال الذباب التي تتبعه؛ يتهم خضرة بائعة" الكرشة" بأنها تنصب حوله شباك صيدها، تعترض طريقه؛ تتصابى وهل غيره يروي ذلك الجسد الذي يوشك أن يغادره الدلال، تغريه بتلك العين التي ترميه بها، يهفو إليها؛ لكنه يتذكر مكانته وتلال الأوراق المكدسة، جلسته في مقاهي وسط البلد؛ مثقف يخضع لبائعة كرشة!
يختلس نظرة إليها، تزدان رقبتها بسلسلة ذهبية.
في الليل يحتاج الدفء، لم يشبعه التسكع في ممرات ومقاهي المدينة
أما عني فهذه صورتي كما هي:
البرد يجمد أطرافي،الملابس التى لبستها لتساعد في بث الدفء في جسدي مهترئة،النافذة تصدر أنينا بفعل الريح العاصف كأنما هي تنعي موت نفسي،الجراء الصغيرة التى أدخلتها في كومة من قش تصيح في ذعر من ذلك المطر،الأشجار تتعارك غصونها مع جذوعها،ثمة ما يدل على أن القادم يحمل في طياته خطرا!
طرقات متتابعة على الباب ،أصابني الذعر ،هل جاءوا؟
الأقدام الغليظة والأصوات الزاعقة ما تزال أصداؤها تصك أذني،يا لقسوة الذكرى،حينما أخذوني فعلوا بي ما لا يمكن لكاتب بارع في السرد أن يصفه،لا أحب الحديث في هذا !
لقد أنفقت عمري أبكي، والآن أريد أن أسلو،اعتزلت ذلك العالم الموار بالحياة،حقا أنا مثل "تولستوي" أعيش على ما تقدمه قطعة الأرض التى كانت من نصيبي!
لكنني لست نبيلا مثله،ما أنا إلا رجل هدر ذات يوم عاصف، أخاف أن أسترجع تلك الأيام،بالفعل كانت ثمانية عشر يوما، هي كل ما أعيه من عمري الذي يقارب الخمسين،هناك ولدت من جديد ،كان الهواء حرا!
لقد نزعت ربقة الذل،استرجعت وجودي المستلب،كنت لا أكف عن الصياح،وهذا كان الخطأ الأكبر ،كان الجميع يظنون أنفسهم في " الهايد بارك"نعم هكذا قال الرجل الذي اعتمر!
كانت مثل فزعة الحرافيش ولا "عاشور الناجي" لنا
ومن يومها والدماء في شراينني تنزف كل يوم، حتى هي لم تتركني كانت معي !
لكنها الآن في العالم الآخر سبقتني إليه.
لشد ما يفزعني ألا ألقاها هناك !
حين كانت تمزح معي تقول لن أجتمع معك مرة ثانية ، تعلم أنني أحبها ولذلك تداعبني بهذا القرار الذي لا تملكه!
أشعلت التلفاز؛ فالأخبار من هولها توشك أن تقذف حمما فالريح والدمار الذي حل بعالمنا أهوال خطيرة، الفراغ الذي أمر هذه الأيام يدفعني لأن أمسك بالقلم، كانت تلك هوايتي في شرخ الصبا، والآن وجب علي أن أكتب، لكن الكلمات تتحجر بين أناملي، لقد أصابتها موجة الغلاء، الجميع يئن!
أوشك عداد الكهرباء أن ينفد رصيده، حتى قنينة الزيت صارت تصدر صوت الصدى، الآنية باردة ، هممت أن أتناول بعض لقيمات مغموسة في حساء العدس، أجلت ذلك التشهي ، ففي الغد قد لا أجده، دارت رأسي تطلب كوبا من الشاي، لا أثر للنمل في الشتاء ولن يأتي في الصيف ما عاد عندي سكر، حتى الملح صار متعذرا!
أحقا كان ذلك كابوسا مرعبا؟
يتساقط الآلاف في حلب، الدولار يواصل صعوده!
الأشياء تتقارب، الأمطار تتابع ،سقف الحجرة بدأ يصدر أنينا، النافذة هي الأخرى تعلن غضبها، أمي تنادي علي أسرعت إليها، ضمتني إلى صدرها، بكيت مثل طفل في المهد!
دثرتني بتلك البطانية التى صنعت من صوف أغنام جدي، نمت ولا أزال أغط في ذلك الخدر، لكن طيفها يداعبني، والشوق يأخذني إلى الليالي القمرية، ووعدها الذي أعلم أنها ستلقاني هناك، والثمانية عشر يوما وتلك الصيحات الهادرة، لكنه مثل غراب أسود يترقبني، وكلما رأيته أدس رأسي في الوسادة، يهزأ بي، يصدر ضحكاته الكريهة، يحرك سبابته متوعدا،يا لعطر ذلك اليوم ، ليتني كنت معها!
